شرح الحديث الحادي والثلاثين من كتاب بهجة قلوب الأبرار
الحديث الحادي والثلاثون: الحثّ على
الإسراع بِالْجِنَازَةِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه
وسلم_: "أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ.
فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تقدمونها إليه. وإن تك غير ذَلِكَ فَشَرٌّ
تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ |
[أخرجه:
البخاري في "صحيحه" رقم: 1315, ومسلم في "صحيحه" رقم: 944 بعد
50]
صحيح
البخاري (2/ 85) (رقم: 1314):
عن
أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_:
أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"إِذَا
وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قَالَتْ: (قَدِّمُونِي). وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ: (يَا
وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ، إِلَّا
الإِنْسَانَ. وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ."
شرح المؤلف :
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار
ط الوزارة (ص: 74_76) هذا الحديث محتو على مسائل أصولية
وفروعية. فقوله صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا
بالجنازة» ، يشمل الإسراع بتغسيلها وتكفينها___وحملِها ودفنها، وجميعِ متعلقات
التجهيز، ولهذا كانت هذه الأمور من فروض
الكفاية، ويستثنى من هذا الإسراع إذا كان التأخير فيه مصلحة راجحة : * كأن يموت بغتة، فيتعين تأخيره حتى
يتحقق موته ; لئلا يكون قد أصابته سكتة، * وينبغي أيضا تأخيره لكثرة الجمع، أو
لحضور من له حق عليه من قريب ونحوه، وقد علل ذلك بمنفعة الميت لتقديمه لما هو
خير له من النعيم، أو لمصلحة الحي بالسرعة في الإبعاد عن الشر. وإذا كان هذا مأمورا به في أمور
تجهيزه، فمن باب أولى الإسراع في إبراء ذمته من ديون وحقوق عليه، فإنه إلى ذلك
أحوج. وفيه: الحث على الاهتمام بشأن أخيك المسلم حيا وميتا،
وبالإسراع إلى ما فيه خير له في دينه ودنياه، كما أن
فيه: الحث على البعد عن أسباب الشر، ومباعدة المجرمين، حتى في الحالة
التي يبتلى الإنسان فيها بمباشرتهم. وفي هذا الحديث: إثبات نعيم
البرزخ وعذابه، وقد
تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مبتدأ ذلك وضعه في قبره
إذا تم دفنه، ولهذا يشرع في هذه الحال الوقوف على قبره والدعاء له، والاستغفار،
وسؤال الله له الثبات. وفي هذا أيضا: التنبيه على أسباب
نعيم البرزخ وعذابه،
وأن أسباب النعيم الصلاح، لقوله: «فإن كانت صالحة» والصلاح كلمة جامعة تحتوي على
تصديق الله ورسوله، وطاعة الله ورسوله، فهو تصديق الخبر، وامتثال الأمر، واجتناب
النهي، وأن العذاب سببه الإخلال بالصلاح: إما_____لشك
في الدين، أو اجتراء على المحارم، أو لترك شيء من الواجبات والفرائض، وجميع الأسباب المفصلة في الأحاديث
والآثار ترجع إلى ذلك، ولذلك قال تعالى : {لَا يَصْلَاهَا
إِلَّا الْأَشْقَى - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 15 - 16] كذَّب الخبر،
وتولى عن الأمر." اهـ |
من فوائد الحديث :
الأوسط
في السنن والإجماع والاختلاف (5/ 377_378)
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ: وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَقُولُ، وَخَبَرُ أَبِي بَكْرَةَ
مِثْلُهُ
وَقَدْ
رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ حِينَ
حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: «إِذَا خَرَجْتُمْ بِي فَأَسْرِعُوا بِي الْمَشْيَ»،
وَأَوْصَى
عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ " قَالَ: «إِذَا أَنَا مُتُّ فَخَرَجْتُمْ بِي
فَأَسْرِعُوا» ،
وَقَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ» ،
وَقَالَ
عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي جَنَازَةٍ___طَلَعَتْ عَلَيْهِ فَأَقْبَلَ
عَلَيْنَا يَتَعَجَّبُ مِنْ إِبْطَاءِ مَشْيِهِمْ فَقَالَ: " عَجَبًا لِمَا
تَغَيَّرَ مِنْ حَالِ النَّاسِ، وَاللهِ إِنْ كَانَ إِلَّا الْجَمَزُ، وَإِنْ
كَانَ الرَّجُلُ لَيْلًا حَيَّ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ اللهِ، اتَّقِ
اللهَ، فَوَاللهِ لَكَأَنَّهُ لَقَدْ جُمِزَ بِكَ "،
وَقَالَ
أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: " مَا مِنْ جَنَازَةٍ إِلَّا وَهِيَ تُنَاشِدُ
حَمَلَتَهَا إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا، اللهُ عَنْهُ رَاضٍ، يَقُولُ: أُنْشِدُكُمْ
بِاللهِ لِمَا أَسْرَعْتُمْ بِي وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، اللهُ عَلَيْهِ سَاخِطٌ
يَقُولُ: أُنْشِدُكُمْ بِاللهِ لِمَا رَجَعْتُمْ."
عمدة
القاري شرح صحيح البخاري (8/ 113)
ذكر
مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْأَمر بالإسراع وَنقل ابْن قدامَة أَن الْأَمر
فِيهِ للاستحباب بِلَا خلاف بَين الْعلمَاء. وَقَالَ ابْن حزم: وُجُوبه،
وَفِي
(شرح الْمُهَذّب) : جَاءَ عَن بعض السّلف كَرَاهَة الْإِسْرَاع بالجنازة،
وَلَعَلَّه يكون مَحْمُولا على الْإِسْرَاع المفرط الَّذِي يخَاف مِنْهُ انفجار
الْمَيِّت، وَخُرُوج شَيْء مِنْهُ.
وَقَالَ
بَعضهم: وَالْمرَاد بالإسراع شدَّة الْمَشْي، وعَلى ذَلِك حمله بعض السّلف،
شرح
النووي على مسلم (7/ 12)
فِيهِ
الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِالْمَشْيِ
بِهَا مَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى حَدٍّ يَخَافُ انْفِجَارَهَا وَنَحْوَهُ وَإِنَّمَا
يُسْتَحَبُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخَافَ مِنْ شِدَّتِهِ انْفِجَارَهَا أَوْ نَحْوَهُ
وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ
الإفصاح
عن معاني الصحاح (6/ 110)
*
في هذا الحديث من الفقه استحباب الإسراع بالجنازة؛ لأنها إن كانت من أهل الخير،
فإنه تعجل بها إليه، كما جاء في الحديث، وإن كانت من أهل الشر استريح من حملها،
إلا أن هذا أمر من علم الله، فلا ينبغي لحامل الجنازة أن يكون إلا على الرجاء
للجنازة بالخير.
العدة
في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (2/ 778)
ثم
الخطاب بالإسراع للرجال دون النساء؛ لأنهم أقوى للحمل، والنساء ضعيفات، وربما
انكشف من الحامل بعض بدنه.
العدة
في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (2/ 778)
وفي
هذا الحديث فوائد:
منها:
الأمر بالإسراع على ما ذكرنا، وقد كره بعض السلف الإسراع، وهو محمول على الإسراع
المحذور.___
العدة
في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (2/ 779)
ومنها:
إكرام أهل الخير والصلاح إذا ماتوا بالمبادرة إلى الوصول إلى جزاء ما قدموه من
الأعمال الصالحة، وجزاؤها من فضل الله تعالى ورحمته.
ومنها:
تقليل مصاحبة أهل الشر، إلا فيما وجب بسببهم من بعد موتهم؛ لبعدهم عن رحمة الله
تعالى، فلا مصلحة في مصاحبتهم، وكذا ينبغي اجتناب مصاحبة أهل البطالة وغير الصالحين،[1]
ومما
ابتلي به الناس في هذه الأزمان في جنائزهم :
* المشي
معها متماوتين زائدًا على السكينة والوقار بهما في غيرها من الحالات،
* وتأخير
الإسراع بها بحضور بعض الظلمة،
* أو
صلاته عليها، أو تكرير الصلاة عليها مرةً بعد أخرى لغير مقصود أو عذر شرعي،
وكل
هذا مخالف للسنة، بعيد من حالة الموت والاعتبار بها، والله يعلم المفسد من المصلح،
والمنتفع من المتضرر، وجالب الخير من مانعه، وهو سبحانه أعلم بكل شيء، سبحانه لا
يُحصى ثناءٌ عليه كما أثنى على نفسه."
رياض
الأفهام في شرح عمدة الأحكام (3/ 236)
الثاني:
فيه: الأمرُ بالإسراع بالجنازة، وهو السنَّة المعمول بها، والحكمةُ في ذلك: ما
ذُكر (3) في الحديث، لكن للإسراع شرطان:
أحدهما:
القطعُ بموته، على ما تقدم.
والثاني:
أن لا يُخاف من شدة (4) الإسراع حدوثُ مفسدة بالميت؛ من انفجار، ونحوه، وقد جعل
اللَّه لكل شيء قَدْرًا، وهذا كلُّه إذا قلنا: إن الإسراع راجعٌ إلى المشي
بالجنازة، وهو الذي عليه الجمهور، وإلا، فقد نقل ع عن بعضهم: أن المراد: الإسراع
بتجهيزها إذا تحقق موتُها (5).
ح:
وهذا قول باطل مردود؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فشرٌّ تضعونَه عن
رقابكم"
طرح
التثريب في شرح التقريب (3/ 289)
فِيهِ
الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ سُرْعَةُ الْمَشْيِ بِهَا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي
آخِرِ حَدِيثِ «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ
وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْإِسْرَاعُ
بِتَجْهِيزِهَا إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا قَوْلٌ
بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَشَرٌّ
تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ
جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ؛ انْتَهَى.
طرح
التثريب في شرح التقريب (3/ 289)
هَذَا
الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي:
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي اسْتِحْبَابِهِ انْتَهَى.
وَذَهَبَ
ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى وُجُوبِهِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَهُوَ
شَاذٌّ.
طرح
التثريب في شرح التقريب (3/ 292)
يُسْتَثْنَى
مِنْ الْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ مَا إذَا خِيفَ أَنْ يَحْدُثَ مِنْ الْإِسْرَاعِ
لَهُ تَغَيُّرٌ أَوْ انْفِجَارٌ فَلَا يُسْرَعُ بِهِ، صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا
وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ كَانَ بِالْمَيِّتِ
عِلَّةٌ يُخَافُ أَنْ يَتَنَجَّسَ مِنْهُ شَيْءٌ أَحْبَبْت أَنْ يُرْفَقَ
بِالْمَشْيِ انْتَهَى.
وَعَلَى
هَذَا حَمْلُ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ الْإِسْرَاعَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
طرح
التثريب في شرح التقريب (3/ 293)
قَدْ
يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ عَنْ رِقَابِكُمْ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ
يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ لِكَوْنِهِ أَتَى فِيهِ بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ، وَقَدْ
اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِخُرُوجِ
ذَلِكَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَكِنَّ الْحُكْمَ مُوَافَقٌ عَلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحَ
الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ فَرْضُ
كِفَايَةٍ وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ
امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى لِذَلِكَ وَالنِّسَاءُ ضَعِيفَاتٌ وَرُبَّمَا
انْكَشَفَ مِنْ الْحَامِلِ بَعْضُ بَدَنِهِ.
طرح
التثريب في شرح التقريب (3/ 293)
قَالَ
ابْنُ بَطَّالٍ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ: «إنَّ
الصَّالِحَ يَقُولُ قَدِّمُونِي وَغَيْرُهُ يَقُولُ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي» إنَّمَا
يَتَكَلَّمُ رُوحُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ لَا تَتَكَلَّمُ بَعْدَ
خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَرُدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا قَالَ،
وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الرُّوحُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَيُجَانِسُهُ وَهُمْ
الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَقَوْلُهُ يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا
الْإِنْسَانَ لَفْظَةُ الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، وَإِنَّمَا
مَعْنَاهُ يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ مُمَيِّزٍ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ
دُونَ الْحَيَوَانِ الصَّامِتِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ
توضيح
الأحكام من بلوغ المرام (3/ 214)
*
ما يؤخذ من الحديث:
1
- الأمر بالإسراع بالجنازة من مكان الصلاة إلى القبر، وصفة الإسراع: مشي سريع
الخطا دون الخَبَب.
2
- قال الموفق: هذا الأمر للاستحباب، بلا خلاف بين العلماء، وشذَّ ابن حزم فأوجبه.
3
- ذكر غير واحد من العلماء؛ أنَّ الإسراع لا يصل إلى الإفراط، الذي يمخض مخضًا،
فيرجّ الجنازة ويؤذي تابعيها، وإنما تراعى السنة بالإسراع، ويراعى الرفق بالميت
والمشيِّعين.___
4 -
قال ابن القيم: أما دبيب الناس اليوم خطوة، فبدعة مكروهة، مخالفة للسنة للتشبه
بأهل الكتاب.
5
- قال شيخ الإسلام: كان الميت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج به الرجال
يحملونه إلى المقبرة، لا يسرعون، ولا يبطئون، بل عليهم السكينة، ولا يرفعون
أصواتهم، لا بقراءة ولا بغيرها، وهذه هي السنة باتفاق المسلمين.
6
- الإسراع بالجنازة هنا يشمل الإسراع في تجهيزها ودفنها، فهو أعم من أن يكون
الإسراع في حملها إلى القبر؛ لما روى أبو داود (3159)، أنَّ النَّبيَّ -صلى الله
عليه وسلم- قال:"لا ينبغي لجيفة مسلم تبقى بين ظهراني أهله" هذا ما لم
يكن في تأخيرها مصلحة من حضور الأقارب ونحوهم، أو يكون مات في حادث جنائي، يتطلب
بقاء جثة الميت للتحقيق في أمرها، فإن حقَّق التأخير مصلحة ظاهرة، فلا بأس
ببقائها، لاسيَّما مع وجود الأماكن المبردة التي تحفظ الجسد من الفساد.
7
- في الحديث إثبات الجزاء الأخروي من خير أو شر، وهي قضيَّة معروفة من الدين
بالضرورة، فهي من العقائد الثابتة، ولله الحمد.
8
- فيه طلب مصاحبة الأخيار، والابتعاد عن الأشرار.
9
- قال شيخ الإسلام: من كان مظهرًا للإسلام، فإنَّها تجري عليه أحكام الإسلام
الظاهرة، من: المناكحة، والتوارث، والتغسيل، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر
المسلمين، ونحو ذلك.
10
- الإنسان مكوَّن من روح وجسد، والروح هي الأصل في الإنسان، فهي مناط التكليف،
ومدار الأمر والنهي، فهي المخاطبة للمطالبة، وما الجسد إلاَّ لباس لها، وشكل ظاهر،
وإلاَّ فهي اللب، فإذا فارقت روحه جسده، بقي بلا نفع، ولا فائدة في بقائه بين
ظهراني أهله جيفةً، فكلما مكثت، تشوهت وتعفنت؛ لذا أمر الشرع بالإسراع بمواراتها.___
11
- في الحديث التعبير العالي عن الشر، والألفاظ المستكرهة، بقوله -صلى الله عليه
وسلم-: "ولتكن سوى ذلك"؛ فينبغي للمتكلم أن يختار من اللفظ أحسنه
وأبلغه.
12
- معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فخيرٌ تقدمونه إليه" أي: ما أعده
الله لها من النعيم المقيم.
وقوله:
"فشرٌّ تضعونه عن رقابكم" معناه: أنَّها تبعدهم من الرحمة، فلا مصلحة
لهم في مصاحبتها، قاله ابن الملقن. اهـ.
***
تيسير
العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 285)
ما
يؤخذ من الحديث:
1-
استحباب الإسراع بتجهيز الميت وفي حمله، لكن بغير سرعة يحصل معها ضرر على الجنازة،
أو على المشيعين.
2-
يقيد الإسراع بما إذا لم يكن الموت فجأة يخشى أن يكون إغماء.
فينبغي
أن لا يدفن حتى يتحقق موته، أو يكون في تأخيره مصلحة، من كثرة المصلين، أو حضور
أقاربه. ولم يُخش عليه الفساد.
3-
فيه طلب مصاحبة الأخيار، والابتعاد عن الأشرار.
4-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من كان مظهراً للإسلام فإنه تجري عليه أحكام الإسلام
الظاهرة من المناكحة والموارثة وتغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو
ذلك.
ذخيرة
العقبى في شرح المجتبى (19/ 79)
في
فوائده:
منها:
ما بوّب له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو الإسراع بالجنازة، والمراد به الإسراع
المتوسط الذي لا يُخشى معه سقوط الميت، ونحوه، لكن إن خُشي على الميت من التأخير
تغيّر، أو انفجار، أو انتفاخ زيد في الإسراع، وعكسه، إن خشي من الإسراع أن يحدث
انفجار مثلاً فلا يُسرع، قال الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فإن كان بالميت
علّة، يُخاف أن يتنجّس منه شيء، أحببت أن يُرفق بالمشي انتهى (4).
قال
ابن الملقّن -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وكره بعضهم الإسراع، وهو محمول على الإسراع
المحذور. قال: ولا تُؤخّر لزيادة مصلّين، ولا لانتظار أحد غير الوليّ، فيُنتظر
لأجله، إن لم يُخَف تغيّرها انتهى.
ومنها:
أنه يستدلّ به على أن حمل الجنازة يختصّ بالرجال، للإتيان فيه بضمير المذكر، ولا
يخفى ما فيه. قاله في "الفتح" (5). وقال ابن الملقّن -رَحِمَهُ
اللَّهُ-: الخطاب
ذخيرة
العقبى في شرح المجتبى (19/ 80)
بالإسراع
للرجال، فإن النساء يضعفن عن الحمل، وربّما انكشف بعض أبدانهنّ انتهى. (1)
ومنها:
استحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد أن يُتَحَقّق أنه مات، أما مثل المطعون،
والمفلوج، والمسبوت (2)، فينبغي أن لا يُسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة، ليُتَحقّق
موتهم، نبّه على ذلك ابن بزيزة. (3) ومنها: أن فيه إكرام أهل الخير والصلاح، إذا
ماتوا بالمبادرة إلى الوصول إلى جزاء ما قدّموه، من الأعمال الصالحة، وجزؤها من
فضل اللَّه تعالى ورحمته. ومنها: أن فيه تقليل مصاحبة أهل الشرّ، إلا فيما شُرع
عند موتهم، كتجهيزهم، ودفنهم، وذلك لبعدهم عن رحمة اللَّه تعالى، فلا مصلحة في مصاحبتهم،
وكذا ينبغي اجتناب مصاحبة أهل البَطَالة، وغير الصالحين. واللَّه تعالى أعلم
بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
فتح
ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (2/ 579)
ويستفاد
من الحديث: مشروعية الإسراع بالجنازة لقوله: "أسرعوا بالجنازة".
ويستفاد
منه: حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم بقرن الأحكام بعللها لقوله: "فإن
تك"، "وإن تك"، كل هذا لنعرف العلة في الأمر بالإسراع.
ويستفاد
منه: إثبات عذاب القبر ونعيم القبر يؤخذ من قوله: "تقدمونها إليه"،
و"شر تضعونه".
ويستفاد
من الحديث: أن من المسلمين من هو صالح، ومنهم من سوى ذلك، وجهه: انه قسّم من يصلى
عليه، وغير المسلم لا يصلى عليه، وهذا كقوله تعالى عن الجن: {وأنَّا منَّا
الصَّالحون ومنَّا دون ذلك} [الجن: 11]. وهؤلاء الذين دون ذلك مسلمون لما أرادوا
أن يقسموا أنفسهم إلى مسلمين وغير مسلمين قالوا: {وأنَّا منَّا المسلمون ومنَّا
القسطون فمن أسلم .... } [الجن: 14] الآية. فالجن قسموا إلى مسلم وكافر، وقسموا
المسلم إلى صالح ودون ذلك، وهذا نظير هذا التقسيم في كلام الرسول صلى الله عليه
وسلم.
[1]وفي
رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (3/ 238) للفاكهاني :
"ويؤخذ
منه: تجنبُ أهل البطالة، ومصاحبةُ من لا خير فيه، نسأل اللَّه العظيم أن يجعلنا من
أهل الخير، ولا يجعلَنا من أهل الشر، بمنِّه وكرمه، آمين، بمحمد وآله
أجمعين." اهـ
Komentar
Posting Komentar