شرح الآيات في باب التقوى من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي
وقال المصنف
الإمام النووي _رحمه الله_ موردا بعض الآيات في الباب: قَالَ اللهُ
تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران (102) ] . |
تفسير
الآية
وقال محمد بن
جرير الآمُلِيُّ[1]، الشهير
بـ"أَبي جعفرٍ الطَّبَرِيُّ" (المتوفى:
310هـ) _رحمه الله_ في "جامع البيان" – ت. شاكر (7/ 64):
"يعني
بذلك _جل ثناؤه_:
يا معشر من
صدّق الله ورسوله "اتقوا الله"، خافوا
الله ورَاقِبُوْهُ بطاعتِه واجتنابِ معاصيه "حقّ
تُقاته"، حقّ خوفه، وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُشكر فلا يكفر، ويُذكر
فلا يُنسى." اهـ
وقال أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العِمَادِيُّ (المتوفى: 982هـ) _رحمه الله_ في "إرشاد
العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" (2/ 65):
"وهو
استفراغُ الوُسعِ في القيام بالموجب والاجتنابِ عن المحارم كما في قوله _تعالى_: {فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]،
وعن ابن مسعود
_رضي الله عنه_: "هو أن يُطاعَ وَلَا يُعْصَى، ويُذكرَ ولا يُنْسَى، ويُشكَرَ
ولا يُكْفَرَ."[2]
تيسير الكريم
الرحمن (ص: 141) للسعدي :
"هذا أَمْرٌ
مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤمِنِيْنَ أَنْ يَّتَّقُوْهُ
حَقَّ تَقْوَاهُ، وأن يستمِرُّوْا عَلَى ذلك، ويَثْبُتُوْا
عَلَيْهِ، وَيَسْتَقِيْمُوْا إِلَى الْمَمَاتِ، فإن من عاش على شيء، مات عليه.
فمن كان في
حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على الدوام، ثَبَّتَهُ
اللهُ عند موته وَرَزَقَهُ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ، وتَقْوَى اللهِ حقَّ تَقْوَاهُ،
كما قال ابن
مسعود :
"وهو أن
يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر"،
وهذه الآية
بيان لما يستحقه تعالى من التقوى، وأما ما يجب على العبد منها،
فكما قال _تعالى_:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]،
وتفاصِيْلُ
التَّقْوَى المتعلقةُ بالقَلْبِ والجوارحِ كثيرةٌ جِدًّا، يجمعها___فعل ما أمر
الله به وترك كل ما نهى الله عنه.
ثم أمرهم
تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله." اهـ
وَقالَ
تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن
(16) ] . وهذه الآية
مبينة للمراد مِنَ الأُولى.[3] |
تفسير الآية:
تطريز رياض
الصالحين (ص: 66)
التقوى:
امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه حسب الطاقة، وأصلها في اللغة: اتخاذ
وقاية تقيك مما تخافه وتحذره.
وقال نصر بن
محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى:
373 هـ) _رحمه الله_ في "بحر العلوم" (1/ 234):
"(يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ)
يقول : "أطيعوا
الله حق طاعته"، وحق طاعته أن يطاع فلا يعصى طرفة عين، وأن يشكر فلا يكفر
طرفة عين، وأن يذكر فلا ينسى طرفة عين،
فشق
ذلك على المسلمين، فأنزل الله تعالى: {فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]." اهـ
وقال محمد بن
جرير الآمُلِيُّ[4]، الشهير
بـ"أَبي جعفرٍ الطَّبَرِيُّ" (المتوفى:
310هـ) _رحمه الله_ في "جامع البيان" – ت. شاكر (23/ 426):
"قوله:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)
يقول _تعالى
ذكره_:
واحذروا اللهَ
- أيها المؤمنون -، وخافوا عقابه، وتجنبوا عذابه بأداءِ فرائضه
واجتنابِ معاصيه، والعملِ
بما يقرّب إليه ما أطقتم وبلَغه وسعكم." اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد السعدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تيسير
الكريم الرحمن" (ص: 868):
"يأمر _تعالى_
بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة.
فهذه الآية،
تدل على أن كل واجبٍ عَجِزَ عَنْهُ الْعَبْدُ، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض
المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال
النبي _صلى الله عليه وسلم_: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُم)[5]
ويدخل تحت هذه
القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر." اهـ
وقال المصنف
النووي _رحمه الله_: وَقالَ الله
تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا}[6] [الأحزاب: 70] وَالآيات في
الأمر بالتقوى كثيرةٌ معلومةٌ، |
تفسير
الآية :
وقال محمد بن
جرير الآمُلِيُّ[7]، الشهير
بـ"أَبي جعفرٍ الطَّبَرِيُّ" (المتوفى:
310هـ) _رحمه الله_ في "جامع البيان" – ت. شاكر (20/ 335):
"يقول _تعالى
ذكره_: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله اتقوا الله أن تعصوه، فتستحقوا بذلك
عقوبته.
وقوله
(وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا) يقول: قولوا في رسول الله والمؤمنين قولا قاصدًا غير
جائز[8]،
حقًّا غير باطل." اهـ
وقال أبو
الحسن علي بن محمد البصري البغدادي، الشهير بـ"الماوردي"
(المتوفى: 450هـ) _رحمه الله_ في "النكت والعيون" (4/ 427):
"{وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا}
فيه ستة
تأويلات :
أحدها:
عدلاً، قاله السدي. الثاني: صدقاً، قاله قتادة.___الثالث: صواباً، قاله ابن عيسى. الرابع: هو قول لا إله إلا الله، قاله عكرمة. الخامس: هو الذي يوافق ظاهره باطنه. السادس:
أنه ما أريد به وجه الله دون غيره. ويحتمل سابعاً:
أن يكون الإصلاح بين المتشاجرين وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض."
اهـ
وقال محمد بن
أحمد الأنصاري الخزرجي، الشهير بـ"أبي عبد الله
القرطبي" (المتوفى: 671 هـ) _رحمه الله_ في "الجامع لأحكام
القرآن" (14/ 253):
"قَوْلُهُ
تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيداً) أَيْ قَصْدًا وَحَقًّا...
وَالْقَوْلُ
السَّدَادُ يَعُمُّ الْخَيْرَاتِ، فَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَغَيْرِ
ذَلِكَ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يُعْطِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَا يَكُونُ
خِلَافًا لِلْأَذَى الَّذِي قِيلَ فِي جِهَةِ الرسول وجهة المؤمنين. ثم وعد عز وجل
بِأَنَّهُ يُجَازِي عَلَى الْقَوْلِ السَّدَادِ بِإِصْلَاحِ الْأَعْمَالِ وغفران
الذنوب، وحسبك بذلك درجة ورفعة منزلة." اهـ
وقال أبو
الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
(المتوفى : 774هـ) _رحمه الله_ في "تفسير القرآن العظيم - ت سلامة (6/ 487):
"يَقُولُ
_تَعَالَى_ آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوَاهُ، وَأَنْ يَعْبُدُوهُ
عِبَادَةَ مَنْ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَأَنْ يَقُولُوا {قَوْلا سَدِيدًا} أَيْ:
مُسْتَقِيمًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا انْحِرَافَ.
وَوَعَدَهُمْ
أَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، أَثَابَهُمْ عَلَيْهِ بِأَنْ يُصْلِحَ لَهُمْ
أَعْمَالَهُمْ، أَيْ: يُوَفِّقُهُمْ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَنْ يَغْفِرَ
لَهُمُ الذُّنُوبَ الْمَاضِيَةَ. وَمَا قَدْ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
يُلْهِمُهُمُ التَّوْبَةَ مِنْهَا." اهـ
مجموع الفتاوى
(17/ 230) لابن تيمية :
{اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} قَالُوا قَصْدًا حَقًّا.
وَعَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ صَوَابًا. وَعَنْ قتادة وَمُقَاتِلٍ عَدْلًا. وَعَنْ السدي مُسْتَقِيمًا،
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحٌ، فَإِنَّ
الْقَوْلَ السَّدِيدَ: هُوَ الْمُطَابِقُ الْمُوَافِقُ، فَإِنْ كَانَ خَبَرًا
كَانَ صِدْقًا مُطَابِقًا لِمُخْبِرِهِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَإِنْ كَانَ
أَمْرًا كَانَ أَمْرًا بِالْعَدْلِ الَّذِي لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ؛ وَلِهَذَا
يُفَسِّرُونَ السَّدَادَ بِالْقَصْدِ وَالْقَصْدَ بِالْعَدْلِ.
قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ:
"التَّسْدِيدُ:
التَّوْفِيقُ لِلسَّدَادِ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْقَصْدُ فِي الْقَوْلِ
وَالْعَمَلِ، وَرَجُلٌ مُسَدَّدٌ إذَا كَانَ يَعْمَلُ بِالسَّدَادِ. وَالْقَصْدُ.
وَالْمُسَدَّدُ الْمُقَوَّمُ وَسَدَّدَ رُمْحَهُ وَأَمْرٌ سَدِيدٌ وَأَسَدُّ أَيْ
قَاصِدٌ وَقَدْ اسْتَدَّ الشَّيْءُ اسْتَقَامَ.
قَالَ
الشَّاعِرُ: أُعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ فَلَمَّا اسْتَدَّ سَاعِدُهُ
رَمَانِي
وَقَالَ
الْأَصْمَعِيُّ: اشْتَدَّ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَيْسَ بِشَيْءِ
وَتَعْبِيرُهُمْ عَنْ السَّدِّ بِالْقَصْدِ يَدُلُّك عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْقَصْدِ
فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَالْقُوَّةِ. وَالْقَصْدُ: الْعَدْلُ، كَمَا أَنَّهُ
السَّدَادُ وَالصَّوَابُ: وَهُوَ الْمُطَابِقُ الْمُوَافِقُ الَّذِي لَا يَزِيدُ
وَلَا يَنْقُصُ، وَهَذَا هُوَ الْجَامِعُ الْمُطَابِقُ،
وَمِنْهُ:
قَوْلُهُ _تَعَالَى_: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9]،
أَيْ:
السَّبِيلُ الْقَصْدُ وَهُوَ السَّبِيلُ الْعَدْلُ: أَيْ إلَيْهِ تَنْتَهِي
السَّبِيلُ الْعَادِلَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} أَيْ
الْهُدَى إلَيْنَا." اهـ[9]
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد السعدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تيسير
الكريم الرحمن" (ص: 673):
"يأمر _تعالى_
المؤمنين بتقواه، في جميع أحوالهم، في السر والعلانية، ويخص منها، ويندب للقول
السديد، وهو القول الموافق للصواب، أو المقارب له، عند تعذر اليقين، من قراءة،
وذكر، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتعلم علم وتعليمه، والحرص على إصابة الصواب، في
المسائل العلمية، وسلوك كل طريق يوصل لذلك، وكل وسيلة تعين عليه.
ومن القول
السديد، لين الكلام ولطفه، في مخاطبة الأنام، والقول المتضمن للنصح والإشارة، بما
هو الأصلح." اهـ
وَقالَ
تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2،3] |
تفسير
الآية:
وقال محمد بن
أحمد الأنصاري الخزرجي، الشهير بـ"أبي عبد الله
القرطبي" (المتوفى: 671 هـ) _رحمه الله_ في "الجامع لأحكام
القرآن" (18/ 160):
"وَقَالَ
سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنْ عُقُوبَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَيَرْزُقُهُ
الْجَنَّةَ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. وَقِيلَ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي
الرِّزْقِ بِقَطْعِ الْعَلَائِقِ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا بِالْكِفَايَةِ.
وَقَالَ
عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الصَّدَفِيُّ:
"وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ، فَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَيَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ،
يُخْرِجْهُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ، وَمِنَ الضِّيقِ إِلَى السَّعَةِ،
وَمِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ." اهـ
وقال أبو
الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
(المتوفى : 774هـ) _رحمه الله_ في "تفسير القرآن العظيم" – ت. سامي سلامة
(8/ 146)
"وَقَوْلُهُ:
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ}،
أَيْ: وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وتَرَك مَا نَهَاهُ عَنْهُ، يَجْعَلْ لَهُ
مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، أَيْ: مِنْ
جِهَةٍ لَا تَخْطُرُ بِبَالِهِ." اهـ
وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ) _رحمه الله_ في
"مجموع الفتاوى" (8/ 526):
قَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ: مَا احْتَاجَ تَقِيٌّ قَطُّ. يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ ضَمِنَ
لِلْمُتَّقِينَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مَخْرَجًا
مِمَّا يَضِيقُ عَلَى النَّاسِ وَأَنْ يَرْزُقَهُمْ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ، فَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ، وَيَجْلِبُ
لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ. فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى
أَنَّ فِي التَّقْوَى خَلَلًا، فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلْيَتُبْ إلَيْهِ."
اهـ
وقال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ) _رحمه الله_ في
"مجموع الفتاوى" (16/ 52):
"بَيَّنَ
فِيهَا أَنَّ الْمُتَّقِيَ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُ الْمَضَرَّةَ بِمَا يَجْعَلُهُ
لَهُ مِنْ الْمَخْرَجِ وَيَجْلِبُ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِمَا يُيَسِّرُهُ لَهُ
مِنْ الرِّزْقِ.
وَالرِّزْقُ:
اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُغْتَذَى بِهِ الْإِنْسَانُ؛ وَذَلِكَ يَعُمُّ رِزْقَ
الدُّنْيَا وَرِزْقَ الْآخِرَةِ.
وَقَدْ قَالَ
بَعْضُهُمْ: "مَا افْتَقَرَ تَقِيٌّ قَطُّ." قَالُوا: وَلِمَ؟ قَالَ:
لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2، 3]." اهـ
وقال محمد بن
أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية"
(المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "التبيان في أقسام القرآن" (ص: 57):
"التقوى:
وَهِيَ اجتنابُ ما نَهَى اللهُ عَنْهُ، وهذا من أعظم أسباب التيسير. وضده: من
أسباب التعسير. فالمتقي مُيَسَّرةٌ عليه أمورُ دنياه وآخرتِهِ.
وتارك التقوى:
وإِنْ يُسِّرَتْ عليه بعضُ أمورِ دُنْيَاهُ، تُعْسَرْ
عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى. وأما تيسير ما تيسر عليه من أمور
الدنيا، فلو اتقى الله لكان تيسيرها عليه أتم،
ولو قدر أنها
لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى، فإن
طيب العيش ونعيم القلب ولذة الروح وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا وهو أجل
من نعيم أرباب الدنيا بالشهوات واللذات." اهـ
وَقالَ
تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ
فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ} [لأنفال: 29] الآيات في
البابِ كثيرة معلومة." اهـ |
تفسير
الآية:
وقال محمد بن
جرير الآمُلِيُّ[10]، الشهير
بـ"أَبي جعفرٍ الطَّبَرِيُّ" (المتوفى:
310هـ) _رحمه الله_ في "جامع البيان" – ت. شاكر (13/ 487_488):
"يقول _تعالى
ذكره_: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، إن تتقوا الله بطاعته وأداء فرائضه،
واجتناب معاصيه، وترك خيانته وخيانة رسوله وخيانة أماناتكم (يجعل لكم فرقانًا)،
يقول: يجعل
لكم فصلا وفرْقا بين حقكم وباطل من يبغيكم السوءَ من أعدائكم المشركين، بنصره
إياكم عليهم، وإعطائكم الظَّفَرَ بِهِمْ،
(ويكفر
عنكم سيئاتكم)،
يقول: ويمحو
عنكم ما سلف من ذنوبكم بينكم وبينه
(ويغفر
لكم)، يقول:
ويغطيها فيسترها عليكم، فلا يؤاخذكم بها
(والله
ذو الفضل العظيم)،
يقول: والله
الذي يفعل ذلك بكم، له___الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله.
وإنّ فعله
جزاءٌ منه لعبده على طاعته إياه، لأنه الموفِّقُ عبْدَهُ لطاعته التي اكتسبها، حتى
استحقّ من ربه الجزاءَ الذي وعدَه عليها." اهـ
وقال أبوْ
الْفَرَجِ عبد الرحمن بن علي الدمشقي، المعروف بـ"ابن
الجوزيِّ" (المتوفى: 597 هـ) _رحمه الله_ في "زاد المسير في علم
التفسير" (2/ 204):
"قوله
تعالى: (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) فيه أربعة
أقوال :
* أحدها:
أنه
المخرج، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، (وبه قال مجاهد، والضحاك، وابن قتيبة)، والمعنى: يجعل لكم مخرجاً في الدين من الضلال.
* والثاني:
أنه
النجاة، رواه العوفي عن ابن عباس، (وبه قال قتادة، والسدي).
* والثالث:
أنه النصر، رواه الضحاك عن ابن عباس، (وبه قال الفراء).
* والرابع:
أنه هُدًى في قلوبهم، يُفَرِّقُوْنَ بِهِ بين الحق والباطل، (قاله ابن زيد، وابن
إسحاق)." اهـ
وقال ابن
جُزَيٍّ الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ) _رحمه الله_ في "التسهيل
لعلوم التنزيل" (1/ 325):
"يَجْعَلْ
لَكُمْ فُرْقاناً أي تفرقة بين الحق والباطل، وذلك دليل على
أن التقوى تنوّر القلب، وتشرح الصدر، وتزيد في العلم والمعرفة." اهـ
وقال علي بن
محمد الشِيْحِيُّ[11]
أبو الحسن، المعروف بـ"الخازن" (المتوفى:
741هـ) _رحمه الله_ في "تفسير الخازن" = "لباب التأويل في معاني
التنزيل" (2/ 306):
"(يَجْعَلْ
لَكُمْ فُرْقاناً)، يعني: يجعل لكم نورا وتوفيقا في قلوبكم تفرقون به بين الحق
والباطل.
والفرقان:
أصله
الفرق بين الشيئين، لكنه أبلغ من أصله، لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل
والحجة والشبهة.
قال مجاهد :
يجعل لكم مخرجا في الدنيا والآخرة، وقال مقاتل: مخرجا في الدين من الشبهات،
وقال عكرمة : نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون،
وقال محمد بن
إسحاق : فصلا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم
ويطفئ باطل من خالفكم،
وقيل: يفرق
بينكم وبين___الكفار بأن يظهر دينكم ويعليه ويبطل الكفر ويوهنه." اهـ
إعلام
الموقعين عن رب العالمين (4/ 199)
وَمِنْ
الْفُرْقَانِ النُّورُ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ الْعَبْدُ بَيْنَ الْحَقِّ
وَالْبَاطِلِ، وَكُلَّمَا كَانَ قَلْبُهُ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ كَانَ فُرْقَانُهُ
أَتَمَّ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.[12]
إغاثة اللهفان
من مصايد الشيطان (2/ 186)
والفرقان: هو
العز والنصر، والنجاة والنور الذى يفرق بين الحق والباطل.
[1] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/ 22) لابن الأثير:
"الآمُلِيُّ
(بِمد الْألف الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى موضِعين:
*
أَحدهمَا آمل طبرستان وَهِي القصبة للناحية خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء فِي
كل فن وَأكْثر من ينْسب إِلَيْهَا يعرف بالطبري وطبرستان اسْم للناحية وَأكْثر أهل
الْعلم من أهل طبرستان من آمل،
*
وَالثَّانِي: آمل جيحون، وَيَقُول لَهَا النَّاس: "آموية." وَيُقَال
لَهَا: "آمل الشط" أَيْضا، و"آمل الْمَفَازَة"، لِأَنَّهَا
على طرف الْبَريَّة. فَمِمَّنْ ينْسب إِلَى الأول: أَحْمد بن عَبدة الآملي، يروي
عَن عبد الله بن عُثْمَان روى عَنهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي. وَمِمَّنْ ينْسب
إِلَى الثَّانِي: عبد الله بن حَمَّاد الآملي روى عَن يحيى بن معِين
وَغَيره." اهـ
[2] وفي محاسن التأويل للقاسمي (2/ 369) :
"ورواه
ابن مردويه والحاكم مرفوعا، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه."
قال ابن كثير: "والأظهر أنه موقوف _والله أعلم_." اهـ كلام القاسمي.
[3] أشار المصنف _رحمه الله_ إلى خلافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِيْنَ: هل
هذه الآية ناسخة للآية التي تكلمنا عليها قبلها أو أنها مبينة ومقيدة لها. والصحيح
أنها مبينة كما ذكره المصنف.
[4] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/ 22) لابن الأثير:
"الآمُلِيُّ
(بِمد الْألف الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى موضِعين:
*
أَحدهمَا آمل طبرستان وَهِي القصبة للناحية خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء فِي
كل فن وَأكْثر من ينْسب إِلَيْهَا يعرف بالطبري وطبرستان اسْم للناحية وَأكْثر أهل
الْعلم من أهل طبرستان من آمل،
*
وَالثَّانِي: آمل جيحون، وَيَقُول لَهَا النَّاس: "آموية." وَيُقَال
لَهَا: "آمل الشط" أَيْضا، و"آمل الْمَفَازَة"، لِأَنَّهَا
على طرف الْبَريَّة. فَمِمَّنْ ينْسب إِلَى الأول: أَحْمد بن عَبدة الآملي، يروي عَن
عبد الله بن عُثْمَان روى عَنهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي. وَمِمَّنْ ينْسب إِلَى
الثَّانِي: عبد الله بن حَمَّاد الآملي روى عَن يحيى بن معِين وَغَيره." اهـ
[5] أخرجه البخاري في "صحيحه"
(9/ 94) (رقم: 7288)، ومسلم في "صحيحه" (2/ 975/ 412) (رقم: 1337)
[6] وفي مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 388) :
"وَالسَّدِيدُ
هُوَ الَّذِي يَسُدُّ مَوْضِعَهُ وَيُطَابِقُهُ فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا
يَنْقُصُ مِنْهُ، وَسَدَادُ السَّهْمِ هُوَ مُطَابَقَتُهُ وَإِصَابَتُهُ الْغَرَضَ
مِنْ غَيْرِ عُلُوٍّ وَلَا انْحِطَاطٍ وَلَا تَيَامُنٍ وَلَا تَيَاسُرٍ."
[7] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/ 22) لابن الأثير:
"الآمُلِيُّ
(بِمد الْألف الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى موضِعين:
*
أَحدهمَا آمل طبرستان وَهِي القصبة للناحية خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء فِي كل
فن وَأكْثر من ينْسب إِلَيْهَا يعرف بالطبري وطبرستان اسْم للناحية وَأكْثر أهل
الْعلم من أهل طبرستان من آمل،
*
وَالثَّانِي: آمل جيحون، وَيَقُول لَهَا النَّاس: "آموية." وَيُقَال
لَهَا: "آمل الشط" أَيْضا، و"آمل الْمَفَازَة"، لِأَنَّهَا
على طرف الْبَريَّة. فَمِمَّنْ ينْسب إِلَى الأول: أَحْمد بن عَبدة الآملي، يروي
عَن عبد الله بن عُثْمَان روى عَنهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي. وَمِمَّنْ ينْسب
إِلَى الثَّانِي: عبد الله بن حَمَّاد الآملي روى عَن يحيى بن معِين
وَغَيره." اهـ
[8] أي : غير متجاوز
[9] وفي مجموع الفتاوى (20/ 485) :
"وَالسَّدِيدُ:
السَّادُّ الصَّوَابُ الْمُطَابِقُ لِلْحَقِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا
نُقْصَانٍ وَهُوَ الْعَدْلُ وَالصِّدْقُ بِخِلَافِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ
بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَيَجْعَلَهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ؛ بَلْ مُتَضَادَّيْنِ؛
فَإِنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِسَدِيدِ.."
[10] وفي "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/ 22) لابن الأثير:
"الآمُلِيُّ
(بِمد الْألف الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم): هَذِه النِّسْبَة إِلَى موضِعين:
*
أَحدهمَا آمل طبرستان وَهِي القصبة للناحية خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء فِي
كل فن وَأكْثر من ينْسب إِلَيْهَا يعرف بالطبري وطبرستان اسْم للناحية وَأكْثر أهل
الْعلم من أهل طبرستان من آمل،
*
وَالثَّانِي: آمل جيحون، وَيَقُول لَهَا النَّاس: "آموية." وَيُقَال
لَهَا: "آمل الشط" أَيْضا، و"آمل الْمَفَازَة"، لِأَنَّهَا
على طرف الْبَريَّة. فَمِمَّنْ ينْسب إِلَى الأول: أَحْمد بن عَبدة الآملي، يروي
عَن عبد الله بن عُثْمَان روى عَنهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي. وَمِمَّنْ ينْسب
إِلَى الثَّانِي: عبد الله بن حَمَّاد الآملي روى عَن يحيى بن معِين
وَغَيره." اهـ
[11] وفي الأنساب للسمعاني (8/ 209) (رقم: 2411): "الشِّيْحِيُّ
(بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها بنقطتين وفي آخرها حاء مهملة
مكسورة): هذه النسبة إلى شيحة___وهي قرية من قرى حلب." اهـ
[12] وفي "الفوائد" لابن القيم (ص: 130):
"وَمن
الْفرْقَان مَا يعطيهم من النُور الَّذِي يفرقون بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل
والنصر والعز الَّذِي يتمكنون بِهِ من إِقَامَة الْحق وَكسر الْبَاطِل. فُسِّرَ
الْفرْقَانُ بِهَذَا وَبِهَذَا." اهـ
Komentar
Posting Komentar