شرح الحديث 120 = وهو الحديث الأول من باب الترهيب من كتم العلم - من كتاب صحيح الترغيب والترهيب
8 - (الترهيب من كتم العلم). 120 - (1) [صحيح] عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: "من سُئل عن علمٍ
فَكَتَمَه؛ أُلْجِم يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ". رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن
ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي. ورواه الحاكم بنحوه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه". [صحيح لغيره] وفي رواية لابن ماجه:
قال: "ما من رجلٍ يحفظُ علماً
فيَكْتُمُه؛ إلا أتى يومَ القيامةِ ملجوماً بلجامٍ من نارٍ". |
نص الحديث
وشرحه:
قال
المبارفوري في "تحفة الأحوذي" (7/ 341):
قَالَ
السَّيِّدُ: هَذَا فِي الْعِلْمِ اللَّازِمِ التَّعْلِيمِ كَاسْتِعْلَامِ كَافِرٍ
عَنِ الاسلام ما هو وحديث عَهِدَ بِهِ عَنْ تَعْلِيمِ صَلَاةٍ حَضَرَ وَقْتُهَا
وَكَالْمُسْتَفْتِي فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ
الْأُمُورِ الْجَوَابُ لَا نَوَافِلَ الْعُلُومِ الْغَيْرِ الضررية وَقِيلَ
الْعِلْمُ هُنَا عِلْمُ الشَّهَادَةِ." اهـ
وقال البغوي
في "شرح السنة" (1/ 302)
قِيلَ:
مَعْنَى الْحَدِيثِ: كَمَا أَنَّهُ أَلْجَمَ لِسَانَهُ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ،
وَإِظْهَارِ الْعِلْمِ يُعَاقَبُ فِي الآخِرَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ.
وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا فِي الْعِلْمِ الَّذِي يَلْزَمُهُ
تَعْلِيمُهُ إِيَّاهُ، وَيَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ عَلَيْهِ، كَمَنْ رَأَى كَافِرًا
يُرِيدُ الإِسْلامَ، يَقُولُ: عَلِّمُونِي، مَا الإِسْلامُ؟ وَكَمَنْ يَرَى رَجُلا
حَدِيثَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ، لَا يُحْسِنُ الصَّلاةَ، وَقَدْ حَضَرَ وَقْتُهَا،
يَقُولُ: عَلِّمُونِي كَيْفَ أُصَلِّي؟ وَكَمَنْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فِي حَلالٍ
أَوْ حَرَامٍ، يَقُولُ: أَفْتُونِي.
وَأَرْشِدُونِي.
فَإِنَّهُ
يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الأُمُورِ أَنْ لَا يَمْنَعُوا الْجَوَابَ، فَمَنْ فَعَلَ
كَانَ آثِمًا مُسْتَحِقًّا لِلْوَعِيدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الأَمْرُ فِي نَوَافِلِ
الْعِلْمِ الَّتِي لَا ضَرُورَةَ بِالنَّاسِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: ذَاكَ إِذَا كَتَمَ سُنَّةً.
وَقَالَ:
لَوْ لَمْ يَأْتِنِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ لأَتَيْتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، وَلَوْ
أَنِّي أَعْلَمُ أَحَدًا يَطْلُبُ الْحَدِيثَ بِنِيَّةٍ، لأَتَيْتُهُ فِي
مَنْزِلِهِ حَتَّى أُحَدِّثَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ عِلْمُ
الشَّهَادَةِ."اهـ
شرح رياض
الصالحين (5/ 448):
"وهذا إذا علمت أن
السائل يسأل لاسترشاده فلا يجوز لك أن تمنعه أما إذا علمت أنه يسأل امتحانا وليس
قصده أن يسترشد فيعلم ويعمل فأنت بالخيار إن شئت فعلمه وإن شئت فلا تعلمه لقول
الله _تعالى_: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}
[المائدة: 42]،
لأن الله
علم أن هؤلاء يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يستحكمونه، لا لأجل أن يعملوا بكلامه،
ولكن لينظروا ما عنده فإذا علمت أن هذا الرجل جاء يسألك عن علم امتحانا فقط لا
طلبا للحق فأنت بالخيار إن شئت فافعل وأفته وعلمه وإن شئت فلا تفته ولا تعلمه،
كذلك إذا
علمت أنه يحصل من الفتوى مفسدة كبيرة فلا بأس أن ترجئ الإفتاء لا تكتم لكن لا بأس
أن ترجئ الإفتاء إلى وقت يكون فيه المصلحة لأنه أحيانا تكون الفتوى لو أفتيت بها
سببا للشر والفساد فأنت إذا رأيت أنها سبب للشر والفساد وأجلت الإجابة فلا حرج
عليك في ذلك والله الموفق." اهـ
وقال
المناوي _رحمه الله_ في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 440):
"قَالَ
الْقُرْطُبِيّ: وَأما قَول أبي هُرَيْرَة:
(حفظت
عَن رَسُول الله وعاءين من علمٍ: أما أَحدهمَا، فقد حدَّثْتُكُمْ بِهِ. وَأما
الآخر، فَلَو حدثتكم بِهِ لقُطِعَ مني هَذَا الْحُلْقُومُ) [خ][1]،
فَحمل
على مَا يتَعَلَّق بالفتن من أَسمَاء الْمُنَافِقين وَنَحْوه أما كتمه عَن غير
أَهله فمطلوب بل وَاجِب." اهـ
وقال
المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (6/ 212):
"وقوله _تعالى_: {وَلَا
تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] تنبيهٌ على أن حفظ العلم عمن
يفسده أو يضربه أولى،
وليس الظلم في
إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق. وجعل بعضهم حبس كتب العلم من صور
الكتم سيما إن عزت نسخه.
وأخرج البيهقي عن
الزهري: (إياك وغلولَ الكُتُبِ)، قيل: وما غلولها قال: (حبسها)" اهـ
وقال
السفاريني _رحمه الله_ في "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" (1/ 58):
فَعَلَى
الْعَالِمِ كَتْمُ عِلْمِهِ عَمَّنْ لَا يَقُومُ بِنَامُوسِهِ، أَوْ مَنْ
يَتَّخِذُهُ سُلَّمًا لِتَنَاوُلِ مَا لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ، أَوْ مَنْ
يَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ مَحَامِلِهِ،
وَآخِرُ
مَنْ رَأَيْنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ يَتَحَرَّجُ مِنْ سَمَاعِ مَنْ لَا
يَصْلُحُ شَيْخُنَا
الْإِمَامُ النَّقِيُّ الْهُمَامُ التَّقِيُّ عَبْدُ الْقَادِرِ التَّغْلِبِيُّ
فَإِنَّهُ امْتَنَعَ أَنْ يُقْرِئَ جَمَاعَةً الْمَحْكَمَةَ وَالْحُكَّامَ،
فَقُلْت لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: (إنَّ هَؤُلَاءِ يَتَّخِذُونَ الْعِلْمَ
وَسِيلَةً لِاصْطِيَادِ الدُّنْيَا، وَيَتَعَلَّمُونَ مَسَائِلَ الْخِلَافِ
لِيَحْكُمُوا فِيهَا بِالتَّشَهِّي). أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ.
وَقَدْ
قَالَ أَصْحَابُنَا: (مَنْ تَتَبَّعَ الْأَقْوَالَ الضَّعِيفَةَ وَمَسَائِلَ
الِاخْتِلَافِ وَحَكَمَ فِيهَا بِالتَّشَهِّي فَهُوَ مُضِلٌّ).
وَفِي
كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ
زَنْدَقَةٌ كَمَا فِي طَبَقَاتِ
الْعُلَيْمِيِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْعِلْمَ كَالسَّيْفِ إنْ أَعْطَيْته لِتَقِيٍّ، قَاتَلَ
بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَإِنْ أَلْقَيْته لِشَقِيٍّ، قَطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ
وَأَضَرَّ عِبَادَ اللَّهِ.
وَهَذَا
مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ
أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» .
وَأَمَّا
عَدَمُ صِيَانَةِ نَامُوسِ الْعِلْمِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ لِلْإِمَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ الرَّعَاعَ وَالْغَوْغَاءَ
فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ،
فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَقَبِلَ عُمَرُ مَشُورَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ
يَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ: وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْ لَا يُودَعَ الْعِلْمُ عِنْدَ
غَيْرِ أَهْلِهِ، وَلَا يُحَدِّثَ لِقَلِيلِ الْفَهْمِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ
فَهْمُهُ، وَالرَّعَاعُ السَّفِلَةُ، وَالْغَوْغَاءُ نَحْوُ ذَلِكَ. وَأَصْلُ
الْغَوْغَاءِ صِغَارُ الْجَرَادِ.
وَفِي
تَارِيخِ ابْنِ النَّجَّارِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ:
"قَدِمْت
عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِمَكَّةَ، فَوَجَدْته مَرِيضًا شَارِبًا دَوَاءً،
فَقُلْت لَهُ: "إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَشْيَاءَ."
قَالَ: "فَقُلْ."
فَقُلْت: "أَخْبِرْنِي مَنْ النَّاسُ؟" قَالَ الْفُقَهَاءُ،
قُلْت
قُلْت: فَمَنْ الْمُلُوكُ؟ قَالَ الزُّهَّادُ،
قُلْت
فَمَنْ الْأَشْرَافُ؟ قَالَ: "الْأَتْقِيَاءُ."
قُلْت:
فَمَنْ الْغَوْغَاءُ؟ قَالَ: "الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْأَحَادِيثَ، يُرِيدُونَ
أَنْ يَتَأَكَّلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ."
قُلْت
فَمَنْ السَّفَلَةُ؟ قَالَ: "الظَّلَمَةُ."
وَلَوْ
أَخَذْنَا نَتَكَلَّمُ عَلَى مُتَعَلِّقَاتِ الْعِلْمِ لَطَالَ الْكِتَابُ
وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِطْنَابِ.
وَهُوَ
وَإِنْ كَانَ غَزِيرَ الْفَوَائِدِ كَبِيرَ الْفَرَائِدِ كَثِيرَ الْعَوَائِدِ
غَيْرُ أَنَّ أَبْنَاءَ الزَّمَانِ
تخريج
الحديث:
أخرجه أبو
داود في "سننه" (3/ 321) (رقم: 3658)، والترمذي في "سننه" – ت.
شاكر (5/ 29) (رقم: 2649)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 96 و1/ 98) (رقم: 261
و 266)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (4/ 266) (رقم: 2657)، وزهير بن
حرب في "العلم" (ص: 33) (رقم: 142)، وابن أبي شيبة في "المصنف"
(5/ 315 و 5/ 316) (رقم: 26453 و 26454)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم
الكتب (2/ 263 و 2/ 296 و 2/ 305 و 2/ 344 و 2/ 353 و 2/ 495 و 2/ 499 و 2/ 508) (رقم:
7571 و 7943 و 8049 و 8533 و 8638 و 10420 و 10487 و 10597)، والبزار في "مسنده"
= البحر الزخار (16/ 181 _ 16/ 183) (رقم: 9297 _ 9300)، وأبو يعلى الموصلي في
"مسنده" (11/ 268) (رقم: 6383)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"
(1/ 74 و1/ 257 و 3/ 74)، وابن الأعرابي في "المعجم" (1/ 58) (رقم: 73)،
وابن حبان في "صحيحه" (1/ 297) (رقم: 95)، و الطبراني في "المعجم الأوسط"
(2/ 382 و 3/ 335 و 4/ 29 و 5/ 108 و7/ 293) (رقم: 2290 و3322 و 3529 و 4815 و7532)،
و"المعجم الصغير" (1/ 112 و1/ 198 و 1/ 275) (رقم: 160 و315 و 452)، وابن
عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (5/ 142 و 5/ 468)، معجم ابن المقرئ
(ص: 98) (رقم: 228)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 181 و 1/
182) (رقم: 344 و 345)، وتمَّام الرازي في "الفوائد" (2/ 213) (رقم: 1557)،
والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 266) (رقم: 432)، والبيهقي في "شعب
الإيمان" (3/ 252 و 3/ 253) (رقم: 1612 و 1613)، وفي "المدخل إلى السنن
الكبرى" (ص: 346) (رقم: 572)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"
(1/ 2 _ 1/ 8 ) (رقم: 1_6)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 301) (رقم: 140)،
وابن عساكر في "المعجم" (2/ 739) (رقم: 920).
وقال
الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 182):
"ثُمَّ لَمَّا
جَمَعْتُ الْبَابَ وَجَدْتُ جَمَاعَةً ذَكَرُوا فِيهِ سَمَاعَ عَطَاءٍ مِنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو." اهـ
والحديث
صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_
في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1111) (رقم: 6517)، مشكاة المصابيح
(1/ 77) (رقم: 223)، و"تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" (ص: 5)، و"التعليقات
الحسان على صحيح ابن حبان" (1/ 207) (رقم: 95)، و"صحيح موارد الظمآن إلى
زوائد ابن حبان" (1/ 129) (رقم: 82)
من فوائد
الحديث:
1/ فيه: وعيدٌ شديْدٌ لِمَنْ كَتَمَ
الْعِلْمَ
وقال فيصل بن عبد العزيز بن
فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى:
1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين"
(ص: 760):
"فيه: عِظَم وعيدِ
من كتم العلم الشرعي لغرض دنيوي.
قال الله
تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ
إِلا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة (174) ]." اهـ
2/ وفيه:
حثٌ على تعليم العلم
وقال
المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (6/ 146):
* وفيه: حثٌ على تعليم العلم، لأن تعلُّمَ العلْمِ إنما هو لنشره ودعوة الخلق
إلى الحقِّ، والكاتم يزاول إبطال هذه الحكمة، وهو بعيد عن الحكيم المتقن."
اهـ
3/ وجوب
تبليغ العلم وبثه للناس
وقال أبو حفص عمر بن علي الشافعي المصري، المعروف
بـ"سِرَاج الدينِ ابنِ الْمُلَقِّنِ" (المتوفى:
804 هـ) _رحمه الله_ في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (4/ 188):
"وجوب تبليغ العالم
ما عنده من العلم وبثه للناس؛ لأن الله _تعالى_ توعد من كتمه باللعن من الله
وعباده، وأخذ الميثاق على العلماء {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا
تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]،
وهذِه
الآية وإن كانت نزلت في أهل الكتاب فقد دخل فيها كل من علم علمًا تعبد الله العباد
بمعرفته ولزمه من بثه وتبليغه ما لزم أهل الكتاب من ذَلِكَ؛ لأن فيها تنبيهًا
وتحذيرًا لمن فعل فعلهم وسلك سبيلهم مع أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ذكر أن
من كتم علمًا ألجم يوم القيامة بلجام من نار." اهـ
قال
المبارفوري في "تحفة الأحوذي" (7/ 341):
"تَعَلُّمَ
الْعِلْمِ إِنَّمَا يُقْصَدُ لِنَشْرِهِ وَنَفْعِهِ النَّاسَ وَبِكَتْمِهِ يَزُولُ
ذَلِكَ الْغَرَضُ الْأَكْمَلُ فَكَانَ بَعِيدًا مِمَّنْ هُوَ فِي صُورَةِ
الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ
4/ مِنْ
آدَابِ الْعُلَمَاءِ: أَنْ لَا يَبْخَلُوا بِتَعْلِيمِ ما لديهم من العلم
وقال
الماوردي _رحمه الله_ في "أدب الدنيا والدين" (ص: 78):
"وَمِنْ آدَابِ
الْعُلَمَاءِ: أَنْ لَا يَبْخَلُوا بِتَعْلِيمِ مَا يُحْسِنُونَ وَلَا
يَمْتَنِعُوا مِنْ إفَادَةِ مَا يَعْلَمُونَ. فَإِنَّ الْبُخْلَ بِهِ لَوْمٌ
وَظُلْمٌ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ حَسَدٌ وَإِثْمٌ. وَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُمْ الْبُخْلُ
بِمَا مُنِحُوهُ جُودًا مِنْ غَيْرِ بُخْلٍ، وَأُوتُوهُ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ
بَذْلٍ. أَمْ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُمْ الشُّحُّ بِمَا إنْ بَذَلُوهُ زَادَ وَنَمَا،
وَإِنْ كَتَمُوهُ تَنَاقَصَ وَوَهِيَ.
وَلَوْ
اسْتَنَّ بِذَلِكَ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ لَمَا وَصَلَ الْعِلْمُ إلَيْهِمْ
وَلَانْقَرَضَ عَنْهُمْ بِانْقِرَاضِهِمْ، وَلَصَارُوا عَلَى مُرُورِ الْأَيَّامِ
جُهَّالًا، وَبِتَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ وَتَنَاقُصِهَا أَرْذَالًا. وَقَدْ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] ." اهـ
وقال
المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 337):
"فعلى الْعلمَاء أَن
لَا يبخلوا على الْمُسْتَحق بتعليم مَا يحسنون وَأَن لَا يمتنعوا من إفادة مَا
يعلمُونَ." اهـ
وقال أبو الحسن علي بن محمد البصري
البغدادي، الشهير بـ"الماوردي" (المتوفى: 450 هـ) _رحمه الله_ في "أدب
الدنيا والدين" (ص: 79_80):
"ثُمَّ لَهُ بِالتَّعْلِيمِ نَفْعَانِ:
* أَحَدُهُمَا:
مَا يَرْجُوهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى....
وَالنَّفْعُ
الثَّانِي: زِيَادَةُ الْعِلْمِ وَإِتْقَانُ الْحِفْظِ.
فَقَدْ قَالَ
الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ:
(اجْعَلْ
تَعْلِيمَك دِرَاسَةً لِعِلْمِك، وَاجْعَلْ مُنَاظَرَةَ الْمُتَعَلِّمِ تَنْبِيهًا
عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَك).
وَقَالَ
ابْنُ الْمُعْتَزِّ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ:
(النَّارُ
لَا يَنْقُصُهَا مَا أُخِذَ مِنْهَا، وَلَكِنْ يُخْمِدُهَا أَنْ لَا___تَجِدَ
حَطَبًا. كَذَلِكَ الْعِلْمُ لَا يُفْنِيهِ الِاقْتِبَاسُ، وَلَكِنَّ فَقْدَ
الْحَامِلِينَ لَهُ سَبَبُ عَدَمِهِ. فَإِيَّاكَ وَالْبُخْلَ بِمَا تَعْلَمُ).
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: (عَلِّمْ عِلْمَك وَتَعَلَّمْ عِلْمَ غَيْرِك)."
اهـ
4/ الجزاء
من جنس العمل
وقال
المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (6/ 146):
"أيْ: أدخل في فيه
لجاما من نار مكافأة له على فعله حيث ألجم نفسه بالسكوت في محل الكلام،
* فالحديث
خرج على مشاكلة العقوبة للذنب،
وذلك لأنه _سبحانه_ أخذ الميثاق على الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه...
ولهذا
كان جزاؤه أن يلجم تشبيها له بالحيوان الذي سُخِّرَ ومُنِعَ من قصد ما يريده، فإن
العالم شأنُه دعاءُ الناسِ إلى الحق وإرشادُهم إلى الصراط المستقيمِ.
وقوله (بلجام)
من باب التشبيه لبيانه بقوله من نار على وزان {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] ،
شبه ما
يوضع في فيه من النار بلجام في الدابة ولولا ما ذكر من البيان كان استعارة لا
تشبيها." اهـ
وقال
الصنعاني _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع الصغير" (10/ 377):
"من كتم علمًا من
علم الشريعة مما يجب بذله للمحتاج إليه عن أهله الذين يبلغونه وينتفعون به (ألجم
يوم القيامة) جعل في فيه كما يجعل في الدابة.
(لجامًا من نار) تشويهًا بين
العباد وإظهارًا لبخله بما أمر الله ببذله قيل ويلحق به منع الكتب المحتاج إليها سيما
إن عزت النسخة." اهـ
5/ فيه: تحريم
كتمان العلم
وقال أحمد بن عبد الرحيم، المعروف بـ«الشاه ولي الله الدِّهْلَوِيِّ» (المتوفى: سنة 1176 هـ)
_رحمه الله_ في "حجة الله البالغة" (1/ 291):
"يَحْرُمُ كَتْمُ
الْعِلْمِ عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ أصل التهاون وَسبب نِسْيَان
الشَّرَائِع، وأجزية الْمعَاد تبنى على المناسبات فَلَمَّا كَانَ الْإِثْم كف
لِسَانه عَن النُّطْق جوزي بِشَبح الْكَفّ وَهُوَ اللجام من نَار." اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز بن
عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي _حفظه الله_ في
"شرح سنن ابن ماجة - بترقيم الشاملة (18/ 2):
"وهذان الحديثان
دليلان على أنه لا يجوز كتمان العلم، وأنه يحرم كتمانه، وفيه: وعيد
شديد على من كتم العلم." اهـ
وقال علي بن
سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى : 1014 هـ) _رحمه الله_ في "مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (9/ 3609):
"قَوْلُهُ _تَعَالَى_:
{يَاأَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]،
وَهُوَ
يَعُمُّ الْكِتْمَانَ عَنِ الْجَمِيعِ أَوْ عَنِ الْبَعْضِ، فَيَرُدُّ الِاعْتِقَادَ
الْفَاسِدَ لِلشِّيعَةِ فِي اخْتِصَاصِ أَهْلِ الْبَيْتِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ
الشَّنِيعَةِ." اهـ
وقال أبو الحسن علي بن محمد البصري
البغدادي، الشهير بـ"الماوردي" (المتوفى: 450 هـ) _رحمه الله_ في "أدب
الدنيا والدين" (ص: 79):
"وَقَدْ قِيلَ فِي
مَنْثُورِ الْحِكَمِ: (مَنْ كَتَمَ عِلْمًا، فَكَأَنَّهُ جَاهِلٌ).
وَقَالَ
خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: (إنِّي لَأَفْرَحُ بِإِفَادَتِي الْمُتَعَلِّمَ أَكْثَرَ
مِنْ فَرَحِي بِاسْتِفَادَتِي مِنْ الْمُعَلِّمِ).
6/ فيه:
إثبات عقوبة كاتم العلم
وقال أبو
حاتم البستي _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (1/ 297):
"ذِكْرُ إِيجَابِ
الْعُقُوبَةِ فِي الْقِيَامَةِ عَلَى الْكَاتِمِ الْعِلْمَ، الَّذِي يُحْتَاجُ
إِلَيْهِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ." اهـ
7/ كتمان
العلم من الكبائر
وقال ابن
حجر _رحمه الله_ في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 152):
"(الْكَبِيرَةُ
الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: كَتْمُ الْعِلْمِ)
قَالَ
تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ
يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] .
قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقِيلَ: فِي
الْيَهُودِ لِكَتْمِهِمْ صِفَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الَّتِي فِي التَّوْرَاةِ، وَقِيلَ: إنَّهَا عَامَّةٌ، وَهُوَ
الصَّوَابُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ
مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ،
وَكِتْمَانُ
الدِّينِ يُنَاسِبُ اسْتِحْقَاقَ اللَّعْنِ؛ فَوَجَبَ عُمُومُ الْحُكْمِ عِنْدَ
عُمُومِ الْوَصْفِ، وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْعُمُومِ
كَعَائِشَةَ، فَإِنَّهَا اسْتَدَلَّتْ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إلَيْهِ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ وَنَحْوُهَا مَا
كَثُرَ الْحَدِيثُ،
وَالْكَتْمُ
تَرْكُ إظْهَارِ الشَّيْءِ الْمُحْتَاجِ إلَى إظْهَارِهِ، وَنَظِيرُهَا: {إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ
ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلا
يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ - أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ
بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 174 - 175]
وَنَظِيرُهَا
أَيْضًا: {وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا
فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]___
فَهَاتَانِ،
وَإِنْ كَانَتَا فِي الْيَهُودِ أَيْضًا لِكَتْمِهِمْ صِفَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرَهَا إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ
كَمَا تَقَرَّرَ." اهـ
وقال مفتي الديار السعودية عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ) _رحمه الله_ في "مجموع
فتاوى ومقالات متنوعة" (24/ 87):
"س: سماحة الشيخ هل
للمؤلف أن يحتكر الكتاب المؤلف الذي ألفه؟ وهل يدخل هذا في كتم العلم؟
ج: إذا
كان المؤلف قد اقتنع بأن كتابه مفيد، وأنه قد أدى فيه الواجب، فلا يجوز له عدم
نشره بين الناس ولا احتكاره، بل ينشره بين الناس نصحا لله ولعباده، أما إذا كان
عنده شك وعنده تردد، فله أن يمنع منه حتى يجزم بالشيء وحتى يزول عنه الإشكال وحتى
يطمئن إلى أن ما قاله صواب وحق؛ لأن العلم يجب نشره بين الناس ويجب تعميمه."
اهـ
[1] أخرجه البخاري في
"صحيحه" (1/ 35) (رقم: 120)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم
وفضله" (2/ 1002) (رقم: 1910)
Komentar
Posting Komentar