شرح الحديث 124 من صحيح الترغيب والترهيب -- 9 - (الترهيب من أنْ يعلَم ولا يَعمل بعلمه، ويقول ما لا يفعله).

 

124 - (2) [صحيح] وعن أسامة بن زيدٍ _رضي الله عنه_؛ أنه سمع رسول الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يقول:

"يُجاء بالرجلِ (1) يومَ القيامة، فيُلْقى في النارِ، فَتَنْدلِقُ أقتابُه (2)، فيدُورُ بها كما يدورُ الحِمارُ برحاه (3)،

فتَجْتَمعُ أهلُ النار عليه، فيقولون: (يا فلانُ! ما شأنُك؟ ألستَ كنتَ تأمرُ بالمعروف، وتَنْهى عن المنكرِ؟)،

فيقول: (كنتُ آمرُكم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشرِّ وآتيه)".

__________

(1) أي: الذي يخالف علمه عمله. (الاندلاق) خروج الشيء من مكانه بسرعة.

(2) جمع (قِتْب) بكسر القاف: الأمعاء أي: المصارين.

(3) أي: الطاحون. فانظر يا أخي إلى حال من قال ولم يفعل كيف تنصبُّ مصارينه من جوفه، وتخرج من دبره، ويدور بها دوران الحمار بالطاحون، والناس تنظر إليه وتتعجب من هيئته، نسأل الله السلامة.

 

ترجمة أسامة بن زيد _رضي الله عنه_:

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 496):

أُسَامَةُ بنُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ بنِ شَرَاحِيْلَ * (ع): ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ امْرِئِ القَيْسِ المَوْلَى، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ." اهـ

 

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (8/ 46):

"أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى ابن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عبد ود بن كنانة بن عوف ابن عذرة بن عدي بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب، أبو زيد (ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حارثة، ويقال: أبو يزيد) حب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وابن حبه.

استعمله رسولُ اللهِ على جيش فيه أبو بكر وعمر فلم ينفذ حتى توفي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، فبعثه أبو بكر إلى الشام، فأغار على أبنى من ناحية البقاء، وشهد مع أبيه عزوةَ مُؤْتَةَ،

وقدم دمشق وسكن المزة مدةً، ثم انتقل إلى المدينة، فمات بها، ويقال: بوادي القرى." اهـ

 

وفي "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (1/ 224):

"مِنْ مَوَالِي رَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مِنَ الطَّرَفِينِ، كَانَ أَبُوهُ: زَيْدٌ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ بِالْعِتْقِ، وَأُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَةُ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَعَتِيقَتُهُ، اسْمُهَا: بَرَكَةُ." اهـ

 

وفي الأعلام للزركلي (1/ 291):

"أُسَامَة بن زَيْد: (7 ق هـ - 54 هـ = 615 - 674 م):

"أسامة بن زيد بن حارثة، من كنانة عوف، أبو محمد: صحابي جليل. ولد بمكة، ونشأ على الإسلام (لأن أباه كان من أول الناس إسلاما)،

وكان رسول الله _صلّى الله عليه وسلم_ يحبه حبا جما، وينظر إليه نظره إلى سبطيه الحسنِ والحسينِ.

وهاجر مع النبي _صلّى الله عليه وسلم_ إلى المدينة، وأمّره رسول الله، قبل أن يبلغ العشرين من عمره، فكان مظفرا موفقا." اهـ

 

نص الحديث وشرحه:

 

وعن أَبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة _رضي الله عنهما_ قَالَ :

سمعت رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول:

«يُؤْتَى بالرَّجُلِ يَوْمَ القيَامَةِ فَيُلْقَى في النَّارِ،

 

فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُ بَطْنِهِ،

 

وقال المازري _رحمه الله_ في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 383):

"قال أبو عبيد: "(الأقتاب): الأمعَاء." وقال الكِسائي: "واحدها: قِتْب." قال الأصمعي: "واحدها: قِتْبَةٌ." قال: "وبها سمي الرّجل قُتَيبَة، وهو تصغيرها." قال أبو عبيد: القِتْبُ "ما تحوّى من البطن، يعني: استدار، وَهي الحوايا."

وأمَّا___الأمعاء، فهي (الأقصَاب)، وَاحدها: قُصْب."

قال أبو عبيد: "وأما قوله: (فتندلق)، قال: "الاندلاق خروج الشَّيء مِن مكانه، وكل شيء نَدَر خَارجًا، فقد اندلق. ومنه قيل للسيف: (قد اندلق من جفنه) إذَا شَقَّه حتى يخرج منه. وَيقَال للخيل: (قد اندلقت)، إذا خرجت، فأسرعَتِ السير." اهـ

 

فَيدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحَى،

 

شرح المصابيح لابن الملك (5/ 366):

"برَحَاه": وهو الموضع الذي يُربَط، ويمكنه أن يدورَ فيه.

 

فَيَجْتَمِعُ إِلَيْه أهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: (يَا فُلانُ، مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُ تَأمُرُ بالمعْرُوفِ وَتنهَى عَنِ المُنْكَرِ؟)

فَيقُولُ: (بَلَى، كُنْتُ آمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وأنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ)» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وفي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/ 3211) للقاري:

"(فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ) أَيْ: مِنَ الْفَسَقَةِ، (فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ) : كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِهِ وَوَصْفِهِ بِالْعِلْمِ أَوِ الْمَشْيَخَةِ (مَا شَأْنُكَ؟) أَيْ: حَالُكَ الْغَرِيبُ وَمَآلُكَ الْعَجِيبُ (أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ): بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ) أَيْ: لَا أَفْعَلُهُ (وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ)." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (4/ 121 و 9/ 55) (رقم: 3267 و 7098)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 2290/ 51) (رقم: 2989)، والحميدي في "مسنده" (1/ 470) (رقم: 557)، وابن أبي شيبة في "مسنده" (1/ 118) (رقم: 152)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (5/ 205 و 5/ 206 و 5/ 207 و 5/ 209) (رقم: 21784 و 21794 و 21800 و 21819)، وابن أبي الدنيا في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص: 63) (رقم: 21)، وفي "صفة النار" (ص: 144) (رقم: 230)، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (2/ 887)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 164 و 1/ 165) (رقم: 395 و 402)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها" (1/ 368) (رقم: 43)، وفي "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (1/ 353) (رقم: 647)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (4/ 100) (رقم: 7010)، وأبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (4/ 112)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 162) (رقم: 20209)، وفي "شعب الإيمان" (10/ 59) (رقم: 7161)، اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 51) (رقم: 74).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 588) (رقم: 292)، و"تخريج مشكاة المصابيح" (3/ 1421) (رقم: 5139)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1329) (رقم: 8022)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 161 و2/ 583) (رقم: 124 و 2326).

 

من فوائد الحديث:

 

قال ابن حجر _رحمه الله_ في "فتح الباري" (13/ 53):

"قَالَ الطَّبَرِيُّ:

فَإِنْ قِيلَ: "كَيْفَ صَارَ الْمَأْمُورُونَ بِالْمَعْرُوفِ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ الْمَذْكُورِ فِي النَّارِ؟"

وَالْجَوَابُ: أَنَّهُمْ لَمْ يَمْتَثِلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فَعُذِّبُوا بِمَعْصِيَتِهِمْ وَعُذِّبَ أَمِيرُهُمْ بِكَوْنِهِ كَانَ يَفْعَلُ مَا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ." اهـ

 

وقال ابن الجوزي في "التبصرة" (2/ 306):

وَيَنْبَغِي لِلآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ فِعْلِ مَا نَهَى عَنْهُ وَتَرْكِ مَا أَمَرَ بِهِ...

وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا هَذَّبَ الآمِرُ نَفْسَهُ أَثَّرَ قَوْلُهُ إِمَّا فِي زَوَالِ الْمُنْكَرِ أَوْ فِي انْكِسَارِ الْمُذْنِبِ أَوْ إِلْقَاءِ الْهَيْبَةِ لَهُ فِي الْقُلُوبِ.

خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ لإِنْكَارِ مُنْكَرٍ فَنَبَحَ عَلَيْهِ كَلْبٌ فَمَا قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى مَكَانِ الْمُنْكَرِ، فَرَجَعَ إِلَى مَسْجِدِهِ وَتَفَكَّرَ سَاعَةً ثُمَّ قَامَ فَجَعَلَ الْكَلْبُ يَتَبَصْبَصُ حَوْلَهُ وَلا يُؤْذِيهِ حَتَّى أَزَالَ الْمُنْكَرَ، فَسُئِلَ عَمَّا جَرَى لَهُ فَقَالَ: إِنَّمَا نَبَحَ عَلَيَّ لِفَسَادٍ دَخَلَ عَلَيَّ فِي عَقْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا رَجَعْتُ ذَكَرْتُهُ فَاسْتَغْفَرْتُ." اهـ

 

قال ابن حجر _رحمه الله_ في "فتح الباري" (13/ 53):

"وَفِي الْحَدِيثِ: تَعْظِيمُ الْأُمَرَاءِ وَالْأَدَبِ مَعَهُمْ وَتَبْلِيغِهِمْ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِمْ لِيَكُفُّوا، وَيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ بِلُطْفٍ وَحُسْنِ تَأْدِيَةٍ، بِحَيْثُ يَبْلُغُ الْمَقْصُود من غير أذية للْغَيْر." اهـ

 

وقال القاضي عياض _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 538)

"وفيه: التلطف مع الأمراء، وعرض ما ينكر عليهم سراً، وكذلك يلزم مع غيرهم من المسلمين ما أمكن ذلك، فإنه أولى بالقبول وأجدر بالنفع، وأبعد لهتك الستر وتحريك الأنفة." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (1 / 156):

"في هذا الحديث: وعيدٌ شديد لمن خالف قوله فعله، وأنَّ العذاب يُشَدَّدُ على العالِم إذا عصى أعظم من غيره، كما يضاعف له الأجر إذا عمل بعلمه." اهـ

 

وقال ابن الملقن _رحمه الله_ في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (19 / 181_182):

ينبغي لمن أمر بمعروف أن يكون كامل الخير لا وصم فيه، وقد قال شعيب - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]

إلا أنه يجب عند الجماعة أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر من يفعل ذينك، حتى قال جماعة من الناس: يجب على متعاطي الكأس أن ينهي جماعة الجلاس. وذكر عن مطرف بن الشخير أنه قال: لا يعظ ولا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا كامل لا وصم فيه، وهذا ليس بجيد، وهو يؤدي إلى تضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعل المراد أنه لا ينتفع بوعظه إلا من هذِه صفته أو يتصدى لذلك." اهـ

 

وقال الطيبي _رحمه الله_ في "شرح المشكاة" = "الكاشف عن حقائق السنن" (10/ 3262)

يجب أن يتوهم للمشبه به تلك الأمور؛ فإن التشبيه التمثيلي يستدعي ذلك، فالمشبه في الدنيا، الرجل يدور حول رحى الأمر بالمعروف، ويتعب فيه ويكد كالحمار، وما له نصيب مما يحصل منه إلا الكد والتعب كالحمار، نحو قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]

وكذا في الآخرة يدور حول أقتابه التي شبهت بكلامه الذي خرج منه. فيدوسها برحى رجله، ويطحنها كطحن الحمار الدقيق جزاء بما كانوا يعملون." اهـ

 

وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "تلبيس إبليس" (1 / 157_158) حين ذكر تلبيس إبليس على الكاملين من العلماء:

"إن أقواما علت هممهم فحصلوا علوم الشرع من القرآنِ والحديثِ والفقهِ والأدبِ وغيرِ ذلك، فأتاهم إبليس يخفي التلبيس، فأراهم أنفسهم بعين عظيمة لما نالوا وأفادوا غيرهم،

فمنهم من يستفزه لطول عنائه في الطلب، فحسن له اللذات، وقال له: "إلى متى هذا التعب، فأرح جوارحك مِنْ كَلَفِ التكاليفِ، وافْسَحْ لنفسك من مشتهاها، فإن وقعْتَ في زلة، فالعلم يدفع عنك العقوبة."

وأورد عليه فضل العلماء، فإن خذل هذا العبد وقبل هذا التلبيس، يهلك، وإن وُفِّقَ، فينبغي له أن يقول جوابك من ثلاثة أوجه:

* أحدها: أنه إنما فضل العلماء بالعمل، ولو لا العمل به، ما كان له معنى. وإذا لم أعمل به كنتُ كمن لم يفهم المقصود به، ويصير مثلي كمثَلِ رجل جمَع الطعامَ وأطعم الجياع، ولم يأكل، فلم ينفعه ذلك من جوعه.

* والثاني: أن يعارضه بما ورد في ذم من لم يعمل بالعلم لقوله : (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه)

وحكايته عن رجل يلقي في النار فتندلق أقتابه فيقول كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه)،

وقول أبي الدرداء رضي الله عنه : (ويل لمن يعلم مرة وويل لم علم ولم يعمل سبع مرات)

* والثالث: أن يذكر له عقاب من هلك من العلماء التاركين للعمل بالعلم كابليس وبلعام ويكفي في ذم العالم إذا لم يعمل قوله تعالى كمثل الحمار يحمل أسفارا نقد مسالك الكاملين من العلماء." اهـ

 

وقال ابن علان الصديقي _رحمه الله_ في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (2 / 491):

"ومن شأن الآمر: أن يفعل ما يأمر به، والناهيْ: أن يترك ما نهى عنه. وفعل المعروف وترك المنكر مانع بالوعد الذي لا يخلف عن دخول النار." اهـ

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (2 / 491_492):

"فشدد عليه الأمر لعصيانه مع العلم المقتضي للخشية والمباعدة عن المخالفة، واغالب على___أمره، ولا حول ولا قوّة إلا بالله." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2 / 460):

"هذا الحديث فيه التحذير الشديد من الرجل الذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، والعياذ بالله.

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (45/ 214_215):

"في فوائده:

1 - (منها): أن قوله: "لا أقول لأحد يكون عليّ أميرًا: إنه خير الناس"

فيه: ذمّ مداهنة الأمراء في الحقّ، وإظهار ما يبطن خلافه، كالمتملق بالباطل،

فأشار أسامة - رضي الله عنه - إلى أن المداراة محمودة، والمداهنة مذمومة، وضابط المداراة: أن لا يكون فيها قدح في الدين، والمداهنة المذمومة: أن يكون فيها تزيين القبيح، وتصويب الباطل، ونحو ذلك.

2 - (ومنها): ما قاله الطبريّ رحمه الله: اختَلَف السلف في الأمر بالمعروف،

* فقالت طاثفة: يجب مطلقًا، واحتجوا بحديث طارق بن شهاب رفعه: "أفضل___الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر"،

وبعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ... " الحديث.

* وقال بعضهم: يجب إنكار المنكَر لكن شرطه أن لا يَلحق المنكِر بلاء، لا قِبَل له به، من قتل ونحوه.

* وقال آخرون: ينكر بقلبه؛ لحديث أم سلمة - رضي الله عنها - مرفوعًا:

"يُستعمل عليكم أمراء بعدي، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع ... " الحديث.

قال: والصواب اعتبار الشرط المذكور، ويدل عليه حديث: "لا ينبغي لمؤمن أن يذلّ نفسه"، ثم فسَّره بأن يتعرض من البلاء لِمَا لا يطيق. انتهى ملخصًا.

* وقال غيره: يجب الأمر بالمعروف لمن قَدَر عليه، ولم يخف على نفسه منه ضررًا، ولو كان الآمر متلبسًا بالمعصية، لأنه في الجملة يؤجر على الأمر بالمعروف، ولا سيما إن كان مطاعًا، وأما إثمه الخاصّ به فقد يغفره الله له، وقد يؤاخذه به، وأما من قال: لا يأمر بالمعروف إلا من ليست فيه وصمة، فإن أراد أنه الأَولى فجيّد، وإلا فيستلزم سدّ باب الأمر إذا لم يكن هناك غيره.

ثم قال الطبريّ: فإن قيل: كيف صار المأمورون بالمعروف في حديث أسامة المذكور في النار؟ والجواب: أنهم لم يمتثلوا ما أُمروا به، فعُذِّبوا بمعصيتهم، وعُذِّب أميرهم بكونه كان يفعل ما ينهاهم عنه ["الفتح" 13/ 52.].

3 - (ومنها): أن في الحديث تعظيمَ الأمراء، والأدب معهم، وتبليغهم ما يقول الناس فيهم؛ ليكفوا، ويأخذوا حذرهم، بلطف، وحسن تأدية، بحيث يبلغ المقصود من غير أذية للغير.

4 - (ومنها): أن فيه وصفَ جهنم بأمر عظيم، روى مسلم عن ابن مسعود مرفوعًا: "يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، يجرونها".

ولابن وهب عن زيد بن أسلم، عن عليّ - رضي الله عنه - مرفوعًا:

"فبينما هم يجرونها إذ شردت عليهم شردة، فلولا أنهم أدركوها لأحرق من في الجمع " ["عمدة القاري" 15/ 166.]، والله تعالى أعلم." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة