شرح الحديث 157 - باب حسن الملكة من كتاب الأدب المفرد لأبي فائزة البوجيسي

 

157 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:

«أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ (صدوق: 213 هـ بـ بغداد):

محمد بن سابق التميمى مولاهم، أبو جعفر (ويقال: أبو سعيد)، البَزَّاز الكوفي ثم البغدادي (أصله من فارس)، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له:  خ م د ت س 

 

قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ (ثقة تكلم فيه بلا حجة: ت. 160 هـ):

إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق السبيعي الهمداني، أبو يوسف الكوفي (أخو عيسى بن يونس)، من كبار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

* عَنِ الْأَعْمَشِ (ثقة حافظ عارف بالقراءات: ت. 147 أو 148 هـ):

سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم، أبو محمد الكوفي الأعمش (وكاهل: هو ابن أسد بن خزيمة )، من صغار التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

 

* عَنْ أَبِي وَائِلٍ (ثقة: ت. في خلافة عمر بن عبد العزيز):

شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي (من أَسَدِ خُزَيْمَةَ، ويقال: أحد بني مالك بن ثعلبة بن دودان)، من كبار التابعين، روى له:  خ م د ت س ق،

 

* عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (32 أو 33 هـ بـ المدينة):

عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، صاحب نعل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_)، من السابقين الأولين، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ:

«أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ»

 

[تعليق]:

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 37):

(أجِيبُوا الدَّاعِي) الَّذِي يدعوكم لوليمة وجوبا، إِن كَانَت لعرس وتوفرت الشُّرُوط كَمَا تقرّر، وندبا إِن كَانَت لغيره مِمَّا ينْدب أَن يولم لَهُ.

(وَلَا تردّوا) ندبا (الْهَدِيَّة) لِأَنَّهَا وصلَة إِلَى التحابب، نعم يحرم قبُولهَا على القَاضِي كَمَا مرّ،

(وَلَا تضربوا الْمُسلمين) فِي غير حدٍّا وتأديب، بل تلطفوا مَعَهم بالْقَوْل وَالْفِعْل، فَضرب الْمُسلم بِغَيْر حق حرَام بل كَبِيرَة وَالتَّعْبِير بِالْمُسلمِ غالبى فَمن لَهُ ذمّة أَو عهد يحرم ضربه تعدّيا." اهـ

 

وفي رواية للبيهقي في "شعب الإيمان" (9/ 75) (رقم: 6279):

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، نا شَاذَانُ، نا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ "

 

التنبيه الأول: حكم إجابة دعوة المسلم

 

أما حكم إجابة دعوة المسلم، فقد ورد في صحيح البخاري (رقم: 1164) ومسلم (رقم: 4022):

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

"حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ."

 

وقد قسم العلماء الدعوة التي أُمر المسلم بإجابتها إلى قسمين:

الأول: الدعوة إلى وليمة العرس ، فجماهير العلماء على وجوب إجابتها إلا لعذر شرعي ، وسيأتي ذكر بعض هذه الأعذار ـ إن شاء الله ـ .

والدليل على وجوب الإجابة: ما رواه البخاري (4779) ومسلم (2585) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

"شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ "

 

الثاني: الدعوة لغير وليمة العرس على اختلاف أنواعها،

فجماهير العلماء يرون أن إجابتها مستحبة، ولم يخالف، إلا بعضُ الشافعية، والظاهرية، فأوجبوها، ولو قيل بتأكد استحباب الإجابة لكان قريبا .والله أعلم .

 

لكن العلماء اشترطوا شروطا لإجابة الدعوة، فإذا لم تتحقق هذه الشروط لم يكن حضور الدعوة واجبا ولا مستحبا ، بل قد يحرم الحضور ، وقد لخص هذه الشروط الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله، فقال :

1_ ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة ، فإن كان هناك منكر وهو يستطيع إزالته وجب عليه الحضور لسببين : إجابة الدعوة ، وتغيير المنكر ، وإن كان لا يمكنه إزالته حرم عليه الحضور .

2_أن يكون الداعي للوليمة ممن لا يجب هجره أو يُسنّ. [كأن يكون مجاهرا بفسق أو معصية ، وهجره قد ينفع في توبته من ذلك]

3_أن يكون الداعي مسلما، وإلا لم تجب إجابته لقوله صلى الله عليه وسلم : "حق المسلم على المسلم ..."

4_ أن يكون طعام الوليمة مباحا، يجوز أكله .

5_ أن لا تتضمن إجابة الدعوة إسقاط واجب أو ما هو أوجب منها فإن تضمن ذلك حرمت الإجابة .

6_ أن لا تتضمن ضررا على المجيب مثل أن يحتاج إلى سفر أو مفارقة أهله المحتاجين إلى وجوده بينهم ، أو نحو ذلك من أنواع الضرر . اهـ من "القول المفيد" (3 / 111) بتصرف.

وزاد بعض العلماء:

7_ أنْ يَخُصَّ الدَّاعِيْ المدعُوَّ بالدعوة، بخلاف ما لو دعا الحاضرين  في مجلس عام لحضور وليمته، وهو أحد هؤلاء، فلا يلزمه الحضور عند الأكثر.

 

تعريف الوليمة وأنواعها

 

الحاوي الكبير (9/ 555_556)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " الْوَلِيمَةُ الَّتِي تُعْرَفُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ وَكُلُّ دعوةٍ عَلَى إملاكٍ أَوْ نفاسٍ أَوْ ختانٍ أَوْ حَادِثِ سرورٍ فَدُعِيَ إِلَيْهَا رجلٌ فَاسْمُ الْوَلِيمَةِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَا أُرَخِّصُ فِي تَرْكِهَا وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّهُ عاصٍ كَمَا يَبِينُ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَرَكَ الْوَلِيمَةَ عَلَى عرسٍ وَلَا أَعْلَمُهُ أَوْلَمَ على غير وأول على صفية رضي الله عنها في سفرٍ بسويقٍ وتمرٍ وقال لعبد الرحمن " أولم ولو بشاةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا الْوَلِيمَةُ فَهِيَ إِصْلَاحُ الطَّعَامِ وَاسْتِدْعَاءُ النَّاسِ لِأَجْلِهِ، وَالْوَلَائِمُ سِتٌّ.

وَلِيمَةُ الْعُرْسِ: وَهِيَ الْوَلِيمَةُ عَلَى اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ.

وَوَلِيمَةُ الْخُرْسِ: وَهِيَ الْوَلِيمَةُ عَلَى وِلَادَةِ الْوَلَدِ.

وَوَلِيمَةُ الْإِعْذَارِ: وَهِيَ الْوَلِيمَةُ عَلَى الْخِتَانِ.

وَوَلِيمَةُ الْوَكِيرَةِ: وَهِيَ الْوَلِيمَةُ عَلَى بِنَاءِ الدَّارِ،

وَوَلِيمَةُ النَّقِيعَةِ: وَهِيَ وَلِيمَةُ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ، وَرُبَّمَا سَمُّوا النَّاقَةَ الَّتِي تُنْحَرُ لِلْقَادِمِ نَقِيعَةً.___

وَوَلِيمَةُ الْمَأْدُبَةِ: هِيَ الْوَلِيمَةُ لِغَيْرِ سَبَبٍ.

فَإِنَّ خُصَّ بِالْوَلِيمَةِ جَمِيعُ النَّاسِ سُمِّيَتْ جَفَلَى، وَإِنْ خُصَّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ سُمِّيَتْ نَقَرَى___

فهذه الستة ينطق اسْمُ الْوَلَائِمِ عَلَيْهَا، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْوَلِيمَةِ يَخْتَصُّ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا مِنَ الْوَلَائِمِ بِقَرِينَةٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلِيمَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَلْمِ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْقَيْدُ الْوَلْمُ، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّجْلَيْنِ، فَتَنَاوَلَتْ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ لِاجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ فِيهَا ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْوَلَائِمِ تَشْبِيهًا بِهَا، فَإِذَا أُطْلِقَتِ الْوَلِيمَةُ تَنَاوَلَتْ وَلِيمَةَ الْعُرْسِ، فَإِنْ أُرِيدَ غَيْرُهَا قِيلَ: وَلِيمَةُ الْخُرْسِ، أَوْ وَلِيمَةُ الْإِعْذَارِ، وَقَدْ أَفْصَحَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا، ثُمَّ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ وَلِيمَةَ غَيْرِ الْعُرْسِ لَا تَجِبُ.

فَأَمَّا وَلِيمَةُ الْعُرْسِ فَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّهُ عَاصٍ كَمَا يَبِينُ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ ".

 

فَصْلٌ: شُرُوطُ الداعي

 

الحاوي الكبير (9/ 558)

وَإِذَا كَانَتِ الْإِجَابَةُ وَاجِبَةً عَلَى مَا وَصَفْنَا فَلِوُجُوبِهَا شُرُوطٌ تُعْتَبَرُ فِي الدَّاعِي وَالْمَدْعُوِّ، فَأَمَّا الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الدَّاعِي، فَسِتَّةُ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِذْنُ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بالغٍ لَمْ تَلْزَمْ إِجَابَتُهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِبُطْلَانِ إِذْنِهِ وَرَدِّ تَصَرُّفِهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لِفَقْدِ تَمْيِيزِهِ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الصَّغِيرِ فِي فَسَادِ إِذْنِهِ وَرَدِّ تَصَرُّفِهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْ إِجَابَتُهُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ لَمْ تَلْزَمْ إِجَابَتُهُ أَيْضًا، لِأَنَّ وَلِيَّهُ مَنْدُوبٌ لِحِفْظِ مَالِهِ لَا لِإِتْلَافِهِ.

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فَلَمْ تَلْزَمْ إِجَابَتُهُ لِفَسَادِ إِذْنِهِ فَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ صَارَ كَالْحُرِّ فِي لُزُومِ إِجَابَتِهِ.

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا تَلْزَمُ مُوَالَاتُهُ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي ذِمِّيًّا لِمُسْلِمٍ، فَفِي لُزُومِ إِجَابَتِهِ وَجْهَانِ:

* أَحَدُهُمَا: يَجِبُ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، فَإِنَّهُ مَلْهُوفٌ ".

* وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَلْزَمُ إِجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُسْتَخْبَثَ الطَّعَامِ مُحَرَّمًا.

وَلِأَنَّ نَفْسَ الْمُسْلِمِ تَعَافُ كُلَّ طَعَامِهِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الطَّعَامِ التَّوَاصُلُ بِهِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ مِنْ تَوَاصُلِهِمَا، فَإِنْ دَعَا مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ أَحْكَامَ شَرْعِنَا إِلَّا عَنْ تراضٍ.___

وَالشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ يُصَرِّحَ بِالدُّعَاءِ، إِمَّا بِقَوْلٍ أَوْ مُكَاتَبَةٍ أَوْ مُرَاسَلَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ جارٍ وَصَرِيحُ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ: أَسْأَلُكَ الْحُضُورَ، أَوْ يَقُولَ: أُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ، أَوْ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُجَمِّلَنِي بِالْحُضُورِ فَتَلْزَمُهُ إِجَابَتُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ كُلِّهِ.

فَأَمَّا إِنْ قَالَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَحْضُرَ فَافْعَلْ لَمْ تَلْزَمْهُ إِجَابَتُهُ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: (وَمَا أُحِبُّ أَنْ يُجِيبَ)." اهـ

 

فصل: شروط المدعو

 

الحاوي الكبير (9/ 559_560):

"وَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي فِي الْمَدْعُوِّ، فَخَمْسَةُ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ.

وَالثَّانِي: الْعَقْلُ لِيَكُونَ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حُكْمُ الِالْتِزَامِ.

وَالثَّالِثُ: الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ بِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُضُورُهُ مُضِرًّا بِكَسْبِهِ لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ، وَفِي لُزُومِهَا بِإِذْنِهِ وَجْهَانِ فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَتَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ كَالرَّشِيدِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالدَّاعِي مُسْلِمٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَابَةَ لَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ وَرَضِيَا بِحُكْمِنَا أَخْبَرْنَاهُمَا بِلُزُومِ الْإِجَابَةِ فِي دِينِنَا، وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمَدْعُوُّ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَالْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ تَشَاغُلٍ بِمَرَضٍ أَوْ إِقَامَةٍ عَلَى حِفْظِ مَالٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ،

فَإِنَّ كُلَّ هَذِهِ وَمَا شَاكَلَهَا أَعْذَارٌ تُسْقِطُ لُزُومَ الْإِجَابَةِ فَإِنِ اعْتَذَرَ بِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ كَانَ عُذْرًا فِي التَّأَخُّرِ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ لَمْ يكن عذراً.___

وَإِنِ اعْتَذَرَ بِمَطَرٍ يَبُلُّ الثَّوْبَ كَانَ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ فِي التَّأَخُّرِ عَنْ فَرْضِ الْجُمُعَةِ، وَإِنِ اعْتَذَرَ بِزِحَامِ النَّاسِ فِي الْوَلِيمَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأَخُّرِ عَنِ الْإِجَابَةِ وَقِيلَ احْضُرْ، فَإِنْ وَجَدْتَ سَعَةً وَإِلَّا عُذِرْتَ فِي الرُّجُوعِ." اهـ

 

التنبيه الثانيْ: حول حكم قبول الهدية

 

الذي عليه جمهور أهل العلم أن قبول الهدية مستحب؛ لأن التهادي يبعث على مزيد المحبة والوئام بين المسلمين.

 

إلا أنه قد نهى النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن رد الهدية، إذا لم يكن هناك سبب يدعو لذلك؛ لما روى الإمام أحمد (رقم: 3838)، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 157)، وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 242):

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَجِيبُوا الدَّاعِيَ ، وَلَا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ ، وَلَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ). وصححه الألباني في "الإرواء" (6/59) .

 

قال ابن حبان _رحمه الله_ عقبه:

" زجر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم في هذا الخبر عَن ترك قبول الهدايا بين المسلمين، فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية: أن يقبلها، ولا يردها، ثم يثيب عليها إذا قدر، ويشكر عنها، وإني لأستحب للناس بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم؛ إذ الهدية تورث المحبة وتذهب الضغينة." انتهى .

 

[تعليق]:

ففي "الأدب المفرد" (ص: 208) (رقم: 594):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا»

وحسنه الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (6/ 44) (رقم: 1601)

 

وروى الإمام أحمد (رقم: 17936):

عَنْ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ، قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ:

(مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ، فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْهِ) وصححه الألباني في "الصحيحة" (رقم: 1005) .

 

وروى الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 380) (رقم: 2035):

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ _رضي الله عنه_ قَالَ:

"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ)."[1]

 

وإذا كان هناك سبب شرعي، يدعو لرد هدية المهدي، ينبغي تطييب قلب المهدي ببيان العذر في عدم قبول هديته:

 

روى البخاري (رقم: 1825)، ومسلم (رقم: 1193) عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ _رضي الله عنه_:

"أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: (إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ، إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ).[2]

 

قال النووي _رحمه الله_:

"فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ هَدِيَّةٍ وَنَحْوِهَا لِعُذْرٍ: أَنْ يَعْتَذِرَ بِذَلِكَ إِلَى الْمُهْدِيِ ، تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (8/107) .

 

وأما هدية العمال، ففي "مسند أحمد" – ط. عالم الكتب (5/ 424) (رقم: 23601):

عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ:

أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: (هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ).

وصححه الألباني في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (8/ 246)

(2622).

 

وفي "صحيح البخاري" (8/ 130) (رقم: 6636)، و"صحيح مسلم" (3/ 1463/ 26) (رقم: 1832):

عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا، فَجَاءَهُ العَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَالَ لَهُ:

«أَفَلاَ قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ؟»

ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:

"أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ العَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ، فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ: هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْتُ "

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 168)

 وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن هَدَايَا الْعمَّال لَيست كالهدايا الْمُبَاحَة، لِأَن الْعَامِل إِنَّمَا يهدي لَهُ مُحَابَاة ليفعل فِي حق الْمهْدي مَا لَيْسَ لَهُ أَن يفعل، وَتلك خِيَانَة مِنْهُ.

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 156)

وَفِي الحَدِيث: أَن هَدَايَا الْعمَّال يجب أَن تجْعَل فِي بَيت المَال، وَأَنه لَيْسَ لَهُم مِنْهَا شَيْء إلاَّ أَن يستأذنوا الإِمَام فِي ذَلِك

 

شرح النووي على مسلم (12/ 219)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ حَرَامٌ وَغُلُولٌ لِأَنَّهُ خَانَ فِي وِلَايَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ فِي عُقُوبَتِهِ وَحَمْلِهِ مَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْغَالِّ وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ السَّبَبَ فِي تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا بِسَبَبِ الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ لِغَيْرِ الْعَامِلِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ

 

التنبيه الثالث: حول حكم الضرب

 

الحاصل: أن الضرب رخصة، رخَّص فيها ربُّنا للتأديب إذا دعت الحاجة إليه بعد ما قدم عليه من الوعظ، والهجر، وليس من الأفضل أن يسارع إليه، أو يفرح به، أو يتخذه علاجًا دائمًا، لا! بل الأفضل أن يؤَخَّرَ، وأن لا يُعَجَّلَ؛ جمعًا بين النصوص. (الشيخ ابن باز)

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 67) (رقم: 157)، وابن أبي شيبة في "مسنده" (1/ 161) (رقم: 228)، وفي "مصنفه" (4/ 446) (رقم: 21985)، مسند أحمد - عالم الكتب (1/ 404) (رقم: 3838)، الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (1/ 477) (رقم: 407)، مسند أبي يعلى الموصلي (9/ 284) (رقم: 5412)، المسند للشاشي (2/ 76) (رقم: 590)، مسند البزار = البحر الزخار (5/ 115) (رقم: 1697_1698)، شرح مشكل الآثار (8/ 29) (رقم: 3031)، المخلصيات (2/ 106) (رقم: 1137)، صحيح ابن حبان (12/ 418) (رقم: 5603)، و"روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (ص: 242)، المعجم الكبير للطبراني (10/ 197) (رقم: 10444)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها" (2/ 160)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (7/ 128)، شعب الإيمان (7/ 265) (رقم: 4974)، الترغيب والترهيب لقوام السنة (3/ 259) (رقم: 2479)، تاريخ دمشق لابن عساكر (48/ 27)

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (1/ 441) (رقم: 890)، وفي "صحيح الأدب المفرد" (ص: 80) (رقم: 117)، و"إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (6/ 59) (رقم: 1616)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 94) (رقم: 158)، و"التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (8/ 160) (رقم: 5574).

 

من فوائد الحديث:

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (30/ 266)

في فوائده:

(منها): مشروعيّة قبول الهديّة، وقد ورد النهي عن ردّها، فقد أخرج أحمد في "مسنده" - 1/ 404 - 405، والبخاريّ في "الأدب المفرد" رقم-157 - بسند صحيح، عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أجيبوا الداعي، ولا تردّوا الهديّة، ولا تضربوا المسلمين"

 

شرح مشكل الآثار (8/ 29_30 )

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْأَمْرُ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي وَبِقَبُولِ الْهَدِيَّةِ , وَالْمَنْعُ مِنْ رَدِّهَا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِجَابَةُ، وَهَذَا الْمَمْنُوعُ مِنْ رَدِّهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونُ الْمُدْعَى إلَيْهِ هُوَ خِلَافُ___الْوَلِيمَةِ،

وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسًا غَيْرَ الْجِنْسِ الْآخَرِ، فَيَكُونَ الْمُدْعَى إلَيْهِ هُوَ الْوَلِيمَةُ الْوَاجِبُ إتْيَانُهَا، وَالْهَدِيَّةُ بِخِلَافِهَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا...___

شرح مشكل الآثار (8/ 30) (رقم: 3033): وَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يَعْنِي الْحَرَّانِيَّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ كَرِيزٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:

دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إلَى خِتَانٍ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَ، وَقَالَ: " كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَأْتِي الْخِتَانَ، وَلَا نُدْعَى إلَيْهِ ".

قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي كَانُوا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَمَا كَانُوا يَأْتُونَهُ عَلَى وُجُوبِ إتْيَانِهِ عَلَيْهِمْ.

إنَّمَا هُوَ خَاصٌّ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، لَا عَلَى كُلِّ الْأَطْعِمَةِ. وَلَمَّا كَانَ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ مَأْمُورًا بِهِ، كَانَ مَنْ دُعِيَ إلَيْهِ مَأْمُورًا بِإِتْيَانِهِ، وَلَمَّا كَانَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ، كَانَ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِإِتْيَانِهِ." اهـ

 

[تعليق]:

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 273_275):

"وَقَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى إِيجَابِ إِتْيَانِ كُلِّ دَعْوَةٍ وُجُوبَ فَرْضٍ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَحَمَلَهَا سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى النَّدْبِ لِلتَّآلُفِ والتحاب،

وقد احتج بعض من لايرى إِتْيَانَ الدَّعْوَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُرْسًا بِقَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: (مَا كُنَّا نُدْعَى إِلَى الْخِتَانِ وَلَا نَأْتِيهِ)، وَهَذَا لَا حُجَّةَ___فِيهِ،

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يَجِبُ إِتْيَانُ طَعَامِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَطَعَامِ الْخِتَانِ وَطَعَامِ الْوَلِيمَةِ. والحجة قائمة بما قدمنا من آثار الصحاح التي نقلها الأيمة مُتَّصِلَةً إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهِيَ عَلَى عُمُومِهَا لَا تَخُصُّ دَعْوَةً مِنْ دَعْوَةٍ

أَخْبَرَنِي خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن أَبِي الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ مُعَاوِيَةَ ابن سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:

"أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ:

أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ. وَنَهَانَا عَنِ الشَّرَابِ فِي الْفِضَّةِ، فَإِنَّهُ___مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ، وَعَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقِسِيِّ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْإِسْتَبْرَقِ،

قَالَ الْبَرَاءُ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِسَبْعٍ..." - فَذَكَرَ مِنْهَا -: إِجَابَةَ الدَّاعِي، وَذَكَرَ مِنْهَا أَشْيَاءَ، مِنْهَا: مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَمِنْهَا: مَا هُوَ وَاجِبٌ وُجُوبَ سُنَّةٍ، فَكَذَلِكَ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (9/ 244)

قَالَ بن التِّينِ:

قَوْلُهُ: (وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ)، يُرِيدُ إِلَى وَلِيمَةِ الْعرس، كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث ابن عُمَرَ الَّذِي قَبْلَهُ، يَعْنِي: فِي تَخْصِيصِ الْأَمْرِ بِالْإِتْيَانِ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْوَلِيمَةِ."

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَوْلُهُ: (الدَّاعِي) عَامٌّ،

وَقَدْ قَالَ الْجُمْهُورُ: تَجِبُ فِي وَلِيمَةِ النِّكَاحِ، وَتُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِهَا، فَيَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَهُ، وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى عُمُومِ الْمَجَازِ. اهـ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا، فَالْمُرَادُ بِهِ خَاصٌّ. وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ إِجَابَةِ طَعَامِ غَيْرِ الْعُرْسِ فَمِنْ دَلِيلٍ آخَرَ." اهـ كلام ابن حجر.

 

[تعليق]:

وقال أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البُسْتِيُّ، المعروف بـ"الخَطَّابِيِّ" (المتوفى: 388 هـ) _رحمه الله_ في "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (3/ 1982):

"والداعي: الذي أمر بإجابته صاحب الوليمة خصوصا، وذلك لما فيه من الإشادة بالنكاح والإظهار لأمره." اهـ

 

روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 242)

زجر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم في هذا الخبر عَن ترك قبول الهدايا بين المسلمين.

فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هديةٌ: أَنْ يَقْبَلَهَا، ولا يَرُدُّهَا، ثم يثيب عليها إذا قدر، ويشكرُ عنها.

وإني لأستحب للناس بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم إذ الهدية تورث المحبة وتذهب الضغينة." اهـ

 

وقال ابن حبان البستي في "صحيح ابن حبان" (12/ 418):

"ذِكْرُ الزَّجْرِ عَنْ ضَرْبِ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً إِلَّا مَا يُبِيحُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ." اهـ

 

فيض القدير (1/ 164)

(ولا تضربوا المسلمين) في غير حد أو تأديب بل تلطفوا معهم بالقول والفعل وقد عاش المصطفى صلى الله عليه وسلم ما عاش وما ضرب بيده خادما ولا عبدا ولا أمة فالعفو أقرب للتقوى فضرب المسلم حرام بل كبيرة والتعبير بالمسلم غالبي فمن له ذمة أو عهد معتبر يحرم ضربه تعديا

 

[تعليق]:

التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 381)

فإن قلت: ما الجامع في عطف الضرب على الهدية؟ قلت: التضاد فإن ذلك إحسان وهذا إساءة وذلك سببًا للتحاب وهذا سبب للتباغض.



[1] وفي تحفة الأحوذي (6/ 156):

(فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ)، أَيْ: بَالَغَ فِي أَدَاءِ شُكْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ عَجَزَ عَنْ جَزَائِهِ وَثَنَائِهِ، فَفَوَّضَ جَزَاءَهُ إِلَى اللَّهِ لِيَجْزِيَهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: (إِذَا قَصُرَتْ يَدَاكَ بِالْمُكَافَأَةِ، فَلْيَطُلْ لِسَانُكَ بِالشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ)." اهـ

وهذا الحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 571) (رقم: 969)

[2] وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (3/ 562):

"والمحرم لا يأكل من الصيد الذي صيد من أجله. فلو أن محرماً مر بك وأنت في بلدك وهو محرم وصدت له صيداً أو ذبحت له صيداً عندك، فإنه لا يحل له أن يأكل منه، وذلك لأنه ممنوع من أكل ما صيد من أجله، أما إذا لم تصده من أجله، فالصحيح أنه حلال له إذا لم تصده لأجله." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة