شرح الحديث 23 - من أربعين حديثا في التربية والمنهج لأبي فائزة البوجيسي

  

الحديث الثالث والعشرون

 

عن جابر بن عبد الله _رضي الله تعالى عنهما_:

أن عمر بن الخطاب عنه أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي ﷺ، فغضب، فقال:

"أَمُتَهَوِّكُوْنَ فِيْهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟! وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لاَ تَسْأَلُوْهُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَيُخْبِرُوْكُمْ بِحَقٍّ، فَتُكَذِّبُوْا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ، فَتُصَدِّقُوْا بِهِ، وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوْسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِيْ."

________________

أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (۳/ ٣٨٧)، وهو حديث صحيح لشواهده. انظر: «الإرواء» (6/ ٣٤).

 

تخريج الحديث:

 

مسند أحمد - عالم الكتب (3/ 387) (رقم: 15156)، مصنف ابن أبي شيبة (5/ 312) (رقم: 26421)، سنن الدارمي (1/ 403) (رقم: 449)، السنة لابن أبي عاصم (1/ 27) (رقم: 50)، جامع بيان العلم وفضله (2/ 805) (رقم: 1497)، شرح السنة للبغوي (1/ 270) (رقم: 126)، وفي تفسير البغوي - إحياء التراث (1/ 268) (رقم: 215)، وفي الأنوار في شمائل النبي المختار (ص: 771) (رقم: 1235)

 

وقال الألباني _رحمه الله_ في "ظلال الجنة" (1/ 27) (رقم: 50):

"حديث حسن: إسناده ثقات غير مجالد وهو ابن سعيد فإنه ضعيف ولكن الحديث حسن له طرق أشرت إليها في "المشكاة" (177)، ثم خرجت بعضها في "الإرواء" (1589)." اهـ

 

سنن الدارمي (1/ 403)

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُسْخَةٍ مِنَ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ، فَسَكَتَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ، مَا تَرَى بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وَسَلَّمَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ بَدَا لَكُمْ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي، لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي، لَاتَّبَعَنِي»

 

شرح السنة للبغوي (1/ 271)

قَوْلُهُ: «أَمُتَهَوِّكُونَ» أَيْ: مُتَحَيِّرُونَ أَنْتُمْ فِي الإِسْلامِ، لَا تَعْرِفُونَ دِينَكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.

وَقَوْلُهُ: «بَيْضَاءَ نَقِيَّةً» أَرَادَ الْمِلَّةَ، لِذَلِكَ جَاءَ التَّأْنِيثُ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [الْبَيِّنَة: 5] أَيْ: تَفْسِيرُ الْمِلَّةِ الْقَيِّمَةِ الْحَنِيفِيَّةِ.

وَرُوِيَ: أَنَّ كَعْبَ الأَحْبَارِ جَاءَ إِلَى عُمَرَ بِمُصْحَفٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فِي هَذَا التَّوْرَاةُ، أَفَأَقْرَؤُهَا؟ فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا التَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ فَاقْرَءُوَهَا وَإِلا فَلا».

 

وقال شيخنا صالح بن عبد الله العبود _حفظه الله_ في "عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي" (1/ 403)

"قال الشيخ [محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله_]:

"وقد انتفع عمر بهذا، فقال للذي نسخ كتاب دانيال: "اُمْحُهُ بالحميم والصوف الأبيض."

وقرأ عليه أول هذه السورة، وقال: "لئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأَنْهَكَنَّكَ عقوبةً." اهـ

 

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 141) للقاضي البيضاوي:

"أي: متحيرون من (التهوك) بمعنى: التحير، وقد جاء بمعنى التهور أيضا." اهـ

 

بستان العارفين للسمرقندي (ص: 305)

((أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم ببيضاء نقية ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)) فقيل للحسن ما المتهوكون؟ قال: المتحيرون.

 

مسند أحمد ط الرسالة (28/ 460) (رقم: 17225)، وسنن أبي داود (3/ 318) (رقم: 3644): عَنِ ابْنِ أَبِي نَمْلَةَ، أَنَّ أَبَا نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ، أَخْبَرَهُ:

أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجَنَازَةُ؟

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُ أَعْلَمُ ". قَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهَا تَتَكَلَّمُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ " [صحيح: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 712) (رقم: 2800)]

 

مسند أحمد ط الرسالة (28/ 461_462):

"قال السندي: قوله: فلا تصدقوهم، أي: لا عبرة بأخبارهم لفسقهم بل كفرهم، نبقي ما أخبروا به على الشك والاحتمال، فلا يستحق التصديق ولا التكذيب.

قلنا: إن أخبار أهل الكتاب هي على ثلاثة أقسام:

أحدها: ما علمنا صحتَه مما بأيدينا مما يَشْهدُ له بالصدقِ، فذاك صحيح.

والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يُخالفه.

والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، وتجوز حكايته، لما أخرج البخاري في "صحيحه" برقم (3461) : أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بلغوا عني ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعدَه مِن النار".

قال الحافظ ابن كثير: وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني،___ولهذا يختلف علماءُ أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل أسماء أهل الكهف، ولَوْنِ كلبهم، وعدتهم، وعصا موسى من أي شجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيلَ مِن البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله موسى عندها ... إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدةَ في تعيينه، تعود على المكلفين في دنياهُم ولا دينهم، لكن نَقْلُ الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) [الكهف: 22] إلى آخر الآية.

 

وقد علق الشيخ أحمد شاكر _رحمه الله_ على كلمة ابن كثير هذه، فقال في "عمدة التفسير" (1/ 15):

"إن إباحةَ التحدث عنهم فيما ليس عندنا دليل على صدقه، ولا كذبه شيءٌ وذِكْرُ ذلك في تفسير القرآن وجعلُه قولاً أو روايةً في معنى الآيات، أو في تعيين ما لم يُعين فيها أو في تفصيل ما أُجمل فيها، شيء آخر لأن في إثبات مثلِ ذلك بجوارِ كلام الله، ما يُوهم أن هذا الذي لا نعرف صدقه ولا كذبه مُبَيِّنٌ لمعنى قولِ الله سبحانه، ومُفَصَّل لما أجمل فيه، وحاشا لله ولكتابه من ذلك، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أَذِنَ بالتحدث عنهم أمرنا أن لا نُصدقهم ولا نكذبهم، فأي تصديق لرواياتهم وأقاويلِهم أقوى من أن نَقْرِنَها بكتاب الله، ونضعَها منه موضع التفسير أو البيان؟ ! اللهم غفراً.

 

شرح السنة للبغوي (1/ 269)

وَهَذَا أَصْلٌ فِي وُجُوبِ التَّوَقُّفِ عَمَّا يُشْكِلُ مِنَ الأُمُورِ وَالْعُلُومِ، فَلا يُقْضَى فِيهِ بِجَوَازٍ وَلا بُطْلانٍ، وَعَلَى هَذَا كَانَ السَّلَفُ، وَقَدْ سُئِلَ عُثْمَانُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ؟ قَالَ: «أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ»، وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَقَطَعَ عَلِيٌّ بِتَحْرِيمِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ.

وَلَوْ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ فِي حَدِيثِهِ، فَلا يُصَدَّقُ، وَلا يُعْمَلُ بِهِ، لأَنَّهُ دِينٌ، وَلَوْ حَدَّثَهُ ثِقَةٌ وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَلا يُكَذِّبُهُ صَرِيحًا، لأَنَّ الْمَجْهُولَ قَدْ يَكُونُ صَالِحًا لِحَدِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَلْ يَقُولُ: هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَمَا أَشْبَهَهُ.

 

صحيح البخاري (9/ 111) (رقم: 7362):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ» وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الآيَةَ

 

صحيح البخاري (3/ 181) (رقم: 2685):

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللَّهِ، تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، أَفَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ، وَلاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ "

وقال الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان _حفظه الله_ في كتابه "أربعون حديثا في التربية والمنهج" (ص 52):

 

* فيه: الحذر من النظر في كتب الضلال والكتب التي فيها ضلال.

قال الإمام ابن القيم _رحمه الله تعالى_:

«قال المروذي: قلت لأحمد: استعرت كتابا فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرُقَه أو أحرُقه؟ قال: نعم؛ وقد رأى النبي ﷺ بيد عمر كتابا اكتتبه من التوراة.

وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعّر وجه النبي ﷺ حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه. فكيف لو رأى النبي ﷺ ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بها ما في القرآن والسنة؟! والله المستعان» [«الطرق الحكمية» (ص٢٧٥)]

 

ثم قال ابن القيم بعد أن ساق نُقُوْلاً عن ذم كتب الضلال:

«والمقصود: أن هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف وإتلاف آنية الخمر؛ فإن ضررها أعظم من ضرر هذه» [«الطرق الحكمية» (ص۲۷۷)]

 

قلت: وقد سألت الإمام ابن باز رحمه الله تعالى «عمن وجد كتبا بدعية وشركية ويعرف أنها مملوكة، فهل له أن يحرقها؟

فأجاب - أثابه الله تعالى -: إذا كان له سلطة فله ذلك، وإن لم يكن له سلطة فليرفع بها إلى من له سلطة» [«مسائل أبي عمر للإمام ابن باز» (ص٤١)]

 

ومما يدخل في الحذر من كتب الضلال: الحذر من النظر في القنوات التي تورد الشبهات بخاصة، وكذا الشهوات والمبادرة إلى التخلص منها، وكذا ترك الاستماع إلى الإذاعات المشبوهة، فأَثَرُ تلك القنواتِ والإذاعاتِ كالكتب إن لم يكن أشد، بل هي أشد «وليس الخبر كالمعاينة». [مسند أحمد ط الرسالة (3/ 341) (رقم: 1842) – وصححه الأرنؤوط]

 

وبكل حال؛ فتلك الثلاثة ـ الكتب، القنوات، الإذاعات المشبوهة ـ من أعظم أبواب الشر؛ تشكك في العقيدة، وتهدم الفضيلة، وتبني الرذيلة، توالي الخنا وماجن الغناء، وتعادي الحشمة والحياء. فكم أوقعت في شراكها من الصيد، وكم بقي صيدها رهين الحبس والقيد؟! فعلى من بلي بها أن يسارع إلى الإقلاع عنها، والله تعالى لطيف بعبادہ کا قال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]

 

* وفيه: الاستغناء بالقرآن والسنة عن الكتب السابقة . وفيه: عظيم فتنة الشبهات.

 

* وفيه: كمال الشريعة وتمامها.

 

* وفيه: موافقة السنة للقرآن في مسألة تفاضل الأنبياء، كما في قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]

 

* وفيه: فضل نبينا محمد ﷺ

 

* وفيه: فضل موسى

 

* وفيه: عموم رسالة نبينا وأن شريعته ناسخة لما قبلها.

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 285)

طلبَ شيءٍ لم يأمرهم به نبيُّهم دليلٌ على أن الرجل يظن نقصان ما أتى به النبي عليه السلام من الدين، واعتقد أنما أتى به النبي عليه السلام من الدِّين، ناقص قبيح، بل ينبغي أن يعتقد الرجل أنَّ ملةَ نبينا أفضلَ الملل وأكملها، ويحتاج إلى ملتنا جميعُ المِلل ولا يُحتاج إلى مِلَّةٍ أخرى.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 263)

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ أَتَاهُمْ بِالْأَعْلَى وَالْأَفْضَلِ، وَاسْتِبْدَالُ الْأَدْنَى عَنْهُ مَظِنَّةٌ لِلتَّحَيُّرِ

 

حجة الله البالغة (1/ 288)

وَجعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبْغض النَّاس من هُوَ مبتغ فِي الْإِسْلَام سنة الْجَاهِلِيَّة.

 

فضل الإسلام (ص: 211):

باب وجوب الاستغناء بمتابعته، يعني القرآن

فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد (ص: 14)

فحينئذ لازم على المسلم أن يتبع الكتاب والسنة ويترك الأهواء والآراء

 

الولاء والبراء في الإسلام - البركاتي (ص: 58)

أما عن حكم القراءة في التوراة أو الإنجيل الموجود بأيدي اليهود أو النصارى فلا يجوز إلا للمصلحة أو الضرورة؛ فمن تصدر للرد على شبهات النصارى أو تفنيد عقائدهم أو دعوتهم فيجوز له ذلك إن كان مؤهلًا لهذه المهمة ومسلحًا بالعلم والعقيدة الإسلامية الصحيحة؛ أما ما عدا ذلك فيحرم الاطلاع فيها أو قراءتها

 

موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/ 52)

والاستغناء بالكتاب والسنة والاعتماد عليهما نابع من اليقين القاطع أن ما جاء به فهو حق وصدق، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: " وأما خبر الله ورسوله فهو صدق، موافق لما الأمر عليه في نفسه، لا يجوز أن يكون شيء من أخباره باطلا ولا مخالفا لما عليه في نفسه، ويعلم من حيث الجملة أن كل ما عارض شيئا من أخباره وناقضه فإنه باطل من جنس حجج السوفسطائية[1]، وإن كان العالم بذلك لا يعلم وجه بطلان تلك الحجج المعارضة لأخباره، وهذه حال المؤمنين للرسول الذين علموا أن رسول اللة الصادق فيما يخبر به، ويعلمون___من حيث الجملة أن ما ناقض خبره فهو باطل، وأنه لا يجوز أن يعارض خبره دليل صحيح لا عقلي ولا سمعي ... "

 

مجموع الفتاوى (11/ 463)

لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَبَّدَ فِي دِينِنَا بِشَيْءِ مِنْ الإسرائيليات الْمُخَالِفَةِ لِشَرْعِنَا قَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد فِي "مُسْنَدِهِ":

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ رَأَى بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَرَقَةً مِنْ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: (أَمُتَهَوِّكُونَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ)

وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد:

أَنَّ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ رَأَى مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: (كَفَى بِقَوْمِ ضَلَالَةٌ أَنْ يَتَّبِعُوا كِتَابًا غَيْرَ كِتَابِهِمْ أُنْزِلَ إلَى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ). وَأَنْزَلَ اللَّهُ _تَعَالَى_: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51][2]،

فَنَحْنُ لَا يَجُوزُ لَنَا اتِّبَاعُ مُوسَى وَلَا عِيسَى فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إذَا خَالَفَ شَرْعَنَا،

وَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا وَنَتَّبِعَ الشِّرْعَةَ وَالْمِنْهَاجَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ إلَيْنَا رَسُولَنَا،

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].

فَكَيْفَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَتَّبِعَ عُبَّادَ بَنِي إسْرَائِيلَ فِي حِكَايَةٍ لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهَا وَمَا عَلَيْنَا مِنْ عُبَّادِ بَنِي إسْرَائِيلَ:

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134]." اهـ

 

الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (4/ 1351)

فإذا كان اتباع موسى مع وجود محمد ضلالا فكيف باتباع أرسطو وابن سينا ورؤوس الجهمية والمعطلة

 

مجموع فتاوى ابن باز (2/ 279)

والآيات الكريمات في هذا المعنى كثيرة، مما يعلم معه بأن الديانة اليهودية والديانة النصرانية قد نسختا بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وأن ما فيهما من حق أثبته الإسلام، وما فيهما من باطل هو مما حرفه القوم، وبدلوه حسب أهوائهم. ليشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون. فدين الإسلام هو الدين الصحيح المطلوب من أهل الأرض وهو الدين الذي بشر به جميع الأنبياء.

 

فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (1/ 444)

ولا ينبغي للمسلم أن ينظر في شيء من كتب اليهود والنصارى، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر لما رأى معه ورقة من التوراة، وقال صلى الله عليه وسلم «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني) وفي رواية عبد الله بن ثابت: فقال عمر: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا» [مسند أحمد (3/387)، سنن الدارمي المقدمة (435) ].

وبناء على ذلك فلا تجوز مراسلة مراكز التبشير بالنصرانية، ولا حضور دروسها، ولا سماع أشرطتها، ولا المشاركة في المسابقات التي تنظمها وإن كانت مغرية؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، لكن يجوز النظر في كتب اليهود والنصارى لمن عنده المقدرة على الرد على ما فيها من الباطل؛ إقامة للحجة وإزالة للشبهة." اهـ [برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مع ثلاثة من الأعضاء: بكر أبو زيد، عبد العزيز آل الشيخ، صالح الفوزان]

 

حمود التويجري في "الصواعق الشديدة على اتباع الهيئة الجديدة" (ص: 52_53):

وإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم للذين كتبوا جوامع من التوراة مع ما ذكرنا عنه صلى الله عليه وسلم من الغضب على عمر رضي الله عنه لما رأى معه الكتاب الذي استنسخه من بعض أهل الكتاب ليزداد به علماً!

فكيف لو رأى الذين يرغبون عن نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بجريان الشمس وفيما يتعلق بغيرها من الأجرام العلوية وبالسموات والأرض ويقدمون عليها أقوال الفلاسفة الدهريين مثل كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما من أهل الهيئة الجديدة الذين لا يعتمدون في أقوالهم على ___كتاب من الكتب المنزلة من السماء وإنما يعتمدون على أرصادهم وآرائهم وتخرصاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وما أكثر الذين يميلون إلى أقوالهم الباطلة في زماننا ويتلقونها بالقبول والتسليم ويرون أنها هي العلم الصحيح وما خالفها فهو عندهم مردود ولو كان من نصوص الكتاب والسنة وكأنهم يرون أن القرآن إنما أنزل لمجرد التلاوة لا للعمل به واعتقاد ما جاء فيه.

ولو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أمثال هؤلاء لما كان يكتفي في عقوبتهم بالضرب فقط بل كان يقتلهم كما قتل الذي لم يرض بالتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أين لنا الآن مثل عمر رضي الله عنه الذي كان لا تأخذه في الله لومة لائم. وخلاصة القول: أنه يجب على المسلم أن يتمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويعض عليهما بالنواجذ ويقدمهما على ما سواهما ولا يقدم عليهما شيئاً البتة. وأن يكتفي بهما وبما عند المسلمين من العلوم النافعة المستفادة منهما, ومن لم يكتف بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عند المسلمين من العلوم المستفادة منهما بل ذهب يطلب غير ذلك من أقوال الكفار والمنافقين وآرائهم وتخرصاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان فأبعده الله وأسحقه.

 

أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (المتوفى: 370هـ) في "الفصول في الأصول" (3/ 22):

دَلَّ ذَلِكَ: عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً ثَابِتَةَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً ثَابِتَةً لَمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْبَقَاءِ عَلَيْهَا

 

أصول السرخسي (2/ 102)

وَبِهَذَا اللَّفْظ يتَبَيَّن أَن الرَّسُول الْمُتَقَدّم ببعث رَسُول آخر يكون كالواحد من أمته فِي لُزُوم اتِّبَاع شَرِيعَته لَو كَانَ حَيا وَعَلِيهِ دلّ كتاب الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ} فَأخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم بذلك من أبين الدَّلَائِل على أَنهم بِمَنْزِلَة أمة من بعث آخرا فِي وجوب اتِّبَاعه وَبِهَذَا ظهر شرف نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ لَا نَبِي بعده فَكَانَ الْكل مِمَّن تقدم وَمِمَّنْ تَأَخّر فِي حكم المتبع لَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْقلب يطيعه الرَّأْس ويتبعه الرجل

 

أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (المتوفى: 489هـ) في قواطع الأدلة في الأصول (1/ 318)

فجعله بمنزلة واحد من أمته لو كان حيا فهذا نص أن شريعته انتهت ببعثه ولأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يرجعون فى الحوادث إلى الكتاب والسنة والاجتهاد إذا لم يجدوا متعلقا من الكتاب والسنة

 

المجموع شرح المهذب (15/ 328)

فلولا ان ذلك معصية ما غضب صلى الله عليه وسلم منه.



[1]  السوفسطائية: السفسطة: قياس مركب من الوهميات، والغرض منه تغليط الخصم وإسكاته، والسوفسطائيون: جماعة من فلاسفة اليونان، وزعيمهم بروتاجوراس الذى ولد سنة (480 ق. م) .

ونظريتهم تقوم على أنه ليس هناك وجود خارجى مستقل عما في أذهاننا، فما يظهر للشخص أنه الحقيقة يكون هو الحقيقة له، فإذا رأى السراب ماء فهو عنده حقيقة ماء. انظر: التعريفات (ص:63) ، وكشاف اصطلاح الفنون (17313) ، وقصة الفلسفة اليونانية (ص: 62-72) ، وربيع الفكر اليوناني (ص: 65) ، والمعجم الفلسفى (1/658) .

[2]  حديث ضعيف: أخرجه أبو داود في "المراسيل" (ص: 320) (رقم: 454)، سنن الدارمي (1/ 425) (رقم: 495)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (9/ 3072) (رقم: 17380)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 800) (رقم: 1485_1486) من طريق يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبى وهب بن عمرو القرشى المخزومى (وأم هانىء بنت أبى طالب: أخت على بن أبى طالب، جدته أم أبيه)، من الوسطى من التابعين، روى له:  د تم س ق، وهو ثقة، إلا أن الحديث مرسل، وهو يعتبر حديثا ضعيفا

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة