شرح الحديث الخامس والعشرون من كتاب الأربعون في التربية والمنهج
وقال المؤلف الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه
الله_ في كتابه "أربعون حديثا في التربية والمنهج"
(ص 56): الحديث الخامس والعشرون عن
أبي هريرة _رضي الله تعالى عنه_ قال: قال
رسول الله ﷺ: "كفى بالمرء كذبًا أن يُحدث بكل ما سمع." * فيه: الحذر من كثرة الكلام، وأنها قد تؤدّي بصاحبها إلى الكذب
من تزيد في القول. * وفيه: الحذر من عدم التثبت عند نقل الكلام. * وفيه: ذمّ نقل الإشاعات وإشهارها بين الناس. * وفيه: أن أولى الناس بالبعد عن ذلك دعاة الخير، فهم قدوة
الناس، فهم الذين ينهون الناس عن سيئ
الأقوال والأفعال. _____________ (1) أخرجه مسلم. |
شرح الحديث:
وقال شرف الحق العظيم آبادي _رحمه الله_ في "عون
المعبود" (13/ 229):
"قَالَ النَّوَوِيُّ:
"فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِي الْعَادَةِ الصِّدْقَ
وَالْكَذِبَ فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لِإِخْبَارِهِ
بِمَا لَمْ يَكُنْ وَالْكَذِبُ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ
وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ." انتهى." اهـ
قال الله _تعالى_:
{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ
الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}
[النساء: 83]
وقال الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج" (26/
162):
"وقال الحافظ ابن كثير _رحمه الله_:
قوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}
[النساء: 83] إنكارٌ على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها، ويُفشيها،
ويَنشرها، وقد لا يكون لها صحة،
وقد أخرج مسلم في "مقدمة صحيحه"، عن أبي
هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كفى بالمرء
كذبًا أن يحدث بكل ما سمع". اهـ [انظر: "تفسير ابن كثير" – ت.
سلامة (2/ 365)]
تخريج الحديث:
أخرجه مسلم في "المقدمة" (1/ 10)، وأبو
داود في "سننه" (4/ 298) (رقم: 4992)، وعبد الله بن المبارك في "مسنده"
(ص: 10) (رقم: 19)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 237) (رقم: 25617)، وأحمد
بن حنبل في "الزهد" (ص: 41) (رقم: 249)، وابن أبي عاصم في "الزهد"
(ص: 44) (رقم: 74)، والبزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (15/
20) (رقم: 8201)، وابن حبان في "صحيحه" (1/ 213) (رقم: 30)، والحاكم في
"المستدرك على الصحيحين" (1/ 195) (رقم: 381_382)، والقضاعي في "مسند
الشهاب" (2/ 305) (رقم: 1416)، والبيهقي في "الآداب" (ص: 123)
(رقم: 297)، و"معرفة السنن والآثار" (1/ 145) (رقم: 179)، والخطيب
البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 108) (رقم: 1319)،
جامع بيان العلم وفضله (2/ 1011) (رقم: 1928).
والحديث صحيح: صححه
الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 55) (رقم: 156)، و"صحيح
الجامع الصغير وزيادته" (2/ 827) (رقم: 4482)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة"
(5/ 38) (رقم: 2025)
من فوائد الحديث:
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في
الأمة (1/ 50)
ثم رُوي عن الِإمام مالك أنه قال:
"اعلم أنه ليس يَسْلَمُ رجلٌ حدَّث بكل
ما سمعَ، ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدِّث بكل ما سمع ".
وقال الِإمام ابن حبان في "صحيحه " (ص
27):
"فصل: ذكر إيجاب دخول النار لمن نَسَبَ
الشيء إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو غير عالم بصحته ".
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 33)
وَقَالَ مَالِكٌ: اِعْلَمْ أَنَّه لَيْسَ يَسْلَمُ
رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَاسَمِعَ ، وَلاَ يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ
يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَاسَمِعَ .
شرح رياض الصالحين (3/ 578)
ومن الناس من يتسرع في الحكم، سمع عن شخص شيئاً من
الأشياء، ويتأكد أنه قاله أو أنه فعله ثم يتسرع في الحكم عليه، أنه أخطأ أو ضلّ أو
ما أشبه ذلك، وهذا غلط، التأني في الأمور، كله خير.
شرح رياض الصالحين (6/ 186_187):
الإنسان إذا صار يحدث بكل ما سمع من غير تثبت وتأن،
فإنه يكون عرضة للكذب، وهذا هو الواقع ولهذا يجيء إليك بعض الناس يقولون: صار كذا
وكذا، ثم إذا بحثت وجدت أنه لم يكن، أو يأتي إليك ويقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا
بحثت__وجدته لم يقل، وأعظم شيء أن يكون هذا فيما يتعلق بحكم الله وشريعته بأن يكذب
على الله فيقول في القرآن برأيه ويفسر القرآن بغير ما أراد الله أو يكذب على النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا.
وهو كاذب، أو ينقل حديثا يرى أنه كذب وهو لم يكذبه
ولكن يقول: قال فلان كذا وكذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرى أنه كذب
فإنه يكون أحد الكاذبين كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ويزداد إثم التقول
إذا تشبع الإنسان بما لم يعط، كما في حديث المرأة أنها يكون لها ضرة يعني زوجة
أخرى مع زوجها فتقول إن زوجي أعطاني كذا وأعطاني كذا وهي كاذبة، لكن تريد أن تراغم
(تغيظ) ضرتها وتفسدها على زوجها، فهذا كما قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: (المتشبع
بما لم يعط كلابس ثوبي زور) [خ م]، أي: كذِبٍ.
والحاصل: أنه
يجب على الإنسان أن يتثبت فيما يقول ويتثبت فيمن ينقل إليه الخبر، هل هو ثقة، أو
غير ثقة كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا
عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6]،
ولاسيما إذا كثرت الأهواء وصار الناس يتخبطون
ويكثرون من القيل والقال، بلا تثبت ولا بينة، فإنه يكون التثبت أشد وجوبا، حتى لا
يقع الإنسان في المهلكة، والله الموفق." اهـ
فتح الباري لابن حجر (10/ 407)
أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَةِ الِاخْتِلَافِ فِي
أُمُورِ الدِّينِ كَقَوْلِهِ قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا وَمَحَلُّ
كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ
الْإِكْثَارِ مِنَ الزَّلَلِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَنْقُلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ
تَثَبُّتٍ وَلَكِنْ يُقَلِّدُ مَنْ سَمِعَهُ وَلَا يَحْتَاطُ لَهُ قُلْتُ
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ
يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وقال القرافي في "الفروق" = "أنوار
البروق في أنواء الفروق" (1/ 25)
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» فَجَعَلَهُ إذَا
حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُطَابِقٍ فِي
الْغَالِبِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْهُ حَتَّى يَقْصِدَ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ
عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقَصْدِ فِي الْكَذِبِ،
وقال الشيخ محمد بن علي بن حسين المالكي (1363 هـ)
_رحمه الله_ في "تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ
الْفِقْهِيَّةِ" (3/ 105)
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السَّنَةِ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ
بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَجَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذِبًا مَعَ أَنَّهُ
يَعْتَقِدُ صِدْقَ مَا سَمِعَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنْ النَّارِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ
الْعَمْدِ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَذِبَ يَكُونُ لَا مَعَ الْإِثْمِ وَأَنَّ
مُخَالَفَةَ الْأَيْمَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ
المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 260)
جميع ما يسمع الرجل لا يكون صدقًا بل يكون بعضه
كذبًا، وهذا زجر عن التحدث بشيء لم يعلم صدقه، بل يلزم على الرجل أن يبحث في كلِّ
ما سمع من الحكايات والأخبار وخاصة من أحاديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -, فإن
علم صدقه يتحدث، وإلا فلا يتحدث به.
فيض القدير (4/ 551):
"فعليه أن يبحث ولا يتحدث إلا بما ظن
صدقه،
* فإن ظن كذبَه، حرم،
* وإن شك، وقد أسنده لقائله، وبين حاله، برئ من
عهدته،
* وإلا، امتنع أيضا، ومحل ذلك: ما إذا لم يترتب
عليه لحوق ضرر،
* وإلا، حرم، وإن كان صدقا.
* بل إن تعين الكذب طريقا لدفع ذلك وجب." اهـ
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 142)
فِي بَعْضِ مَثَالِبِ الْكَذِبِ وَتَعْرِيفِهِ.
أَمَّا تَعْرِيفُهُ فَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ
الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ،
نَعَمْ التَّعَمُّدُ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ إثْمًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ،
وَقَالَ: (إنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ)،
وَحَكَاهُ عَنْهُ فِي الْآدَابِ، وَلَمْ
يُخَالِفْهُ بَلْ قَالَ: فَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ لَا يُحَرَّمُ لِعَدَمِ تَعَمُّدِ
الْكَذِبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورَةَ، وَهِيَ
قَوْلُهُ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ
يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»،
فَظَاهِرُهَا يَأْثَمُ مَعَ عَدَمِ تَعَمُّدِ
الْكَذِبِ، لَكِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يَسْمَعُ الْكَذِبَ وَالصِّدْقَ
وَجَبَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
وقال عبد الحميد محمد بن
باديس الصنهاجي (المتوفى: 1359هـ) مجالس التذكير من حديث البشير النذير (ص:
117_118):
"على العاقل أن يضبط لسانه في الجد
والهزل، وأن يحترس من الكذب في الجليل والحقير، وأن يتثبت فيما ينقل ويروي من حديث
الناس، وأن يتثبت أكثر وأبلغ فيما يروي في الدين___والعلم، وأن يتحرى الصدق وتصوير
الحقائق وأن يجعل ذلك من همه وأعظم قصده، وأن يبادر بالتوبة فيما يزل به لسانه إلى
ربه، ويعمل دائما على أن يطابق بين عقدهِ بقلبه ونطقه بلسانه وعمله بجوارحه حتى
يكون متحريا للصدق بجميع أقسامه ويكتب به بفضل الله ورحمته في الصديقين. وفقنا
لهذا ويسرنا له نحن والمسلمين أجمعين يا رب العالمين يا أرحم الراحمين
صحيح ابن حبان (1/ 210):
"فَصْلٌ: ذِكْرُ إِيجَابِ دُخُولِ
النَّارِ لِمَنْ نَسَبَ الشَّيْءَ إِلَى الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِصِحَّتِهِ." اهـ
جامع بيان العلم وفضله (2/ 998)
بَابُ ذِكْرِ مَنْ ذَمَّ الْإِكْثَارَ مِنَ
الْحَدِيثِ دُونَ التَّفَهُّمِ لَهُ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ
Komentar
Posting Komentar