شرح الحديث 158 من باب حسن الملكة - الأدب الفرد - للشارح أبي فائزة البوجيسي

 

158 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوسَى، عَنْ عَلِيٍّ _صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ_ قَالَ:

كَانَ آخِرُ كَلَامِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «الصَّلَاةَ، الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ (ثقة ثبت: 227 هـ):

محمد بن سلام بن الفرج السلمى مولاهم ، أبو عبد الله أو أبو جعفر ، البخارى البيكندى، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له:  خ

 

* قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ (صدوق عارف رمى بالتشيع: سنة 295 هـ):

محمد بن فضيل بن غزوان بن جرير الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، من صغار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

* عَنْ مُغِيرَةَ (ثقة متقن: 136 هـ):

المغيرة بن مِقْسَم الضبي مولاهم، أبو هشام الكوفي، الفقيه الأعمى، من الذين عاصروا صغارالتابعين، روى له: خ م د ت س ق

 

* عَنْ أُمِّ مُوسَى (مقبولة):

أم موسى (سرية علي بن أبي طالب، قيل: اسمها فاختة ، وقيل: حبيبة)، من الوسطى من التابعين، روى له: بخ د س ق

 

تنبيه:

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (12/ 481) (رقم: 2993):

"بخ د س ق - أم موسى" سرية علي بن أبي طالب قيل اسمها فاختة وقيل حبيبة روت عن علي بن أبي طالب وعن أم سلمة،

روى عنها مغيرة بن مقسم الضبي. قال الدارقطني: (حديثها مستقيم يخرج حديثها اعتبارا)، قلت: وقال العجلي: (كوفية تابعية ثقة)." اهـ

 

* عَنْ عَلِيٍّ _صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ_ (صحابى: ت. 40 هـ):

على بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، أبو الحسن الهاشمي (أمير المؤمنين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم)، روى له :  خ م د ت س ق

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنْ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ: كَانَ آخِرُ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةَ، الصَّلَاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

 

سنن ابن ماجه (2/ 901)

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ آخِرُ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (14/ 44)

(الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ فِعْلٍ أَيِ الْزَمُوا الصَّلَاةَ أَوْ أَقِيمُوا أَوِ احْفَظُوا الصَّلَاةَ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى حُقُوقِهَا

 

وقال الزيداني _رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (4/ 144) أثناء بيانه بابَ النفقات وحق المملوك:

"(وما ملكت أيمانُكم): عُطف عليها.

وقيل: (وما ملكت أيمانكم) عبارةٌ عن الزكاة، وإنما قال: أراد به الزكاةَ؛ لأنَّ القرآنَ والحديثَ إذا ذُكر فيهما الصلاةُ فالغالبُ أنه ذُكر بعدَها الزكاةُ، قال تعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [التوبة: 71]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وفي الحديث: "وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج"، و"تُقيم الصلاةَ المكتوبةَ، وتُؤدِّي الزكاةَ المفروضةَ"؛ فقاسَ هذا المُبهَمَ بالمُعيَّنِ.

وقيل: عبارةٌ عن المماليك؛ وهو الأظهرُ،

وإيرادُ هذا الحديث في هذا الباب دليلٌ على أنه أراد به المماليكَ، وذكرُه عَقيبَ الصلاة إشارةٌ إلى أنَّ حقوقَ المماليك واجبةٌ على السادات، كما أنَّ الصلاةَ واجبةٌ عليهم؛ بحيث لا سعةَ في تركها." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 67) (رقم: 158)، وأبو داود في "سننه" (4/ 339) (رقم: 5156)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 901) (رقم: 2698)، وأحمد في "المسند" - عالم الكتب (1/ 78) (رقم: 585)، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (1/ 333) (رقم: 325)، وابن أبي الدنيا في "الْمُحْتَضَرِيْنَ" (ص: 43) (رقم: 29)، وأبو يعلى الموصلي في "المسند" (1/ 447) (رقم: 596)، والْمَحَامِلِيُّ في "الأماليْ" - رواية ابن يحيى البيع (ص: 170) (رقم: 140)، وأبو جعفر الطبري في "تهذيب الآثار" - مسند علي (3/ 166)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 19) (رقم: 15800)، و"شعب الإيمان" (11/ 70) (رقم: 8195)، وفي "الآداب" (ص: 23) (رقم: 50)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" = "المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما" (2/ 420) (رقم: 806).

 

وقال الأرنؤوط _رحمه الله_ في تعليقه على "مسند أحمد" – ط. الرسالة (2/ 24):

"حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أم موسى سرية علي، فقد وثقها العجلي، وقال الدارقطني: حديثُها مستقيم، يُخَرجُ حديثها اعتباراً. المغيرة: هو ابن مِقسَم الضبي.

وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (158) ، وأبو داود (5156) ، وابن ماجه___(2698) ، وأبو يعلى (596) من طريق محمد بن فضيل، بهذا الإسناد.

وله شاهد من حديث أم سلمة عند ابن ماجه (1625) وإسناده صحيح على شرط مسلم، ولفظه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في مرضه الذي توفي فيه: "الصلاةَ وما ملكت أيمانكم " فما زال يقولها حتى ما يُفِيصُ بها لسانه (أي: ما يقدر على الإفصاح بها) .

وسيأتي في "المسند" (6/290 الطبعة الميمنية) .

وآخر من حديث أنس عنده أيضاً (2697) قال البوصيري في "الزوائد" ورقة 172: "إسناده حسن لقصور أحمد بن المقدام (شيخ ابن ماجه فيه) عن درجة أهل الحفظ والضبط، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين." اهـ

 

والحديث صحيح لغيره: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 81) (رقم: 118)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 847) (رقم: 4616)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 562) (رقم: 2285)

 

 

من فوائد الحديث:

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (14/ 44)

وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمُ الْمَمَالِيكَ وَإِنَّمَا قَرَنَهُ بِالصَّلَاةِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْقِيَامَ بِمِقْدَارِ حَاجَتِهِمْ مِنَ الْكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ مَلَكَهُمْ وُجُوبَ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَعَةَ فِي تَرْكِهَا

وَقَدْ ضَمَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْبَهَائِمَ الْمُسْتَمْلَكَةَ فِي هَذَا الْحُكْمِ إِلَى الْمَمَالِيكِ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (21/ 293)

"عَامَّة وَصِيَّة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ كَانَتْ قَوْلَهُ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 285)

وَقرن الْوَصِيَّة بِالصَّلَاةِ الْوَصِيَّة بالمملوك اشارة الى وجوب رِعَايَة حَقه كوجوب الصَّلَاة

 

فيض القدير (5/ 250_251):

"قالوا: وذا من جوامع الكلم لشمول___الوصية بالصلاة لكل مأمور ومنهي إذ هي تنهى عن الفحشاء والمنكر وشمول ما ملكت أيمانكم لكل ما يتصرف فيه ملكا وقهرا لأن ما عام في ذوي العلم وغيرهم فلذا جعله آخر كلامه

 

التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 637)

قرن التوصية بهم بالتوصية بالصلاة إعلاما بأن وجوب حقه على سيده كوجوب الصلاة وقيل أراد الزكاة والأولى أنه أراد الأعم الشامل لهما فأراد بالصلاة العبادات البدنية ونبه بها عليها وخصها لأنها أشرف العبادات البدنية، وأراد بما ملكت أيمانكم الحقوق المالية

 

شرح سنن أبي داود للعباد (59/ 4، بترقيم الشاملة آليا)

ومما يدل على عظم شأن الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى بها في آخر حياته، يقول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرض موته: (الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم) يعني أنه يحث ويحرض على القيام بالصلاة وعلى الإحسان إلى من هم في ملك اليمين.

 

شرح سنن أبي داود للعباد (586/ 3، بترقيم الشاملة آليا)

وكذلك أيضاً ملك اليمين على الإنسان أن يتقى الله عز وجل في ملك اليمين، وذلك بأن يحسن إليه ويعطي حقه ولا يظلم، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق كما جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أوصى في آخر ما أوصى بهذين الأمرين اللذين هما الصلاة وملك اليمين يدل على عظم شأنهما.

 

وقال أبو الحسين ابن أبي يعلى، محمد بن محمد (المتوفى: 526هـ) _رحمه الله_ في طبقات الحنابلة (1/ 357)

فهذا ما أخبر الله تعالى به من آي القرآن من تعظيم الصلاة وتقديمها بين يدي الأعمال كلها وإفرادها بالذكر من بين جميع الطاعات والوصية بها دون أعمال البر عامة فالصلاة خطرها عظيم وأمرها جسيم.

وبالصلاة أمر اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى رسوله أول ما أوحى إليه بالنبوة قبل كل عمل وقبل كل فريضة وبالصلاة أوصى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند خروجه من الدنيا

 

وقال عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر في "شرح حديث جبريل في تعليم الدين" (ص: 20):

"ومِمَّا يدلُّ على أهميَّة شأن الصلاة أيضاً:

أنَّ الله فرض الصلوات الخمس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وهو في السماء، كما جاء ذلك في أحاديث الإسراء،

وأنَّ أهلَ سَقَر يُجيبون عن أسباب دخولهم سقر بقولهم: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] الآيات،

وأنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]،

وهي من آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فعن أمِّ سلمة: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفي فيه: الصلاة وما ملكت أيمانكم، فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه"،

وعن أنس بن مالك قال: "كانت عامة وصيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه: الصلاة وما ملكت أيمانكم"،

وعن علي بن أبي طالب قال: "كان آخر كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: الصلاة وما ملكت أيمانكم"، وهي أحاديث صحيحة، رواها ابن ماجه (1625) ، (2697) ، (2698) ، وغيرُه.

 

شرح سنن أبي داود للعباد (586/ 3، بترقيم الشاملة آليا)

المقصود بذلك الحث والاهتمام والعناية بالصلاة، وذلك بالمحافظة عليها وإقامتها وأدائها كما شرع الله عز وجل وكما أوجب

 

وقال الحليمي في "المنهاج في شعب الإيمان" (3/ 266)

الثامن والخمسون من شعب الإيمان

وهو باب في الإحسان إلى المماليك

 

وقال محمد لقمان الصديقي السلفي في "رش الرد شرح الأدب المفرد (ص 103):

"فقه الحديث:

١ _ الأمر بالمحافظة على الصلاة والزكاة.

٢ _ وجوب الإحسان إلى المماليك والقيام بمقدار حاجتهم من الكسوة والنفقة ، والطعام واجب على من ملكهم، ووجوبُ الصلاة التي لا سعة في تركها .

٣ _ إن كلمة الشهادة تكفر جميع الذنوب .

٤ _ فيه دليل على أن هذه الكلمة التي هي كلمة التوحيد إذا مات العبد على قولها أوجبت له الجنة

5 _ فيه رد على مزاعم الشيعة أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أوصى بخلافة علي _رضي الله عنه_." اهـ

 

قال الشيخ زيد بن محمد المدخلي _رحمه الله_ في "عون الأحد الصمدِ شرح الأدب المفرد" (١/ ١٨١):

في الحديث دليلٌ على أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كانت حياتُه كلُّها دعوةً وتعليْمًا وجِهادًا ووَصايَا وأمْرًا بالمعروف ونَهْيًا عن المنكر إلى غير ذلك مما جاء به عن الله _تبارك وتعالى_ في الكتاب والسنة، ومن جملة ذلك: الوصايا، إما الوصايا العامة للأمةِ كلِّها، وإمَّا وصايا للأفراد." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (1/ 456)

قال الخطّابيّ رحمه الله تعالى: ومن لواحق بيان ما تقدّم في الفصل الأول من ذكر وجوب إيتاء الزكاة وأدائها إلى القائم بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جعل آخر كلامه عند وفاته قوله: "الصلاةَ، وما ملكت أيمانكم"؛ ليُعقل أن فرض الزكاة قائمٌ، كفرض الصلاة، وأن القائم بالصلاة هو القائم بأخذ الزكاة، ولذلك قال أبو بكر - رضي الله عنه -: "والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة"؛ استدلالًا بهذا، مع سائر ما عُقِل من أنواع الأدلّة على وجوبها، والله تعالى أعلم.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2199)

الْمَمَالِيكَ خُصُّوا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَيْمَانِ تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِ الْإِنْسَانِ وَكَرَامَتِهِ، وَتَبْيِينًا لِفَضْلِهِ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمِلْكِ، وَتَمْيِيزًا لَهُ بِلَفْظِ الْيَمِينِ عَنْ جَمِيعِ مَا احْتَوَتْهُ الْأَيْدِي وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَمْلَاكُ.

قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ ضِيقُ الْمَكَانِ مِنْ تَوْصِيَتِهِ أُمَّتَهُ فِي آخِرِ عَهْدِهِ أَنْ يُقَدَّرَ (احْذَرُوا) كَقَوْلِهِمْ: "أَهْلَكَ وَاللَّيْلَ وَرَأْسَكَ وَالسَّيْفَ"،

وَأَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَنَابَ بِالصَّلَاةِ عَنْ جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ، إِذِ الصَّلَاةُ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَبِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ عَنْ جَمِيعِ مَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ مِلْكًا وَقَهْرًا

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2199)

نَبَّهَ بِالصَّلَاةِ عَلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ اللَّهِ، وَبِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ عَلَى الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ مَا عَامٌّ فِي ذَوِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا خُصَّ بِذَوِي الْعِلْمِ يُرَادُ بِهِ الصِّفَةُ، وَهِيَ تَحْتَمِلُ التَّعْظِيمَ وَالتَّحْقِيرَ، فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَمَالِيكِ يَقْتَضِي تَحْقِيرَ شَأْنِهِمْ، وَكَوْنَهُمْ مُسَخَّرِينَ لِمَوَالِيهِمْ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِعُمُومِهِ، فَيَدْخُلُ الْمَمَالِيكُ فِيهِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ; لِأَنَّ الْإِجْبَارَ نَوْعُ قَضَاءٍ، وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ الْمَقْضِيَّ لَهُ، وَيَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، وَيُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَكُونُ آثِمًا مُعَاقَبًا بِحَبْسِهَا عَنِ الْبَيْعِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ، وَفِي الْحَدِيثِ: " «امْرَأَةٌ دَخَلَتِ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ لَا هِيَ أَطْلَقَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ وَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا» ". وَقَدْ قَالَ عُلَمَاءُنَا: خُصُومَةُ الذِّمِّيِّ وَالدَّابَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: «وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ» ، وَنَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: كَانَ يَنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ»

 

فيض القدير (4/ 244)

(الصلاة وما ملكت أيمانكم الصلاة وما ملكت أيمانكم) نصب على الإغراء أي الزموا المحافظة على الصلاة والإحسان لما ملكت أيمانكم من الأرقاء وحث عليهما لضعف المملوك وكونه مظنة للتقصير في حقه وميل الطبع إلى الكسل وإيثار الراحة والنفس تنفر بطبعها عن كثير من العبودية سيما إذا اتفق ذلك مع قسوة القلب وغلبة الرين والميل إلى اللذة ومخالطة أهل الغفلة فلا يكاد العبد مع ذلك يفعلها وإن فعلها بتكلف وتشتت قلب وذهول عنها وطلب لفراقها." اهـ

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (7/ 239_241):

"إنَّ الإسلام رفَقَ بالرقيق، وَعَطَفَ عليهم، وتوعَّد على تكليفهم وإرهاقهم؛ فقال _صلى الله عليه وسلم_:

"الصَّلاة، وما ملكت أيمانكم" [رواه أحمد (11759)].

وقال _صلى الله عليه وسلم_ أيضاً:

"للمملوك طَعَامُهُ وقُوتُهُ، ولا يكلَّف من العمل مالا يطيق" [رواه مسلم].

بل إنَّ الإسلام رفع من قَدْرِ الرقيق حتَّى جعلهم إخوان أسيادهم:

فقد قال _صلى الله عليه وسلم_:

"هم إخوانكم وخَوَلُكُمْ، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن___كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإنْ كلفتموهم، فأعينوهم" [رواه البخاري (30) ومسلم (1661)].

ورفع من مقامهم عند مخاطبتهم حتَّى لا يشعروا بالضَّعَة؛ ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- "لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتايَ وفتاتي" [رواه البخاري (3552) ومسلم (2249)].

كما أنَّ المقياس في الإسلام لكرامة الإنسان في الدنيا والآخرة لا يرجع إلى الأنساب والأعراق، وإنَّما يرجع إلى الكفاءات، والقيم المعنوية. {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

وقد بلغ شخصياتٌ من الموالي -لفضلهم وقدرتهم- ما لم تبلغه ساداتهم؛ إذ قادوا الجيوشَ، وساسوا الأُممَ، وتولَّوا الأعمال الجليلةَ بكفاءاتهم، التي هي أصل مجدهم.

ومع ما رفع الشَّارع من مقام المملوك، فإنَّ له تشوُّفاً، وتطلُّعاً إلى تحرير الرقاب وفكِّ أغلالهم:

فقد حثَّ على ذلك، ووَعَدَ عليه النَّجاةَ من النَّار، والفوزَ بالجنَّة، وقد تقدَّم بعضٌ من ذلك.

ثمَّ إنَّه جَعَلَ لتحريرهم عدَّة أسباب: بعضها قهرية، وبعضها اختيارية:

فمن القهرية: أنَّ مَن جَرَحَ مملوكه، عَتَقَ عليه، فقد جاء في الحديث أنَّ رجلاً جدع أنف غلامه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اذهب فأنت حر، فقال: يارسول الله! فمولى من أنا؟ قال: مولى الله ورسوله" [رواه أحمد (6671)].

ومن أعتق نصيبه من مملوك مشترك، عَتَقَ نصيب شريكه قهراً؛ كما في الحديث: "مَنْ أعتق شِرْكاً في مملوكٍ، وجب عليه أنْ يُعْتِقَهُ كله" [رواه البخاري (2503)، ومسلم (1501)] على تفصيلٍ فيما يأتي.___

ومن ملك ذا رحمٍ محرم عليه، عتق عليه قهراً؛ لحديث: "من ملك ذا رحمٍ محرم، فهو حرٌّ" [رواه أبو داود (3949) والترمذي (1365)].

فهذه أسبابٌ قهرية تزيل ملك السيد عن رقيقه خاصَّة في هذا الباب؛ لما له من السراية الشرعية، والنفوذ القوي الَّذي لم يُجْعَلْ في عتقه خيارٌ ولا رجعة.

ثمَّ إن المشرِّع -مع حثِّه على الإعتاق- جعله أوَّل الكفَّارات في التخلُّص من الآثام، والتحلُّل من الأيمان:

فالعتق هو الكفَّارة الأولى في الوطء في نهار رمضان، وفي الظهار، وفي الأيمان، وفي القتل الخطأ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين