شرح الحديث 19 من بلوغ المرام

 

19 - وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:

"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟

قَالَ: (لاَ تَأْكُلُوا فِيهَا، إِلاَّ أَنْ لاَ تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيْهَا)." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

 

ترجمة أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ _رضي الله عنه_:

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 167) (رقم: 7271) [ع]:

"أَبُو ثعلبة الخشني صاحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كبيرا"، كما سيأتي." اهـ

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 168)

وقدم على رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو يتجهز إلى حنين، فأسلم، وضرب له بسهمه، وبايع بيعة الرضوان، وأرسله إلى قومه فأسلموا.

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 168)

قال الْقَاضِي أَبُو علي عبد الجبار بْن عَبد اللَّه بْن مُحَمَّد الخولاني صاحب" تاريخ داريا (1) ":

ذكرُ أَبِي ثعلبة الخشني، واسمه: جرثوم بْن ناشر، والدليل على نزوله داريا ومقامه بها حديث ابن جابر عَنْ عُمَير بْنِ هَانِئٍ الْعَنْسِيِّ حيث يقول:

كنا بداريا فِي المسجد ومعنا أَبُو ثعلبة الخشني صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مع من روى عنه من أهل داريا. وقد قيل: إن أبا ثعلبة كان يسكن بقرية البلاط وإن من ولده بها قوما" إلى هذا اليوم. قال أَبُو عَلِيّ: وأرى أن ولده انتقلوا من داريا، فسكنوا البلاط، لأن حديث ابن جابر عن عُمَير ابن هانئ مشهور معروف عند أهل العلم، والله أعلم." [انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (66/ 85)]

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 171)

وَقَال [خليفة بن خياط] فِي موضع آخر:

"ومن خُشَيْن، وهو: وائل بْن النمر بْن وبرة بْن تغلب بْن حلوان بْن عِمْران بْن الحاف بْن قضاعة: أَبُو ثعلبة الخشني." اهـ

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 171)

وَقَال [ابن سعد] فِي موضع آخر:

"وممن نزل الشام أَبُو ثعلبة الخشني، واسمه جرهم بْن ناشم، وخشينة حي من قضاعة." اهـ

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 171)

وَقَال الدَّارَقُطنِيّ:

"وأما خشين فهي قبيلة، وهم خشين بْن النمر بْن وبرة بْن تغلب بْن حلوان بْن عِمْران بْن الحاف بْن قضاعة، منهم: أَبُو ثعلبة الخشني،

بايع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بيعة الرضوان وضرب له بسهمه يوم حنين، وأرسله إلى قومه فأسلموا.

وأخوه: عَمْرو بْن جرهم أسلم على عهد النَّبِيّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم_، وهما من ولد لبوان بْن مر بْن خشين." اهـ

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 173)

وَقَال أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى صاحب" تاريخ الحمصيين": بلغني إن أبا ثعلبة أقدم اسلاما" من أَبِي هُرَيْرة، ولم يقاتل مع عَلِيّ ولا مع معاوية، ومات فِي أول إمرة معاوية.

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 174)

وَقَال خالد بْن مُحَمَّد الكندي، عَن أَبِي الزاهرية: ...

فبينما هو يصلي فِي جوف الليل قبض وهو ساجد، فرأت ابنته أن أباها قد مات، فأستيقظت فزعة، فنادت أمها: أين أَبِي؟ قالت: فِي مصلاه.

فنادته، فلم يجبها، فأنبهته، فوجدته ساجدا"، فحركته، فوقع لجنبه ميتا.

 

تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 174):

"قال أبو عُبَيد القاسم بْن سلام، ومحمد بن سعد، وخليفة ابن خياط، وأبو حسان الزيادي، وهارون بن عَبد الله: مات سنة خمس وسبعين. زاد بعضهم: بالشام.

 

نص الحديث:

 

وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:

"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟

قَالَ: (لاَ تَأْكُلُوا فِيهَا، إِلاَّ أَنْ لاَ تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيْهَا)." مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (33/ 101)

قوله: (بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ يعني: بالشام، وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشام، وتنصّروا، منهم آل غَسّان، وتنوخ، وبَهْز، وبطون من قُضاعة، منهم بنو خُشَين آل أبي ثعلبة.

 

صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (رقم: 1930): أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ:

"يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي المُعَلَّمِ، أَوْ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟

قَالَ: "أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ، فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَاغْسِلُوهَا، ثُمَّ كُلُوا فِيهَا،

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، ثُمَّ كُلْ،

وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ").

 

تخريج الحديث:

 

صحيح البخاري (7/ 86) (رقم: 5478)، صحيح مسلم (3/ 1532) (رقم: 1930)، سنن أبي داود (3/ 363) (رقم: 3839)، سنن الترمذي ت شاكر (4/ 64 و 4/ 129 و 4/ 255) (رقم: 1464 و 1560 و 1796 و 1797)، سنن ابن ماجه (2/ 945 و 2/ 1069) (رقم: 2831 و 3207)

 

من فوائد الحديث:

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 144)

قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي أواني الْمَجُوس وَمن يذهب مَذْهَبهم فِي مس النَّجَاسَات، وَكَذَلِكَ فِيمَن يعْتَاد أكل لُحُوم الْخَنَازِير، فَأَما من مذْهبه توقي النَّجَاسَات فَإِن أصل آنيتهم الطَّهَارَة.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 162)

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - النهي عن الأكل في أواني أهل الكتاب: وهم "اليهود والنَّصارى"؛ لأنَّهم لا يتحاشون النجاسات، وربما وضعوا فيها خمرًا، أو لحم خنزير؛ فالاحتياط___

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 163)

اجتناب أوانيهم.

2 - أواني المشركين وأَواني الكفَّار أَوْلَى بالمنع؛ ذلك أنَّ أهل الكتاب أقرب منهم إلى الحق، فلهم تعاليم سماوية، أمَّا بقية الكفَّار: فهم أبعد من الكتابيين عن تعاليم الأديان، فهم أقرب منهم إلى النجاسة.

3 - إذا احتاج المسلم إلى استعمال الآنية، ولم يجد إلاَّ آنية الكفار، فله استعمالها بعد غسلها؛ ليحصل له اليقين من طهارتها.

4 - إباحة تبادل المنافع والمصالح من الكفار؛ لأنَّ هذا ما هو إلاَّ مجرَّد معاملة، وأداء حقوق جيرة وقرابة ونحوها، ليس معها ميلٌ قلبي إليهم، ولا ركون إلى اعتقاداتهم.

5 - سماحة الشريعة ويسرها؛ ذلك أنَّ الواجب على الإنسان الابتعاد عن مواطن الريبة؛ لحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، فإن احتاج الإنسان إلى ما لا يتحقق تحريمه، فلا حجر عليه ولا تضييق، فإنَّه يجوز استعمال ما نزِّه عن استعماله لأجل حاجته.

6 - في هذا الحديث دليلٌ على نجاسة الخمرة ففي رواية مسلم في صحيحه (1930): "إنَّا نجاور أهل الكتاب، وهم يطبخون في قدروهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنْ وجدتم غيرها، فكلوا واشربوا فيها، وإنْ لم تجدوا غيرها، فارحضوها -أي: اغسلوها- بالماء، وكلوا واشربوا".

وقد استدل بهذا الحديث على نجاسة الخمر: الخَطَّابِيُّ في "معالم السنن" (4/ 257)، وابن دقيق العيد في كتابه "الإمام"، كما نقله عنه الزيلعي في "نصب الرَّاية" (1/ 95)، وابن الهمام في "فتح القدير" (1/ 51)، وينظر: "فتح باب العناية" لِمُلَّا علي القاري بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ص (295).

 

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 717)

ما يستفاد من الحديث:

1- إباحة استعمال أواني الكفار، ومثلها ثيابهم، عند عدم غيرها، وذلك بعد غسلها.

2- هنا تعارض الأصل الذي هو [الأصل في الأشياء الطهارة] بغلبة الظن، الذي هو- هنا-[عدم توقيهم النجاسة] فرجح غلبة الظن حيث قويت.

3- إباحة الصيد بالقوس: وبالكلب المعلم بشرط ذكر اسم الله عند إرسالهما.، فإن تركها عمدا أو سهوا لم يبح، وإن تركها سهوا أو جهلا أبيح. وهذا هو المشهور. من المذاهب.

والصواب: أنه إن تركها سهوا أو جهلا أبيح. وهو رواية عن الإمام أحمد.

4- ظاهر الحديث حِل أكل ما صيد، سواء أقتله الجارح بجرحه أم بصدمه وهو مذهب الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها من أصحابه، ابن حامد، وأبو محمد الجوزي، وهو ظاهر كلام الخرقي لعموم الآية.

أما المشهور من المذهب، فلا يحل إذا مات الصيد بخنقه أو صدمه.___

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 718)

5- أن صيد الكلب الذي لم يعَلم، لا يحل إلا إن أدركه الإنسان فذكاه قبل موته.

6- صفة تعليم الجارح على مذهب الحنابلة، إن كان الجارح كلباً، أو فهداً ونحوهما من ذوات الناب فبثلاثة أشياء:

1- أن يسترسل إذا أرسل.

2- وينزجر إذا زجر.

3- وأن لا يأكل إذا أمسك.

وإن كان ذا مخلب، كالصقر، والبازي، فبشيئين.

1- يسترسل إذا أرسل.

2- وينزجر إذا زجر، ولا يشترط الثالث.

وبعض العلماء جعل مرد التعليم وتحديده إلى العرف، فما عده الناس متعلماً عارفاً لآداب الصيد، فهو المتعلم، ويكون حلال الصيد، ومالا، فلا وهو قول جيد لأن الشارع أطلق تعليمه، وما أطلقه،. فالذي يحده، العرف.

7- فضل العلم على الجهل، إذ أبيح صيد الكلب المعلم دون الكلب الذي لم يعلم فقد آثر العلم حتى في البهائم، قاله (ابن القيم) رحمه الله." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (33/ 101)

قوله: (بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ يعني: بالشام، وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشام، وتنصّروا، منهم آل غَسّان، وتنوخ، وبَهْز، وبطون من قُضاعة، منهم بنو خُشَين آل أبي ثعلبة.

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 130)

من فوائد هذا الحديث: جواز مساكنة أهل الكتاب لقوله: "إنا بأرض قوم أهل كتاب"، ولكن هل هذا على إطلاقه؟

الجواب: لا، لأنه قد دلت النصوص على وجوب الهجرة على من لا يستطيع إظهار دينه، وظاهر الحديث: أن أبا ثعلبه رضي الله عنه يستطيع أن يظهر دينه ويتميز المسلمون عن الكافرين، لكن لو لم يتميزوا ولم يظهر دينه حرم عليه كما قال تعالى: {إن الذين توفهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين} [النساء: 97، 98].

إذن نقول: في هذا الحديث دليل على جواز مساكنة أهل الكتاب في أرضهم لكن مشروط بأن يكون قادر على إقامة دينه، وإلا وجبت عليه الهجرة.

ومن فوائد هذا الحديث: حرص الصحابة - رضي الله عنهم- على السؤال وقوة ورعهم حتى إنهم سألوا عن هذه المسألة الخفيفة، وهكذا ينبغي للإنسان أن يسأل عن كل ما يشكل عليه، وأما كونه يسكت ويقول: إن كان حراما فالله غفور رحيم، أو يتلو هذه الآية: {ولا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]. فهذا حرام لا يجوز.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز استعمال أواني الكفار إلا بشرطين ولو أخذنا بظاهر الحديث لقال قائل: إنهم لو دعوك فلا تأكل في آنيتهم، ولكن هذا الظاهر غير مراد بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل في آنيتهم، فقد دعاه غلام يهودي إلى خبر شعير وإهالة سنخة وأكل.

فيكون معنى: "أفنأكل في آنيتهم": إذا استعرناها منهم لا إذا دعونا إلى الأكل فأكلنا.

ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي - عليه الصلاة والسلام- عن مباعدة المسلم لغير المسلم، يعني: أنه أمر بألا نأكل، بل نهى أن نأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها، وأيضا نغسلها خوفا من أن نتلاصق بهم ونتعاور، والأواني يأتون إلنا يستعيرون ونأخذ منهم؛ لأنه كلما أبعد الإنسان عنهم فهو خير له بلا شك.

هذان القيدان يوجبان للإنسان ألا يستعمل الأواني؛ لأنه قل من لا يجد الإناء؛ يعني: صاحب بيت يمكن ألا يكون عنده أواني؟ هذا قليل جدا أو نادر، ثم إذا لم يكن عنده شيء___

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (1/ 130)

من فوائد هذا الحديث: جواز مساكنة أهل الكتاب لقوله: "إنا بأرض قوم أهل كتاب"، ولكن هل هذا على إطلاقه؟

الجواب: لا، لأنه قد دلت النصوص على وجوب الهجرة على من لا يستطيع إظهار دينه، وظاهر الحديث: أن أبا ثعلبه رضي الله عنه يستطيع أن يظهر دينه ويتميز المسلمون عن الكافرين، لكن لو لم يتميزوا ولم يظهر دينه حرم عليه كما قال تعالى: {إن الذين توفهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين} [النساء: 97، 98].

إذن نقول: في هذا الحديث دليل على جواز مساكنة أهل الكتاب في أرضهم لكن مشروط بأن يكون قادر على إقامة دينه، وإلا وجبت عليه الهجرة.

ومن فوائد هذا الحديث: حرص الصحابة - رضي الله عنهم- على السؤال وقوة ورعهم حتى إنهم سألوا عن هذه المسألة الخفيفة، وهكذا ينبغي للإنسان أن يسأل عن كل ما يشكل عليه، وأما كونه يسكت ويقول: إن كان حراما فالله غفور رحيم، أو يتلو هذه الآية: {ولا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]. فهذا حرام لا يجوز.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز استعمال أواني الكفار إلا بشرطين ولو أخذنا بظاهر الحديث لقال قائل: إنهم لو دعوك فلا تأكل في آنيتهم، ولكن هذا الظاهر غير مراد بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل في آنيتهم، فقد دعاه غلام يهودي إلى خبر شعير وإهالة سنخة وأكل.

فيكون معنى: "أفنأكل في آنيتهم": إذا استعرناها منهم لا إذا دعونا إلى الأكل فأكلنا.

ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي - عليه الصلاة والسلام- عن مباعدة المسلم لغير المسلم، يعني: أنه أمر بألا نأكل، بل نهى أن نأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها، وأيضا نغسلها خوفا من أن نتلاصق بهم ونتعاور، والأواني يأتون إلنا يستعيرون ونأخذ منهم؛ لأنه كلما أبعد الإنسان عنهم فهو خير له بلا شك.

هذان القيدان يوجبان للإنسان ألا يستعمل الأواني؛ لأنه قل من لا يجد الإناء؛ يعني: صاحب بيت يمكن ألا يكون عنده أواني؟ هذا قليل جدا أو نادر، ثم إذا لم يكن عنده شيء." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة