شرح الحديث 119 - باب الترغيب في نشر العلم - من صحيح الترغيب

 

119 - (8) [صحيح موقوف] وعن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {قوا أَنفُسَكُمْ وأهليكم ناراً}، قال:

عَلِّمُوا أهليكم الخيرَ.

رواه الحاكم موقوفاً، وقال: "صحيح على شرطهما".

 

ترجمة علي بن أبي طالب _رضي الله عنهما_:

 

الأعلام للزركلي (4/ 295)

علي بن أبي طالِب (23 ق هـ - 40 هـ = 600 - 661 م):

"علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن: أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشيد، ن وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وأول الناس___إسلاما بعد خديجة. ولد بمكة، وربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه.

وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد. ولما آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه قال له: أنت أخي،

وولي الخلافة بعد مقتل عثمان ابن عفان سنة 35 هـ فقام بعض أكابر الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم وتوقي عليّ الفتنة، فتريث...وأقام عليّ بالكوفة (دار خلافته) إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة في مؤامرة 17 رمضان المشهورة، واختلف في مكان قبره." اهـ

 

نص الحديث:

 

وعن علي _رضي الله عنه_ في قوله تعالى: {قوا أَنفُسَكُمْ وأهليكم ناراً}، قال:

عَلِّمُوا أهليكم الخيرَ.

رواه الحاكم موقوفاً، وقال: "صحيح على شرطهما".


ولفظه في "المستدرك على الصحيحين" (2/ 535) (رقم: 3826):

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، ثنا إِسْحَاقُ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] قَالَ: «عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "


تخريج الحديث:

 

أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (2/ 535) (رقم: 3826)، مصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/ 49) (رقم: 4741)، البر والصلة للحسين بن حرب (ص: 99) (رقم: 189)، النفقة على العيال لابن أبي الدنيا (1/ 495) (رقم: 323)، أدب النفوس للآجري (ص: 261) (رقم: 12)، شعب الإيمان (11/ 156) (رقم: 8331)، المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص: 265) (رقم: 372).

 

من فوائد الحديث:

 

1/ فيه تفسير قول الله _تعالى_: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].

 

شعب الإيمان (11/ 127) (رقم: 8280):

عَنِ الْحَسَنِ البصري _رحمه الله_ فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]،

قَالَ: " يَأْمُرُهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ وَيُعَلِّمُهُمُ الْخَيْرَ "

 

أدب النفوس للآجري (ص: 260) (رقم: 9):

عَنِ الضَّحَّاكِ بن مزاحم _رحمه الله_ فِي قَوْلِ اللَّهِ _عَزَّ وَجَلَّ_: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]،

يَقُولُ: (اعْمَلُوا بِطَاعَتِي، وَتَعَلَّمُوا، وَعَلِّمُوا أَهْلِيكُمْ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ)." اهـ

 

2/ فيه الحث على الخوف من الله _تعالى_

 

وقال البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 194):

"باب الخوف من الله _تعالى_:

أَمَرَ بِالتَّقْوَى وَهِيَ أَنْ يَقِيَ الْمُخَاطَبُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَى الله عَنْهُ." اهـ

 

وقال ابن رجب السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) _رحمه الله_ في "التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار" (ص: 28)

"والقدر الواجب من الخوف، ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات، والتبسط في فضول المباحات، كان ذلك فضلاً محموداً.

فإن تزايد على ذلك بأن أَوْرَثَ مرضاً أو موتاً أو هماً لازماً بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوية المحبوبة لله عز وجل، لم يكن محموداً." اهـ

 

3/ فيه بيان حقوق الأولاد والأهلين

 

وقال البيهقي _رحمه الله_ في "شعب الإيمان" – ط. الرشد (11/ 109):

"باب حقوق الأولاد والأهلين." اهـ

 

وقال أبو العباس، أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي (المتوفى: 689هـ) _رحمه الله_ في "مختصر منهاج القاصدين" (ص: 109):

"وأما حقوق الولد، فاعلم أنه لما كانت الطباع تميل إلى الولد لم يحتج إلي تأكيد الوصية به، إلا إنه قد يغلب هوى الوالد للولد، فيترك تعليمه وتأديبه. وقد قال الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].

قال المفسرون: معناه: علموهم وأدبوهم.

وينبغى للوالد أن يحسن اسم ابنه، ويعق عنه، فإذا بلغ سبع سنين أمره بالصلاة وختنه، فإذا بلغ زوجه." اهـ

 

شرح السنة للبغوي (2/ 407_408):

"قَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَى الْآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ أَنْ يُؤَدِّبُوا أَوْلادَهُمْ، وَيُعَلِّمُوهُمُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلاةَ، وَيَضْرِبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذَا عَقَلُوا، فَمَنِ احْتَلَمَ، أَوْ حَاضَ، أَوِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، لَزِمَهُ الْفَرْضُ.___

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَيَّدَ عِكْرِمَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْفَرَائِضِ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَدِّبِ ابْنَكَ، فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ مَاذَا عَلَّمْتَهُ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ.

قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيم: 6] وَفِي تَعْلِيمِهِمْ أَحْكَامَ الدِّينِ، وَشَرَائِعَ الإِسْلامِ قِيَامٌ بِحِفْظِهِمْ عَنْ عَذَابِ النَّارِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، وَأَثْنَى عَلَى إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِ، فَقَالَ: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مَرْيَم: 55].

وَقِيلَ: أَرَادَ بِالأَهْلِ: جَمِيعَ أُمَّتِهِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيم: 6] قَالَ: عَلِّمُوهُمْ، أَدِّبُوهُمْ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُعَلِّمُوا أَبْنَاءَهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى يَعْقِلُوا ذَاكَ.

 

4/ فيه فضل العلمِ وتعليمِهِ

 

وقال البيهقي _رحمه الله_ في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 247):

"بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ."

 

وقال الشيخ أبو بكر جابر الجزائري _رحمه الله_ في "منهاج المسلم" (ص: 75):

ففِي هذهِ الآيةِ: الأمرُ بوقايةِ الأهلِ منَ النَّارِ وذلكَ بطاعةِ اللّهِ تعالَى، وطاعتهُ تعالَى تستلزمُ معرفةَ مَا يجبُ أنْ يطاعَ فيهِ تعالَى، وهذَا لَا يتأتَّى بغيرِ التَعلُّمِ، ولما كانَ الولدُ منْ جملةِ أهل الرَّجل كانتْ الآيةُ دليلًا علَى وجوبِ تعليمِ الوالدِ ولدهُ وتربيتهِ وإرشادهِ وحملهِ علَى الخير والطَّاعةِ للَّهِ ولرسولهِ، وتجنيبهِ الكفرَ والمعاصي والمفاسدَ والشُّرورَ ليقيَهُ بذلكَ عذابَ النَّارِ.

 

5/ صحبة الأولاد الأهل بالمداراة، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَسَعَةِ النَّفْسِ، وَتَمَامِ الشَّفَقَةِ، وَتَعْلِيمِ الْأَدَبِ وَالسُّنَّةِ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى الطَّاعَاتِ.

 

وقال أبو عبد الرحمن السلمي في "آداب الصحبة" (ص: 119):

"الصُّحْبَةُ مَعَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالصُّحْبَةُ مَعَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ بِالْمُدَارَاةِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَسَعَةِ النَّفْسِ، وَتَمَامِ الشَّفَقَةِ، وَتَعْلِيمِ الْأَدَبِ وَالسُّنَّةِ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى الطَّاعَاتِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] وَالصَّفْحِ عَنْ عَثَرَاتِهِمْ، وَالْعَفْوِ عَنْ مَسَاوِئِهِمْ، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا وَمَعْصِيَةً.

 

وقال إسماعيل بن محمد الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بـ"قوام السنة" (المتوفى: 535 هـ) _رحمه الله_ في "الترغيب والترهيب لقوام السنة" (1/ 357):

قال علماء الشريعة: على الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة ويضربوهم عليها إذا عقلوا لأن في تعليمهم ذلك قبل بلوغهم إلفاً واعتياداً لفعلها، وفي إهمالهم وترك تعليمهم ما يورث التكاسل عنها عند وجوبها، والتثاقل في فعلها وقت لزومه ولأنهم إذا بلغوا سبعاً ميزوا وضبطوا ما علموا وتوجه فرض التعليم على آبائهم، وإذا بلغوا عشراً وجب ضربهم على تركها في موضع يؤمن عليه الضرر من ضربه، فإذا بلغوا الحلم وجب عليهم جميع العبادة.

 

6/ مشروعية وصية الأولاد والأهل

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص: 229):

وصية الله للآباء بأولادهم سَابِقَة على وَصِيَّة الْأَوْلَاد بآبائهم،

قَالَ الله _تَعَالَى_: {وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق} [الاسراء: 31]،

فَمن أهمل تَعْلِيم وَلَده مَا يَنْفَعهُ وَتَركه سدى فقد أَسَاءَ إِلَيْهِ غَايَة الْإِسَاءَة وَأكْثر الْأَوْلَاد إِنَّمَا جَاءَ فسادهم من قبل الْآبَاء وإهمالهم لَهُم وَترك تعليمهم فَرَائض الدّين وسننه فأضاعوهم صغَارًا فَلم ينتفعوا بِأَنْفسِهِم وَلم ينفعوا آبَاءَهُم كبارًا كَمَا عَاتب بَعضهم وَلَده على العقوق فَقَالَ يَا أَبَت إِنَّك عققتني صَغِيرا فعققتك كَبِيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شَيخا

 

وقال الشيخ المحدث الألباني _رحمه الله_ في "أحكام الجنائز" (1/ 8):

"ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الابتداع في دينهم، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز، كان من الواجب أن يوصي المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة عملا بقوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].

ولذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصون بذلك، والاثار عنهم بما ذكرنا كثيرة، فلا بأس من الاقتصار على بعضها:

أ - عن عامر بن سعد بن أبي وقاص:

أن أباه قال في مرضه الذي مات فيه:

" ألحدوا لي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه مسلم والبيهقي (3/ 407) وغيرهما.

ب - عن أبي بردة قال:

" أوصى إبو موسى رضي الله عنه حين حضره الموت قال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا بي المشي، ولا تتبعوني بمجمر، ولا تجعلن على لحدي شيئا يحول بيي وبين التراب، ولا تجعلن على قبري بناء، وأشهدكم أني برئ من كل حالقة، أو سالقة، أو خارقة، قالوا، سمعت فيه شيئا؟ قال: نعم، من رسول الله صلى الله عليه وسلم "." اهـ

 

شرح السنة للبغوي (5/ 443)

فَالْمَيِّتُ تَلْزَمُهُ الْعُقُوبَةُ لِبُكَاءِ أَهْلِهِ، بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ وَوَصِيَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ، أَوْ كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُهُ، فَلا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، فَيُعَاقَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِهَا، إِذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفُّهُمْ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيم: 6].

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ، وَلا هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ، فَهُوَ عَلَى مَا قَالَتْ عَائِشَةُ.

قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَرْجُو إِنْ كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.

 

7/ فيه: ندب العباد إلى تأديب أولادهم وأهليهم

 

وقال ابن القيم في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 356):

"وَالْأَدَبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَدَبٌ مَعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَأَدَبٌ مَعَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرْعِهِ. وَأَدَبٌ مَعَ خُلُقِهِ.

فَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: صِيَانَةُ مُعَامَلَتِهِ أَنْ يَشُوبَهَا بِنَقِيصَةٍ.

الثَّانِي: صِيَانَةُ قَلْبِهِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى غَيْرِهِ.

الثَّالِثُ: صِيَانَةُ إِرَادَتِهِ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمَا يَمْقُتُكَ عَلَيْهِ." اهـ

 

ثم قال _رحمه الله_ في "مدارج السالكين" (2/ 361):

"وَحَقِيقَةُ الْأَدَبِ اسْتِعْمَالُ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ. وَلِهَذَا كَانَ الْأَدَبُ: اسْتِخْرَاجَ مَا فِي الطَّبِيعَةِ مِنَ الْكَمَالِ مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ.

فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هَيَّأَ الْإِنْسَانَ لِقَبُولِ الْكَمَالِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْأَهْلِيَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ، الَّتِي جَعَلَهَا فِيهِ كَامِنَةً كَالنَّارِ فِي الزِّنَادِ. فَأَلْهَمَهُ وَمَكَّنَهُ، وَعَرَّفَهُ وَأَرْشَدَهُ. وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلَهُ. وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ كَتَبَهُ لِاسْتِخْرَاجِ تِلْكَ الْقُوَّةِ الَّتِي أَهَّلَهُ بِهَا لِكَمَالِهِ إِلَى الْفِعْلِ." اهـ

 

وقال الحكيم الترمذي (المتوفى: نحو 320هـ) _رحمه الله_ في "نوادر الأصول في أحاديث الرسول" (1/ 111_112):

"قد ندب الله تَعَالَى الْعباد إِلَى تَأْدِيب أَهْليهمْ فَقَالَ {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة}

فوقايتك نَفسَك وَأهْلَك: أَن تعظَها، وتزجُرَها عَن عمل يُوْرِدُها النَّار، وتُقِيْمَ أَوَدَهُمْ بأنواع الْأَدَب، فَمن الْأَدَب:

* الْوَعيد،

* وَمِنْه: الضَّرْب،

* وَحبس الْمَنَافِع،

* وَمِنْه: الرِّفْق،

* والعطية والنوال وَالْبر، فَإِن ذَلِك رُبمَا كَانَ ادْعى لَهُم من الْوَعيد وَالضَّرْب.

وَبَين النُّفُوس تفَاوت:

* فَنَفْسٌ تَضْرَعُ، وتخْضَعُ بِالْبرِّ والعطية،

* وَنَفس تضْرَع وتخضَعُ بالغلظة والشدة. وَلَو اسْتعْملت مَعهَا الرِّفْقَ وَالْبِرَّ، لأفسدْتَهَا،

* وَنَفس بِالْعَكْسِ من ذَلِك.

وَقد جعل الله تَعَالَى الْحُدُود أدبًا___لِعِبَادِهِ ومَزْجَرَةً للآخرين،

وَمن دون الْحُدُود: التَّعْزِير على قدر مَا يأْتونَ من الْمُنكر." اهـ

 

8/ فيه الحث على اغتنام  العمر في تأديب الأولاد والأهلين وتعليمهم

 

وقال ابن الجوزي (المتوفى: 597 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه النائم الغَمْرِ على مواسم العمر" (ص: 39):

"اعلم أن هذا الموسم يتعلق معظمه بالوالدين، فهما يربيان ولدهما ويعلمانه، ويحملانه على مصالحه، ولا ينبغي أن يفترا عن تأديبه وتعليمه؛ فإن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.

قال علي _رضي الله عنه_ في قوله تعالى: (قَوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارا): "علموهم وأدبوهم."

فيعلمانه الطهارةَ، والصلاةَ ويَضْرِبَانِهِ على ترْكِهَا إذا بلغ تِسْعَ سِنِيْنَ، ويُحَفِّظَانِهِ القرأنَ، ويُسْمِعَانِهِ الْحَدِيْثَ،

وما احتمل من العلم أمراه به،___ويقَبِّحَانِ عنْدَه ما يقْبُحُ، ويَحُثَّانِهِ على مكارم الأخلاق، ولا يَفْتُرَانِ عن تعليمِهِ على قدر ما يحتمل؛ فإنه مَوْسِمُ الزَّرْعِ." اهـ

 

9/ بيان وجوب أمره أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة، وتأديبهم، ومنعهم من ارتكاب مَنْهِيٍّ عَنْهُ

 

رياض الصالحين ط الرسالة (ص: 125)

بيان وجوب أمره أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة، وتأديبهم، ومنعهم من ارتكاب مَنْهِيٍّ عَنْهُ

قَالَ الله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] .

 

وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص: 224):

"الْبَاب الْخَامِسَ عَشَرَ: فِي وجوب تَأْدِيب الْأَوْلَاد وتعليمهم وَالْعدْل بَينهم." اهـ

 

10/ فيه: التحذير من النار

 

التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار (ص: 13):

"الباب الأول ـ في ذكر الإنذار بالنار والتحذير منها

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]

 

11/ تكميل: بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ فِي أَوَّلِ نُشُوئِهِمْ وَوَجْهُ تَأْدِيبِهِمْ وَتَحْسِينِ أَخْلَاقِهِمْ

 

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (ص: 184_186):

"اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَأَوْكَدِهَا، وَالصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ، وَمَائِلٌ إِلَى كُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إِلَيْهِ،

فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ، وَعُلِّمَهُ، نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَشَارَكَهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ،

وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التَّحْرِيمِ: 6]

وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ الدُّنْيَا فَبِأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَوْلَى، وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ:

* يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ،

* وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ،

* وَلَا يُعِوِّدُهُ التَّنَعُّمَ، وَلَا يُحَبِّبُ إِلَيْهِ الزِّينَةَ وَأَسْبَابَ الرَّفَاهِيَةِ، فَيَضِيعُ عُمْرُهُ فِي طَلَبِهَا إِذَا كَبِرَ، فَيَهْلِكُ هَلَاكَ الْأَبَدِ،

* بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ، فَلَا يَسْتَعْمِلُ فِي حَضَانَتِهِ وَإِرْضَاعِهِ إِلَّا امْرَأَةً صَالِحَةً مُتَدَيِّنَةً تَأْكُلُ الْحَلَالَ.

* وَمَهْمَا رَأَى فِيهِ مَخَايِلَ التَّمْيِيزِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ مُرَاقَبَتَهُ،

وَأَوَّلُ ذَلِكَ ظُهُورُ أَوَائِلِ الْحَيَاءِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي وَيَتْرُكُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ،

وَهَذِهِ بِشَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى اعْتِدَالِ الْأَخْلَاقِ وَصَفَاءِ الْقَلْبِ، فَالصَّبِيُّ الْمُسْتَحِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْمَلَ، بَلْ يُسْتَعَانُ عَلَى تَأْدِيبِهِ بِحَيَائِهِ وَتَمْيِيزِهِ.

* وَأَوَّلُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ: شَرَهُ الطَّعَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَ فِيهِ، مِثْلُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الطَّعَامَ إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَأَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ: «بِسْمِ اللَّهِ» عِنْدَ أَخْذِهِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ، وَأَنْ لَا يُبَادِرَ إِلَى الطَّعَامِ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يُحَدِّقَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى مَنْ يَأْكُلُ، وَأَنْ لَا يُسْرِعَ فِي الْأَكْلِ، وَأَنْ يُجِيدَ الْمَضْغَ، وَأَنْ لَا يُوَالِيَ بَيْنَ اللُّقَمِ، وَلَا يُلَطِّخَ يَدَهُ وَلَا ثَوْبَهُ، وَأَنْ يُعَوَّدَ الْخُبْزَ الْقَفَارَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى لَا يَصِيرَ بِحَيْثُ يَرَى الْأُدْمَ حَتْمًا،

* وَأَنْ يُقَبَّحَ عِنْدَهُ كَثْرَةُ الْأَكْلِ، بِأَنْ يُشَبَّهَ كُلُّ مَنْ يُكْثِرُ الْأَكْلَ بِالْبَهَائِمِ، وَبِأَنْ يُذَمَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيُّ الَّذِي يُكْثِرُ الْأَكْلَ، وَيُمْدَحُ عِنْدَهُ الصَّبِيُّ الْمُتَأَدِّبُ الْقَلِيلُ الْأَكْلِ،

* وَأَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ الْإِيثَارُ بِالطَّعَامِ، وَقِلَّةُ الْمُبَالَاةِ بِهِ، وَالْقَنَاعَةُ___بِالطَّعَامِ الْخَشِنِ، أَيَّ طَعَامٍ كَانَ،

الْقَفَارَ وَأَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ مَا لَيْسَ بِمُلَوَّنٍ وَحَرِيرٍ، وَيُقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَالْمُخَنَّثِينَ، وَأَنَّ الرِّجَالَ يَسْتَنْكِفُونَ مِنْهُ وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ،

وَمَهْمَا رَأَى عَلَى صَبِيٍّ ثَوْبًا مِنَ الْحَرِيرِ أَوْ مُلَوَّنًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنْكِرَهُ وَيَذُمَّهُ،

* وَأَنْ يُحْفَظَ عَنِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ عُوِّدُوا التَّنَعُّمَ وَالرَّفَاهِيَةَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ، وَعَنْ مُخَالَطَةِ كُلِّ مَنْ يُسْمِعُهُ مَا يُرَغِّبُهُ فِيهِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ مَهْمَا أُهْمِلَ فِي ابْتِدَاءِ نُشُوئِهِ، خَرَجَ فِي الْأَغْلَبِ رَدِيءَ الْأَخْلَاقِ، كَذَّابًا حَسُودًا سَرُوقًا نَمَّامًا لَحُوحًا، ذَا فُضُولٍ وَضَحِكٍ وَكِيَادٍ وَمَجَانَةٍ، وَإِنَّمَا يُحْفَظُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِحُسْنِ التَّأْدِيبِ.

* ثُمَّ يَشْتَغِلُ فِي الْمَكْتَبِ، فَيَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ وَأَحَادِيثَ الْأَخْيَارِ وَحِكَايَاتِ الْأَبْرَارِ وَأَحْوَالَهُمْ؛ لِيَنْغَرِسَ فِي نَفْسِهِ حُبُّ الصَّالِحِينَ،

* وَلَا يَحْفَظُ مِنَ الْأَشْعَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعِشْقِ وَأَهْلِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الصِّبْيَانِ بَذْرَ الْفَسَادِ،

* ثُمَّ مَهْمَا ظَهَرَ مِنَ الصَّبِيِّ خُلُقٌ جَمِيلٌ وَفِعْلٌ مَحْمُودٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَمَ عَلَيْهِ، وَيُجَازَى عَلَيْهِ بِمَا يَفْرَحُ بِهِ، وَيُمْدَحُ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ،

* فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْهُ، وَلَا يَهْتِكَ سِتْرَهُ، وَلَا يُكَاشِفَهُ، وَلَا يُظْهِرَ لَهُ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَتَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا سَتَرَهُ الصَّبِيُّ وَاجْتَهَدَ فِي إِخْفَائِهِ،

فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ رُبَّمَا يُفِيدُهُ جَسَارَةً حَتَّى لَا يُبَالِيَ بِالْمُكَاشَفَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ إِنْ عَادَ ثَانِيًا أَنْ يُعَاتَبَ سِرًّا، وَيُعَظَّمَ الْأَمْرُ فِيهِ، وَيُقَالُ لَهُ: «إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمِثْلِ هَذَا، وَأَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا، فَتَفْتَضِحَ بَيْنَ النَّاسِ» .

* وَلَا تُكْثِرِ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِالْعِتَابِ فِي كُلِّ حِينٍ؛ فَإِنَّهُ يَهُونُ عَلَيْهِ سَمَاعُ الْمَلَامَةِ وَرُكُوبُ الْقَبَائِحِ، وَيَسْقُطُ وَقْعُ الْكَلَامِ مِنْ قَلْبِهِ.

* وَلْيَكُنِ الْأَبُ حَافِظًا هَيْئَةَ الْكَلَامِ مَعَهُ، فَلَا يُوَبِّخُهُ إِلَّا أَحْيَانًا، وَالْأُمُّ تُخَوِّفُهُ بِالْأَبِ وَتَزْجُرُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ.

* وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ عَنِ النَّوْمِ نَهَارًا؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْكَسَلَ، وَلَا يُمْنَعَ مِنْهُ لَيْلًا، وَلَكِنْ يُمْنَعُ الْفُرُشَ الْوَطِيئَةَ؛ حَتَّى تَتَصَلَّبَ أَعْضَاؤُهُ، وَلَا يُسْخَفَ بَدَنُهُ فَلَا يَصْبِرُ عَلَى التَّنَعُّمِ، بَلْ يُعَوَّدُ الْخُشُونَةَ فِي الْمَفْرَشِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ.

* وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ فِي خِفْيَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُخْفِيهِ إِلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَبِيحٌ، فَإِذَا تَعَوَّدَ تَرَكَ فِعْلَ الْقَبِيحِ،

* وَيُعَوَّدُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ الْمَشْيَ وَالْحَرَكَةَ وَالرِّيَاضَةَ؛ حَتَّى لَا يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْكَسَلُ،

* وَيُعَوَّدُ أَنْ لَا يَكْشِفَ أَطْرَافَهُ،

* وَلَا يُسْرِعَ الْمَشْيَ.

* وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَفْتَخِرَ عَلَى أَقْرَانِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ وَالِدَاهُ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَطَاعِمِهِ وَمَلَابِسِهِ،

* بَلْ يُعَوَّدُ التَّوَاضُعَ وَالْإِكْرَامَ لِكُلِّ مَنْ عَاشَرَهُ، وَالتَّلَطُّفَ فِي الْكَلَامِ مَعَهُمْ،

* وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصِّبْيَانِ شَيْئًا بَدَا لَهُ، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ الرِّفْعَةَ فِي الْإِعْطَاءِ، لَا فِي الْأَخْذِ، وَأَنَّ الْأَخْذَ لُؤْمٌ وَخِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ الْكَلْبِ، فَإِنَّهُ يُبَصْبِصُ فِي انْتِظَارِ لُقْمَةٍ وَالطَّمَعِ فِيهَا.

* وَبِالْجُمْلَةِ: يُقَبَّحُ إِلَى الصِّبْيَانِ حُبُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّمَعِ فِيهِمَا، وَيُحَذَّرُ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِمَّا يُحَذَّرُ مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ؛ فَإِنَّ آفَةَ حُبِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَضَرُّ مِنْ آفَةِ السُّمُومِ عَلَى الصِّبْيَانِ، بَلْ وَعَلَى الْكِبَارِ أَيْضًا.

* وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّدَ أَنْ لَا يَبْصُقَ فِي مَجْلِسِهِ وَلَا يَتَمَخَّطَ،

* وَلَا يَتَثَاءَبَ بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ، وَلَا يَسْتَدْبِرَ غَيْرَهُ،

* وَلَا يَضَعَ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ، وَلَا يَضَعَ كَفَّهُ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَلَا يَعْمِدَ رَأْسَهُ بِسَاعِدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْكَسَلِ،

* وَيُعَلَّمُ كَيْفِيَّةَ الْجُلُوسِ،

* وَيُمْنَعُ كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَيُبَيَّنُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوَقَاحَةِ، وَأَنَّهُ فِعْلُ أَبْنَاءِ اللِّئَامِ،

* وَيُمْنَعُ الْيَمِينَ رَأْسًا - صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا - حَتَّى لَا يَعْتَادَ ذَلِكَ فِي الصِّغَرِ،

* وَيُعَوَّدُ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ مَهْمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا،

* وَأَنْ يَقُومَ لِمَنْ فَوْقَهُ وَيُوَسِّعَ لَهُ الْمَكَانَ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ،[1]___

* وَيُمْنَعُ مِنْ لَغْوِ الْكَلَامِ وَفُحْشِهِ، وَمِنَ اللَّعْنِ وَالسَّبِّ، وَمِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْرِي - لَا مَحَالَةَ - مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ.

وَأَصْلُ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ: الْحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ.

* وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنِ الْكُتَّابِ أَنْ يَلْعَبَ لَعِبًا جَمِيلًا يَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ مِنْ تَعَبِ الْمَكْتَبِ، فَإِنَّ مَنْعَ الصَّبِيِّ مِنَ اللَّعِبِ وَإِرْهَاقَهُ إِلَى التَّعَلُّمِ دَائِمًا يُمِيتُ قَلْبَهُ، وَيُبْطِلُ ذَكَاءَهُ، وَيُنَغِّصُ عَلَيْهِ الْعَيْشَ، حَتَّى يَطْلُبَ الْحِيلَةَ فِي الْخَلَاصِ مِنْهُ رَأْسًا.

* وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ طَاعَةَ وَالِدَيْهِ وَمُعَلِّمِهِ وَمُؤَدِّبِهِ، وَكُلِّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا مِنْ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ، وَأَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْجَلَالَةِ وَالتَّعْظِيمِ،

* وَأَنْ يَتْرُكَ اللَّعِبَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ،

* وَمَهْمَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَامَحَ فِي تَرْكِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ،

* وَيُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ رَمَضَانَ،

* وَيُعَلَّمُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ حُدُودِ الشَّرْعِ،

* وَيُخَوَّفُ مِنَ السَّرِقَةِ، وَأَكْلِ الْحَرَامِ، وَمِنَ الْخِيَانَةِ، وَالْكَذِبِ، وَالْفُحْشِ،

فَإِذَا وَقَعَ نُشُوؤُهُ كَذَلِكَ فِي الصِّبَا فَمَهْمَا قَارَبَ الْبُلُوغَ أَمْكَنَ أَنْ يَعْرِفَ أَسْرَارَ هَذِهِ الْأُمُورِ." اهـ

 

12/ فيه: الحض على تأديب النفوس

 

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الآجري _رحمه الله_ في "أدب النفوس" (ص: 262):

"أَلَا تَرَوْنَ _رَحِمَكُمُ اللَّهُ_ إِلَى مَوْلَاكُمُ الْكَرِيمِ، يَحُثُّكُمْ عَلَى تَأْدِيبِ نُفُوسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ؟ فَاعْقِلُوا _رَحِمَكُمُ اللَّهُ_ عَنِ اللَّهِ _عَزَّ وَجَلَّ_:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]

قَالَ: «عَلِّمُوهُمْ، أَدِّبُوهُمْ»

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَا تَرَوْنَ _رَحِمَكُمُ اللَّهُ_ إِلَى مَوْلَاكُمُ الْكَرِيمِ، يَحُثُّكُمْ عَلَى تَأْدِيبِ نُفُوسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ؟ فَاعْقِلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَنِ اللَّهِ _عَزَّ وَجَلَّ_، وَأَلْزِمُوا أَنْفُسَكُمْ عِلْمَ ذَلِكَ.

ثُمَّ اعْلَمُوا _رَحِمَكُمُ اللَّهُ_ أَنَّهُ يَلْزَمُكُمْ عِلْمُ حَالَيْنِ، لَا بُدَّ مِنْهُمَا:

* عِلْمُ مَعْرِفَةِ النَّفْسِ، وَقُبْحِ مَا تَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِمَّا تَهْوَاهُ وَتَلُذُّهُ مُضْمِرَةً لِذَلِكَ، وَقَائِلَةً وَفَاعِلَةً. فَوَاجِبٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَزْجُرُوهَا عَنْهُ حَتَّى لَا تُبَلِّغُوهَا ذَلِكَ.

* وَالْحَالُ الثَّانِي: عِلْمُ كَيْفَ السِّيَاسَةُ لَهَا؟ وَكَيْفَ تُرَاضُ؟ وَكَيْفَ تُؤَدَّبُ؟

فَهَذَانِ الْحَالَانِ، لَا بُدَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ أَنْ يَطْلُبَ عِلْمَهُ حَتَّى يَعْرِفَ نَفْسَهُ، وَيَعْرِفَ كَيْفَ يُؤَدِّبُهَا.

قُلْتُ: فَأَمَّا مَعْرِفَةُ النَّفْسِ، وَقَبِيحُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرِي لَهُ، وَأَنَا أَزِيدُكَ فِي فَضْحَتِهَا: هِيَ جَامِعَةٌ لِكُلِّ بَلَاءٍ، وَخَزَانَةُ إِبْلِيسَ، وَإِلَيْهَا يَأْوِي، وَيَطْمَئِنُّ___تُظْهِرُ لَكَ الزُّهْدَ وَهِيَ رَاغِبَةٌ. وَتُظْهِرُ لَكَ الْخَوْفُ، وَهِيَ آمِنَةٌ. تَفْرَحُ بِحُسْنِ ثَنَاءٍ مِنْ جَهْلِهَا بِبَاطِلٍ، فَتَحْمَدُهُ، وَتُدِينُهُ. وَيَثْقُلُ عَلَيْهَا الصِّدْقُ مَنْ ذَمَّهَا بِحَقٍّ نُصْحًا مِنْهُ لَهَا، فَتُبْغِضُهُ وَتُقْصِيهِ.

وَأَنَا أُمَثِّلُ لَكِ مِثَالًا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَمْرُهَا إِنَّ شَاءَ اللَّهُ.

اعْلَمْ أَنَّ النَّفْسَ مِثْلُهَا كَمَثَلِ الْمُهْرِ الْحَسَنِ مِنَ الْخَيْلِ، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ النَّاظِرُ أَعْجَبَهُ حُسْنُهُ وَبَهَاؤُهُ. فَيَقُولُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ بِهِ: لَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا حَتَّى يُرَاضَ رِيَاضَةً حَسَنَةً، وَيُؤَدَّبَ أَدَبًا حَسَنًا،

فَحِينَئِذٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، فَيَصْلُحُ لِلطَّلَبِ وَالْهَرَبِ، وَيَحْمَدُ رَاكِبُهُ عَوَاقِبَ تَأْدِيبِهِ وَرِيَاضَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يُؤَدَّبْ، لَمْ يُنْتَفَعْ بِحُسْنِهِ وَلَا بِبَهَائِهِ، وَلَا يَحْمَدُ رَاكِبُهُ عَوَاقِبَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

فَإِنْ قِيْلَ صَاحِبُ هَذَا الْمُهْرِ قَوْلَ أَهْلِ النَّصِيحَةِ وَالْبَصِيرَةِ بِهِ , عَلِمَ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، فَدَفَعَهُ إِلَى رَائِضٍ فَرَاضَهُ. ثُمَّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الرَّائِضُ إِلَّا عَالِمًا بِالرِّيَاضَةِ، مَعَهُ صَبْرٌ عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ عِلْمِ الرِّيَاضَةِ.

فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بِالرِّيَاضَةِ وَنَصَحَهُ، انْتَفَعَ بِهِ صَاحِبُهُ. فَإِنْ كَانَ الرَّائِضُ لَا مَعْرِفَةَ مَعَهُ بِالرِّيَاضَةِ، وَلَا عِلْمَ بَأَدَبِ الْخَيْلِ، أَفْسَدَ هَذَا الْمُهْرَ، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَحْمَدْ رَاكِبُهُ عَوَاقِبَهُ. وَإِنْ كَانَ الرَّائِضُ مَعَهُ مَعْرِفَةُ الرِّيَاضَةِ وَالْأَدَبِ لِلْخَيْلِ، إِلَّا أَنَّهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَشَقَّةِ الرِّيَاضَةِ، وَأَحَبَّ التَّرْفِيهَ لِنَفْسِهِ، وَتَوَانَى عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّصِيحَةِ فِي الرِّيَاضَةِ، أَفْسَدَ هَذَا الْمُهْرَ، وَأَسَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَصْلُحْ لِلطَّلَبِ، وَلَا لِلْهَرَبِ، وَكَانَ لَهُ مَنْظَرٌ بِلَا مَخْبَرٌ.

فَإِنْ كَانَ مَالِكُهُ هُوَ الرَّائِضُ لَهُ، نَدِمَ عَلَى تَوَانِيهِ يَوْمَ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ حِينَ نَظَرَ إِلَى___غَيْرِهِ فِي وَقْتِ الطَّلَبِ. قَدْ طَلَبَ، فَأَدْرَكَ، وَفِي وَقْتِ الْهَرَبِ قَدْ هَرَبَ فَسَلِمَ، وَطَلَبَ، فَهُوَ لَمْ يُدْرِكْ. وَهَرَبَ، فَلَمْ يُسْلِمْ. كُلُّ ذَلِكَ بِتَوَانِيهِ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ مِنْهُ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ يَلُومُهَا وَيُبِّخُهَا، فَيَقُولُ: (لِمَ فَرَّطْتِ؟ لِمَ قَصَّرْتِ؟ لَقَدْ عَادَ عَلَيَّ مِنْ قِلَّةِ صَبْرَى كُلُّ مَا أَكْرَهُ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ).

اعْقِلُوا _رَحِمَكُمُ اللَّهُ_ عِلْمَ هَذَا الْمَثَلِ، وَتَفَقَّهُوا بِهِ، تُفْلِحُوا وَتَنْجَحُوا." اهـ

 

13/ فيه: إشارة إلى أن الأولاد والأهل من نعم الله التي وجب شكرها

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "الضياء اللامع من الخطب الجوامع" (2/ 257):

"وإن من شكر نعمة الله عليكم فيهم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم بأحسن الأخلاق والأعمال،

قال الله _تعالى_:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]

أيها المؤمنون، قوا أهليكم النار بفتح أبواب الخير لهم وتوجيههم إليها وتشجيعهم عليها، بينوا لهم الحق ومنافعه ومروهم به وبينوا لهم الباطل ومضاره وحذروهم عنه.

فإنكم رعاة عليهم وكل راع مسؤول عن رعيته، فمن قام بحسن رعايته فيهم أفلح ونجا، ومن فرط في رعايته فيهم، خسر وهلك." اهـ

 

14/ فيه بيان منهج الدعوة من البداءة بوقاية النفس، ثم بوقاية الأهلين

 

وقال الشيخ الفوزان _حفظه الله_ في "إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" (1/ 214):

"أمر بوقاية النفس أوّلاً، ثم بوقاية الأهلين، وذلك لأن الأقارب لهم حق، ومن أعظم حقوقهم: إرشادهم إلى ما فيه خيرهم، وصلاحهم، وفلاحهم، فهذا أنفع من أن تعطيهم الذهب والفضة والأموال، بل تبدأ بإرشادهم، وتوجيهم، ودعوتهم إلى الله تعالى، لأن لهم حقًّا عليك، وليس حقهم مقصوراً على الإنفاق وإعطائهم المال." اهـ

 

ثم قال _حفظه الله_ في "إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" (1/ 215):

"وانظروا إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}،

وانظروا إلى قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]،

فهذا من أعظم مناهج الدعوة.

لما نزلت عليه هذه الآية الكريمة بادر -عليه الصلاة والسلام- بامتثال أمر الله، وصعد على الصفا، الجبل المعروف



[1]  فيه نظر، فقد نهى عن ذلك رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_. ففي "سنن أبي داود" (4/ 358) (رقم: 5229)، و"سنن الترمذي" – ت. شاكر (5/ 90_91) (رقم: 2755) بسنده: عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ صَفْوَانَ حِينَ رَأَوْهُ. فَقَالَ: اجْلِسَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 31) (رقم: 2717)

وفي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (5/ 90) (رقم: 2754):

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ»، وصححه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (3/ 1331) (رقم: 4698)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

الحديث 12 من رياض الصالحين