شرح الحديث 90 من رياض الصالحين
10- باب المبادرة إلى الخيرات [90] الرابع : عن أبي هريرة _رضي الله عنه_
قَالَ: جاءَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ فَقَالَ : يَا رسولَ الله، أيُّ
الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْرَاً؟ قَالَ: «أنْ
تَصَدَّقَ وَأنتَ صَحيحٌ شَحيحٌ، تَخشَى الفَقرَ وتَأمُلُ الغِنَى، وَلا تُمهِلْ
حَتَّى إِذَا بَلَغتِ الحُلقُومَ، قُلْتَ لِفُلان كذا ولِفُلانٍ كَذا، وقَدْ
كَانَ لِفُلانٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. «الحُلقُومُ»
: مَجرَى النَّفَسِ. وَ «المَرِيءُ» : مجرى الطعامِ والشرابِ. |
ترجمة
أبي هريرة الدوسي _رضي الله عنه_:
واختلف فِي
اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن
صخر بن ذي الشري بْن طريف بْن عيان
بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن
عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن
مالك ابن نصر بْن الأزد.
وفي تهذيب
الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي:
"ويُقال:
كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو
الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية
فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة."
وذكر أَبُو
القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح."
اهـ
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (34/ 377):
"وَقَال
عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم
سنة سبع."اهـ
وفي "تهذيب
الكمال في أسماء الرجال" (34/ 378):
"قال
سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو
هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال أَبُو
الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن
علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين." اهـ
وفي "تاريخ
الإسلام" – ت. بشار (2/ 561) للذهبي:
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ: ثمانُ مائة رَجُلٌ أَوْ
أكثر.
قلت: روي لَهُ
نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370).
في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ
أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ
نص
الحديث وشرحه:
عن أبي هريرة _رضي
الله عنه_ قَالَ:
جاءَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ فَقَالَ: "يَا رسولَ الله، أيُّ
الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْرَاً؟"
قَالَ :
«أنْ
تَصَدَّقَ وَأنتَ صَحيحٌ شَحيحٌ، تَخشَى الفَقرَ
وتَأمُلُ الغِنَى،
وفي
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 279) للعيني :
"وَفِي
(المغيث): "الشُّح: أبلغ فِي الْمَنْع من الْبُخْل، وَالْبُخْلُ فِي أَفْرَاد
الْأُمُور وخواص الْأَشْيَاء. وَالشح بِالْمَاءِ وَالْمَعْرُوف، وَقيل: الشحيح
الْبَخِيل مَعَ التحرص." وَفِي (مجمع الغرائب)[1]: "الشُّح
المطاع: هُوَ الْبُخْل الشَّديد الَّذِي يملك صَاحبه بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ أَن
يُخَالف نَفسه فِيهِ." اهـ
وفي
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2 / 245) للقاضي عياض:
"(وأنت
صحيح شحيح)، وهو البخل وكثرة الحرص على إمساك ما في اليد وغيره." اهـ
وفي المفهم
لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4 / 98) لأبي العباس القرطبي:
"والشح:
المنع مطلقًا، يعم منع المال وغيره، وهو من أوصاف النفس المذمومة؛ ولذلك قال الله:
{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]،
والبخل :
بالمال ، فكأنه نوع من الشحّ." اهـ
وَلا تُمهِلْ
حَتَّى إِذَا بَلَغتِ الحُلقُومَ، قُلْتَ لِفُلان
كذا ولِفُلانٍ كَذا، وقَدْ كَانَ لِفُلانٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«الحُلقُومُ»
: مَجرَى النَّفَسِ. وَ «المَرِيءُ» : مجرى الطعامِ والشرابِ.
وفي
"فتح الباري" لابن حجر (3/ 285):
"قَوْلُهُ
(إِذَا بَلَغَتْ) أَيِ الرُّوحُ. وَالْمُرَادُ :
قَارَبَتْ بُلُوغَهُ، إِذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً، لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ
تَصَرُّفَاتِهِ، وَلَمْ يَجْرِ لِلرُّوحِ ذِكْرٌ اغْتِنَاءً بِدَلَالَةِ
السِّيَاقِ، وَ(الْحُلْقُومُ): مَجْرَى النَّفَسِ
قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ." اهـ
وفي "عمدة
القاري شرح صحيح البخاري" (14/ 39) لبدر الدين العيني الحنفي: "وَقَالَ
الْكرْمَانِي: (قد كَانَ لفُلَان) أَي: للْوَارِث،
وَالثَّانِي للمورث، وَالثَّالِث للْمُوصى لَهُ." اهـ
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري
في "صحيحه" (2/ 110 و 4/ 4) (رقم : 1419 و 2748)، ومسلم في "صحيحه"
(2/ 716) (رقم : 1032)، وأبو داود في "سننه" (3/ 113) (رقم: 2865)، والنسائي
في "سننه" (5/ 68 و 6/ 237) (رقم: 2542 و 3611)، وابن ماجه في "سننه"
(2/ 903) (رقم : 2706).
والحديث
صحيح: صححه
الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 363) (رقم: 3483)،
و"تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 584) (رقم: 1867)، و"صحيح الأدب
المفرد" (ص: 291) (رقم: 602)، و"إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار
السبيل" (6/ 47) (رقم: 1602)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 249) (رقم: 1111)،
التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5/ 221 و 5/ 236) (رقم: 3301 و 3324)،
من
فوائد الحديث :
وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز
رياض الصالحين" (ص: 84):
"في هذا
الحديث: فضل الصدقة في حال الصحة.
وروى أبو داود
وغيره عن أبي سعيد الخدري _رضي الله عنه_، قال :
قال رسول الله
_صلى الله عليه وسلم_: «لأن يتصدَّق المرءُ في حياته بدرهم خير له من أنْ يتصدق
بمئة عند موته»[2] [د
- ضعيف]." اهـ
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري"
(11/ 271):
"وَفِيهِ:
الْحَضُّ عَلَى إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْحَيَاةِ وَفِي الصِّحَّةِ وَتَرْجِيحُهُ
عَلَى إِنْفَاقِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ مَضَى فِيهِ حَدِيثُ: (أَنْ تَصَدَّقَ
وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ)،
وَذَلِكَ
أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَغْنِيَاءِ يَشِحُّ بِإِخْرَاجِ مَا عِنْدَهُ مَا دَامَ
فِي عَافِيَةٍ، فَيَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَيَخْشَى الْفَقْرَ. فَمَنْ خَالَفَ
شَيْطَانَهُ، وَقَهَرَ نَفْسَهُ إِيثَارًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ، فَازَ.
وَمَنْ بَخِلَ
بِذَلِكَ، لَمْ يَأْمَنِ الْجَوْرَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ سَلِمَ، لَمْ
يَأْمَنْ تَأْخِيرَ تَنْجِيزِ مَا أَوْصَى بِهِ أَوْ تَرْكَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ
مِنَ الْآفَاتِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ خَلَّفَ وَارِثًا غَيْرَ مُوَفَّقٍ،
فَيُبَذِّرُهُ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ، وَيَبْقَى وبالُه على الَّذِي جمعه وَالله
الْمُسْتَعَان." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (8/ 280):
"أفضل
الصَّدَقَة أَن تَتَصَدَّق حَال حياتك وصحتك مَعَ احتياجك إِلَيْهِ واختصاصك بِهِ،
لَا فِي حَال سقمك وَسِيَاق موتك، لِأَن المَال حِينَئِذٍ خرج عَنْك وَتعلق بغيرك."
اهـ
وقال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البُسْتِيُّ،
المعروف بـ"الخَطَّابِيِّ" (المتوفى:
388 هـ) _رحمه الله_ في "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (1/ 757):
"فيه:
دليل على أن بعض المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه، وأن سخاوته بالمال لا تمحو عنه
سمة البخل إذا كانت في حال مرضه، ولا تحوز له فضيلة الأجر،
ولذلك شرط أن
يكون المتصدق صحيح البدن، شحيحا بالمال، يجد له وقعا في قلبه وحزازة في نفسه، لما
يأمله من طول العمر، ومخافة من حدوث الفقر." اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (7/ 123):
"الشُّحّ
غَالِبٌ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، فَإِذَا شَحَّ فِيهَا وَتَصَدَّقَ كَانَ أَصْدَقَ
فِي نِيَّتِهِ وَأَعْظَمَ لِأَجْرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ،
وَآيَسَ مِنَ الْحَيَاةِ وَرَأَى مَصِيرَ الْمَالِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ صَدَقَتَهُ
حِينَئِذٍ نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالشُّحُّ رَجَاءُ
الْبَقَاءِ وَخَوْفُ الْفَقْرِ." اهـ
وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى:
676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"
(7 / 123):
"لَوْ بَلَغَتْهُ
حَقِيْقَةً، لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلاَ صَدَقَتُهُ وَلاَ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ
بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ." اهـ
وقال أبو عمر
يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ
القرطبيُّ، المعروف بـ"ابن عبد البر الأَنْدَلُسِيُّ"
(المتوفى: 463هـ) _رحمه الله_ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني
والأسانيد" (14/ 307):
"جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ عَلَى حَالٍ مِنَ
الْأَحْوَالِ، إِلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي،
فَإِنْ
أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِهَا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ
وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وأبو
ثور." اهـ
وقال يحيى بن هُبَيْرَة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر الحنبلي (المتوفى: 560هـ) _رحمه
الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 456_457):
"* في
هذا الحديث: أن الله _سبحانه وتعالى_ كان قادرًا على أن يغني الخلق، فلا يجد أحد
مصرفًا لصدقته، إلا أن ذلك كان يعود ضارًّا للخلق من وجوه:
منها: أنهم
كانوا لاستغنائهم كلهم؛ لأنه لم يكن أحد منهم يحتاج إلى أن يعمل غيره شغلًا؛ فكان
من يريد حاجة من دواء في بلد ناءٍ بعيد أو حاجات دواء في بلاد نائية بعيدة يحتاج
أن ينهد بنفسه إلى ذلك البلد، فيأتي بتلك الحوائج منفقًا على كل حاجة منها أضعاف
ثمنها، وعلى هذا في الصناعات والحرف والمهن وغير ذلك، فكان يفتقر الكل، ويضطرب
التدبير، وإنما كانت حكمة الله سبحانه أبلغ، وتقديره أنفع، أن عمم الفقر في الكل
حتى استغنى الكل.
* وكان معنى
الصدقة أن الله تعالى وضعها ليبلو بعضنا ببعض، وينظر كيف نعمل فيما حولنا، فاقتضى
هذا ألا تسمى الصدقة صدقة إلا أن يتصدق بها المتصدق، وهو صحيح شحيح يخشى الفقر،
ويأمل البقاء أو الغنى؛ لأنه في ذلك على هذا المعنى تصح البلوى، ويستقيم الأصل،
فأما إذا بلغت الحلقوم،___ويئس من الحياة، وعلم أنه خارج عما هو فيه ينتقل إلى
غيره، قال حينئذٍ: لفلان كذا, ولفلان كذا، فإنه إنما جاد حينئذٍ بما ليس له، وأخرج
ما تيقن خروجه من يده." اهـ
وقال أبوْ
الْفَرَجِ عبد الرحمن بن علي الدمشقي، المعروف بـ"ابن
الجوزيِّ" (المتوفى: 597 هـ) _رحمه الله_ في "كشف المشكل من حديث
الصحيحين: (3/ 475):
"اعْلَم
أَن الْمُتَصَدّق مخرج لمحبوبه عَن يَده، وَهَذَا المحبوب مُعَدٌّ للإنفاق فِي
الْأَغْرَاض، ومعظم الْأَغْرَاض تكون فِي الصِّحَّة،
فَإِذا كَانَ
أخرجه فِي الْمَرَض فقد بَدَت أَمَارَات الإستغناء عَن المَال، فَلَا يُلْحَقُ
بِدَرَجَة الْمُعْطِي فِي الصِّحَّة." اهـ
وقال أبو حفص
عمر بن علي الشافعي المصري، المعروف بـ"سِرَاج
الدينِ ابنِ الْمُلَقِّنِ" (المتوفى: 804 هـ) _رحمه الله_ في
"التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (10/ 288):
"ففيه:
أن أعمال البر كلها إذا صعبت كان أجرها أعظم؛ لأن الشحيح الصحيح إذا خشي الفقر
وأمل الغنى صعبت عليه الصدقة، وسول له الشيطان طول العمر وحلول الفقر به.
فمن تصدق في
هذِه الحال، فهو مؤثر ثواب الرب _تعالى_ على هوى نفسه.
وأما إذا تصدق
عند خروج نفسه، فيخشى عليه الفرار بميراثه، والجور في فعله.
ولذلك قَالَ
ميمون بن مهران حين قيل له: "إن رُقَيَّةَ امرأةِ هِشَامٍ ماتت، وأعتقت كل
مملوك لها."
فقال ميمون: (يعصون
الله في أموالهم مرتين: يبخلون بها، وهي في أيديهم. فإذا صارت لغيرهم، أسرفوا فيها."
اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(13 / 297):
"والصدقة في
هاتين الحالتين أشد مراغمة للنفس." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
(13 / 297):
"أفضل الصدقة أن
تتصدق حال حياتك وصحتك مع احتياجك إليه واختصاصك به لا في حال سقمك وسياق موتك لأن
المال حينئذ خرج عنك وتعلق بغيرك." اهـ
وقال أبو
الحسن علي بن البكري، المعروف بـ"ابن بطَّال
القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري"
(3/ 417):
"فيه: أن
أعمال البر كلما صعبت كان أجرها أعظم، لأن الصحيح الشحيح إذا خشى الفقر، وأمل
الغنى صعبت عليه النفقة، وسول له الشيطان طول العمر، وحلول الفقر به،
فمن تصدق فى
هذه الحال، فهو مؤثر لثواب الله على هوى نفسه، وأما إذا تصدق عند خروج نفسه فيخشى
عليه الضرار بميراثه والجوار فى فعله،
ولذلك قال
ميمون بن مهران حين قيل له : إن رقية امرأة هشام__ماتت، وأعتقت كل مملوك لها،
فقال ميمون : "يعصون
الله فى أموالهم مرتين، يبخلون بها، وهى فى أيديهم، فإذا صارت لغيرهم أسرفوا فيها."
اهـ
وقال أبو
الحسن علي بن البكري، المعروف بـ"ابن بطَّال
القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري"
(8 / 154):
"فيه: ذم من
أذهب طيباته فى حياته ولم يقدم لنفسه من ماله فى وقت شُحِّه وحُبِّ غِنَاهُ حتى
إذا رأى المال لغيره، جعل يسرع بالوصية لفلان كذا ولفلان كذا ، ويتورع عن التبعات
والمظالم،
ورُوِيَ عن ابن مسعود
فى قوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّه} [البقرة: 177]،
قال: أن تؤتيه وأنت
صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر.
وقال قتادة: "يا
ابن آدم، اتقِ اللهَ، ولا تَجْمَعْ إِسَاءَتَيْنِ فى مالِكَ إساءةً فى الحياة
الدنيا، وإساءةً عند الموت، انظر قرابتَكَ الذين يحتاجون، ولا يرثونك، أوْصِ لهم
من مالك بالمعروف." اهـ
وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله
في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2 /
10):
"ومقصوده: الحث
على الصدقة حال الصحة." اهـ
وفي
"فيض القدير" (3/ 524_525) للمناوي:
"التصدق
بدرهم وأحد حال الصحة أفضل___من عتق رقبة عند الموت لمال فيه من مجاهدة النفس على
إخراج الصدقة والإنسان صحيح شحيح يؤمل الغنى ويخاف الفقر.
والأجر على
قدر النصب، وأما من تيقن الموت ومفارقته لماله على كل حال، فلا يشق عليه العتق ولا
غيره، فالتصدق حينئذ بعتق أو غيره مفضول بالنسبة للتصرف في حال الصحة بنسبة ما بين
قيمة الدرهم وثمن الرقبة لكن الظاهر أن ذلك مخرج مخرج المبالغة والحث على التصدق
حال الصحة." اهـ
وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى
: 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (6 / 171):
"وقال الطيبي: "قيل:
"إشارة إلى المنع عن الوصية لتعلق حق الوارث." اهـ
وقال محمد بن
إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني"
(المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع
الصغير" (6/ 94):
"وهذا في فضل
الصدقة بالنظر إلى مُنْفِقِهَا، لا إلى مَوْقِعِهَا، وبالنظر إلى مشقة مجاهدة
النفس في الإخراج، فإنه أشق في تلك الحال، لا عند الإيصاء." اهـ
وقال عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّد الرَّحْمَانِيُّ
الْمُبَارَكْفُوْرِيُّ (المتوفى: 1414 هـ) _رحمه الله_ في "مرعاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (6/ 292):
"قال الحافظ:
وفي الحديث أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في الحياة وفي الصحة أفضل منه بعد الموت
وفي المرض،
وأشار _صلى الله عليه
وسلم_ إلى ذلك بقوله وأنت صحيح حريص تأمل الغنا إلى آخره، لأنه في حال الصحة يصعب
عليه إخراج المال غالباً لما يخوفه به الشيطان ويزين له من إمكان طول العمر.
والحاجة إلى المال، كما قال _تعالى_: {الشيطان يعدكم الفقر} [البقرة:268] الآية،
وأيضاً فإن الشيطان
ربما زين له الحيف في الوصية أو الرجوع عن الوصية فتيحمض تفضيل الصدقة الناجزة."
اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 29):
"الإنسان إذا
كان صحيحاً كان شحيحاً بالمال؛ لأنه يأمل البقاء، ويخشى الفقر،
أما إذا كان مريضاً،
فإن الدنيا ترخص عنده، ولا تساوي شيئاً فتهون عليه الصدقة." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 30):
"الإنسان الصحيح
يستبعد الموت، وإن كان الموت قد يفجأ الإنسان، بخلاف المريض؛ فإنه يتقارب الموت."
اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 30_31):
* ففي هذا الحديث:
دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يبادر بالصدقة قبل أن يأتيه الموت، وأنه إذا تصدق
في حال حضور الأجل، كان ذلك أقل فضلاً مما لو تصدق وهو صحيح شحيح.
* وفي هذا: دليل على
أن الإنسان إذا تكلم في سياق الموت فإنه يعتبر كلامه إذا لم يذهل، فإن أذهل حتى
صار لا يشعر بما يقول فإنه لا عبرة بكلامه، لقوله : (حتى إذا بلغت الحلقوم قلت
لفلان: كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) .
* وفيه: دليل على أن
الروح تخرج من أسفل البدن، تصعد حتى تصل إلى أعلى البدن، ثم تقبض من هناك، ولهذا
قال : (حتى إذا بلغت الحلقوم) ،
وهذا كقوله _تعالى_ :
{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ___تَنْظُرُونَ
(84)} [الواقعة: 83، 84]
فأول ما يموت من
الإنسان أسفله، تخرج الروح بأن تصعد في البدن، إلى أن تصل إلى الحلقوم، ثم يقبضها
ملك الموت، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير والسعادة. والله الموفق." اهـ
وقال حمزة بن محمد
بن قاسِمٍ الْمَغْرِبِيُّ (المتوفى 1431 هـ) _رحمه الله_ في "منار القاري شرح
مختصر صحيح البخاري" (3/ 19):
"فقه الحديث: دل
الحديث على أن الصدقة في وقت صحة الإِنسان وسلامته أفضل من الوصية، وأن الوصية
جائزة مشروعة أيضاً." اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الوَلَّوِي المشهور بـ"الإثيوبي" (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في
"ذخيرة
العقبى في شرح المجتبى" (23/ 8):
"في فوائده:
(منها): ما بوّب له
المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان جواب سؤال من سأل أيّ الصدقة أفضل؟، وهو
أنه ما كان في حال الصحّة.
(ومنها): أن تنجيز
الصدقة، ووفاء الدين في الحياة، وحال الصحّة أفضل منه بعد الموت، وفي المرض، كما
أشار النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى ذلك بقوله: "وأنت صحيحٌ، شحيحٌ،___تأملى
الغنى، وتخشى الفقر"؛ لأنه في حال الصحّة يصعُب عليه إخراج المال غالبًا لما
يخوّفه به الشيطان، وُيزيّن له، من إمكان طول العمر، والحاجة إلى المال، كما قال
تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} الآية [البقرة: 268].
وأيضًا، فإن الشيطان
ربّما زيّن له الْحَيْفَ في الوصيّة، أو الرجوع عن الوصيّة، فيتمحّض تفضيل الصدقة
الناجزة.
قال بعض السلف عن بعض
أهل التّرَف: يعصون اللَّه في أموالهم مرّتين، يبخلون بها، وهي في أيديهم -يعني في
الحياة- ويُسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم -يعني بعد الموت-.
وأخرج الترمذيّ،
بإسناد حسن، وصححه ابن حبّان، عن أبي الدرداء، مرفوعًا، قال: "مثلُ الذي
يُعتقُ، ويتصدّق عند موته، مثلُ الذي يهُدي إذا شَبع".[3]
وهو يرجع إلى معنى
حديث الباب.
وروى أبو داود، وصححه
ابن حبّان، من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا :
"لأن يتصدّق
الرجل في حياته، وصحّته بدرهم، خيرٌ له من أن يتصدّق عند موته بمائة".[4]
واللَّه تعالى أعلم
بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل." اهـ
وقال عبد العزيز بن
محمد بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422 هـ) _رحمه الله_.في "موارد الظمآن
لدروس الزمان" (1/ 316):
"والصَّدَقَةُ
في الصِّحَّةِ أَفْضَلْ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا." اهـ
وفي "الترغيب
والترهيب" للمنذري – ت. عمارة (4/ 325):
"الترغيب في
الوصية والعدل فيها، والترهيب من تركها أو المضارة فيها، وما جاء فيمن يعتق ويتصدق
عند الموت" اهـ
[1] كتاب "مجمع
الغرائب" من تأليف عَبْدُ الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَافِرِ أَبُو
الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
(انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (18/ 19) (رقم: 13).
[2] أخرجه أبو داود في "سننه" (3/ 113) (رقم:
2866)، إسناده
ضعيف لضعف شُرَحْبيل، وهو ابن سَعد. ابن أبي فُديك: هو محمد ابن إسماعيل بن مسلم،
وابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة.
وأخرجه
ابن عبد البر في "التمهد" 14/ 304 من طريق أبي داود، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان (3334) من طريق
ابن أبي فديك، به.
والحديث ضعيف: ضعفه
الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (3/ 489) (رقم: 1321).
[3] أخرجه أبو داود في سننه (4/ 30) (رقم : 3968)، والترمذي في في
سننه (4/ 435) (رقم : 2123)
وضعف
الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 389) (رقم : 2042)، وقال :
"مداره
عندهم جميعاً على أبي إسحاق عن أبي حبيبة الطائي عنه. و
(أبو حبيبة) لا يدرى من هو؟ وقد تتابع ناس على تحسينه، وقلدهم أخيراً المعلقون
الثلاثة، ولا وجه لذلك إلا توثيق ابن حبان لهذا المجهول، وقد أشار الذهبي في
"الكاشف" إلى تليين توثيقه، وهو الوجه. انظر تخريجه في المصدر المتقدم
برقم (1322)." اهـ
[4] ضعيف: رواه أبو داود (رقم : 2866) وابن حبان
(رقم : 821)، والمخلص في المخلصيات (رقم : 2965 و 3182): عن ابن أبي فديك: أنبأ
ابن أبي ذئب عن شرحبيل عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به.
وقال
الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (3/ 489)
(رقم: 1321): "وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقاتٌ غيْرُ شرحبيل، وهو ابن سعد
أبو سعد المدني، وهو ضعيف." اهـ
Komentar
Posting Komentar