شرح الحديث 40 من باب الوضوء - من كتاب بلوغ المرام للشارح أبي فائزة البوجيسي

 

40 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_ قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ يَقُولُ:

"إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[1] غُرًّا مُحَجَّلِيْنَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ، فَلْيَفْعَلْ." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

 

نص الحديث وشرحه:

 

وفي رواية البخاري في صحيحه (1/ 39):

«إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»

وفي "تطريز رياض الصالحين" (ص: 601):

"الغرة: في الوجه، والتحجيل: في اليدين والرجلين.

قال الحافظ: وأصل (الغُرَّةِ) لمعةٌ بيضاءُ تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا: النور الكائن في وجوه أمة محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقوله: «محجلين» من التحجيل، وهو بياض يكون في قوائم الفرس، والمراد به هنا: النور أيضًا." اهـ

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 107)

وأما الغُرَّةُ، فهي البياض في الوجه، والتَّحجيلُ: بياضٌ في اليدين والرّجلين، وأصله في اللغة: البياضُ في جبهة الفرس ويديها ورجليها، ثمَّ استعملَهُ - صلى الله عليه وسلم - في العلامة التي تكون على المؤمنين يوم القيامة في مواضع الوضوء، وهي نور، وسمَّاه غرةً وتحجيلًا من آثار الوضوء، والمرادُ به في الغرة: غسلُ شيءٍ من مقدم الرأس وما يجاوزُ الوجهَ زائد على الجزء الذي يجبُ غسلُه لاستيعابِ كمالِ الوجه، وفي التَّحجيل: غسلُ ما فوقَ المرفقين والكعبين، وهو مستحب بلا خلاف." اهـ

 

قلت: قوله في التحجيل ففيه نظر!

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 191)

وقوله: "من أثر" (من) هذا للتعليل، "من أثر الوضوء" يجوز فيه الوجهان: الوَضُوْءُ أي: الماءُ، والوُضُوْءُ، أي: الفِعْلُ، وكلاهما صحيح." اهـ

 

المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 280)

فعلى الأول: جعل الصلاة نفس النور للمُبَالغة.

وعلى الثاني: ذات النور لصاحِبِها.

وعلى الثالث: مُنِيرةٌ بوجهِهِ إذا فَعَلَهَا بِشُروطِهَا ومُكَمِّلاتها؛ فَتُنَوِّرُ القلبَ بحيث تُشْرِقُ فيه أنوارُ المعارف والمُكَاشَفَات "وَجُعِلت قُرَّةُ عَيْني في الصَّلاة"، وتُنَوِّر بين يَدَيْه ووجهه يوم القيامة؛ فيكون ذا غُرَّةٍ وتَحْجيل، والنور مشاهدٌ في الدُّنيا على وجْهِهِ، لا سيما المتقي بخِلافِ عَكْسِهِ."

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 39) (رقم: 136)، ومسلم في صحيحه (1/ 216/ 35) (رقم: 246)، والقاسم بن سلام في الطهور (ص: 117) (رقم: 26)، أحمد في مسنده - عالم الكتب (2/ 400) (رقم: 9195)، وأبو عَوانة في "المستخرج" (1/ 190) (رقم: 603)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 40) (رقم: 216)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 259) (رقم: 2487)، ومعرفة السنن والآثار (1/ 309) (رقم: 738).

 

والحديث صحيح دون الزيادة المدرجة.

وقال الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (3/ 106_107) (رقم: 1030) في بيان ذلك:

"وقد قال الحافظ في " الفتح " (1/190) :

ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه، والله أعلم.

قلت: وقد فات الحافظ رواية ليث عن كعب عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره بهذه الجملة.

أخرجه أحمد (2/362) ، لكن ليث وهو ابن أبي سليم ضعيف لاختلاطه، وقد حكم غير واحد من الحفاظ على هذه الجملة أنها مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة، فقال الحافظ المنذري في " الترغيب " (1/92) :

وقد قيل: إن قوله: من استطاع إلى آخره، إنما هو مدرج من كلام أبي هريرة موقوف عليه، ذكره غير واحد من الحفاظ، والله أعلم.

قلت: وممن ذهب إلى أنها مدرجة من العلماء المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فقال هذا في " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (1/316) : فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بين ذلك غير واحد من الحفاظ، وكان شيخنا يقول: هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الغرة لا تكون في اليد، لا تكون إلا في الوجه، وإطالته غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرة.

قلت: وكلام الحافظ المتقدم يشعر بأنه يرى كونها مدرجة، وممن صرح بذلك___تلميذه إبراهيم الناجي في نقده لكتاب " الترغيب "، المسمى بـ " العجالة المتيسرة " (ص 30) ، وهو الظاهر مما ذكره الحافظ من الطرق، ومن المعنى الذي سبق في كلام ابن تيمية.

ومن الطرق المشار إليها ما روى يحيى بن أيوب البجلي عن أبي زرعة قال:

دخلت على أبي هريرة وهو يتوضأ إلى منكبيه، وإلى ركبتيه، فقلت له: ألا تكتفي بما فرض الله عليك من هذا؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مبلغ الحلية مبلغ الوضوء، فأحببت أن يزيدني في حليتي.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/40) وعلقه أبو عوانة في " صحيحه " (1/243) ، وإسناده جيد.[2]

وله طريق أخرى عند مسلم وغيره عن أبي حازم قال:

كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ! أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.

قلت: فليس هذه الطريق تلك الجملة " فمن استطاع ... " ولوكانت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأوردها أبو هريرة محتجا بها على أبي زرعة وأبي حازم اللذين أظهرا له ارتيابهما من مد يده إلى إبطه، ولما كان به حاجة إلى أن يلجأ إلى الاستنباط الذي قد يخطيء وقد يصيب، ثم هو لوكان صوابا لم يكن في الإقناع في قوة النص كما هو ظاهر." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 227_228)

ما يؤخذ من الحديث:

1 - فضيلة الوضوء، وأنَّه سببٌ قويٌّ لحصول السعادة الأبدية.

2 - أنَّ أثر الوضوء على الأعضاء سبب لنورها؛ ففي الوجه لمعةٌ بيضاء مشرقة، وفي اليدين والرجلين نورٌ مضيءٌ.

3 - أنَّ هذه ميزةٌ خاصَّة، وأمارةٌ فارقة لأمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، تلك الأمة الممتثلة والقائمة بطاعة الله تعالى.

4 - الرَّاجح: أنَّ الوضوء من خصائص أمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن في الأمم السَّابقة؛ ذلك أنَّ الله تعالى جعل الغرَّة في وجوههم، والتحجيل في أيديهم وأقدامهم، سيما خاصَّةً لهم من أثر الوضوء؛ لما جاء في صحيح مسلم (247)؛ أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لكم سيما ليست لأحدٍ من الأمم تَرِدُونَ عليَّ غرًّا محجلين من أثر الوضوء"، ولو كان غيرهم يتوضأ، لصار لهم مثل ما لأمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

قال شيخ الإِسلام: الوضوء من خصائص هذه الأمة كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، أمَّا ما رواه ابن ماجه: فلا يحتج به، وليس له عند أهل الكتاب خبر عن أحدٍ من الأنبياء، أنَّه يتوضأ وضوء المسلمين.

5 - أنَّ طاعة الله تعالى سببٌ للفلاح والنجاح والفوز، فكل عبادةٍ لله تعالى لها جزاء يناسبها.

6 - إثبات المعاد والجزاء فيه، وهو ممَّا علم من الدِّين بالضرورة، فإنَّ الإيمان بالبعث هو من أركان الإيمان الستَّة، فلا يصح إسلام أحدٍ إلاَّ بالإيمان بالبعث والجزاء بعد الموت.

7 - البعث يكون للأرواح والأجساد؛ كما صحَّ بذلك الحديث عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: أنَّ النَّاس يحشرون يوم القيامة حفاة عراةً غرلًا.

8 - قوله: "من أمتي": الأمة قسمان: أمة دعوة، وأمَّة إجابة؛ فكل وصفٍ أنيط___بأمَّة محمَّد -صلى الله عليه وسلم-، فالمراد به أمَّة الإجابة، وما عدا ذلك، فهم أمَّة الدعوة.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3537)

وَفِي هَذَا فَضِيلَةٌ عُظْمَى وَمَرْتَبَةٌ كُبْرَى لِلْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ.

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 517)

وفي الحديث بشارة لهذه الأمة زاد الله شرفها، فهنيئاً لمن كان رسول الله فرطه

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 228_229):

خلاف العلماء:

ذهب أبو حنيفة، والشافعي وأحمد وأتباعهم: إلى استحباب مجاوزة الفرض في الوضوء، وهو مذهب جمهور العلماء، واستدلوا ببقية حديث الباب: "فمن استطاع منكم أنْ يطيل غرَّته، فليفعل".

قال النووي: اتفق أصحابنا على غسل ما فوق المرفقين والكعبين.

وذهب الإمام مالك وأهل المدينة: إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإِسلام، وابن القيم، واختار هذه الرواية من علمائنا المعاصرين الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ عبد العزيز بن باز، وغيرهم.

واستدلوا على ذلك بما يأتي:

أوَّلاً: مجاوزة محل الفرض على أنَّها عبادة، دعوى تحتاج إلى دليل.

ثانيًا: كل الواصفين لوضوء النَّبي _صلى الله عليه وسلم_ ذكروا أنَّه _صلى الله عليه وسلم_ كان يغسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين.

ثالثًا: آية الوضوء حدَّدت محل الفرض: المرفقين والكعبين، وهي من آخر ما نزل من القرآن.

رابعًا: لو سلمنا بهذا، لاقتضى الأمر أنْ نتجاوز حدّ الوجه، إلى بعض شعر الرأس، وهذا لا يسمَّى غرَّة؛ فيكون متناقضًا.

خامسًا: الحديث لا يدل على الإطالة؛ فإنَّ الحلية إنَّما تكون زينة في السَّاعد والمعصم، لا العضد والكتف.

سادسًا: أمَّا قوله: "فمن استطاع منكم أنْ يطيل غرَّته وتحجيله، فليفعل" فهذه الزيادة مدرجةٌ في الحديث من كلام أبي هريرة، لا من كلام النَّبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما في رواية أحمد (8208)، وقد بين ذلك غير واحدٍ من الحفَّاظ.___

ففي "مسند الإمام أحمد": قال نُعَيْمٌ المُجمِرُ[3] راوي الحديث:

"لا أدري: قوله: (من استطاع منكم أنْ يطيل غرَّته، فليفعل) من كلام النَّبي _صلى الله عليه وسلم_، أو شيء قاله أبو هريرة من عنده؟!"[4]

وقال ابن القيم: وكان شيخنا يقول: هذه اللفظة لا تكون من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّ الغرَّة لا تكون في اليد، ولا تكون في الوجه، وإطالتها غير ممكنة وإذا كانت في الرأس، فلا تسمَّى تلك غرة. أهـ.

 

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 108)

وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على أن الوضوءَ من خصائصِ هذه الأمة -زادَها اللهُ تعالى شرفًا-، وقال آخرونَ: ليس الوضوءُ مختصًّا بها، بل الذي اختصَّت به الغرة والتحجيلُ.

واحتجوا بالحديث الآخر: "هَذَا وُضُوئي وَوُضُوءُ الأَنبِياء قَبْلي" (1)، وأجاب الأولون عن هذا بجوابين:

أحدُهما: أنَّه حديثٌ ضعيفٌ معروفُ الضَّعفِ.

والثاني: لو صح، لاحتمل اختصاصَ الأنبياء دون أممهم؛ بخلاف هذه الأمة -والله أعلم-، ولا شكَّ أن هذه الأمة مختصةٌ بآثارِ الوضوء يوم القيامة، وهو النور الذي يكون في الوجوه والأيدي والأرجل المسمَّى بالحِلْية دونَ غيرِهم من الأمم -والله أعلم-." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (1/ 236)

وَاسْتَدَلَّ الْحَلِيمِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي قِصَّةِ سَارَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعَ الْمَلِكِ الَّذِي أَعْطَاهَا هَاجَرَ:

"أَنَّ سَارَةَ لَمَّا هَمَّ الْمَلِكُ بِالدُّنُوِّ مِنْهَا قَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي."

وَفِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ أَيْضًا:

"أَنَّهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ كَلَّمَ الْغُلَامَ."[5]

فَالظَّاهِرُ: أَنَّ الَّذِيَ اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ هُوَ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ، لَا أَصْلُ الْوُضُوءِ،

وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا مَرْفُوعًا قَالَ: (سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ)." اهـ

 

كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (1/ 167)

قال في "إغاثة اللهفان" [(1/181)]:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حَدَّ حدوداً فلا تعتدوها" [طس: ضعيف]،[6]

والله سبحانه قد حدّ المرفقين والكعبين، فلا ينبغي تعديتُهما، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينقل مَنْ نقلَ عنه وضوءه أنه تعداهما؛ لأن ذلك أصل الوسواس، ومادته، ولأن فاعله إنما يفعله قربةً وعبادةً؛ والعبادات مبناها على الاتباع، ولأن ذلك ذريعة إلى غسل الفخذ والكتف،

وهذا مما يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يفعلوه ولا مرةً واحدةً؛

ولأن هذا من الغلو في الدين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والغُلُوَّ في الدين"،

ولأنه تعمُّق، وهو منهي عنه، ولأنه عضوٌ من أعضاء الطهارة؛ فكره مجاوزته؛ كالوجه." اهـ[7]

 

وقال الشيخ العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 191_192):

"في هذا الحديث فوائد:

* أن هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم تأتي يوم القيامة على هذا الوصف، وجوههم بيض نور يتلألأ، أيديهم كذلك، أرجلهم كذلك.

* ومن فوائد الحديث: أن هذا النور والبياض يختص بأعضاء الوضوء فقط التي تغسل وهي الوجه واليدان والرجلان، وأما الرأس فمسكوت عنها؛ لأن الغرة لا تكون إلا في الوجه.

* ومن فوائد هذا الحديث: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأنهم لما طهروا هذه الأعضاء في الوضوء امتثالا لأمر الله عز وجل وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، كان جزاؤهم مثل العمل،

ولهذا تجدون في القرآن الكريم آياتٍ كثيرةً: {جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17]،

وأمثالَ ذلك إشارةً إلى أن الجزاء___من جنس العمل، ولكن الله عز وجل بفضله ورحمته، جعَل الجزاء في الحسنات أكثر من العمل، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

* ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة هذه الأمة حيث تأتي يوم القيامة على هذا الوجه الذي يشهد به الأولون والآخرون من عمل مضى في حين من الدهر سابق بعيد، فيأتون على هذا الوجه - جعلنا الله وإياكم منهم- ففيه فضيلة لهذه الأمة، ولهذا جاء في الحديث "سيما ليست لغيركم" ... وذكر الحديث، "سيما" يعني: علامة، والحمد لله.

* ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة الوضوء؛ حيث كان جزاؤه يوم القيامة ظاهرا بارزا للخلائق.

* ومن فوائد هذا الحديث على ما ذهب إليه بعض العلماء: أنه ينبغي أن يزيد على محل الفرض لتزيد الغرة والتحجيل،

وهذا القول ليس له حظ من النظر في هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الناس سيأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء، والوضوء محدد بالقرآن: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6].

يعني: لو أن إنسانا خرج وزاد إلى نصف العضد أو إلى الكتف ما كان للوضوء محل؛ إذ أن الوضوء محدد بالمرافق، وفي الرجلين محدد بالكعبين،

فلا نقول: توضئوا إلى الركبتين؛ لأن الوضوء محدد، فالحديث لا يقتضي زيادة ولا يدل على فضيلة الزيادة،

وبهذا نعرف أن قوله: "فمن استطاع منكم ... " إلخ. مدرج، ولا يستقيم، لكنه قد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه "أنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل"،

وهذا مرفوع لكن هل إشراعه في العضد إشراع زائد أو على قدر ما يتأتى به الفرض؟ الثاني هو المتعين؛ لأنه لا يمكن أن يجزم بأنه غسل المرفق إلا إذا غسل بعض العضد،

وكذلك في الكعبين لا يمكن أن يتيقن أنه غسلهما إلا إذا شرع في الساق، وما ذكرناه هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعني: أنه لا تسن الزيادة على موضع الفرض في الوضوء." اهـ

 

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 612):

"فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ غُرًّا مُحَجَّلًا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ." اهـ

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (1/ 109)

ففي الحديث: استحبابُ المحافظةِ على الوضوء وسننِه المشروعة.

وفيه: ما أعدَّه الله تعالى من الفضل والعلامة لأهل الوضوء يوم القيامة.

وفيه: ما أطلعه الله تعالى لنبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_ من المغيبات المستقبلة التي لم يُطلع عليها نبيًّا غيره _صلى الله عليه وسلم_ من أمور الآخرة وصفات ما فيها _والله أعلم_." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 249)

(بَيَان استنباط الْأَحْكَام)، وَهُوَ على وُجُوه:

الأول: قَالُوا فِيهِ تَطْوِيل الْغرَّة وَهُوَ غسل شَيْء من مقدم الرَّأْس وَمَا يُجَاوز الْوَجْه زَائِدا على الْقدر الَّذِي يجب غسله لاستيقان كَمَال الْوَجْه،

وَفِيه: تَطْوِيل التحجيل وَهُوَ غسل مَا فَوق الْمرْفقين والكعبين.

وَادّعى ابْن بطال ثمَّ القَاضِي عِيَاض ثمَّ ابْن التِّين اتِّفَاق الْعلمَاء على أَنه لَا يسْتَحبّ الزِّيَادَة فَوق الْمرْفق والكعب،

وَهِي دَعْوَى بَاطِلَة فقد ثَبت ذَلِك عَن فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي هُرَيْرَة وَعمل الْعلمَاء وفتواهم عَلَيْهِ.

فهم محجوجون بِالْإِجْمَاع وَقد ثَبت عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا من فعله أخرجه ابْن أبي شيبَة وَأَبُو عبيد بِإِسْنَاد حسن.

ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي الْقدر الْمُسْتَحبّ من التَّطْوِيل فِي التحجيل،

فَقيل: إِلَى الْمنْكب وَالركبَة، وَقد ثَبت عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة ورأيا،

وَقيل: الْمُسْتَحبّ الزِّيَادَة إِلَى نصف الْعَضُد والساق.

وَقيل: إِلَى فَوق ذَلِك وَنقل ذَلِك عَن الْبَغَوِيّ.

وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة:

(حاصلها: ثَلَاثَة أوجه:

أَحدهَا: أَنه يسْتَحبّ الزِّيَادَة فَوق الْمرْفقين والكعبين من غير تَوْقِيت.

وَثَانِيها: إِلَى نصف الْعَضُد والساق،

وَثَالِثهَا: إِلَى الْمنْكب والركبتين).

قَالَ: (وَالْأَحَادِيث تَقْتَضِي ذَلِك كُله).

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي:

(لَيْسَ فِي الحَدِيث تَقْيِيد وَلَا تَحْدِيد لمقدار مَا يغسل من العضدين والساقين، وَقد اسْتعْمل أَبُو هُرَيْرَة الحَدِيث على إِطْلَاقه. وَظَاهره: من طلب إطالة الْغرَّة، فَغسل إِلَى قريب من الْمَنْكِبَيْنِ، وَلم يُنْقلْ ذَلِك عَن النَّبِي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_، وَلَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُه فِي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. فَلذَلِك لم يقُلْ بِهِ الْفُقَهَاءُ. وَرَأَيْت بعض النَّاس قد ذكر أَن حد ذَلِك نصف الْعَضُد والساق). انْتهى[8]

قلت: قَوْله (لم يقل بِهِ الْفُقَهَاء) مَرْدُود بِمَا ذَكرْنَاهُ وَمن أَوْهَام ابْن بطال وَالْقَاضِي عِيَاض إنكارهما على أبي هُرَيْرَة بُلُوغه المَاء إِلَى إبطَيْهِ وَأَن أحدا لم يُتَابِعه عَلَيْهِ فقد قَالَ بِهِ القَاضِي حُسَيْن وَآخَرُونَ من الشَّافِعِيَّة وَفِي "مُصَنف ابْن أبي شيبَة":

حَدثنَا وَكِيع عَن الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ رُبمَا بلغ بِالْوضُوءِ إبطه فِي الصَّيف فَإِن قلت روى ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن وَكِيع عَن عقبَة بن أبي صَالح عَن إِبْرَاهِيم أَنه كرهه قلت هَذَا مَرْدُود بِذَاكَ فَإِن قلت اسْتدلَّ ابْن بطال فِيمَا ذهب إِلَيْهِ وَمن تبعه أَيْضا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَاد على هَذَا اَوْ نقص فقد أَسَاءَ وظلم قلت هَذَا اسْتِدْلَال فَاسد لِأَن المُرَاد بِهِ الزِّيَادَة فِي عدد المرات أَو النَّقْص عَن الْوَاجِب أَو الثَّوَاب الْمُرَتّب على نقص الْعدَد لَا الزِّيَادَة على تَطْوِيل الْغرَّة أَو التحجيل وَكَذَلِكَ تَأْوِيل ابْن بطال الِاسْتِطَاعَة فِي الحَدِيث على إطالة الْغرَّة والتحجيل بالمواظبة على الْوضُوء لكل صَلَاة فتطول غرته بتقوية نور أَعْضَائِهِ وَبِأَن الطول والدوام مَعْنَاهُمَا مُتَقَارب فَاسد وَوَجهه ظَاهر وَكَذَلِكَ."

 

ثم قال _رحمه الله_ في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 250) ساردا بقية الفوائد:

"الثَّانِي: فِيهِ اسْتِحْبَاب الْمُحَافظَة على الْوضُوء وسننه الْمَشْرُوعَة فِيهِ وإسباغه

الثَّالِث: فِيهِ مَا أعد الله من الْفضل والكرامة لأهل الْوضُوء يَوْم الْقِيَامَة،

الرَّابِع: فِيهِ دلَالَة قَطْعِيَّة على أَن وَظِيفَة الرجلَيْن غسلهمَا وَلَا يجزىء مسحهما

الْخَامِس: فِيهِ مَا أطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المغيبات الْمُسْتَقْبلَة الَّتِي لم يطلع عَلَيْهَا نَبيا غَيره من أُمُور الْآخِرَة وصفات مَا فِيهَا.

السَّادِس: فِيهِ قبُول خبر الْوَاحِد، وَهُوَ مستفيض فِي الْأَحَادِيث.

السَّابِع: فِيهِ الدَّلِيل على كَون يَوْم الْقِيَامَة والنشور.

الثَّامِن: فِيهِ جَوَاز الْوضُوء على ظهر الْمَسْجِد وَهُوَ من بَاب الْوضُوء فِي الْمَسْجِد.

وَقد كرهه قوم، وَأَجَازَهُ آخَرُونَ. وَمن كرهه كرهه لأجل التَّنْزِيه كَمَا ينزه عَن البصاق والنخامة وَحُرْمَة أَعلَى الْمَسْجِد كَحُرْمَةِ دَاخله.

وَمِمَّنْ أجَازه فِي الْمَسْجِد: ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَطَاوُس وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَأكْثر الْعلمَاء.

وَكَرِهَهُ ابْن سِيرِين، وَهُوَ قَول مَالك وَسَحْنُون.

وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أَبَاحَ كل من يحفظ عَنهُ الْعلم الْوضُوءَ فِيهِ، إِلَّا أنْ يَبُلَّهُ، ويتأذى بِهِ النَّاس، فَإِنَّهُ يكره.

وَصرح جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة بِجَوَازِهِ فِيهِ، وَأَن الأولى أَن يكون فِي إِنَاء.

قَالَ الْبَغَوِيّ: وَيجوز نضحه بِالْمَاءِ الْمُطلق، وَلَا يجوز بِالْمُسْتَعْملِ لِأَن النَّفس تعافه وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة يكره الْوضُوء فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَن يكون فِي مَوضِع مِنْهُ قد أعد لَهُ.

التَّاسِع: اسْتدلَّ بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء على أَن الْوضُوء من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَبِه جزم الْحَلِيمِيّ فِي منهاجه وَفِي الصَّحِيح أَيْضا لكم سيماء لَيست لأحد من الْأُمَم تردون عَليّ غرا محجلين من أثر الْوضُوء وَقَالَ الْآخرُونَ لَيْسَ الْوضُوء مُخْتَصًّا بِهَذِهِ الْأمة وَإِنَّمَا الَّذِي اخْتصّت بِهِ الْغرَّة والتحجيل وَادعوا أَنه الْمَشْهُور من قَول الْعلمَاء وَاحْتَجُّوا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي وَأجَاب الْأَولونَ عَن هَذَا بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه حَدِيث ضَعِيف وَالْآخر أَنه لَو صَحَّ لاحتمل اخْتِصَاص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي هَذِه الخصوصية وامتازت بالغرة والتحجيل وَلَكِن ورد فِي حَدِيث جريج كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه أَنه قَامَ فَتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ كلم الْغُلَام وَثَبت أَيْضا عِنْد البُخَارِيّ فِي قصَّة سارة عَلَيْهَا السَّلَام مَعَ الْملك الَّذِي أَعْطَاهَا هَاجر أَن سارة لما هم الْملك بالدنو مِنْهَا قَامَت تتوضأ وَتصلي وَفِيهِمَا دلَالَة على أَن الْوضُوء كَانَ مَشْرُوعا لَهُم وعَلى هَذَا فَيكون خَاصَّة هَذِه الْأمة الْغرَّة والتحجيل الناشئين عَن الْوضُوء لَا أصل الْوضُوء وَنقل الزناتي الْمَالِكِي شَارِح الرسَالَة عَن الْعلمَاء أَن الْغرَّة والتحجيل حكم ثَابت لهَذِهِ الْأمة من تَوَضَّأ مِنْهُم وَمن لم يتَوَضَّأ كَمَا قَالُوا لَا يكفر أحد من أهل الْقبْلَة كل من آمن بِهِ من أمته سَوَاء صلى أَو لم يصل وَهَذَا نقل غَرِيب وَظَاهر الْأَحَادِيث يَقْتَضِي خُصُوصِيَّة ذَلِك لمن تَوَضَّأ مِنْهُم وَفِي صَحِيح ابْن حبَان يَا رَسُول الله كَيفَ تعرف من لم يَرك من أمتك قَالَ غر محجلون بلق من آثَار الْوضُوء." اهـ

 

وقال ابن هبيرة الشيباني _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 335):

"وآثار الوضوء علامة تظهر لهذه الأمة خاصَّةً في القيامة تدل على فضيلتها." اهـ

 

الاستذكار (1/ 192_193):

وَأَمَّا قَوْلُهُ ((فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ))،

فَفِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَمَ أتباع الأنبياء لا يتوضؤون مِثْلَ وُضُوئِنَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ الْغُرَّةَ فِي الْوَجْهِ وَالتَّحْجِيلَ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ

هَذَا مَا لَا مَدْفَعَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ مُتَأَوِّلٌ أَنَّ وُضُوءَ سائر الأمم___لَا يُكْسِبُهَا غُرَّةً وَلَا تَحْجِيلًا،

وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بُورِكَ لَهَا فِي وُضُوئِهَا بِمَا أُعْطِيَتْ مِنْ ذَلِكَ شَرَفًا لَهَا وَلِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَسَائِرِ فَضَائِلِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ كَمَا فُضِّلَ نَبِيُّهَا بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَغَيْرِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَنْبِيَاءُ يتوضؤون فَيَكْتَسِبُونَ بِذَلِكَ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ وَلَا يَتَوَضَّأُ أَتْبَاعُهُمْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ كَمَا خُصَّ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَشْيَاءَ دُونَ أُمَّتِهِ مِنْهَا نِكَاحُ مَا فَوْقَ الْأَرْبَعِ وَالْمَوْهُوبَةِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَالْوِصَالُ وَغَيْرُ ذَلِكَ

فَيَكُونُ مِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ تُشْبِهَ الْأَنْبِيَاءَ كَمَا جَاءَ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ يَا رَبِّ! أَجِدُ أُمَّةً كُلُّهُمْ كَالْأَنْبِيَاءِ فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي فَقَالَ تِلْكَ أَمَةُ أَحْمَدَ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (20/ 258)

وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَمَ أَتْبَاعَ الأنبياء لا يتوضأون مِثْلَ وُضُوئِنَا عَلَى الْوَجْهِ فَالْيَدَيْنِ فَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ الْغُرَّةَ فِي الْوَجْهِ وَالتَّحْجِيلَ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ هَذَا مَا لَا مَدْفَعَ فِيهِ عَلَى هَذَا الحديث إلا أن يتأؤل مُتَأَوِّلٌ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ وُضُوءَ سَائِرِ الْأُمَمِ لَا يُكْسِبُهَا غُرَّةً وَلَا تَحْجِيلًا وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بُورِكَ لَهَا فِي وُضُوئِهَا بِمَا أُعْطِيَتْ مِنْ ذَلِكَ شَرَفًا دَائِمًا وَلِنَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَائِرِ فَضَائِلِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ كَمَا فُضِّلَ نَبِيُّهَا بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَغَيْرِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يكون الأنبياء يتوضؤون فيكسبون بذلك الغرة والتحجيل ولا يتوضأ أبتاعهم ذَلِكَ الْوُضُوءَ كَمَا خُصَّ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَشْيَاءَ دُونَ أُمَّتِهِ مِنْهَا نِكَاحُ مَا فَوْقَ الْأَرْبَعِ وَالْمَوْهُوبَةِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَالْوِصَالُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ تُشْبِهَ كُلُّهَا الْأَنْبِيَاءَ كَمَا جَاءَ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ أَجِدُ أُمَّتَهُ كُلَّهُمْ كَالْأَنْبِيَاءِ فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي قَالَ تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ

 

المنتقى شرح الموطإ (1/ 70)

"وَهَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ لَا تَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَلِذَلِكَ يَعْرِفُ الْغُرَّ الْمُحَجَّلِينَ مِنْهُمْ." اهـ

 

حجة الله البالغة (1/ 296)

"لما كَانَ شبح الطَّهَارَة مَا يتَعَلَّق بالأعضاء الْخَمْسَة تمثل تنعم النَّفس بهَا حلية لتِلْك الْأَعْضَاء وغرة وتحجلا كَمَا يتَمَثَّل الْجُبْن وَبرا والشجاعة أسدا." اهـ



[1]  وقال العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (1/ 190_191):

قوله: "سمعته يقول: إن أمتي يأتون" والمراد بالأمة هنا: أمة الإجابة؛ لأن الأمة يراد بها أمة الدعوة؛ يعني: الأمة التي وجهت إليها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعم جميع الناس منذ بعث الرسول - عليه الصلاة والسلام- إلى يوم القيامة كلهم أمته، وأمة الإجابة وهم الذين استجابوا للرسول - عليه الصلاة والسلام-، فأمة الدعوة وجهت إليهم الدعوة فمنهم من آمن ومنهم من كفر.

وأمة الإجابة هم الذين استجابوا، فكل فضل ورد في الأمة - أمة النبي صلى الله عليه وسلم- فإنه يحمل على أمة الإجابة؛ لأن أمة الكفر ليس لها فضيلة.

يقول: "يأتون يوم القيامة" أي: يوم يبعث الناس، وسمي يوم القيامة لوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: أن الناس يقومون فيه من قبورهم لله عز وجل كما قال الله تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 6].

الثاني: أنه يقام فيه العدل لقول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا} [الأنبياء: 47].___

والثالث: أنه يقوم فيه الأشهاد كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهد} [غافر: 51]." اهـ

[2]  أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 58) (رقم: 607)

[3]  وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 227) (رقم: 94):

نُعَيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُجْمِرُ المَدَنِيُّ * (ع): الفَقِيْهُ، مَوْلَى آلِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، كَانَ يُبَخِّرُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. جَالَسَ أَبَا هُرَيْرَةَ مُدَّةً. وَسَمِعَ أَيْضاً مِنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ مِنْ بَقَايَا العُلَمَاءِ.

[4]  أخرجه أحمد في "مسنده" - عالم الكتب (2/ 334) (رقم: 8413)، وصححه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (14/ 136) (رقم: 8413)

[5]  وفي "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (6/ 611):

"وقوله: (فتوضأ وصلى)،

فيه: رد على من قال أن هذه الأمة مخصوصة بالوضوء من بين سائر الأمم، وأنهم يأتون لذلك غرًا محجلين يوم القيامة، فبان بهذا الحديث أن الوضوء كان فى غير هذه الأمة، ووضح أن الذى خصت به هذه الأمة من بين سائر الأمم إنما هو الغرر والتحجيل ليمتازوا بذلك من بين سائر الأمم،

وقد جاء فى حديث سارة حين أخذها الكافر من إبراهيم: أنها قامت فتوضأت وصلت حتى غط الكافر برجله، ذكره البخارى فى كتاب الإكراه." اهـ

[6]  حديث ضعيف جدا: أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/ 265 و 8/ 381) (رقم: 7461 و 8938)، و"المعجم الصغير" (2/ 249) (رقم: 1111)، والدارقطني في "سننه" (5/ 537) (رقم: 4814). وفيه: أصرم بن حوشب

وقال الحافظ ابن حجر _رحمه الله_ في "لسان الميزان" (2/ 210) (رقم: 1305):

أصرم بن حوشب أبو هشام، قاضي همذان: هالك. له عن زياد بن سعد وقرة بن خالد. قال يحيى: "كذاب خبيث." وَقال البُخاري ومسلم والنسائي: "متروك." وقال الدارقطني: "منكر الحديث." وقال السعدي: "كتبت عنه بهمذان سنة ثلاثين ومئتين وهو ضعيف."___وقال ابن حبان: "كان يضع الحديث على الثقات." اهـ

وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 221 و 22/ 263) (رقم: 589 و 677)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (4/ 129) (رقم: 7114)، والدارقطني في "سننه" (5/ 325) (رقم: 4396)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 21) (رقم: 19725)، وغيرهم: عن أبي ثعلبة _رضي الله عنه_، 

وفيه: مكحول الشامي. قال أبو عيسى الترمذي: "سمع من واثلة، وأنس، و أبى هند الداري، ويقال: إنه لم يسمع من أحد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم إلا من هؤلاء الثلاثة."

ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 37) (رقم: 33)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (ص: 230) (رقم: 1597)

[7]  انظر: "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/ 181) لابن القيم - بتحقيق محمد حامد الفقي، ط. مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية.

[8]  انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1/ 93) لابن دقيق العيد القشيري _رحمه الله_.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين