شرح الحديث 95-96 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 150) :

95 - (7) [صحيح] وعن سَمُرة بن جُندب عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"من حدَّث عني بحديثٍ يُرى (2) أنّه كَذبٌ؛ فهو أحد الكاذِبين" (3).

رواه مسلم وغيره.

__________

(2) قال الناجي (20): "هو بضم الياء، وذكر بعضهم جواز فتحها"، أي: يظن.

(3) هو بلفظ الجمع، ورواه أبو نُعيم الأصبهاني في "مستخرجه على صحيح مسلم" من رواية سمرة بلفظ (الكاذبَين) بالتثنية. ثم رواه من رواية المغيرة: " (الكاذبَين) أو (الكاذِبين) على الشك فيهما".

 

شرح الحديث:

 

لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (1/ 523):

"وإنما سماه كاذبًا، لأنه لما لم يحتط ولم يتحر فكأنه رضي بالكذب، ولأنه أعان الكاذب وشاركه في إشاعته، فاشترك معه في الوزر." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه" (1/ 8)[1]، وابن ماجه في "سننه" (1/ 15) (رقم : 39)، وابن وهب في "الجامع" - ت. مصطفى أبو الخير (ص: 646) (رقم : 551)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (2/ 217) (رقم : 937)، وابن الجعد في "مسنده" (ص: 41) (رقم : 140)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 237) (رقم : 25615)، وأحمد في "مسنده" (33/ 333) (رقم : 20163)، وابن حبان في "صحيحه" (1/ 212) (رقم : 29)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/ 180) (رقم : 6757)، وفي "طرق حديث من كذب علي متعمدا" (ص: 120) (رقم : 133)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (ص: 256) (رقم : 534)، والروياني في "مسنده" (2/ 75)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (ص: 80) (رقم : 161)، والقطيعي في "جزء الْأَلْفِ دِيْنَارٍ" (ص: 466) (رقم : 316)، وابن قانع في "معجم الصحابة" (1/ 306).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 70) (رقم: 199)، صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1066) (رقم: 6199)

 

من فوائد الحديث :

 

مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (1/ 479_481):

"في فوائده:

1 - (منها): تغليظ الكذب، والتعرض له، وأن من غلب على ظنه كذب ما يَرويه، فرواه كان كاذبا، وكيف لا يكون كاذبا، وهو مُخبِر بما لم يكن.

قال أبو جعفر الطحاويّ رحمه الله تعالى في كتابه "مشكل الآثار" (1/ 375) بعد أن أورد هذا الحديث من رواية عليّ، وسمرة بن جندب، والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهم: ما نصّه:

"فتأملنا هذا الحديث لنقف على المراد به منه ما هو؟ فوجدنا الله تعالى قد قال في كتابه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف: 169]،

فوجدناه تعالى قد أخبر أن ذوي الكتاب مأخوذ عليهم أن لا يقولوا على الله إلا الحق،___وكان ما يأخذونه عن الله تعالى هو ما يأخذونه عن رسله -صلوات الله عليهم- إليهم،

فكان فيما أخذه الله تعالى عليهم أن لا يقولوا على الله إلا الحق، ودخل فيه أخذه عليهم أن لا يقولوا على رسله إلا الحقّ، كان الحق هاهنا كهو في قوله تعالى:

{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]،

وكان من شهد بظن، فقد شهد بغير الحقّ، إذ كان الظن كما قد وصفه الله تعالى في قوله: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36].

وفي ذلك إعلامه إيانا أن الظنّ غير الحقّ، وإذا كان من شهد بالظنّ شاهدًا بغير الحقّ كان مثله من حدّث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا لظنّ محدّثا عنه بغير الحقّ، والمحدث عنه بغير الحقّ محدث عنه بالباطل، والمحدّث عنه بالباطل كاذب عليه كأحد الكاذبين عليه الداخلين في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من كذب عليّ متعمّدًا، فليتبوّأ مقعده من النار"، ونعوذ بالله تعالى من ذلك. انتهى كلام الطحاويّ ["شرح مشكل الآثار" (1/ 374 – 375)]

2 - (ومنها): تحريم رواية المنكر والموضوع من الأخبار.

قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى:

"يفيد الحديث التحذير عن أن يُحدّث أحد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بما تحقّق صدقه علمًا أو ظنّا، إلا أن يحدّث بذلك على جهة إظهار الكذب، فإنه لا يتناوله الحديث.

وفي كتاب الترمذيّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

"اتّقوا الحديث عنّى إلا ما علمتم، فمن كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه، فليتبوّأ مقعده من النار"،

وقال: "هذا حديث حسنٌ." انتهى كلام القرطبيّ ["المفهم" (1/ 112)].

قال الجامع _عفا الله تعالى عنه_: حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذا___ضعيف؛ لأن في سنده سفيان بن وكيع، وهو ضعيف، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبيّ ضعيف أيضًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل." اهـ

 

سنن الترمذي ت شاكر (5/ 37)

سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

«مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ»

قُلْتُ لَهُ : مَنْ رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ إِسْنَادَهُ خَطَأٌ أَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَوْ إِذَا رَوَى النَّاسُ حَدِيثًا مُرْسَلًا فَأَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ قَلَبَ إِسْنَادَهُ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الحَدِيثِ؟

فَقَالَ : «لَا، إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ إِذَا رَوَى الرَّجُلُ حَدِيثًا وَلَا يُعْرَفُ لِذَلِكَ الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلٌ فَحَدَّثَ بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِي هَذَا الحَدِيثِ»

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 300)

لا يجوز نقل الحديث إلا إذا علم صدقه، أو غلب على ظنه صدقه، بكون الشيخ صالحًا ذا أمانة.

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 149)

"من روى حَدِيثا وَعلم أَو ظن أَنه مَوْضُوع فَهُوَ دَاخل فِي هَذَا الْوَعيد إِذا لم يبين حَال رُوَاته وضعفهم." اهـ

 

شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (2/ 172)

قال شيخ الإسلام ابن حجر: وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا: نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دروا أن تقويله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان الإيجاب أو الندب وكذا مقابلتهما." اهـ

 

وفي "العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي" (ص: 166)

قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني:

(مبتدعة الإسلام والكذابون والواضعون للحديث أشد من الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل، فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله. والملحدون كالمحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن. فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له).

ووجه هذا القول أن الكذب عليه كذب على الله ولهذا قال: "إن كذباً علي ليس ككذب على أحدكم" [خ م]

فإن ما أمر به الرسول، صلى الله عليه وسلم، فقد أمر الله به يجب اتباعه كوجوب اتباع أمر الله وما أخبر به وجب تصديقه كما يجب تصديق ما أخبر الله به ...

ومعلوم أن من كذب على الله بأن زعم أنه رسول الله أو نبيه أو أخبر عن الله خبراً كذب فيه كمسيلمة والعنسي ونحوهما من المتنئين فإنه كافر حلال الدم، فكذلك من تعمد الكذب على رسوله.

ويبين ذلك أن الكذب بمنزل التكذيب له ولهذا جمع الله بينهما بقوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ) [العنكبوت: 68] بل ربما كان الكاذب عليه أعظم إثماً من المكذب له ولهذا بدأ الله به كما أن الصادق عليه أعظم درجة من المصدق بخبره فإذا كان الكاذب مثل المكذب أو أعظم، والكاذب على الله كالمكذب له، فالكاذب على الرسول كالمكذب له." اهـ

 

شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (2/ 172)

من روى حديثاً ظن أو علم أنه موضوع، ولم يبين حال رواته وضعفهم فهو داخل في هذا الوعيد، وقد صرح بهذا في حديث آخر وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»

 

مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (1/ 426)

قال في "تدريب الراوي": ما حاصله: تحرم رواية الموضوع مع العلم بوضعه، وكذا مع الظنّ مطلقًا، في أي معنى كان، سواء الأحكام، والقِصص، والترغيب، وغيرها، إلا مقرونًا ببيان وضعه

 

تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص: 36_37):

"قال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" ص 3 - 4:

"اشتهر أن أهل العلم يتساهلون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف ما لم تكن موضوعة وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا وأن لا يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضيف فيشرع ما ليس بشرع أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم": "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" فكيف بمن عمل به؟! ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع".

فهذه شروط ثلاثة مهمة لجواز العمل به:

1 - أن لا يكون موضوعا.

2 - أن يعرف العامل به كونه ضعيفا.

3 - أن لا يشهر العمل به.

ومن المؤسف أن نرى كثيرا من العلماء فضلا عن العامة متساهلين بهذه الشروط فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به. ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثا صحيحا ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد الثابتة.

ثم إن هذه الشروط ترجح ما ذهبنا إليه من أن الجمهور لا يريد المعنى الذي رجحناه آنفا لأن هذا لا يشترط فيه شيء من هذه الشروط كما لا يخفى.

ويبدو لي أن الحافظ رحمه الله يميل إلى عدم جواز العمل بالضعيف بالمعنى المرجوح لقوله فيما تقدم: " ... ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع".

وهذا حق لأن الحديث الضعيف الذي لا يوجد ما يعضده يحتمل أن يكون كذبا بل هو على الغالب كذب موضوع." اهـ

 

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 150)

96 - (8) [صحيح] وعن المغيرةِ قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذِبٍ على أحدٍ، فمن كَذبَ عليَّ متعمداً؛ فليتبوأ مقعدَه من النارِ".

رواه مسلم وغيره (4).

__________

(4) قلت: هذا تقصير، فقد رواه البخاري أيضاً، وفيه عنده جملة فيها "النياحة" ذكره في "الجنائز". وهي عند مسلم أيضاً في موضع آخر[2]، وقد ذكرها المصنف في أواخر هذا الكتاب، وعزاها إلى الشيخين.

شرح الحديث:

 

وفي رواية البخاري:

عَنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»

سَمِعْتُ النَّبِيَّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ»[3]

 

وفي سنن الترمذي ت شاكر (3/ 315) (رقم: 1000):

عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ، قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ، فَنِيحَ عَلَيْهِ، فَجَاءَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا بَالُ النَّوْحِ فِي الإِسْلَامِ، أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ عُذِّبَ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ»

 

وقرظة: هو قرظة بن كعب بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، أبو عمرو المدني ( حليف بنى عبد الأشهل)، صحابى جليل، سنة 50 هـ تقريبا على الصحيح بـ الكوفة، روى له:  النسائي وابن ماجه

 

وفي "تاريخ الإسلام" للذهبي – ت. بشار (2/ 378)

قَرَظَة بْن كعب الْأَنْصَارِيّ الخزْرَجيّ: أحد فُقهاء الصَّحابة. وهو أحد العشرة الذين وجَّههم عَمْر إِلَى الكوفة ليعلِّموا النّاس،

ثُمَّ شَهِد فتح الرّيّ زمن عُمَر. وولّاه عليٌّ على الكوفة. ثُمَّ سار إِلَى الجمل مع عليّ، ثُمَّ شهِدَ صِفِّين. تُوُفيّ بالكوفة، وصلّى عليه عليّ على الصحيح. وهو أوّل من نِيحَ عليه بالكوفة." اهـ

 

الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (7/ 124):

"أتى بحديث (إن كذبا على ليس ككذب على أحد اله) ليثبت به أن ما سيذكره من حديث النوح من قول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_،

فكأنه يقول لهم لا تشكوا فى أنى سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول:

"من ينح عليه يعذب بما نبح به عليه"

لأنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن كذبا علي...) الخ، فلا يجوز بعد هذا أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،

 

شرح مشكل الآثار (1/ 370):

"وَإِنَّمَا ذِكْرُهُ التَّعَمُّدَ عَلَى التَّوْكِيدِ فِي الْكَلَامِ لَا عَلَى مَا سِوَاهُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَا يَلْحَقُ الْوَعِيدُ فِيهِ إلَّا لِلْمُتَعَمِّدِينَ، وَلَا يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا سَارِقًا وَلَا مُحَارِبًا وَلَا زَانِيًا إلَّا مَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ،

وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْعَمْدُ وَغَيْرُ الْعَمْدِ فِي مِثْلِ الْقَتْلِ الَّذِي قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ فِيهِ قَاتِلًا غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ، وَيَكُونُ قَاتِلًا مُتَعَمِّدًا، فَتَبَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِعَمْدِهِ وَخَطَئِهِ." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه صحيح البخاري (2/ 80) (رقم : 1291)، ومسلم في صحيحه (1/ 10) (رقم : 4)، مسند أحمد - عالم الكتب (4/ 245 و 4/ 252) (رقم: 18140 و 18202)، مصنف ابن أبي شيبة (5/ 296) (رقم: 26254)

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 429) (رقم: 2142)

 

من فوائد الحديث:

 

فتح الباري لابن حجر (3/ 162)

الْكَذِبَ عَلَى الْغَيْرِ قَدْ أُلِفَ وَاسْتُسْهِلَ خَطْبُهُ وَلَيْسَ الْكَذِبُ عَلَيَّ بَالِغًا مَبْلَغَ ذَاكَ فِي السُّهُولَةِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي السُّهُولَةِ فَهُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْإِثْمِ،

وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ مَنْ أَوْرَدَ أَنَّ الَّذِي تَدْخُلُ عَلَيْهِ الْكَافُ أَعْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ،

* وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ مُبَاحًا بَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ،

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ تُوُعِّدَ فَاعِلُهُ بِجَعْلِ النَّارِ لَهُ مَسْكَنًا بِخِلَافِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ مَبَاحِثِ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَيَأْتِي كَثِيرٌ مِنْهَا فِي شَرْحِ حَدِيثِ وَاثِلَةَ فِي أَوَائِلِ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 32)

"وقوله: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ)،

أي: إنَّ العقاب عليه أشَدُّ؛ لأنَّ الجرأةَ منه على الكذب أعظمُ ، والمفسدةُ الحاصلةُ بذلك أشَدُّ؛ فإنَّه كذبٌ على الله تعالى، ووَضْعُ شرعٍ، أو تغييرُهُ." اهـ

 

فيض القدير (2/ 476)

إن الكذب عليه أعظم أنواع الكذب لأدائه إلى هدم قواعد الدين وإفساد الشريعة وإبطال الأحكام

 

شرح السنة للبغوي (1/ 255_256):

"اعْلَمْ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ بَعْدَ كَذِبِ الْكَافِرِ عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

وَلِذَلِكَ كَرِهَ قَوْمٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِكْثَارَ الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفًا مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَالْغَلَطِ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ مِنَ التَّابِعِينَ مَنْ كَانَ يَهَابُ رَفْعَ الْمَرْفُوعِ، فَيُوقِفُهُ عَلَى الصَّحَابِيِّ، وَيَقُولُ: الْكَذِبُ عَلَيْهِ أَهْوَنُ___مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسْنِدُ الْحَدِيثَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ، وَلَمْ يَقُلْ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رَفَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رِوَايَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ ذَلِكَ هَيْبَةً لِلْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَوْفًا مِنَ الْوَعِيدِ.

 

فيض القدير (2/ 476)

وهذا وعيد شديد يفيد أن الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر قال الذهبي: وتعمد الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر وتعمد الكذب على الله ورسوله في تحريم حلال أو عكسه كفر محض قال: ولاح من هذا الخبر أن رواية الموضوع لا تحل." اهـ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 482)

وفي الحديث دليل على أن المراد من البكاء في حديث ابن عمر: هو النوح والندب لا مطلق البكاء. وفيه دليل على تحريم النياحة.

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 545)

أجمع العلماء على أنَّ البكاء الذي يعذب به هو مجرد النياحة لا مجرَّد دمع العين ونحوه.

والدَّليلُ عَلَى جَوَازِ البُكَاءِ بِغَيْرِ نَدْبٍ وَلا نِياحَةٍ أحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا:

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَمَعَهُ عَبدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوفٍ، وَسَعدُ بْنُ أَبي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنهم - فَبَكَى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأى القَوْمُ بُكَاءَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَوْا، فَقَالَ: «ألا تَسْمَعُونَ؟ إنَّ الله لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَينِ، وَلا بِحُزنِ القَلبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا أَوْ يَرْحَمُ» وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.

 

شرح رياض الصالحين (4/ 522)

جاءت أحاديث كثيرة بالنهي عنه وأن الميت يعذب ببكاء أهله وهي متأولة ومحمولة على من أوصى به والنهي إنما هو عن البكاء الذي فيه ندب أو نياحة والدليل على جواز البكاء بغير ندب ولا نياحة أحاديث كثيرة منها." اهـ

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 55)

فَإِن قيل: كَيفَ يعذب الْمَيِّت بِفعل غَيره وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} [الْأَنْعَام: 164] ؟ ثمَّ إِن الْإِنْسَان لَا يملك رد الْبكاء، وَقد بَكَى رَسُول الله على وَلَده، وَقَالَ: " إِن الْعين لتدمع "، فَإِذا جَازَ الْبكاء فِي حق الباكي وَمَا يُؤَاخذ بِهِ، فَكيف يُؤَاخذ بِهِ غَيره؟

فَالْجَوَاب: أما الْبكاء فِي قَوْله: " يعذب ببكاء الْحَيّ " فَلَيْسَ المُرَاد بِهِ دمع الْعين فَحسب، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ الْبكاء الَّذِي يتبعهُ النّدب والنياحة، فَإِذا اجْتمع ذَلِك سمي بكاء؛ لِأَن النّدب على الْمَيِّت كالبكاء عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْرُوف فِي اللُّغَة، سَمِعت شَيخنَا أَبَا مَنْصُور اللّغَوِيّ يَقُول: يُقَال للبكاء إِذا تبعه الصَّوْت وَالنَّدْب بكاء، وَلَا يُقَال للنَّدْب إِذا خلا عَن بكاء بكاء. فَيكون المُرَاد بِالْحَدِيثِ الْبكاء الَّذِي يتبعهُ النّدب، لَا مُجَرّد الدمع، وَلَا إِشْكَال فِي مُؤَاخذَة الْحَيّ بالندب والنياحة؛ لِأَنَّهُ أَمر مَنْهِيّ عَنهُ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَال فِي مُؤَاخذَة الْمَيِّت بذلك.

وَجَوَاب هَذَا الْإِشْكَال من خَمْسَة أوجه:____...

وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه مَحْمُول على من أوصى بذلك، وَهَذَا مَشْهُور من عادات الْعَرَب: أَنهم كَانُوا يوصون بالندب والنياحة، كَمَا قَالَ عبد الْمطلب لبنَاته عِنْد وَفَاته: ابكينني وَأَنا أسمع، فبكته كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِشعر، فَلَمَّا سمع أُمَيْمَة وَقد أمسك لِسَانه، جعل يُحَرك رَأسه..." اهـ

 

وقال حمزة محمد قاسم المغربي في "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري" (2/ 379_380):

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:

* أولاً: أنه تحرم النياحة على الميت وهي رفع الصوت في البكاء عليه مع ذكر محاسنه وفضائله بصوت مرتفع لما فيه من تعذيب الميت.

* ثانياً: أن الميت يعذب بالنياحة والبكاء عليه، بصوت مرتفع وهذا إذا كانت النياحة من عادته وسنته، أو أوصى بذلك قبل وفاته كما فعل طرفة بن العبد حيث قال:

إذَا مِتُّ فَانْعِيْني بِمَا أنا أهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلىَّ الجَيْبَ يا ابْنَةَ مَعْبدِ

أما إذا لم يكن هذا ولا ذاك، فإن الميت يعذب ببكائهم نفسياً حيث يتألم ويحزن لحزنهم. كما روي عن صفية بنت مخرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صاحبه فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم " أخرجه ابن أبي شيبة.[4]

وقد اختار هذا المعنى جماعة من الأئمة___منهم ابن جرير وابن تيميّة كما أفاده السيوطي." اهـ



[1] في صحيح مسلم (1/ 8) : "1 - بَابُ وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ، وَتَرْكِ الْكَذَّابِينَ."

[2] أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 643) (رقم : 933)، سنن الترمذي ت شاكر (3/ 315) (رقم : 1000)

[3] وأجرج مسلم الشطر الأخير من الحديث في "صحيحه" (2/ 643/ 28) (رقم: 933)

[4] أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/ 8)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة