شرح الحديث 123 (الترهيب من أنْ يعلَم ولا يَعمل بعلمه، ويقول ما لا يفعله) من صحيح الترغيب
9 - (الترهيب من أنْ
يعلَم ولا يَعمل بعلمه، ويقول ما لا يفعله) 123 - (1) [صحيح] عن
زيد بن أرقمَ رضي الله عنه: أنّ رسولُ الله _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كان يقول: "اللّهُمَّ إِنِيْ
أَعُوْذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ
لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ
لا تَشْبَعُ، ومِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لها." رواه مسلم والترمذي والنسائي،
وهو قطعة من حديث. |
شرح الحديث:
تحفة
الأحوذي (9/ 318)
قَوْلُهُ
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ
بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ)،
أَيْ: لَا يَسْكُنُ، وَلَا يَطْمَئِنُّ بِذِكْرِ اللَّهِ، (وَمِنْ___دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: لَا
يُسْتَجَابُ، (وَمِنْ
نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ)، أَيْ:
بِمَا آتَاهَا اللَّهُ، وَلَا تَقْنَعُ بِمَا رَزَقَهَا، وَلَا تَفْتُرُ عَنْ
جَمْعِ الْمَالِ لِمَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْحِرْصِ أَوْ مِنْ نَفْسٍ تَأْكُلُ
كَثِيرًا.
قال بن
الْمَلَكِ: أَيْ: حَرِيصَةٍ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ، وَتَحْصِيلِ الْمَنَاصِبِ. (وَمِنْ
عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ)، أَيْ: عِلْمٍ لَا أَعْمَلُ بِهِ، وَلَا أُعَلِّمُ النَّاسَ،
وَلَا يُهَذِّبُ الْأَخْلَاقَ وَالْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ، أَوْ عِلْمٍ لَا
يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَرِدْ فِي تَعَلُّمِهِ إِذْنٌ شَرْعِيٌّ."
اهـ
شرح
المصابيح لابن الملك (3/ 212)
"اللهم إني أعوذ بك
من علم لا ينفع"؛ أي: علم لا أعمل به ولا أعلَّمه الناسَ، وما لا يُحتاج إليه
في الدين، ولا في تعلمه إذن من الشرع، ولا تصل بركته إلى قلبي، ولا يبدل أفعالي،
وأقوالي وأخلاقي الذميمة إلى المرضيّة.
"ومن قلب لا
يخشع"؛ أي: لا يخاف الله.
"ومن نفس لا
تشبع"؛ أي: حريصة على جمع المال والمنصب.
وقيل: هو
على حقيقته إما لشدة حرصه على الدنيا لا يقدر أن يأكل قدْرَ ما يُشبع جوعته بخلاً
على نفسه، وإما لاستيلاء الجوع البقري عليه المسمى: بوليمرس، وهو جوع الأعضاء مع
شبع المعدة عكس الشهوة الكلبية.
"ومن دعوة لا
تسمع"؛ أي: لا يستجاب لها.
ذخيرة
العقبى في شرح المجتبى (39/ 395)
وأما
الحرص عَلَى العلم، والخير، فمحمود مطلوب، قَالَ الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ
زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]. والله تعالى أعلم
فيض
القدير (2/ 108)
(اللهم إني أعوذ بك من
قلب لا يخشع) لذكر الله سبحانه ولا لاستماع كلامه وهو القلب القاسي الذي هو أبعد
القلوب من حضرة علام الغيوب
تخريج
الحديث:
أخرجه مسلم
في "صحيحه" (4/ 2088/ 73) (رقم: 2722)، والنسائي في "سننه"
(8/ 260 و 8/ 285) (رقم: 5458 و 5538)، وفي "السنن الكبرى" (7/ 204 و 7/
204 و 7/ 205 و 7/ 213) (رقم: 7815 و 7816 و 7817 و 7843)، وابن أبي شيبة في
"مصنفه" (6/ 17) (رقم: 29124)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب
(4/ 371) (رقم: 19308)، وعبد بن حميد الكشي في "المنتخب" – ت. صبحي
السامرائي (ص: 114) (رقم: 267)، والبزار في "مسنده" = "البحر
الزخار" (10/ 220) (رقم: 4307)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"
(4/ 128) (رقم: 2105)، والطبري في "تهذيب الآثار" - مسند عمر (2/ 585 و 2/
586) (رقم: 870 و 873)، والدولابي في "الكنى والأسماء" (2/ 894) (رقم: 1568)،
والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ 201) (رقم: 5085 و 5088)، وفي "الدعاء"
(ص: 406) (رقم: 1364)، وابن المقرئ في "المعجم" (ص: 265) (رقم: 860)، واللالكائي
في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (4/ 720) (رقم: 1182)، والبيهقي
في "الدعوات الكبير" (1/ 468) (رقم: 358).
والحديث
صحيح: صححه الألباني في "تخريج
مشكاة المصابيح" (2/ 760) (رقم: 2460)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 276)
(رقم: 1286)، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 161 و 1/ 502) (رقم: 123 و 826)
من فوائد
الحديث:
1/ وجوب
كون الدعاء مبنيا على الصدق والبذل والخشوع
وقال ابن
الجوزي _رحمه الله_ في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (2/ 434):
"الدُّعَاء يجب أَن
يثيره صدقُ الْحَاجة، وَأَن يكونَ بَذْلٌ وخشوعٌ. واشتغالُ الْقلْبِ بترتيب
الْأَلْفَاظ يذهله عَن الْخُشُوع.
فَإِذا وَقع
الدُّعَاء مسجوعا عَن غير تكلّف يشغل، فَلَا بَأْس بِهِ." اهـ
2/ جواز
الدعاء المسجوع من غير بتكلف
والعيني _رحمه
الله_ في "شرح أبي داود" (5/ 458_459):
"هذا الحديث وغيره
من الأدعية المسْجُوعة دليل - قاله العلماء -: أن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلًف
, فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويُلْهي عن الضراعة والافتقار وفرك القلب،
فأما ما
حصل بلا كلفة، ولا إِعْمال فكرٍ لكمال___الفصاحة ونحو ذلك، أو كان محفوظا فلا بأس
به، بل هو حسنٌ.
وقال
المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (2/ 154):
* وفيه أن السجع لا يذم
لكن إذا حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر بل لكمال فصاحة والتكلف مذموم." اهـ
وقال
الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن
الحجاج" (42/ 363):
3 -
(ومنها): بيان أن السجع في الدعاء لا يُذمّ، إذا حصل بلا تكلف، بل لكمال فصاحة
الداعي، والنهي الوارد في ذلك محمول على ما إذا كان بتكلف." اهـ
3/ العلم
الذي لا ينفع وبالٌ وحسْرةٌ
والعيني _رحمه
الله_ في "شرح أبي داود" (5/ 458):
"العلم الذي لا ينفع
وبال وحسْرة كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا." اهـ
4/ فيه بيان
استحباب التعوذ
وقال
الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن
الحجاج" (42/ 363):
"في فوائده:
1 - (منها): بيان استحباب
التعوذ مما ذُكر في هذا الحديث.
وقال
الصنعاني _رحمه الله_ في "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (4/ 281):
"استعاذ - صلى الله
عليه وسلم - من ذلك تعليماً للعباد، وإلا فإنه قد أعاذه الله بالعصمة من علم لا
ينفع، وقد نفع علمه الأولين والآخرين من أمته." اهـ
وقال
الشوكاني _رحمه الله_ في "تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين" (ص: 420):
"واستعاذ أَيْضا من
الْقلب الَّذِي لَا يخشع لِأَنَّهُ يكون حِينَئِذٍ قاسيا لَا تُؤثر فِيهِ موعِظَةٌ
وَلَا نصيحةٌ وَلَا يرغب فِي ترغيب وَلَا يرهب من ترهيب،
واستعاذ
من النَّفس الَّتِي لَا تشبع لِأَنَّهَا تكون متكالبة على الحطام متجزئة على
المَال الْحَرَام غير قانعة بِمَا يكفيها من الرزق، فَلَا تزَال فِي تَعَبٍ فِي
الدُّنْيَا وعقوبةٍ فِي الْآخِرَة،
واستعاذ
من الدعْوَة الَّتِي لَا تستجاب لَهَا، لِأَن الرب _سُبْحَانَهُ_ هُوَ الْمُعْطِي
الْمَانِع الباسط الْقَابِض الضار النافع، فَإِذا توجه العَبْد إِلَيْهِ فِي
دُعَائِهِ، وَلم يستجب دَعوتَهُ، فقد خَابَ الدَّاعِي وخسر لِأَنَّهُ طرد من
الْبَاب الَّذِي لَا يستجلب الْخَيْر إِلَّا مِنْهُ وَلَا يستدفع الضّر إِلَّا
بِهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك مِمَّا استعاذ بك رَسُول الله _صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم_." اهـ
وقال
القاريْ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1708):
"قَالَ أَبُو
طَالِبٍ الْمَكِّيُّ:
قَدِ
اسْتَعَاذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَوْعٍ مِنَ الْعُلُومِ
كَمَا اسْتَعَاذَ مِنَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ. وَالْعِلْمُ
الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ التَّقْوَى فَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الدُّنْيَا
وَنَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْهَوَى." اهـ
5/ العلم
النافع ما أورث الخشوع
وقال
الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن
الحجاج" (42/ 363):
2 -
(ومنها): ما قاله العلاليّ رحمه الله:
"تضمَّن
هذا الحديث الاستعاذة من دنيء أفعال القلوب، وفي قَرْنه بين الاستعاذة من علم لا ينفع،
ومن قلب لا يخشع إشارةٌ إلى أن العلم النافع ما أورث الخشوع." انتهى ["فيض
القدير" (2/ 108 و 154)].
وقال
المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (2/ 154):
"قال العلائي:
* تَضَمَّنَ
الحديثُ الاستعاذةَ مِنْ دَنِيْءِ أفعَالِ الْقُلوْبِ.
* وفي
قرنه بين الاستعاذة من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع إشارةٌ إلى أنَّ الْعِلْمَ
النافِعَ ما أَوْرَثَ الخشوعَ،
6/ إنّ
تعلّم العلم إنما هو للنفع به.
وقال
الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن
الحجاج" (42/ 363):
4 -
(ومنها): ما قاله الطيبيّ رحمه الله:
"اعلم:
أن في كل من القرائن[1]
إشعار بأن وجوده مبنيّ على غايته، والغرض الغاية، فإنّ تعلّم العلم إنما هو للنفع
به، فإذا لم ينفعه لم يخلص كفافًا، بل يكون وبالًا، ولذلك استعاذ منه، وإن القلب
إنما خُلق ليخشع لبارئه، وينشرح لذلك الصدر، ويُقذف النور فيه،
فإذا لم
يكن كذلك كان قاسيًا، فيجب أن يستعاذ منه قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} الآية [الزمر: 22]،
وإن
النفس إنما يُعتدّ بها إذا تجافت عن دار الغرور، وأنابت إلى دار الخلود، والنفس
إذا كانت منهومةً لا تشبع، حريصةً على الدنيا، كانت أعدى عدوّ المرء، فأول شيء
يستعاذ منه هي،
وعدم
استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه، ولم يخشع قلبه، ولم تشبع نفسه."
انتهى ["الكاشف عن حقائق السنن" (6/ 11915 – 11916)]، والله تعالى أعلم."
اهـ
وقال
الصنعاني _رحمه الله_ في "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (4/ 280):
"العلم إنما المراد
العمل وهو نفعه وإذا لم يعمل به عالمه؛ فإنه لا فائدة له، بل هو ضر على حامله، فإن
الله يقول فيمن علم وما عمل:
{مَثَلُ
الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ
يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ
اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: 5]،
فمثل
العالم غير العامل بأخس الحيوانات وهو الحمار، ومثله أيضاً بالكلب في قوله: {وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا___فَانسَلَخَ مِنهَا} [الأعراف:
175] إلى قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ
أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176]
فهذان
مثلان ضربهما الله سبحانه للعالم غير العالم وهو الذي لم ينفعه علمه." اهـ
قلت:
وتمام الآية:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ
مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا
وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ
تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ
مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)} [الأعراف: 175 - 177]
7/ وَعَدَمُ
اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَنْتَفِعْ
بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَلَمْ يَخْشَعْ قَلْبُهُ وَلَمْ تَشْبَعْ نَفْسُهُ
وقال
القاريْ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1708):
"وَعَدَمُ
اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَنْتَفِعْ
بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَلَمْ يَخْشَعْ قَلْبُهُ وَلَمْ تَشْبَعْ نَفْسُهُ
وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ." اهـ
8/ الْعِلْمُ
لَا يُذَمُّ لِذَاتِهِ
وقال
القاريْ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1706)
وَقَالَ
الْغَزَّالِيُّ: الْعِلْمُ لَا يُذَمُّ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ
تَعَالَى بَلْ لِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ:
* إِمَّا
لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِ أَوِ الشَّرِّ إِلَى
غَيْرِهِ كَعِلْمِ السِّحْرِ وَالطَّلْسَمَاتِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ
إِلَّا لِلْإِضْرَارِ بِالْخَلْقِ وَالْوَسِيلَةِ لِلشَّرِّ،
* وَإِمَّا
لِكَوْنِهِ مُضِرًّا لِصَاحِبِهِ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، كَعِلْمِ النُّجُومِ،
فَإِنَّهُ كُلَّهُ مُضِرٌّ، وَأَقَلُّ مَضَارِّهِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِيمَا لَا
يَعْنِي، وَتَضْيِيعُ الْعُمُرِ الَّذِي هُوَ أَنْفَسُ بِضَاعَةِ الْإِنْسَانِ
بِغَيْرِ فَائِدَةٍ غَايَةُ الْخُسْرَانِ،
* وَإِمَّا
لِكَوْنِهِ دَقِيقًا: لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْخَائِضُ فِيهِ كَالتَّعْلِيقِ
بِدَقِيقِ الْعُلُومِ قَبْلَ جَلِيلِهَا وَكَالْبَاحِثِ عَنِ الْأَسْرَارِ
الْإِلَهِيَّةِ إِذْ تَطَلَّعَ الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ إِلَيْهَا
وَلَمْ يَسْتَقِلُّوا بِهَا وَلَا يَسْتَقِلُّ بِهَا وَالْوُقُوفِ عَلَى طَرَفِ
بَعْضِهَا إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ فَيَجِبُ كَفُّ النَّاسِ عَنِ
الْبَحْثِ عَنْهَا وَرَدُّهُمْ إِلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ." اهـ
9/ أنواع
الدعوات النبوية
وقال ولي
الله الدهلوي _رحمه الله_ في "حجة الله البالِغة" (2/ 115):
"وَاعْلَم أَن
الدَّعْوَات الَّتِي أمرنَا بهَا النَّبِي _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ على
قسمَيْنِ:
* أَحدهمَا:
مَا يكون الْمَقْصُود
مِنْهُ أَن تملأ القوى الفكرية بملاحظة جلال الله وعظمته، أَو يحصل حَالَة الخضوع
والإخبات فَإِن لتعبير اللِّسَان عَمَّا يُنَاسب هَذِه الْحَالة أثرا عَظِيما فِي
تنبه النَّفس لَهَا وإقبالها عَلَيْهَا.
* وَالثَّانِي: مَا يكون فِيهِ الرَّغْبَة فِي خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والتعوذ
من شرهما لِأَن هِمَّةَ النَّفْسِ وتَأَكُّدَ عزيمتِها فِي طلَبِ شَيْءٍ يَقْرَعُ
بَابَ الْجُودِ بِمَنْزِلَةِ إعدادِ مُقَدمَاتِ الدَّلِيلِ لفيضان النتيجة، وَتَجْعَلُ
جلالَ اللهِ حَاضِرًا بَين عَيْنَيْهِ، وَتَصْرِفُ هِمَّتَهُ إِلَيْهِ، فَتلك
الْحَالة غنيمَة المحسن." اهـ
10/ فيه
بيان حقيقة العلم عير النافع
السندي في
"الحاشية على سنن ابن ماجه" (1/ 110):
"إِنَّ
مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ بَلْ يَصِيرُ عَلَيْهِ حُجَّةً،
وَقَالَ
السُّيُوطِيُّ: "فِي بَيَانِ الْعِلْمِ الْغَيْرُ النَّافِعُ إِنَّهُ الَّذِي
لَا يُهَذِّبُ الْأَخْلَاقَ الْبَاطِنَةَ، فَيَسْرِي مِنْهَا إِلَى الْأَفْعَالِ
الظَّاهِرَةِ، فَيَفُوزُ بِهَا إِلَى الثَّوَابِ الْآجِلِ." اهـ
11/ حكمة
استعاذة النبي _صلى الله عليه وسلم_
وقال السندي
"الحاشية على سنن ابن ماجه" (1/ 110):
"وَفِي
اسْتِعَاذَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ
الْأُمُورِ إِظْهَارٌ لِلْعُبُودِيَّةِ وَإِعْظَامٌ لِلرَّبِّ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى،
12/ يَنْبَغِي
لَلعبد مُلَازَمَةُ الْخَوْفِ وَدَوَامُ الِافْتِقَارِ إِلَى جَنَابِهِ تَعَالَى_،
وقال السندي
"الحاشية على سنن ابن ماجه" (1/ 110):
* وَأَنَّ الْعَبْدَ
يَنْبَغِي لَهُ مُلَازَمَةُ الْخَوْفِ وَدَوَامُ الِافْتِقَارِ إِلَى جَنَابِهِ
تَعَالَى_،
13/ فيه حث
على ما يدعو به العبد من خير الدنيا والآخرة
وقال السندي
"الحاشية على سنن ابن ماجه" (1/ 110):
* وَفِيهِ: حَثٌّ
لِأُمَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَتَعْلِيمٌ لَهُمْ، وَإِلَّا فَهُوَ _صَلَّى اللَّهُ
تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مَعْصُومٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ،
* وَفِيهِ:
أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنَ السَّجْعِ مَا يَكُونُ عَنْ قَصْدِهِ إِلَيْهِ وَتَكَلُّفٍ
فِي تَحْصِيلِهِ. وَأَمَّا مَا اتَّفَقَ حُصُولُهُ بِسَبَبِ قُوَّةِ السَّلِيقَةِ
وَفَصَاحَةِ اللِّسَانِ، فَبِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِك." اهـ
14/ من
آداب الدعاء: أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الدُّعَاءِ غَيْرَ مُتَكَلَّفٍ بَلْ عَنْ
حُرْقَةٍ وَاجْتِهَادٍ.
وقال
السفاريني _رحمه الله_ في "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" (2/ 514_516):
"فِي آدَابِ
الدُّعَاءِ:
ذَكَرَ
الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ لِلدُّعَاءِ تِسْعَةَ
عَشَرَ أَدَبًا:
أَحَدُهَا:
أَنْ يَتَرَصَّدَ بِهِ
الْأَوْقَاتَ الشَّرِيفَةَ.
الثَّانِي:
أَنْ يَدْعُوَ فِي
الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ.
الثَّالِثُ:
أَنْ يَدْعُوَ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.
الرَّابِعُ:
خَفْضُ الصَّوْتِ فِي
الدُّعَاءِ.
الْخَامِسُ:
الصَّلَاةُ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
السَّادِسُ:
أَنْ يُسَبِّحَ قَبْلَ
الدُّعَاءِ عَشْرًا.
السَّابِعُ:
أَنْ يَكُونَ لَفْظُ
الدُّعَاءِ غَيْرَ مُتَكَلَّفٍ بَلْ عَنْ حُرْقَةٍ وَاجْتِهَادٍ.
فَإِنَّ
الْمَشْغُولَ بِتَسْجِيعِ الْأَلْفَاظِ وَتَرْتِيبِهَا بَعِيدٌ مِنْ الْخُشُوعِ.
نَعَمْ إنْ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعُوذُ بِك مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ. وَمِنْ عَيْنٍ
لَا تَدْمَعُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: إيَّاكَ وَالسَّجْعَ
فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
الثَّامِنُ:
أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ
صَحِيحَ اللَّفْظِ لِتَضَمُّنِهِ مُوَاجَهَةَ الْحَقِّ بِالْخِطَابِ وَقَدْ جَاءَ
فِي الْحَدِيثِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ دُعَاءً مَلْحُونًا» .
التَّاسِعُ:
الْعَزْمُ فِي الدُّعَاءِ
لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ
فَلِيَعْزِمْ، وَلَا يَقُلْ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْت فَأَعْطِنِي. فَإِنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ»___
الْعَاشِرُ:
حُضُورُ الْقَلْبِ،
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ
دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» [حسن: ت][2].
الْحَادِي
عَشَرَ: أَنْ يَسْأَلَ مَا
يَصْلُحُ سُؤَالُهُ. فَإِنَّهُ لَوْ سَأَلَ مَرْتَبَةَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ
مُتَعَدِّيًا.
الثَّانِيَ
عَشَرَ: أَنْ يَدْعُوَ وَهُوَ
مُوقِنٌ بِالْإِجَابَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«اُدْعُوَا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» [حسن: ت][3].
الثَّالِثَ
عَشَرَ: التَّضَرُّعُ
وَالْخُشُوعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا
لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]
وَقَالَ:
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} [الأعراف: 205] .
الرَّابِعَ
عَشَرَ: أَنْ يُلِحَّ فِي
الدُّعَاءِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» .
الْخَامِسَ
عَشَرَ: أَنْ يَأْكُلَ
الْحَلَالَ قَبْلَ الدُّعَاءِ،
لِمَا
فِي صَحِيحِ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّجُلَ
يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ثُمَّ يَمُدُّ يَدَهُ إلَى السَّمَاءِ: يَا
رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ
حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» .
السَّادِسَ
عَشَرَ: الْخُرُوجُ مِنْ
الْمَظَالِمِ،
لِمَا
فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات وَذَكَرَهُ ابْنُ دِينَارٍ:
"أَصَابَ
بَنْيِ إسْرَائِيلَ بَلَاءٌ فَخَرَجُوا مَخْرَجًا، فَأَوْحَى اللَّهُ _عَزَّ
وَجَلَّ_ إلَى نَبِيِّهِمْ أَنْ أَخْبِرْهُمْ أَنَّكُمْ تَخْرُجُونَ إلَى
الصَّعِيدِ بِأَبْدَانٍ نَجِسَةٍ، وَتَرْفَعُونَ إلَيَّ أَكُفًّا قَدْ سَفَكْتُمْ
بِهَا الدِّمَاءَ، وَمَلَأْتُمْ بِهَا بُيُوتَكُمْ مِنْ الْحَرَامِ، الْآنَ
اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْكُمْ، وَلَنْ تَزْدَادُوا مِنِّي إلَّا بُعْدًا ".
[هب][4]
السَّابِعَ
عَشَرَ: دَوَامُ الدُّعَاءِ
فِي السَّرَّاءِ قَبْلَ نُزُولِ الضَّرَّاءِ.
الثَّامِنَ
عَشَرَ: الدُّعَاءُ
بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، فَإِنَّ تَعْلِيمَ الشَّرْعِ خَيْرٌ مِنْ
اخْتِيَارِ الْعَبْدِ.
التَّاسِعَ
عَشَرَ: عَدَمُ الْعَجَلَةِ
كَمَا مَرَّ، انْتَهَى.
زَادَ
ابْنُ الْجَزَرِيِّ: وَتَقْدِيمُ عَمَلٍ صَالِحٍ وَالْوُضُوءُ.
وَهَذَا
مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ:
أَنْ
يَدْعُوَ فِي الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ. وَالْجَثْوُ عَلَى الرُّكَبِ___وَالثَّنَاءُ
عَلَى اللَّهِ،
* وَتَقَدَّمَ
أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَوَّلًا وَآخِرًا وَوَسَطًا،
* وَبَسْطُ
يَدَيْهِ وَرَفْعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَكَشْفُهُمَا مَعَ تَأَدُّبٍ
وَاعْتِرَافٍ بِالذَّنْبِ،
* وَيَبْدَأُ
بِنَفْسِهِ وَلَا يَخُصُّهَا إنْ كَانَ إمَامًا،
* وَلَا
يَدْعُو بِإِثْمٍ وَلَا قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَلَا بِأَمْرٍ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ.
وَهَذَا
مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: وَأَنْ يَسْأَلَ مَا يَصْلُحُ،
وَيَمْسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ.[5]
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ." اهـ
15/ فائدة
العلم في العمل
وقال
الشيخ العباد _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي داود" – تفريغ الشاملة (184/
21):
"فائدة العلم في
العمل، والعلم بدون العمل يكون وبالاً على الإنسان، فالإنسان إذا علم وعمل يكون
عمله على بصيرة، واهتدى إلى بصيرة، وعبد الله على بصيرة، وإذا كان بخلاف ذلك كان
العلم وبالاً عليه، وكان الجاهل أحسن حالاً منه كما قال الشاعر: إذا كنت لا تدري
فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم لا يستوي من يعصي الله وهو جاهل، ومن يعص
الله وهو عالم
16/ الغنى
غنى النفس
وقال
الشيخ عبد المحسن العباد _حفظه الله_ في شرح سنن أبي داود – تفريغ الشاملة (184/
21):
"فالنفس التي لا
تشبع يكون عندها الفقر ولو امتلأت اليدان، فالغنى هو غنى النفس، وإذا وجد غنى
النفس فما وراء ذلك يكون تبعاً له، وإذا فقد غنى النفس فإن اليد ولو كانت غنية فإن
الفقر يكون موجوداً." اهـ
وقال
الإثيوبي في "مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن
الإمام ابن ماجه" (4/ 468_469):
"في فوائده:
1 - (منها): ما ترجم له
المصنّف، وهو الانتفاع بالعلم، والعمل به، ووجه ذلك أنه لما استعاذ -صلى الله عليه
وسلم- من علم لا ينفع عُلم أنه لا ينبغي لطالب أن يطلب ما لا ينفعه من العلوم،
وأيضًا ينبغي له أن يحذر من أن يكون له غرض دنيويّ في ذلك العلم، بل يكون هَمُّهُ الانتفاعَ به، بإزالة الجهل، ثم نَفْعَ عبادِ الله تعالى بِتَعْلِيْمِهِمْ.
ثم إن
استعاذته -صلى الله عليه وسلم- من علم لا ينفع موافقٌ لمعنى ما أخرجه الشيخان في
"صحيحيهما" من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قول: "يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيُلقَى في النار، فتنْدَلق
أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيَجتَمِع أهل النار عليه،
فيقولون: أَيْ فلانُ، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قال:
كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".
2 - (ومنها): استحباب
الاستعاذة من هذه الأربع.
قال
الطيبيّ رحمه الله: (اعلم): أن في كلّ من القران الأربع ما يُشعر بأن وجوده___مبنيّ
على غايته، وأن الغرض منه تلك الغاية، وذلك أن تحصيل العلم إنما هو للانتفاع به،
فإذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافًا، بل يكون وبالًا، ولذلك استعاذ منه النبيّ
-صلى الله عليه وسلم-، وأن القلب إنما خُلق لأن يتخشّع لباريه سبحانه وتعالى،
وينشرح لذلك الصدر، ويُقذف النور فيه، فإذا لم يكن كذلك كان قاسيًا، فيجب أن
يُستعاذ منه، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ
اللَّهِ} [الزمر: 22]، وأن النفس يُعتدّ بها إذا تجافت عن دار الغرور، وأنابت إلى
دار الخلود، وهي إذا كانت منهومة، لا تشبع، حريصةً على الدنيا كانت أعدى عدوّ
المرء، فأولى الشيء الذي يستعاذ منه هي هذه النفس، وعدم استجابة الدعاء دليلٌ على
أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله، ولم يخشع قلبه، ولم تشبع نفسه، فيكون أولى ما
يُستعاذ منه. انتهى.
3 - (ومنها): أن استعاذته
-صلى الله عليه وسلم- من هذه الأمور إظهار للعبودية، وإعظام للربّ سبحانه وتعالى،
وحثّ لأمته على ذلك، وتعليم لهم، وإلا فهو -صلى الله عليه وسلم- معصوم من هذه
الأمور.
4 - (ومنها): أن ما ورد
في المنع عن السجع في الدعاء هو ما يكون عن قصد إليه، وتكلّف في تحصيله، بحيث يمنع
من حضور القلب، وخشوعه، أما إذا اتّفق، وحصل بسبب قوّة السليقة، وفصاحة اللسان،
فليس بممنوع، كما اتّفق له -صلى الله عليه وسلم- في هذا الدعاء ونحوه، والله تعالى
أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ
[1] أي: الأشياء المقترنة في هذا الحديث.
[2] أخرجه الترمذي في "سننه"
– ت. شاكر (5/ 517) (رقم: 3479)، وحسنه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة
الأحاديث الصحيحة" (2/ 141) (رقم: 594)
[3] أخرجه الترمذي في
"سننه" – ت. شاكر (5/ 517) (رقم: 3479)، وحسنه الألباني _رحمه الله_ في
"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/ 141) (رقم: 594)
[4] أخرجه أبو داود في
"الزهد" (ص: 38) (رقم: 13)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/
387) (رقم: 1116) بسند حسن موقوفا على مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، وهو من
الإسرائيليات.
[5] والحديث الوارد لا يصح منه
شيْء! فقال شيخ الإسلام _رحمه الله_ في مجموع الفتاوى (22/ 519):
"وَأَمَّا
رَفْعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ:
فَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَأَمَّا مَسْحُهُ وَجْهَهُ
بِيَدَيْهِ فَلَيْسَ عَنْهُ فِيهِ إلَّا حَدِيثٌ أَوْ حَدِيثَانِ لَا يَقُومُ
بِهِمَا حُجَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ
وقال العثيمين في "مجموع فتاوى ورسائل"
له (14/ 157) (رقم: 781):
"سئل فضيلة الشيخ: عن حكم مسح الوجه باليدين
بعد الدعاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء
الأقرب أنه غير مشروع؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة حتى قال شيخ الإسلام -
رحمه الله -: إنها لا تقوم بها الحجة، وإذا لم نتأكد أو يغلب على ظننا أن هذا
الشيء مشروع فإن الأولى تركه؛ لأن الشرع لا يثبت بمجرد الظن إلا إذا كان الظن
غالباً.
فالذي أرى في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء أنه ليس
بسنة والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو معروف دعا في خطبة الجمعة
بالاستسقاء ورفع يديه ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وكذلك في عدة أحاديث جاءت عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه دعا ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح
وجهه." اهـ
تنبيه: ورد فيه عند
ابن ماجه في "سننه" (1/ 373 و 2/ 1272) (رقم: 1181 و 3866): حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ
حَبِيبٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَوْتَ اللَّهَ فَادْعُ بِبَاطِنِ كَفَّيْكَ، وَلَا
تَدْعُ بِظُهُورِهِمَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَكَ»
فيه صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ الْأَنْصَارِيِّ، وهو
متروك. وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (2/ 179) (رقم: 434).
وفي "سنن أبي داود" (2/ 78) (رقم: 1485):
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ مَنْ نَظَرَ
فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ، سَلُوا
اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا، فَإِذَا
فَرَغْتُمْ، فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ»
وفيه ثلاث علل:
الأولى: عبد الملك بن محمد بن
أيمن الحجازي (وهو مجهول)،
والثانية: وعبد الله بن يعقوب
بن إسحاق المدني (وهو مجهول الحال)،
والثالثة: من حدث عن كعب (وهو
رجل مهبهم)، ولعله صالح بن حسان الأنصاري في رواية ابن ماجه السابقة (وهو متروك)
ثم ورد شاهد لا يفرح به من حديث
عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/
463_464) (رقم: 3386): حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى،
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ عِيسَى الجُهَنِيُّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ الجُمَحِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى
يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى فِي حَدِيثِهِ: لَمْ
يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ
وَهُوَ قَلِيلُ الحَدِيثِ
وهو حديث ضعيف جدا: صرح
بذلك الألباني في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (2/ 178) (رقم:
433)، وقال:
"وقال الترمذى: " حديث صحيح غريب , لا نعرفه إلا من حديث
حماد بن عيسى وقد تفرد به وهو قليل الحديث , وقد حدث عنه الناس ".
قلت: ولكنه ضعيف كما فى "
التقريب " , وفى " التهذيب ": " قال ابن معين: شيخ صالح ,
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال أبو داود: ضعيف روى أحاديث مناكير. وقال الحاكم
والنقاش: يروى عن ابن جريج وجعفر الصادق أحاديث موضوعة. وضعفه الدارقطنى , وقال
ابن حبان: يروى عن ابن جريج وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أشياء مقلوبة يتخايل
إلى من هذا الشأن صناعته أنها معمولة لا يجوز الاحتجاج به , وقال ابن ماكولا:
ضعفوا حديثه ".
قلت: فمثله
ضعيف جداً، فلا يحسن حديثه فضلاً عن أن يصحح! والحاكم مع تساهله لما أخرجه
فى " المستدرك " (1/536) سكت عليه ولم يصححه , وتبعه الحافظ الذهبى."
اهـ
وفي سنن أبي داود (2/ 79) (رقم:
1492): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ
حَفْصِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ،
مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ»
قلتُ: حفص بن هاشم بن عتبة بن
أبى وقاص القرشي الزهري (مجهول).
قَالَ عَبْدُ اللهِ في "مسند
أحمد" - عالم الكتب (4/ 221) (رقم: 17943): "وَقَدْ خَالَفُوا
قُتَيْبَةَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَأَحْسِبُ قُتَيْبَةَ وَهِمَ فِيهِ
يَقُولُونَ عَنْ خَلاَّدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ.
وقال الألباني في في إرواء
الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (2/ 179):
"وهذا سند ضعيف , لجهالة حفص بن هاشم، وضعف ابن لهيعة. ولا
يتقوى الحديث بمجموع الطريقين لشدة ضعف الأول منهما كما رأيت." اهـ
فائدة:
قال المحدث الألباني _رحمه
الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (2/ 181_182):
"وسئل عبد الله (هو ابن المبارك) عن الرجل يبسط يديه , فيدعو
, ثم يمسح بهما وجهه؟ فقال: كره ذلك سفيان ".
(تنبيه): أورد المصنف هذا الحديث والذى قبله مستدلاً بهما على أن
المصلى يمسح وجهه بيديه هنا فى دعاء القنوت , وخارج الصلاة , وإذا عرفت ضعف
الحديثين فلا يصح الاستدلال بهما , لا سيما ومذهب أحمد على خلاف ذلك كما رأيت.
وقال البيهقى: " فأما مسح
اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف فى دعاء القنوت ,
وإن كان يروى عن بعضهم فى الدعاء خارج الصلاة , وقد روى فيه عن النبى صلى الله
عليه وسلم حديث فيه ضعف , وهو مستعمل عند
بعضهم خارج الصلاة ; وأما فى
الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح , ولا أثر ثابت , ولا قياس , فالأولى أن لا
يفعله , ويقتصر على ما فعله السلف رضى الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه
فى الصلاة ".
ورفع اليدين فى قنوت النازلة
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دعائه على المشركين الذين قتلوا السبعين
قارئاً.
أخرجه الإمام أحمد (3/137)
والطبرانى فى " الصغير " (ص 111) من حديث أنس بسند صحيح. وثبت مثله عن
عمر , وغيره فى قنوت الوتر.
وأما مسحهما بالوجه فى القنوت
فلم يرد مطلقاً لا عنه صلى الله عليه وسلم , ولا عن أحد من أصحابه , فهو بدعة بلا
شك.
وأما مسحهما به خارج الصلاة
فليس فيه إلا هذا الحديث والذى قبله___ولا يصح القول بأن أحدهما يقوى الآخر بمجموع
طرقهما ـ كما فعل المناوى ـ لشدة الضعف الذى فى الطرق , ولذلك قال النووى فى
" المجموع ": لا يندب " تبعا لابن عبد السلام , وقال: لا يفعله إلا
جاهل.
ومما يؤيد عدم مشروعيته أن رفع
اليدين فى الدعاء قد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة وليس فى شىء منها مسحهما بالوجه
فذلك يدل ـ إن شاء الله ـ على نكارته وعدم مشروعيته." اهـ كلام الألباني.
Komentar
Posting Komentar