شرح الحديث 167_169 من الأدب المفرد

 

88- بَابُ مَنْ خَتَمَ عَلَى خَادِمِهِ مَخَافَةَ سُوءِ الظن

 

167 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ:

"كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْتِمَ عَلَى الْخَادِمِ، وَنَكِيلَ، وَنَعُدَّهَا، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَعَوَّدُوا خُلُقَ سُوءٍ، أَوْ يَظُنَّ أَحَدُنَا ظَنَّ سُوءٍ."

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (صدوق رمى بالإرجاء: 224 هـ):

بشر بن محمد السختياني، أبو محمد المروزي، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له:  خ

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ (ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد: 181 هـ بـ هيت):

عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزي (أحد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام)، المولد:  سنة 118 هـ، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ (صدوق):

خالد بن دينار التميمي السعدي، أبو خلدة البصري الخياط، من صغار التابعين

روى له:  خ د ت س 

 

عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ (ثقة كثير الإرسال: 90 هـ):

رُفيع بن مهران، أبو العالية الرياحي البصري (مولى امرأة من بنى رياح بن يربوع، حى من بنى تميم، أعتقته سائبة)، من كبار التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ:

كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْتِمَ عَلَى الْخَادِمِ، وَنَكِيلَ، وَنَعُدَّهَا، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَعَوَّدُوا خُلُقَ سُوءٍ، أَوْ يَظُنَّ أَحَدُنَا ظَنَّ سُوءٍ

 

قال الشيخ الألباني _رحمه الله_ في شرحه لهذا الأثر:

"يقول أبو العالية: كان أصحاب النبى_صلى الله عليه وآله وسلم_ أو بعضُهم يأمرونا أن نختم على الخادم."

والظاهر - والله أعلم -:

أن المقصود من هذا الختم: هو أنه كان السيد فى ذلك الزمن إذا أعطى كيسا فيه فلوس للخادم ختم لكى لا يطمع الخادم بفتحه أو أخذ شىء مما فيه.

ويٌؤكد هذا المعنى قوله: (ونكيل)، يعنى: إذا أعطيناه قمحاً، وقلنا له: اِنْزِلْ إلى السوقِ وبِعْهُ؛ فنُعطيه بالكَيل، لا نعتمد عليه.

وكذلك قوله: (ونعدها)، الضمير يعود -والله أعلم- للفلوس.

فهذه ثلاث أشياء كان أصحاب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يأمرون الأسياد أن يحتاطوا فيها مع خوادمهم.

لمـاذا أمِرُوا بمثل هذه الأمور الثلاثة؟ قال: "كراهية أن يتعودوا خُلق سوء، أو يظن أحدنا ظن سوء".

فبطريقة العدّ والكيل والختم سدَّ السيد على نفسه الطريق بأن يسئ الظن بخادمه. هذا من الآداب المُتعلقة بالأسياد مع العبيد، ولكن يمكن نقل هذا الأدب إلى مجال الوالد مع الولد، أو الأم مع ولدها إذا كان يُخشى على الولد أن يتخلق بخلق سوء؛ فينبغى أن يُسلّم له المالَ مُعدَّاً. هذا مما نستفيده نحن اليوم وإلا فالعبيد انقرض أمرهم والخدم من الأحرار الذين يخدمون فى البيوت وهم قلة و لأن العبيد يومئذ كان لهم حُكم المخالطة من أهل البيت كما لو كان ولداً من أولاد أهل البيت؛ ومن أجل ذلك اقتضت حكمة التشريع ويسره أن يكون العبد مع سيدته كالولد مع أمه؛ بمعنى يجوز للعبد أن يَطلع على شعر سيدته وعنقها وذراعيها كما لو كان ولداً من بطنها لكثرة المخالطة. هذا بالنسبة للعبيد أما بالنسبة للخدم؛ فلا، فهو أجنبى.

 

وفي "الأخبارِ الْمُوَفَّقِيَّاتِ" للزبير بن بكار – ط. عالم الكتب (ص: 101) (رقم: 46): حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

«مَنْ تَعَرَّضَ لِلْتُهْمَةِ فَلا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ، وَمَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ إِلَيْهِ، وَمَنَ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ، وَضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ فِيهِ مَا يَغْلِبُكَ، وَلا تَظُنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءًا، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا مِنَ الْخَيْرِ مَحْمَلاً، وَكُنْ فِي اكْتِسَابِ الإِخْوَانِ عَلَى التَّقْوَى، وَشَاوِرْ فِي أَمْرِكَ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّهَ»

 

الدر المنثور في التفسير بالمأثور (7/ 566):

"وَأخرج الزبير بن بكار فِي "الموفقيات":

عَن عمر بن الْخطاب قَالَ:

(من تعرض للتُّهمَةِ فَلَا يَلُومن من أَسَاءَ بِهِ الظَّن. وَمن كتم سره كَانَ الْخِيَار إِلَيْهِ. وَمن أفشاه، كَانَ الْخِيَار عَلَيْهِ.

* وضَعْ أَمر أَخِيك على أحْسنه حَتَّى يَأْتِيك مِنْهُ مَا يَغْلِبك. وَلَا تَظُنَنَّ بِكَلِمَة خرجت من أَخِيك سوءا، وَأَنت تَجِد لَهَا فِي الْخَيْر محملًا.

* وَكن فِي اكْتِسَاب الاخوان، فَإِنَّهُم جنَّة عِنْد الرخَاء وعدة عِنْد الْبلَاء.

* وآخِ الإِخوان على قدر التَّقْوَى، وشاور فِي أَمرك الَّذين يخَافُونَ الله)." اهـ

 

وفي "الأدب المفرد" (ص: 70) (رقم: 168):

عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: (إِنِّي لَأَعُدُّ الْعُرَاقَ عَلَى خَادِمِي مَخَافَةَ الظَّنِّ)

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 70) (رقم: 167)، والحسين بن حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 181) (رقم: 350)

 

والحديث حسن الإسناد: وصححه الألباني في _رحمه الله_ "صحيح الأدب المفرد" (ص: 84) (رقم: 124).

 

من فوائد الحديث:

 

وقال الشيخ زيد بن محمد المدخلي (المتوفى 1435 هـ) _رحمه الله_ في "عون الأحد الصمد" (١/ ١٩٣):

"تفيد هذه الآثار:

* التحذير من سُوْءِ الظَّنِّ بِمَنَ لا يجوز أن يُظَنَّ بِهِ السُّوءُ،

* كما تُفِيْدُ اتخاذَ الوسائلِ التي تحول بين العبد وبين سوء الظن بالآخرين.

* كما تفيد أيضًا الحرص على سلامة الصدور للقريب والبعيد لما في ذلك من جلب المصلحة، ودفع المفسدة." اهـ

 

وقال محمد لقمان بن محمد بن ياسين أبو عبد الله الصِّدِّيْقِيُّ السلَفِيُّ (المتوفى 1441 هـ) _رحمه الله_ في "رش البرد شرح الأدب المفرد"

(ص ١٠٩):

"فقه الحديث:

١ - اهتمام الصَّحابة بالختم والكيل والعَدّ للأمتعة والأشياء التي يُطلب من الخادم شراؤها أو تُرسل بواسطته إلى الآخرين لتطمئن قلوبهم بالحفظ ويزول سوء الظن بهم، كما أن الخادم لا يجترأ على السرقة والخيانة أيضًا." اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

168 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إِنِّي لَأَعُدُّ الْعُرَاقَ عَلَى خَادِمِي مَخَافَةَ الظَّنِّ

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ (ثقة ثبت: 218 هـ بـ الكوفة):

الفضل بن دكين (عمرو) بن حماد بن زهير القرشي التيمي الطلحي مولاهم، الأحول، أبو نعيم الُمَلاَئِيُّ الكوفيُّ (مشهور بكنيته)، المولد سنة 130 هـ، من صغار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

* قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ (ثقة تكلم فيه بلا حجة: 160 هـ):

إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق السبيعي الهمداني، أبو يوسف الكوفي (أخو عيسى بن يونس)، من كبار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

وقال الذهبي _رحمه الله_ في "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (7/ 358):

"قَدْ أَثْنَى عَلَى إِسْرَائِيْلَ الجُمْهُوْرُ، وَاحْتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَكَانَ حَافِظاً، وَصَاحِبَ كِتَابٍ وَمَعْرِفَةٍ.

وَرَوَى: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَرَاءِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ: إِسْرَائِيْلُ ضَعِيْفٌ.

قُلْتُ: مَشَى عَلِيٌّ خَلْفَ أُسْتَاذِه يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَقَفَى أَثَرَهُمَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، وَقَالَ: ضَعِيْفٌ.

وَعَمدَ إِلَى أَحَادِيْثِه الَّتِي فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، فَرَدَّهَا، وَلَمْ يَحتَجَّ بِهَا، فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ ثِقَةٌ.

نَعَم، لَيْسَ هُوَ فِي التَّثَبُّتِ كَسُفْيَانَ وَشُعْبَةَ، وَلَعلَّهُ يُقَارِبُهُمَا فِي حَدِيْثِ جَدِّه، فَإِنَّهُ لاَزَمَهُ صَبَاحاً وَمَسَاءً عَشْرَةَ أَعْوَامٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَرْوِي عَنْهُ وَيُقَوِّيهِ، وَلَمْ يَصْنَعْ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ شَيْئاً فِي تَرْكِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ." اهـ

 

* عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (ثقة مكثر عابد، اختلط بأخرة: 129 هـ بـ الكوفة):

عمرو بن عبد الله بن عبيد أو على أو ابن أبى شعيرة، الهمداني، أبو إسحاق السبيعي الكوفي، من الوسطى من التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

 

عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ (ثقة):

حارثة بن مضرب العبدي الكوفي، من كبار التابعين، روى له:  بخ د ت س ق 

 

عَنْ سَلْمَانَ (صحابي: 34 هـ):

سلمان الخير الفارسي، أبو عبد الله بن الإسلام (أصله من أصبهان، وقيل: من رامهرمز)، روى له:  خ م د ت س ق، وقال بن حجر: أول مشاهده الخندق

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إِنِّي لَأَعُدُّ الْعُرَاقَ عَلَى خَادِمِي مَخَافَةَ الظَّنِّ

 

الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (9/ 19)

العُراقُ: الْعَظْمُ بِغَيْرِ لَحْمٍ، فإِن كَانَ عَلَيْهِ لَحَمٌ فَهُوَ عَرْق.

قَالَ أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبو زَيْدٍ فِي العُرَاقِ , وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ: حَمْراءُ تَبْرِي اللحمَ عَنْ عُرَاقِها , أَي: تَبْرِي اللَّحْمَ عَنِ الْعَظْمِ.

وَقِيلَ: العَرْقُ الَّذِي قَدْ أُخِذَ أَكثر لَحْمِهِ , وَجَمْعُهُ عُرَاقٌ , وَفِي الْحَدِيثِ " أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُم سَلَمة وَتَنَاوَلَ عَرْقاً , ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يتوضأ "

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ جَمْعٌ نَادِرٌ , يُقَالُ: عَرَقْتَ العظمَ وتَعَرَّقْتَهُ: إِذا أَخذتَ اللَّحْمَ عَنْهُ بأَسنانك نَهْشاً , وَعَظْمٌ مَعْروقٌ , إِذَا أُلقي عَنْهُ لَحْمُهُ. لسان العرب (10/ 244)

 

وقال محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ) _رحمه الله_ في "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" (7/ 193):

"العراق (بضم العين): جمع عرق بفتحها، فإسكان الراء: وهو العظم إذا خلى عنه معظم اللحم." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 70) (رقم: 168 و 169)، وابن الجعد في "مسنده" (ص: 371) (رقم: 2551)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" – ط. دار صادر (4/ 89)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص: 160) (رقم: 475)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (1/ 202)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (9/ 77) (رقم: 6283)

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 84) (رقم: 125)

 

من فوائد الحديث:

 

وفي "مكارم الأخلاق" للخرائطي (ص: 159):

بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَكِيمِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ سُوءَ الظَّنِّ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة