شرح الحديث 163-164 من الأدب المفرد
163 - حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَقْبَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ غُلَامَانِ، فَوَهَبَ
أَحَدُهُمَا لِعَلِيٍّ _صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ_ وَقَالَ: «لَا
تَضْرِبْهُ، فَإِنِّي نُهِيتُ عَنْ ضَرْبِ أَهْلِ الصَّلَاةِ، وَإِنِّي
رَأَيْتُهُ يُصَلِّي مُنْذُ أَقْبَلْنَا» ، وَأَعْطَى
أَبَا ذَرٍّ غُلَامًا، وَقَالَ: «اسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا»، فَأَعْتَقَهُ،
فَقَالَ: «مَا فَعَلَ؟» قَالَ: أَمَرْتَنِي أَنْ أَسْتَوْصِي بِهِ خَيْرًا،
فَأَعْتَقْتُهُ [قال الشيخ
الألباني: حسن] |
رواة
الحديث:
* حدَّثَنَا حَجَّاجٌ (ثقة
فاضل: ت 216 أو 217 هـ):
حجاج بن المنهال الأنماطي، أبو
محمد السلمي البصري، من صغار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ هو ابْنُ سَلَمَةَ (ثقة عابد أثبت الناس فى ثابت، وتغير حفظه بأخرة: ت. 167 هـ)[1]:
حماد بن سلمة بن
دينار البصري، أبو سلمة بن أبى صخرة (مولى ربيعة بن مالك بن حنظلة من بنى تميم،
ويقال: مولى قريش)، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خت م د ت س ق
قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ (صدوق يخطىء)
أبو غالب البصري
(قيل: اسمه حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وقيل نافع)، صاحب أبى أمامة، من صغار
التابعين، روى له: بخ د ت ق،
عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ (86 هـ بـ الشام):
صُدَيُّ بن عجلان
بن وهب، أبو أمامة الباهلي، صحابي، روى له: خ م د ت س ق
شرح
الحديث:
مسند أحمد - عالم
الكتب (5/ 250) (رقم: 22154):
عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَقْبَلَ مِنْ خَيْبَرَ وَمَعَهُ غُلاَمَانِ وَهَبَ أَحَدَهُمَا
لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ..."
تخريج
الحديث:
أخرجه البخاري في
"الأدب المفرد" (ص: 68) (رقم: 163)، مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 250 و
5/ 528) (رقم: 22154 و 22227)، تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (2/ 922)
(رقم: 971 و 972)، المعجم الكبير للطبراني (8/ 275 و8/ 286) (رقم: 8057 و 8100)، الكامل
في ضعفاء الرجال (3/ 397)، شعب الإيمان (4/ 292) (رقم: 2542)
والحديث
حسن: حسنه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الأدب المفرد"
(ص: 82) (رقم: 121)، و"تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 1004) (رقم: 3365)، "سلسلة
الأحاديث الصحيحة" (3/ 414 و 5/ 492) (رقم: 1428 و 2379)، و"صحيح الجامع
الصغير وزيادته" (1/ 209) (رقم: 860)
من
فوائد الحديث:
1/ فيه
دلالة على عِظَمِ أَمْرِ الصَّلَاةِ
شعب الإيمان (4/
293):
"وَفي
الدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِ أَمْرِ الصَّلَاةِ:
* أَنَّ اللهَ _عَزَّ
اسْمُهُ_ مَا ذَكَرَ الصَّلَاةَ مَعَ غَيْرِهَا، إِلَّا قَدَّمَ الصَّلَاةَ
عَلَيْهِ، فَقَالَ:
{الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]،
وَقَالَ:
{أَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ،
* وَقَدْ ذَكَرَ
اللهُ _جَلَّ جَلَالُهُ_ الْإِيمَانَ وَالصَّلَاةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُمَا
غَيْرَهُمَا دَلَالَةً بِذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَانِ،
فَقَالَ: {فَلَا
صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} [القيامة: 31]،
أَيْ: فَلَا هُوَ
صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَآمَنَ بِهِ وَلَا
صَلَّى،
وَقَالَ:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات: 49]،
فَوَبَّخَهُمْ
عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ كَمَا وَبَّخَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ،
* وَقَدْ ذَكَرَ
اللهُ _جَلَّ جَلَالُهُ_ الصَّلَاةَ وَحْدَهَا دَلَالَةً بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا
عِمَادُ الدِّينِ، فَذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَدَحَهُمْ
بِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا
سُجَّدًا وَبُكِيًّا،
* ثُمَّ ذَكَرَ
مَنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُمْ، فَذَمَّهُمْ، قَالَ تَعَالَيْ:
{فَخَلَفَ مِنْ
بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم: 59]،
ثُمَّ أَخْبَرَ
بِمَا يُؤَدِّيهِمْ ذَلِكَ إِلَيْهِ مِنْ سَوْءِ الْعَاقِبَةِ، قَالَ {فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]،
يَعْنِي _وَاللهُ
أَعْلَمُ_ لَا يَرْشُدُ أَمْرُهُمْ مَعَ إِضَاعَةِ الصَّلَاةِ، وَلَكِنَّهُمْ
يُغْوُونَ فَلَا يَزَالُونَ يَقَعُونَ فِي فَسَادٍ بَعْدَ فَسَادٍ كَمَنْ يَضِلُّ
الطَّرِيقَ،
فَلَا يَزَالُ
يَقَعُ فِي مَهْلَكَةٍ بَعْدَ مَهْلَكَةٍ إِلَى أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِ، فَيَفْسَدُ،
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ، وَجَلَالِ مَوَاقِعِهَا مِنَ
الْعِبَادَاتِ، وَاللهُ أَعْلَمُ." اهـ
2/ الصلاة
تنهي عن الفحشاء والمنكر
وقال الطيبي
_رحمه الله_ في "الكاشف عن حقائق السنن" (7/ 2386):
"المصليْ
غالبا لا يأتي بما يستحق عليه الضرب؛ لأن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر،
فإذا كان الله
رفع عنه الضرْبَ في الدنيا[2]،
نرجُوْ من كَرَمِهِ ولُطْفِهِ أن لاَّ يُخْزِيَهُمْ في الآخِرَةِ بالنَّارِ، نسأل
اللَّه العافية: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}
[آل عمران: 192]." اهـ
مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح (6/ 2203)
وَلَعَلَّ
مُرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى
ضَرْبِ التَّأْدِيبِ حَيْثُ تَأَدَّبَ مَعَ مَوْلَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِالْقِيَامِ
بِحَقِّ عُبُودِيَّتِهِ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَالصَّلَاةُ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ،
وَأَمَّا
غَيْرُهُمَا فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْفَى وَيُسَامَحَ، ثُمَّ رَأَيْتُ الطِّيبِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ:
وَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ غَالِبًا لَا يَأْتِي بِمَا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ،
لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَإِذَا كَانَ
اللَّهُ رَفَعَ عَنْهُ الضَّرْبَ فِي الدُّنْيَا، نَرْجُو مِنْ كَرَمِهِ
وَلُطْفِهِ أَنْ لَا يُخْزِيَهُ فِي الْآخِرَةِ بِدُخُولِ النَّارِ؟ {رَبَّنَا
إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192]." اهـ
3/ الإحسانِ إلى
الموالِيْ والوصيةِ بِهِمْ
وقال أبو الحسن
نور الدين الهيثمي (المتوفى: 807 هـ) _رحمه الله_ في "غاية المقصد فى زوائد
المسند" (2/ 216):
"بابُ
الإحسانِ إلى الموالِيْ والوصيةِ بِهِمْ."
4/ فيه بيان حقوق
المملوك
أبو محمد البغوي
الشافعي (المتوفى: 516 هـ) _رحمه الله_ في "مصابيح السنة" (2/ 474)
(رقم: 16): "باب النفقات وحق المملوك." اهـ
وقال محمد بن نصر
المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (2/ 907):
"بَابُ
ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ، وَإِبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ لَمْ
يُصَلِّ." اهـ
قال محمد لقمان
الصديقي السلفي في رش البرد (ص ١٠٦):
"فقه
الحديث:
١_ الحث على
الرفق بالخادم وعدم التصجر من فعله
٢_ عدم الحاجة
إلى ضرب التأديب للذي يتأدب مع المولى _سبحانه_ ويقوم بحق عبوديته.
٣_ فيه: إشارة
إلى تكريم المصلي وصاحب الصلاح والتقوى." اهـ
وقال الشيخ زيد
بن محمد المدخلي في "عون الأحد الصمد" (1/ 190):
"في هذا
الحديث: دليل على زهد النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الدنيا الفانية، وعلى إيثاره
لأصحابه، فقد أقبل بغلامين، فأعطى عليًّا واحدًا، وأعطى أبا ذر الثاني.
[ثانيا]: كما فيه
وجوب احترام أهل الصلاة،
أي: يُحترمون،
فلا يهانون بالضرب، ولو كان مملوكًا، وهو يصلي، فإنه يجب أن يحترم ويقدر لكونه من
المصلين؛ لقول النبي صلى السويد : «نُهِيتُ عَنْ ضَرْب أَهْل الصَّلَاةِ».
ثالثًا – وفيه:
بيان زهد أبي ذر _رضي الله عنه_ ومحبتِه للخير ، وإيثارِهِ الآخـرةَ على الدنيا،
ففهم من وصية النبي صل الله وسلم بهذا المملوك خيرا، فعمل معه أعظم الخير، وهو
عتقه،
فأصبح حرا بعد أن
كان مملوكا، والحريــة معنى رفيع، بخلاف العبد المملوك فإنه سلعة، فلم يطمع أبو ذر
لا في بيعه ولا في خدمته، ولكنه طمِع في أجر عتقه فأعتقه." اهـ
164 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ لَهُ
خَادِمٌ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي حَتَّى أَدْخَلَنِي
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ
اللَّهِ، إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ لَبِيبٌ، فَلْيَخْدُمْكَ. قَالَ:
فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ حَتَّى
تُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُ:
لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: أَلَا
صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ [قال الشيخ
الألباني: صحيح] |
رواة
الحديث:
* حَدَّثَنَا
أَبُو مَعْمَرٍ (ثقة ثبت رمى
بالقدر: ت 224 هـ):
عبد الله بن عمرو
بن أبى الحجاج (ميسرة)، التَّمِيْمِيُّ المِنْقَرِيُّ مولاهم، أبو معمر المُقْعَدُ البصري، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له: خ م د ت
س ق
* قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ (ثقة ثبت
رمى بالقدر و لم يثبت عنه: ت 180 هـ):
عبد الوارث بن
سعيد بن ذكوان التميمي العَنْبَرِيُّ مولاهم، أبو عبيدة التَّنُّوْرِيُّ[3]،
البصري (والد عبد الصمد بن عبد الوارث)، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خ م د ت
س ق
* قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (ثقة: ت 130
هـ):
عبد العزيز بن صُهَيْب
البُنَاني مولاهم البصري الأعمى، العبد (وبُنَانَةُ
من قريشٍ)، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* عَنْ
أَنَسٍ (ت 93 هـ):
الاسم : أنس بن
مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار
الأنصارى النجارى ، أبو حمزة المدنى، صحابي مشهور بـ"خادم رسول الله _صلى
الله عليه وسلم_"، روى له: خ م د ت س ق
نص
الحديث وشرحه:
عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
"قَدِمَ
النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ لَهُ
خَادِمٌ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي حَتَّى أَدْخَلَنِي
عَلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَقَالَ:
"يَا نَبِيَّ
اللَّهِ، إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ لَبِيبٌ، فَلْيَخْدُمْكَ."
قَالَ:
فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ حَتَّى
تُوُفِّيَ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، مَا قَالَ
لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: (لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟)، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: (أَلَا
صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟)."
صحيح مسلم (4/
1805)
54 - (2310)
حَدَّثَنِي أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ زَيْدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ
بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: قَالَ
إِسْحَاقُ: قَالَ أَنَسٌ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا»، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ:
وَاللهِ لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى
صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ
إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟»
قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ، يَا رَسُولَ اللهِ
كشف المشكل من حديث
الصحيحين (3/ 255)
وَقَوله: مَا
قَالَ لي: لم فعلت. اعْلَم أَنه اتّفق فِي هَذَا ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: كَون
أنس صَبيا، وَالصَّبِيّ يصفح عَن خطئه.
وَالثَّانِي:
أَنه كَانَ عَاقِلا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو طَلْحَة: إِن أنسا غُلَام كيس: أَي
عَاقل. وَلَقَد قَالَت لَهُ أمه: أَيْن تذْهب يَا أنس؟ قَالَ: فِي حَاجَة لرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَت: مَا هِيَ؟ قَالَ: إِنَّهَا سر، وَلم
يخبرها، وَمَتى كَانَ الْخَادِم عَاقِلا لم يلم
تخريج
الحديث:
أخرجه البخاري في
"الأدب المفرد" (ص: 69) (رقم: 164)، صحيح البخاري (4/ 11) (رقم: 2768)، صحيح
مسلم (4/ 1804/ 52) (رقم: 2309)
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (37/ 428)
في فوائده:
1 - (منها): بيان
حسن خُلُق النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الكريم، فقد أحسن الله سبحانه وتعالى-
خُلُقه، كما حسّن
خَلْقَه، قال الله -عزَّ وجل-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:
4]،
وكان من دعائه
-صلى الله عليه وسلم-: " (اللهم كما حَسّنت خَلْقي، فأَحسِن خُلُقي".
2 - (ومنها):
بيان كمال خلقه -صلى الله عليه وسلم-، وحُسْن عِشرته، وحلمه، وصفحه،
وتواضعه.
3 - (ومنها):
جواز السفر باليتيم، إذا كان ذلك من الصلاح.
4 - (ومنها):
جواز الثناء على المرء بحضرته، إذا أُمن عليه الفتنة، فقد
قال أبو طلحة:
"إن أنسًا غلام كيّس".
5 - (ومنها):
جواز استخدام الحرّ الصغير الذي لا يجوز أمره.
6 - (ومنها): أن
خدمة الإمام والعالم واجبة على المسلمين، وأن ذلك
شرف لمن خَدَمهم؛
لِمَا يُرْجَى من بركة ذلك.
7 - (ومنها):
جواز استخدام اليتيم بلا أجرة، إذا له فيه مصلحة.
8 - (ومنها):
بيان عظيم منقبة أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث تشرّف بخدمته -صلى الله عليه
وسلم-
عشر سنين، فإن من
تشرّف بخدمة سعيد، فهو سعيد، كما قال:
وَإِذَا سَخَّرَ
الإِلَهُ أُنَاسًا ... لِسَعِيدٍ فَإِنَّهُمْ سُعَدَاءُ
وقد نال أنس -رضي
الله عنه- بتلك الخدمة دعوة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المباركة، ففي
"الصحيحين"
عن أنس -رضي الله عنه- أن أم سليم قالت: يا رسول الله أنس خادمك،
ادع الله له،
قال: "اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته".
وفي رواية عند
مسلم في حديث طويل، وفيه: "ثم دعا لنا أهلَ البيت
بكل خير من خير
الدنيا والآخرة، فقالت أمي: يا رسول الله خُويدمك ادع الله
له، قال: فدعا لي
بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: اللهم أكثر
ماله، وولده،
وبارك له فيه".
وفي رواية: جاءت
بي أمي أم أنس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد أزَّرتني
بنصف خمارها، ورَدّتني
بنصفه، فقالت: يا رسول الله هذا أُنَيْس ابني أتيتك به___
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (37/ 429)
يخدمك، فادع الله
له، فقال: اللهم أكثر ماله، وولده، قال أنس: فوالله إن
مالي لكثير، وإن
ولدي، وولد ولدي، ليتعادُّون على نحو المائة اليوم.
وفي رواية قال:
مَرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسمعت أمي أم سليم صوته،
فقالت: بأبي وأمي
يا رسول الله أنيس، فدعا لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث دعوات،
قد رأيت منها
اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة.
وفي رواية قال
أنس: فإني لمن أكثر الأنصار مالًا، وحدثتني أمينة ابنتي
أنه دُفن من
صُلبي إلى مَقْدَم الحَجَّاج البصرة تسعة وعشرون ومئة.
وأخرج الطيالسيّ
عن أبي خَلْدة، قلت لأبي العالية: سمع أنس من
النبيّ -صلى الله
عليه وسلم-؟ قال: خدمه عشر سنين، ودعا له، وكان له بستان يَحْمِل في السنة
الفاكهة مرتين،
وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك.
9 - (ومنها): أنه
يستفاد منه ترك العتاب على ما فات؛ لأن هناك مندوحة
عنه باستئناف
الأمر به، إذا احتيج إليه، وفائدةُ تنزيه اللسان عن الزجر والذم،
واستئلاف خاطر
الخادم بترك معاتبته، وكل ذلك في الأمور التي تتعلق بحظّ
الإنسان، وأما
الأمور اللازمة شرعًا، فلا يُتسامح فيها؛ لأنها من باب الأمر
بالمعروف، والنهي
عن المنكر، قاله في "الفتح"، والله تعالى أعلم.
[1] وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 141):
"سمعت
أبى يقول: (حماد ابن سلمة في ثابت، وعلي بن زيد أحبُّ إلي من همام. وهو أضبط الناس
وأعلمه بحديثهما بين خطأ الناس. وهو أعلم بحديث علي بن زيد من عبد الوارث)."
اهـ
[2] وفي "شرح المصابيح" لابن الملك (4/ 72):
"وذلك لأن المصلي غالبًا لا يأتي
بما يستحق الضرب، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء." اهـ
[3] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/
226) لابن الأثير: "التَّنُّوْرِيُّ (بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق،
وَضم النُّون بعدهمَا الْوَاو، وَفِي آخرهَا الرَّاء): هَذِه النِّسْبَة إِلَى
التَّنّور وَعَمله وَبيعه." اهـ
Komentar
Posting Komentar