شرح الحديث 127-128 من الأدب المفرد
69-
باب من آذى جاره حتى يخرج 127 -
حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ
قَالَ: سَمِعْتُ، يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ الْحِمْصِيَّ، قَالَ: "كَانَ
ثَوْبَانُ يَقُولُ: "مَا
مِنْ رَجُلَيْنِ يَتَصَارَمَانِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَيَهْلِكُ
أَحَدُهُمَا، فَمَاتَا وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُصَارَمَةِ، إِلَّا
هَلَكَا جَمِيعًا، وَمَا
مِنْ جَارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ، حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ
يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ، إِلَّا هَلَكَ." [قال
الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
* حَدَّثَنَا
عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ (صدوق: 214
هـ):
عصام بن
خالد الحضرمى ، أبو إسحاق الحمصي، من صغار أتباع التابعين، روى له: خ
* قَالَ:
حَدَّثَنَا أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ (ثقة:
ت. 163 هـ):
أرطاة بن المنذر
بن الأسود بن ثابت الألهاني السكوني، أبو عدي الشامى الحمصي، من الذين عاصروا صغار
التابعين، روى له : بخ د س ق
* قَالَ:
سَمِعْتُ، يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ الْحِمْصِيَّ (ثقة):
عبد الله
بن غابر الألهاني، أبو عامر الشامي الحمصي، من الوسطى من التابعين، روى له: بخ س ق
* قَالَ: "كَانَ
ثَوْبَانُ (54 هـ بـ حمص):
ثوبان بنُ
بُجْدُدَ (ويقال: ابنُ جَحْدَر) القرشي الهاشمي، أبو عبد الله، مولى رسول الله _صلى
الله عليه وسلم_، روى له: بخ م د ت س ق
نص الحديث:
قَالَ: "كَانَ
ثَوْبَانُ يَقُولُ:
"مَا
مِنْ رَجُلَيْنِ يَتَصَارَمَانِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَيَهْلِكُ
أَحَدُهُمَا، فَمَاتَا وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُصَارَمَةِ، إِلَّا هَلَكَا
جَمِيعًا،
وَمَا مِنْ
جَارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ، حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ
يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ، إِلَّا هَلَكَ."
وفي "مسند
الشاميين" للطبراني (1/ 393):
«مَا مِنْ
رَجُلٍ يَظْلِمُ جَارَهُ أَوْ يَقْهَرُهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ مَسْكَنِهِ إِلَّا
هَلَكَ»
وكم من
الناس اليوم غيروا سكنهم وخرجوا من بيوتهم بسبب جيرانهم فكان أذى الجار حاملاً لهم
على الخروج من المسكن، وتغيير البيت من أجل أذى الجار.
وربما
انتقل إلى بيت إيجاره أعلى، أو بيت أضيق من أجل الهروب من جاره، ومن أجل أذى
الجار.
تخريج
الحديث:
أخرجه
البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 58) (رقم: 127)، والطبراني في "مسند
الشاميين" (1/ 393) (رقم: 681).
والحديث
صحيح: صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 72)
(رقم: 94).
من فوائد
الحديث:
عون الأحد
الصمد (1/150):
"دل
هذا الحديث على بيان عملين من الأعمال التي يترتب عليها العقوبة العاجلة والآجلة،
العمـل
الأول: المصارمة التي هي الهجر والتدابر، بحيث يهجر الجار جاره فوق ثلاث لحظوظ
دنيوية، لحظوظ نفسه، لمال أو خصومة أو نحو ذلك، يهجره فوق ثلاث، فإذا هجره فوق
ثلاثه أيام، فمات أحدهما عمت العقوبة من مات ومن بقي، فإذا ماتا جميعا عمت العقوبة
الجميع؛ لأن الأمر ليس هينا وليس سهلا، بل أمـر يغضب الله تبارك وتعالى وهي
المصارمة، بمعنى لا تكلمه ولا تسـلـم عـلـيـه ولا يكلمـك ولا يسـلـم عليـك، وإنـها
مصارمة لحظوظ شخصية، إمـا مالية وإمـا نفسية وليست في دين الله،
فهذا من
المآثـم العظيمة، وقد ورد في الحديث عـن النبي صول عليه وسلم أنه قال: «من هجر
أخاه سنة كقتله»، أي: كأنه قتله عمدا،
وعقوبة
القاتل عمـدا شـنيعة وعظيمة وفظيعة في الإسلام، فالواجب إن حصل سـوء تفاهم بين
جارين أو أخويـن مسـلمين لا يتجاوز ثلاثة أيام إلا وتناقش القضية، والمحق أي صاحب
الحق يكون عنده سـاحة، وصاحب الاعتداء يعترف بخطئه ويبذل المعروف ويبدل ما كان
سيئا بالحسن، فالدنيا حقيرة والناس مرتحلون منها، والجزاء عند الله على الأعمال إن
خيرا فخير وإن شرا فشر، والله تعالى أعلم.
رش البرد (ص
88):
الحديث:
1 ـ فيه
الحث على إزالة الهجران والابتعاد عن المشاجرة والمقاطعة
۲ ـ حرص الإسلام على تماسك المجتمع وتراص البنيان
3 ـ التحذير
من سوء المعاملة مع الجيران وبيان العاقبة الوخيمة للظالمين والعادين .
70- باب
جار اليهودي 128 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ: "كُنْتُ
عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً - فَقَالَ: "يَا
غُلَامُ، إِذَا فَرَغْتَ، فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ، فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: "الْيَهُودِيُّ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟" قَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِالْجَارِ،
حَتَّى خَشِينَا أَوْ رُئِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ." [قال
الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث:
حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ (ثقة ثبت:
ت. 218 هـ بـ الكوفة):
الفضل بن
دكين (عمرو) بن حماد بن زهير القرشي التيمي الطلحي مولاهم ، الأحول أبو نعيم
الملائى الكوفى ( مشهور بكنيته )، من صغار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق
رتبته عند ابن حجر :
قَالَ:
حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ثقة
يغرب):
بشير بن
سلمان الكندي، أبو إسماعيل الكوفي (والد الحكم بن بشر)، من الذين عاصروا صغار التابعين،
روى له: بخ م د ت س ق
عَنْ
مُجَاهِدٍ (ثقة إمام فى التفسير و فى العلم: ت.
101 أو 102 أو 103 أو 104 هـ):
مجاهد بن
جبر المكي، أبو الحجاج القرشي المخزومي مولاهم، من الوسطى من التابعين، روى له: خ م د ت س
نص الحديث:
عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ:
"كُنْتُ
عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً - فَقَالَ:
"يَا
غُلَامُ، إِذَا فَرَغْتَ، فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ،
فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: "الْيَهُودِيُّ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟"
قَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِالْجَارِ،
حَتَّى خَشِينَا أَوْ رُئِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ."
تخريج
الحديث:
أخرجه
البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 50 و 58) (رقم: 105 و 128)، وأبو داود في
"سننه" (4/ 338) (رقم: 5152)، والترمذي في "سننه" - ت شاكر
(4/ 333) (رقم: 1943)، والحميدي في "مسنده" (1/ 504) (رقم: 604)، وابن
أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 220) (رقم: 25417)، وأحمد في "مسنده"
- عالم الكتب (2/ 160) (رقم: 6496)، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق"
(ص: 101) (رقم: 321)، والحسين بن حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 112)
(رقم: 216)، والبزار في "مسنده" = البحر الزخار (6/ 371) (رقم: 2388)، والطبراني
في "المعجم الأوسط" (3/ 38) (رقم: 2403)، وفي "مكارم الأخلاق"
(ص: 384) (رقم: 199_201)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص: 88_89)
(رقم: 219_220)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (7/ 220) (رقم: 2792_2793)،
والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 81)، والبيهقي في "شعب الإيمان"
(12/ 106 و 12/ 107 و 12/ 108) (رقم: 9115 و 9116 و 9117)، وفي "الآداب"
(ص: 29) (رقم: 70).
واحديث صحيح: صححه
الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 688) (رقم: 2574)
فوائد
الحديث :
وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله
في "فيض القدير" (5 / 447):
"فمن
التزم شرائع الإسلام تأكد عليه إكرام جاره لعظيم حقه." اهـ
وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله
في "فيض القدير" (5 / 448):
"وللجوار
مراتب، منها: الملاصقة، ومنها: المخالطة بأن يجمعهما مسجد أو مدرسة أو سوق أو غير
ذلك، ويتأكد الحق مع المسلم، ويبقى أصله مع الكافر." اهـ
وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي القاهري، الشهير بـ"الْمُنَاوِيّ" (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله
في "فيض القدير" (5 / 448)
قال في
"العارضة":
"نبه
بذلك على أن الحقوق إذا تأكدت بالأسباب، فأعظمها حُرْمَةُ الجِوارِ، وهو قرب
الدار، فقد أنزل بذلك منزلة الرحم، وكاد يوجب له حقا في المال." اهـ
وقال محمد بن
عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي
عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في
"شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 384):
"قال
القرطبي: فمن كان مع هذا التأكيد الشديد مضرا لجاره كاشفا لعوراته حريصا على إنزال
البوائق به، كان ذلك منه دليلاً على فساد اعتقادٍ ونفاقٍ، فيكون كافرا.
ولا شك أنه لا
يدخل الجنة، وأما على امتهانه بما عظم الله من حرمة الجار، ومن تأكيد عهد الجوار،
فيكون فاسقا فسقا عظيما، ومرتكبَ كبيرةٍ، يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم له
بالكفر،
فإن المعاصي
بريد الكفر، فيكون من الصنف الأول، فإن سلم من ذلك، ومات بلا توبة، فأمره إلى
الله، وقد كانوا في الجاهلية يبالغون في رعايته وحفظ حقه." اهـ
وقال محمد بن
عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي
عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في
"شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 385):
"قال ابن
أبي جمرة:
وإكرام الجار
من كمال الإيمان، والذي يشمل جميعَ وجوه الإكرام إرادةُ الخيرِ له وموعظته بالحسنى
والدعاء له بالهداية وترك الإضرار على اختلاف أنواعه حسيا كان أو معنويا، إلا في الموضع
الذي يجب فيه الإضرار بالقول أو الفعل،
والذي يخص
الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عما يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه وإظهار محاسنه والترغيب
فيه برفق والفاسق بما يليق به برفق فإن أفاد وإلا هجره قاصدا تأديبه مع إعلامه
بالسبب." اهـ
وقال محمد بن
عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي
عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في
"شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 385):
"وهنا
تنبيه وهو أنه إذا أمر بإكرام الجار مع الحائل بين الإنسان وبينه فينبغي أن يرعى
حق الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل،
فلا يؤذيهما
بأنواع المخالفات في مرور الساعات، فقد ورد أنهما يسران بالحسنات ويحزنان
بالسيئات،
فينبغي
إكرامهما ورعاية جانبهما بالإكثار من عمل الطاعات والمواظبة على تجنب المعاصي فهما
أولى بالإكرام من كثير من الجيران." اهـ
وقال محمد بن
عبد الباقي بن يوسف المصري الأزهري المعروف بـ"أبي
عبد الله الزُّرْقَانِيُّ المالكي" (المتوفى 1122 ه) _رحمه الله_ في
"شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (4 / 385):
"والذي
يتحصل عند النظر أن الجار له مراتب:
الأول
الملاصقة، والثاني المخالطة بأن يجمعهما مسجد أو مجلس أو بيوت ويتأكد الحق مع
المسلم ويبقى أصله مع الكافر والمسلم وقد يكون مع العاصي بالتستر عليه." اهـ
فتح القوي
المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 56):
"وإكرامُه
يكون بأن يصل إليه برُّه، وأن تحصل له السلامةُ من شرِّه، والجيران ثلاثة:
ـ جارٌ مسلم
ذو قربى، له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام.
ـ وجارٌ مسلم
ليس بذي قُربى، له حق الإسلام والجوار.
ـ وجار ليس
بمسلم ولا ذي قُربى، له حقُّ الجوار فقط.
وأولى الجيران
بالإحسان مَن يكون أقربَهم باباً؛ لمشاهدته ما يدخل في بيت جاره، فيتطلَّع إلى
إحسانه إليه." اهـ
قال الشيخ
عطية بن محمد سالم المصري (المتوفى : 1420هـ) _رحمه الله_ في "شرح الأربعين
النووية" (39 / 10): "ويذكر
لنا بعض شيوخنا في المدينة، وهو الشيخ عبد الرحمن الإفريقي _رحمه الله_، أنه كان
يسكن في المدينة، وأولاده يلعبون مع أولاد الجيران، فتشاجر الأولاد مع بعض، فجاء والد
أحد الأولاد وضرب ولد الشيخ، وذهب الأولاد واشتكوا، فأخذ الرجل وحبس، وفي الظهر
علم الشيخ بذلك، فقال: أين الرجل؟ قالوا: محبوس، فذهب بنفسه إلى الشرطة وقال:
هذا ولدي، وأنا وليه، وليس لنا دعوى على أحد." اهـ وقال نصر بن
محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى:
373 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء
والمرسلين" (ص: 143): "وَقَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفُّ الْأَذَى عَنِ
الْجَارِ، وَلَكِنْ حُسْنُ الْجِوَارِ الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى مِنَ
الْجَارِ." اهـ وقال نصر بن
محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى:
373 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء
والمرسلين" (ص: 144) "وَرُوِيَ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، أَنَّهُ قَالَ: عَشْرَةُ
أَشْيَاءَ مِنَ الْجَفَاءِ: أَوَّلُهَا:
رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلَا يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ
وَالْمُؤْمِنِينَ. وَالثَّانِي:
رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَا يَقْرَأُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ آيَةً. وَالثَّالِثُ:
رَجُلٌ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَالرَّابِعُ:
رَجُلٌ يَمُرُّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْعُ
لَهُمْ. وَالْخَامِسُ:
رَجُلٌ دَخَلَ مَدِينَةً فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ، ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ
الْجُمْعَةَ. وَالسَّادِسُ:
رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ نَزَلَ فِي مَحِلَّتِهِمَا عَالَمٌ، وَلَمْ يَذْهَبْ
إِلَيْهِ أَحَدٌ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ. وَالسَّابِعُ:
رَجُلَانِ تَرَافَقَا وَلَمْ يَسْأَلْ أَحَدُهُمَا عَنِ اسْمِ صَاحِبِهِ. وَالثَّامِنُ:
رَجُلٌ دَعَاهُ رَجُلٌ إِلَى ضِيَافَةٍ فَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى الضِّيَافَةِ. وَالتَّاسِعُ:
شَابٌّ يَضِيعُ شَبَابُهُ وَهُوَ فَارِغٌ وَلَمْ يَطْلُبِ الْعِلْمَ
وَالْأَدَبَ. وَالْعَاشِرُ:
رَجُلٌ شَبْعَانُ وَجَارُهُ جَائِعٌ وَلَا
يُعْطِيهِ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهِ." اهـ تَمَامُ
حُسْنِ الْجِوَارِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا:
أَنْ يُوَاسِيهِ بِمَا عِنْدَهُ. وَالثَّانِيْ:
أَنْ لَا يَطْمَعَ فِيمَا عِنْدَهُ. وَالثَّالِثُ:
أَنْ يَمْنَعَ أَذَاهُ عَنْهُ. وَالرَّابِعُ:
أَنْ يَصْبِرَ عَلَى أَذَاهُ |
شرح القسطلاني
= إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري - (9 / 24):
"ويحصل
امتثال الوصية بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة: كالهدية، والسلام، وطلاقة
الوجه عند لقائه، وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه، وكف أسباب الأذى عنه على
اختلاف أنواعه، حسيةً كانت أو معنويةً." اهـ
وقال محمد بن
إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير
الصنعاني" (المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع
الصغير" (9 / 397)
"وفيه:
رعاية حقه بعد الموت والجار يعم العدل والفاسق والقريب والبعيد،
ثم هم مراتب: فَجَارُ الدَّارِ الملاصِقُ أعظم حقًّا من البعيد، وجارُ المخالطةِ في مسجدٍ أوْ سُوْق، حَقُّهُ دونهما
ونحْوُ ذلك،
فيجب رعاية
حقه، وأهم الحقوق: تعليمُهُ الشرائِعُ ومناصحتُهُ في دينه. وحقوق الجار كثيرة، من
أراد استفاءها، فعليه بالإحياء للإمام الغزالي[1]،
فقد أطال نفسه في ذلك." اهـ
وقال محمد بن
إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير
الصنعاني" (المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "التنوير شرح الجامع
الصغير" (9 / 398):
"فيه:
تنبيه على أن للجار حقاً في مال جاره، فتُعِيْنُهُ إذا احتاج، وتُقْرِضُهُ إذا
اقترض." اهـ
وقال عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر _حفظه الله_ في "شرح سنن أبي
داود" – الشاملة (585 / 14):
"وهذا
يدل على عظم شأن حق الجار، وأنه مادام بهذه المنزلة فحقيق أو حري أن يجعل له نصيب
من مال الإنسان إذا مات.
فمعنى ذلك أن
حق الجار عظيم، وأن الإنسان يحسن إليه ويهدي إليه، ويصل إليه معروفه في حياته
مادام أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظن أنه سيورث ويجعل له نصيب من ماله إذا مات،
وإن لم يحصل التوريث، والتوريث إنما هو للأقارب كما جاء في الكتاب والسنة.
وجاءت أحاديث
كثيرة تدل على حق الجار وعلى الابتعاد عن أذاه، وأن أذى الجار أعظم من إيذاء غيره؛
لأن له حقاً على جاره،
ولهذا جاء في
الحديث عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يؤذ جاره) [خ م]،
وقال _صلى
الله عليه وسلم_: (والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه) [خ] يعني: غوائله وشروره."
اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي
الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في
شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (41/ 142_143):
"في
فوائده:
1 - (منها):
بيان التشديد في حقّ الجار، حتى إنه _صلى الله عليه وسلم_ من كثرة وصيّة جبريل
_عَلَيْهِ السَّلامُ_ به ظنّ أنه سيجعله من جملة الورثة.
قال ابن عبد
البرّ _رَحِمَهُ اللهُ_:
"في هذا
الحديث الحضّ على برّ الجار، وإكرامه، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله:
"ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"،
والله -عَزَّ
وَجَلَّ- قد أوصى بالجار ذي القربى، والجار الجنب." انتهى ["التمهيد
لابن عبد البرّ" (21/ 41)].
2 - (ومنها):
بيان شدّة عناية الشريعة الإسلاميّة بالمحافظة على حقوق الجوار، وهو من الأمور
التي يستحسنها العقل، ولو لم يَرِدْ بها الشرع،
ولذا كان أهل
الجاهليّة يتفاخرون بها، قال ابن عبد البرّ: وذكر مالك عن أبي حازم بن دينار، أنه
قال: كان أهل الجاهلية أبرّ بالجار منكم، وهذا قائلهم يقول [من الكامل]:
نَارِي
وَنَارُ الْجَارِ وَاحِدَةٌ ... وَإِلَيْهِ قَبْلِي يَنْزِلُ الْقِدْرُ
مَا ضرَّ
جَارٌ أَلَّا أُجَاوِرَه ... أَلَّا يَكُونَ لِبَابِهِ سِتْرُ
أَعْمَى إِذَا
مَا جَارَتِي بَرَزَتْ ... حَتَّى يُوَارِي جَارَتِي الْخِدْرُ
3 - (ومنها):
أنه اختُلف في حدّ الجار، قال الإمام البخاريّ _رَحِمَهُ اللهُ_ في
"صحيحه": "باب حقّ الجوار في قرب الأبواب" (5674) - حدّثنا
حجاج بن منهال، حدّثنا شعبة، قال: أخبرني أبو عمران، قال: سمعت طلحة، عن عائشة،
قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أُهدي؟ قال: "إلى أقربهما
منك باباً" ["صحيح البخاريّ" (5/ 2241)].
قال في
"الفتح": "قوله: (أقربهما)؛ أي: أشدّهما قرباً، قيل: الحكمة
فيه___أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره، من هدية وغيرها، فيتشوَّف لها، بخلاف
الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لِمَا يقع لجاره من المهمات، ولا سيما في أوقات
الغفلة، وقال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب؛ لأن الهدية في الأصل ليست
واجبةً، فلا يكون الترتيب فيها واجباً،
ويؤخذ من
الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أَولى، وفيه تقديم العلم على العمل.
واختُلف في
حدّ الجوار، فجاء عن عليّ - رضي الله عنه -: من سمع النداء فهو
جار، وقيل: من
صلى معك صلاة الصبح في المسجد، فهو جار، وعن عائشة: حدّ الجوار أربعون داراً من كل
جانب، وعن الأوزاعيّ مثله،
وأخرج
البخاريّ في "الأدب المفرد" مثله عن الحسن، وللطبرانيّ بسند ضعيف، عن
كعب بن مالك، مرفوعاً: "ألا إن أربعين داراً جار"، وأخرج ابن وهب عن
يونس، عن ابن شهاب: أربعون داراً عن يمينه، وعن يساره، ومن خلفه، ومن بين يديه،
وهذا يَحْتَمِل كالأُولى، ويَحْتَمِل أن يريد التوزيع، فيكون من كل جانب عشرةً.
انتهى ["الفتح" 13/ 568، كتاب "الأدب" رقم (6020)].
قال الجامع
_عفا الله عنه_: "عندي أن من صلى الصلوات معك دائماً، ولا سيّما صلاة الصبح
هو جار لك؛ لأن هذا يدلّ على قربه من دارك، ويرى كل ما يدخل في بيتك، أو بعضه، ولو
صحّ حديث: "أربعون داراً جارٌ" لكان نصّاً في التحديد، لكنه ضعيف[2]،
فلا يصلح للاحتجاج به، فتنبّه، والله تعالى
أعلم."
اهـ
Komentar
Posting Komentar