صفات أولياء الله _جل وعلا_

 

صفات أولياء الله _جل وعلا_

 

قال الله _تعالى_:

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس: 62 - 64]

 

وفي "صحيح البخاري" (8/ 105) (رقم: 6502):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"إِنَّ اللَّهَ قَالَ: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ).

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 343):

وَقَالَ بن هُبَيْرَةَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ مَا تَقْرَبَ إِلَخْ أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لِأَنَّ النَّافِلَةَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ نَافِلَةً لِأَنَّهَا تَأْتِي زَائِدَةً عَلَى الْفَرِيضَةِ فَمَا لَمْ تُؤَدَّ الْفَرِيضَةُ لَا تَحْصُلُ النَّافِلَةُ وَمَنْ أَدَّى الْفَرْضَ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ النَّفْلَ وَأَدَامَ ذَلِكَ تَحَقَّقَتْ مِنْهُ إِرَادَةُ التَّقَرُّبِ انْتَهَى

 

المبحث الأول: تعريف الولي لغة واصطلاحًا

 

الْوَلَايَةُ لغة: أي: المُوالاةُ والنُّصرةُ.

والوَلايةُ والوِلايةُ قيل: كلاهما بمعنًى، وقيل: بالكَسْرِ معناها الإمارةُ، يُقالُ: هم على وَلايةٍ: إذا اجتمعوا على النُّصرةِ.

والوَلِيُّ -وِزانُ فَعيلٍ- ضِدُّ العَدُوِّ، مِن وَلِيَه: إذا قام به، وكُلُّ من وَلِي أمرَ غَيرِه فهو وَلِيُّه، ويُطلَقُ على ابنِ العَمِّ والناصِرِ والصَّدِيقِ والمحِبِّ. وأصلُ (ولي): يدُلُّ على قُربٍ

انظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 268)، ((تفسير ابن جرير)) (15/270)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 480)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/141)، ((المفردات)) للراغب (ص: 886)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص345).

 

قال ابنُ تَيميَّةَ في تعريف "الولي" شَرْعًا:

(الوَلايةُ: ضِدُّ العَداوةِ. وأصلُ الوَلايةِ: المَحَبَّةُ والقُرْبُ. وأصلُ العَداوةِ: البُغضُ والبُعدُ. وقد قيلَ: إنَّ الوَليَّ سُمِّي وليًّا مِن مُوالاتِه للطَّاعاتِ، أي: مُتابَعَتِه لها، والأوَّلُ أصَحُّ. والوَليُّ: القَريبُ، يُقالُ: هَذا يَلي هَذا، أي: يَقرُبُ منه) .

 

وقال أيضًا: (وَلايةُ اللهِ مُوافقَتُه بأن تُحِبَّ ما يُحِبُّ، وتُبغِضَ ما يُبغِضُ، وتَكرَهَ ما يَكرَهُ وتَسخَطَ ما يَسخَطُ، وتُواليَ مَن يُوالي، وتُعادِيَ مَن يُعادي) .

 

وقال أيضًا: (الوَلايةُ هي الإيمانُ والتَّقوى المُتَضَمِّنةُ للتَّقَرُّبِ بالفرائِضِ والنَّوافِلِ) .

 

وقال أيضًا: (وَلِيُّ اللهِ مِن والاه بالموافَقةِ له في مَحبوباتِه ومَرضيَّاتِه، وتَقَرَّبَ إليه بما أمرَ به مِن طاعاتِه) .

 

وقال ابنُ القيِّمِ: (الوَلايةُ عِبارةٌ عَن مُوافَقةِ الوَليِّ الحَميدِ في مَحابِّه ومَساخِطِه) .

وقال أيضًا: (وَلِيُّ اللهِ هو القَريبُ منه المُختَصُّ به) .

 

وقال ابنُ حَجَرٍ: (المُرادُ بَوليِّ اللهِ العالِمُ باللهِ المواظِبُ على طاعَتِه، المُخلِصُ في عِبادَتِه) .

 

وقال السُّيوطيُّ: (هو العارِفُ باللهِ تعالى حَسَبَ ما يُمكِنُ، المُواظِبُ على الطَّاعاتِ، المُجتَنِبُ للمَعاصي، المُعرِضُ عَن الِانهماكِ في اللَّذَّاتِ والشَّهَواتِ) .

 

وقال الصَّنعانيُّ: (اعلَمْ أنَّ اللهَ تعالى قد عَرَّفَنا بأوليائِه في كِتابِه العَزيزِ، فقال: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ثُمَّ فسَّرَهم تعالى بقَولِه: الَّذِينَ آمَنُوا... الآية، فإنَّها مُستَأنَفةٌ استِئنافًا بيانيًّا، كأنَّه قيلَ: مَن هم؟ فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ... إذا عَرَفْتَ هَذا عَرَفْتَ أولياءَ الله، وأنَّ صِفاتِهم الخَوفُ مِنَ الله، والإقبالُ على ما يَرضاه، والإعراضُ عَن كُلِّ ما سِواه) .

 

وقال الشَّوكانيُّ: (المُرادُ بأولياءِ اللهِ خُلَّصُ المُؤمِنينَ، كأنَّهم قَرُبوا مِنَ اللهِ سُبحانَه بطاعَتِه واجتِنابِ مَعصيتِه، وقد فسَّرَ سُبحانَه هؤلاء الأولياءَ بقَولِه: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 63] )

==================

 

المبحث الثاني: شروط الولي

 

الشرط الأول: الإيمانُ باللهِ ومَلائِكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليَومِ الآخِرِ

قال اللهُ تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 62-63] .

قال الشَّوكانيُّ: (أي: يُؤمِنونَ بما يَجِبُ الإيمانُ به، ويَتَّقُونَ ما يَجِبُ عليهم اتِّقاؤُه مِن مُعاصيِ الله سُبحانَه) . ((تفسير الشوكاني)) (2/ 520).

 

الشرط الثاني:

 

وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأنفال: 34].

 

قال اللهُ تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس: 62-63] .

عَنِ ابنِ زيدٍ أنَّه قال في قَولِ اللهِ تعالى: ألَا إنَّ أولياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ: (مَن هم يا رَبِّ؟ قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ قال: أبى أن يَتَقَبَّلَ الإيمانَ إلَّا بالتَّقوى)  رواه ابن جرير في تفسيره (12/ 213).

 

=================

 

الشرط الثالث: اتِّباعُ النَّبيِّ _صلَّى اللهُ عليه وسلَّم_

قال اللهُ تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] .

عَنِ الحَسَنِ البَصْريِّ قال: (جَعَلَ اللهُ اتِّباعَ نَبيِّه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَمًا لحُبِّه وعَذابِ مَن خالَفَه) . رواه ابن جرير في تفسيره (5/ 325).

 

قال ابنُ تَيميَّةَ _رحمه الله_:

(قد بيَّنَ اللهُ فيها أنَّ مَنِ اتَّبَعَ الرَّسولَ فإنَّ الله يُحِبُّه، ومَنِ ادَّعى مَحَبَّةَ الله، ولم يَتَّبِعِ الرَّسولَ _صلَّى اللهُ عليه وسلَّم_، فليسَ مِن أولياءِ الله، وإن كانَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظنُّونَ في أنفُسِهم أو في غيرِهم أنَّهم مِن أولياءِ الله، ولا يَكونونَ مِن أولياءِ الله) ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 12).

 

قال ابنُ تَيميَّةَ:

(لا يَكونُ وليًّا للهِ إلَّا من آمَنَ بالرَّسولِ وبِما جاءَ به، واتَّبَعه باطِنًا وظاهرًا، ومَن ادَّعى مَحَبَّةَ اللهِ ووَلايَتَه وهو لم يَتَّبِعْه، فليسَ من أولياءِ اللهِ، بَل من خالَفَه كانَ من أعداءِ اللهِ، وأولياءِ الشَّيطانِ)  ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 12).

 

========================

 

تنبيه: العبرة بالتقوى، لا بالنسب فحسب!

 

وقال الله _تعالى_:

{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]

 

تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (22/ 312)

وقوله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) يقول تعالى ذكره: إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم، أشدّكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة.

 

وفي "صحيح مسلم" (4/ 2074/ 38) (رقم: 2699):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»،

 

شرح النووي على مسلم (17/ 22_23):

"قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: (وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)،

مَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ عَمَلُهُ نَاقِصًا، لَمْ يُلْحِقْهُ بِمَرْتَبَةِ أصحاب الأعمال. فينبغى أن___لايتكل عَلَى شَرَفِ النَّسَبِ وَفَضِيلَةِ الْآبَاءِ وَيُقَصِّرَ فِي الْعَمَلِ." اهـ

 

مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 411) (رقم: 23489):

عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى)

 

قال عِياضٌ: (دَلَّ الحَديثُ أنَّ الوَلايةَ في الإسلامِ إنَّما هي بالموافَقةِ فيه بخِصالِ الدِّيانةِ وزِمامِ الشَّريعةِ، لا بامتِشاجِ النَّسَبِ، وشِجْنةِ الرَّحِمِ) .  ((إكمال المعلم)) (1/ 600).

 

قال ابن حجر الهيتمي:

(فليَحذَرْ كُلُّ عاقِلٍ غايةَ الحَذَرِ من أن يَتَّكِلَ على شَرفِ نَسَبِه وفضيلةِ آبائِه ويُقصِّرَ في العَمَلِ؛ فإنَّ ذلك يُورِثُه غايةَ النَّقصِ والِانحِطاطِ عَن مَعاليهم، ونِهايةَ الحَسرةِ والنَّدامةِ على التَّخَلُّفِ عَن كمالِهم، ومِن ثَمَّ كانَ التَّفاخُرُ بالآباءِ من أخلاقِ الجاهليَّةِ؛ قال تعالى: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) . ((الفتح المبين بشرح الأربعين)) (ص: 581)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة