شرح الحديث الثلاثين من بهجة قلوب الأبرار
الحديث الثلاثون: أجر النيّة الصالحة. عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ _رضي الله عنه_ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ : "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ : كُتِبَ له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً" رواه البخاري |
تخريج الحديث:
أخرجه
البخاري رقم (2996)، وأحمد (4/ 411)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/
373)، وفي "شعب الإيمان" رقم (9928)، وابن أبي شيبة في
"مصنفه" (3/ 230)، والحاكم (1/ 341)، كلهم من حديث أبي موسى الأشعري
_رضي الله عنه_
شرح الحديث:
مسند
أحمد - عالم الكتب (2/ 203) (رقم: 6895): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ،
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ خَيْثَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(إِنَّ
الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ ، ثُمَّ مَرِضَ
، قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ: "اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ، إِذَا
كَانَ طَلِيقًا، حَتَّى أُطْلِقَهُ، أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ).
مسند
أحمد - عالم الكتب (3/ 148) (12503):
عن أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"إِذَا
ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلاَءٍ فِي جَسَدِهِ ، قَالَ اللَّهُ :
اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ ، فَإِنْ شَفَاهُ
غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ."
سنن أبي داود (2/ 34) (رقم: 1314):
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا مِنَ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ، يَغْلِبُهُ
عَلَيْهَا نَوْمٌ، إِلَّا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ، وَكَانَ نَوْمُهُ
عَلَيْهِ صَدَقَةً»
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 73_74) هذا من أكبر منن الله على عباده المؤمنين: أن أعمالهم المستمرة
المعتادة إذا____قطعهم عنها مرض أو سفر : كتبت لهم كلها كاملة، لأن الله يعلم
منهم أنه لولا ذلك المانع لفعلوها، فيعطيهم تعالى بنياتهم مثل أجور العاملين مع
أجر المرض الخاص، ومع ما يحصل به من القيام بوظيفة الصبر، أو ما هو أكمل من ذلك
من الرضى والشكر، ومن الخضوع لله والانكسار له، ومع ما يفعله المسافر من أعمال
ربما لا يفعلها في الحضر: من تعليم، أو نصيحة، أو إرشاد إلى مصلحة دينية أو
دنيوية، وخصوصا في الأسفار الخيرية، كالجهاد، والحج والعمرة، ونحوها. ويدخل في هذا الحديث : أن من فعل العبادة على وجه ناقص وهو يعجز عن
فعلها على الوجه الأكمل، فإن الله يكمل له بنيته ما كان يفعله لو قدر عليه، فإن
العجز عن مكملات العبادات نوع مرض، والله أعلم. ومن كان من نيته عمل خير، ولكنه اشتغل بعمل آخر أفضل منه، ولا
يمكنه الجمع بين الأمرين: فهو أولى أن يكتب له ذلك العمل الذي منعه منه عمل أفضل
منه، بل لو اشتغل بنظيره، وفضل الله تعالى عظيم." اهـ |
من فوائد الحديث :
شرح
رياض الصالحين - (1 / 151)
أن
الإنسان إذا كان من عادته أن يعمل عملا صالحا ثم مرض فلم يقدر عليه فإنه يكتب له
الأجر كاملا والحمد لله على نعمه .
مجموع
الفتاوى (10/ 732)
إذَا
كَانَ يَعْمَلُ فِي الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ عَمَلًا ثُمَّ لَمْ يَتْرُكْهُ
إلَّا لِمَرَضِ أَوْ سَفَرٍ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ لِوُجُودِ الْعَجْزِ
وَالْمَشَقَّةِ لَا لِضَعْفِ النِّيَّةِ وَفُتُورِهَا فَكَانَ لَهُ مِنْ
الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ الَّتِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهَا الْفِعْلُ إلَّا
لِضَعْفِ الْقُدْرَةِ
فتح
الباري- تعليق ابن باز - (6 / 136)
"الإقامة
في مقابل السفر والصحة في مقابل المرض، وهو في حق من كان يعمل طاعةً فمُنِعَ منها،
وكانت نيته _لولا المانع_ أن يدوم عليها." اهـ
فتح
الباري- تعليق ابن باز - (6 / 137)
"واستدل
به على أن المريض والمسافر إذا تكلف العمل كان أفضل من عمله وهو صحيح مقيم. # وفي
هذه الأحاديث تعقب على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة
والإثم خاصة من غير أن تكون محصِّلةً للفضيلة،
وبذلك
جزم النووي في "شرح المهذب" وبالأول جزم الروياني في "التلخيص".[1]
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (5 / 268)
"وفيه
رد على قول الشافعية أن من ترك صلاة الجماعة لا يكتب له ثوابها ومما يدل على بطلان
قولهم قوله حيث أخبر عن أقوام تخلفوا عنه في المدينة لعدم مؤنة السفر أنه يكتب لهم
أجر الغزو والسفر معه."
فتح
الباري- تعليق ابن باز - (6 / 137)
وَقَالَ
السُّبْكِيُّ الْكَبِيْرُ فِي "الْحَلَبِيَّاتِ" :
"من
كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد : كتب له ثوابُ الجماعة؛
ومن
لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة،
لأنه وإن كان قصده الجماعة لكنه قصد مجرد، ولو كان يتنزل منزلة من صلى جماعة كان
دون من جمع والأولى سبقها فعل." اهـ
المتواري
على أبواب البخاري - (1 / 68)
قلت:
رضي الله عنك! حمله بعضهم على النوافل، وحجر واسعاً، بل تدخل فيه الفرائض التي
شأنه أن يعمل بها وهو صحيح. إذا عجز عن جملتها، أو عن بعضها بالمرض كتب له أجراً
ما عجز عنه فعلاً، لأنه قام به عزماً أن لو كان صحيحاً، حتى صلاة الجالس في الفرض
لمرضه يكتب له عنها أجر صلاة القيام. والله أعلم. وظاهر الترجمة أنه نزله على
إطلاقه."
تطريز
رياض الصالحين - (1 / 112)
في
هذا الحديث : عظيم فضل الله ، وأنَّ من كان له عملٌ دائمٌ فتركه لعذر صحيح ، أنه
يكتب له مثل عمله .
مجموع
فتاوى ابن باز(30)جزءا - (12 / 54)
الواجب
عليك أن تصلي مع الجماعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
«
من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر » .
وسئل
ابن عباس _رضي الله عنهما_ عن العذر، فقال : ( خوف أو مرض ) .
أما
المريض فهو معذور في الصلاة في بيته ، وله فضل الجماعة بسبب العذر
فتح
الباري لابن حجر (2/ 136)
وَاسْتَدَلَّ
بِهَا عَلَى تَسَاوِي الْجَمَاعَاتِ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ كَثُرَتِ الْجَمَاعَةُ
أَمْ قَلَّتْ لِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى
الْمُنْفَرِدِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ جَمَاعَةٍ.
كَذَا
قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقواهُ بِمَا روى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ :
"إِذَا
صَلَّى الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ، فَهُمَا جَمَاعَةٌ، لَهُمُ التَّضْعِيفُ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ." انْتَهَى.
وَهُوَ
مُسَلَّمٌ فِي أَصْلِ الْحُصُولِ، لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي مَزِيدَ الْفَضْلِ لِمَا
كَانَ أَكْثَرَ لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ الْمُصَرِّحِ بِهِ،
وَهُوَ
مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ
مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا : "صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ
الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ
أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ : فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى
اللَّهِ." وَلَهُ شَاهِدٌ قَوِيٌّ فِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ قَبَاثِ
بْنِ أَشْيَمَ." اهـ
فتح
الباري لابن حجر (2/ 137)
وَاسْتَدَلَّ
بِهَا عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ إِمَامٌ وَمَأْمُومٌ وَسَيَأْتِي
الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ قَرِيبًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى."
اهـ
شرح
صحيح البخارى لابن بطال (5/ 154)
قال
المهلب: أصل هذا فى كتاب الله، قال _تعالى_ : ((لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم
(إلى) الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون))[2]
أى:
غير مقطوع،
يريد
أن لهم أجرهم فى حال الكبر والضعف عما كانوا يفعلونه فى الصحة غير مقطوع لهم؛
فلذلك كل مرض من غير الزمانة وكل آفة من سفر وغيره يمنع من العمل الصالح المعتاد؛
فإن الله قد تفضل بإجراء أجره على من منع ذلك العمل بهذا الحديث. قال المؤلف: وليس
هذا الحديث على العموم، وإنما هو لمن كانت له نوافل وعادة من عمل صالح فمنعه الله
منها بالمرض أو السفر وكانت نيته لو كان صحيحًا أو مقيمًا أن يدوم عليها ولا
يقطعها؛ فإن الله يتفضل عليه بأن يكتب له أجر ثوابها حين حبسه عنها، فأما من لم
يكن له تنفل ولا عمل صالح فلا يدخل فى معنى الحديث؛ لأنه لم يمنعه مرضه من شيء
فكيف يكتب له ما لم يكن يعمله؟
القبس
في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 293)
"إن
الباري _تعالى_ إنما يثيب العباد على قدر نياتهم لا بمقدار أعمالهم؛ فإن العبد
يطيع خمسين عامًا مثلًا فيعطيه الله تعالى جزاء نعيم الأبد، وذلك على قدر النية،
لأن نيته قد استمرت على أنه لو عمَّر إلى غير غاية لكانت هذه حاله في الطاعة فيقع
ثوابه بإزاء نيته." اهـ
شرح
المصابيح لابن الملك (2/ 313)
وفيه
دلالة على أن العبد يجازَى على نيته.
دليل
الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 400)
"وهذا
فيه توسل لدوام فضل المولى سبحانه بحسن العمل،
وفي
الحديث «تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»". اهـ
البدر
التمام شرح بلوغ المرام (10/ 241) للمغربي :
"وهذا
الحديث في تحذير من لم يكن قد عمل عملًا معتادًا مداومًا عليه، فإنه إذا مرض ندم
على ترك العمل فلا ينفعه الندم."
حجة
الله البالغة (2/ 51)
"الْإِنْسَان
إِذا كَانَ جَامع الهمة على الْفِعْل، وَلم يمْنَع عَنهُ إِلَّا مَانع خارجي، فقد
أَتَى بوظيفة الْقلب، وَإِنَّمَا التَّقْوَى فِي الْقلب، وَإِنَّمَا الْأَعْمَال
شُرُوح ومؤكدات، يعَض عَلَيْهَا عِنْد الِاسْتِطَاعَة، ويمهل عِنْد الْعَجز."
التنوير
شرح الجامع الصغير (2/ 218)
* وهو
دليل على أنه تعالى يكتب لعبده أجر أعماله الصالحة التي ما منعه عنها إلا مانع
لولاه ما تركها،
* وفيه
حثٌ ما للمقيم والصحيح على الاجتهاد في الطاعات،
* وفيه
فضيلة للمريض برفع السيئات وكتابة الحسنات وللمسافر بالأخير منهما." اهـ
التنوير
شرح الجامع الصغير (7/ 598)
فينبغي
من العبد أن يستكثر من الطاعات أيام صحته وإقامته فإنها جارية له إذا عاقه عنها
عائق المرض والسفر.
[1] وفي طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 298) للعراقي :
"وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ إنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ فَضِيلَةُ
الْجَمَاعَةِ بِلَا شَكٍّ فَهُوَ مَرْدُودٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ
وَمَرْدُودٌ نَقْلًا بِمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَالرُّويَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ
مِنْ حُصُولِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
[2] وفي الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/ 19) لأحمد
الكوراني :
"وأصل هذا من قوله _تعالى_ : {إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}
[التين: 6] وهذا كله من فضله تعالى." اهـ
Komentar
Posting Komentar