شرح الحديث 14 - 15 من الأدب المفرد لأبي فائزة البوجيسي
14 -
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي
الْفُدَيْكِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ أَبَا
مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئِ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ : "أَنَّهُ رَكِبَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ
فَإِذَا دَخَلَ أَرْضَهُ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : (عَلَيْكِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أُمَّتَاهُ)، تَقُولُ : (وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ)، يَقُولُ : (رَحِمَكِ اللَّهُ رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا)، فَتَقُولُ : (يَا بُنَيَّ، وَأَنْتَ فَجَزَاكَ اللَّهُ
خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْكَ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا)، قَالَ مُوسَى: "كَانَ اسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَمْرٍو." اهـ[1] [قال الشيخ الألباني: حسن] |
رواة الحديث :
* وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ (صدوق يخطىء) :
عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة (وقيل ابن محمد بن شيبة) الحزامى مولاهم ،
أبو بكر المدنى
* قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ (صدوق: ت : 200 هـ
على الصحيح):
محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبى فديك دينار الديلى مولاهم ، أبو إسماعيل
المدنى، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خ م
د ت س ق
* قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى (صدوق سىء الحفظ: ت بعد 140 هـ):
موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب المطلبى القرشي
الأسدي الزمعي، أبو محمد المدني، من كبار أتباع التابعين،
روى: بخ د ت س ق
* عَنْ أَبِي حَازِمٍ (ثقة عابد: ت فى خلافة المنصور):
سلمة بن دينار، أبو حازم الأعرج الأفزر التمار المدني، القاص الزاهد الحكيم (مولى
الأسود بن سفيان المخزومي)، من صغار التابعين، روى له:
خ م د ت س ق
* أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئِ ابْنَةِ
أَبِي طَالِبٍ (ثقة) :
يزيد، أبو مرة الحجازي المدني، مولى عَقِيْلِ بن أبى طالب (ويقال: مولى أخته
أمِّ هانىء، مشهور بكنيته )، من الوسطى من التابعين، روى
له: خ م د ت س ق
* أبو هريرة الدوسي اليماني (57 هـ):
عبد الرحمن بن صخر اليماني _رضي الله_، روى له: خ م د ت س ق
تخريج الحديث :
أخرجه البخالري في "الأدب المفرد" (ص: 18 و 19) (رقم : 12 و 14)
7_ بَابُ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ 15 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ :
حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ :
«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا
رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ،
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ _وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا_ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ» ، مَا زَالَ يُكَرِّرُهَا
حَتَّى قُلْتُ: لَيْتَهُ سَكَتَ." [قال الشيخ الألباني: صحيح] |
رواة الحديث :
* حَدَّثَنَا
مُسَدَّدٌ (ثقة حافظ: ت 228 هـ) :
مسدد بن مسرهد
بن مسربل بن مستورد الأسدي، أبو الحسن البصري (ويقال: اسمه عبد الملك بن عبد
العزيز، ومسدد لقبٌ)، روى له: خ د ت س.
* قَالَ:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْفَضْلِ (ثقة ثبت عابد:
ت 186 هـ) :
بشر بن المفضل
بن لاحق الرَّقَاشِيُّ مولاهم، أبو إسماعيل البصري، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق
* قَالَ:
حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ (ثقة: ت 144 هـ):
سعيد بن إياس
الْجَرِيْرِيُّ، أبو مسعود البصري، من صغار التابعين، روى
له: خ م د ت س ق
* عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ (ثقة: ت 96 هـ) :
عبد الرحمن بن
أبى بكرة : نفيع بن الحارث الثقفي، أبو بحر البصري، من كبار التابعين، روى له: خ م د ت س ق
عَنْ
أَبِيهِ قَالَ (ت 51 هـ بـ البصرة):
نُفَيْعُ بْنُ
الحارثِ بن كَلْدَة بن عمرو بن علاج بن أبى سلمة، أبو بكرة الثقفي، صحابي جليل
_رضي الله عنه_، روى له:
خ م د ت س ق
تخريج
الحديث :
أخرجه
(البخاريّ) في "صحيحه" (3/ 172 و 8/ 4 و 8/ 61 و 9/ 13) (رقم: 2654 و 5976
و 6273 و 6919)، و(مسلم) في "صحيحه" (1/ 91) (رقم: 87)، و(الترمذيّ) سننه
– ت. شاكر (4/ 312 و 4/ 548) (رقم: 1901 و 2301 و 3019)، وفي "الشمائل
المحمدية" - ط المكتبة التجارية (ص: 118) (رقم: 132)، و(أحمد) في
"مسنده" (5/ 36 و 38)، والبزار في "مسنده" = "البحر
الزخار" (9/ 97) (رقم: 3629)، و(أبو عوانة) في "مسنده" (1/ 57)
(رقم: 146)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2/ 347) (رقم: 892)، والخرائطي
في مساوئ الأخلاق (ص: 76 و 117) (رقم: 149 و 235)، والطبري في "تهذيب الآثار"
- مسند علي (3/ 184) (رقم: 296)، الإيمان لابن منده (2/ 567 و 2/ 568) (رقم: 470 و
471 و 472) و(أبو نعيم) في "مستخرجه" (260)، السنن الكبرى للبيهقي (10/
207 و 10/ 263) (رقم: 20380 و 20578)، وفي شعب الإيمان (10/ 272) (رقم: 7482)،
واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (6/ 1106) (رقم: 1907)
شرح
الكلمات :
وفي "عمدة
القاري شرح صحيح البخاري" (2 / 115) للعيني:
"الزُّور
(بِضَم الزَّاي): الْكَذِب والميل عَن الْحق، وَالْمرَاد مِنْهُ الشَّهَادَة."
اهـ
وفي
"فتح الباري" (5 / 261_262) لابن حجر:
"قال
الطبري: أصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل لمن سمعه أنه بخلاف ما
هو به،
قال: وأولى الأقوال
عندنا أن المراد به مدح من لا يشهد شيئا من____الباطل،
والله أعلم." اهـ
وفي "عمدة
القاري شرح صحيح البخاري" (13 / 216):
"قَوْله:
(وعقوق الْوَالِدين) ، العقوق من العق، وَهُوَ: الْقطع، وَذكر الْأَزْهَرِي أَنه
يُقَال: عق وَالِده يعقه، بِضَم الْعين: عقاً وعقوقاً إِذا قطعه، والعاق اسْم
فَاعل، ...
والعاق هُوَ
الَّذِي شقّ عَصا الطَّاعَة لوَالِديهِ.
وَقَالَ
النَّوَوِيّ: هَذَا قَول أهل اللُّغَة. وَأما حَقِيقَة العقوق الْمحرم شرعا فقلَّ
من ضَبطه،
وَقد قَالَ
الشَّيْخ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد بن عبد السَّلَام: "لم أَقف فِي عقوق
الْوَالِدين وَفِيمَا يختصان بِهِ من العقوق على ضَابِط اعْتمد عَلَيْهِ،
فَإِنَّهُ لَا يجب طاعتهما فِي كل مَا يأمران بِهِ وَلَا ينهيان عَنهُ بِاتِّفَاق
الْعلمَاء، وَقد حرم على الْوَلَد الْجِهَاد بِغَيْر إذنهما لما يشق عَلَيْهِمَا
من توقع قَتله أَو قطع عُضْو من أَعْضَائِهِ ولشدة تفجعهما على ذَلِك،، وَقد ألحق
بذلك كل سفر يخافان فِيهِ على نَفسه أَو عُضْو من أَعْضَائِهِ."
وَقَالَ
الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح فِي (فَتَاوِيهِ) : العقوق الْمحرم كل فعل
يتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدَان تأذياً لَيْسَ بالهين مَعَ كَونه لَيْسَ من
الْأَفْعَال الْوَاجِبَة،
قَالَ:
وَرُبمَا قيل: طَاعَة الْوَالِدين وَاجِبَة فِي كل مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة،
وَمُخَالفَة أَمرهمَا فِي ذَلِك عقوق، وَقد أوجب كثير من الْعلمَاء طاعتهما فِي
الشُّبُهَات، وَلَيْسَ قَول من قَالَ من عُلَمَائِنَا: (يجوز لَهُ السّفر فِي طلب
الْعلم وَفِي التِّجَارَة بِغَيْر إذنهما) مُخَالفا لما ذكرته، فَإِن هَذَا كَلَام
مُطلق، وَفِيمَا ذكرته بَيَان لتقييد ذَلِك الْمُطلق.[2]"
اهـ
وفي "عمدة
القاري شرح صحيح البخاري" (13 / 218):
فَجعل فِي
الحَدِيث قَول الزُّور المعادل للإشراك هُوَ شَهَادَة الزُّور، لَا مُطلق قَول
الزُّور، وَإِذا عرف أَن قَول الزُّور هُوَ الْكَذِب. فَلَا شكّ أَن دَرَجَات
الْكَذِب تَتَفَاوَت بِحَسب المكذوب عَلَيْهِ، وبحسب الْمُتَرَتب على الْكَذِب من
الْمَفَاسِد. .
وفي "عمدة
القاري شرح صحيح البخاري" (13 / 218):
"وَقد
قسم ابْن الْعَرَبِيّ الْكَذِب على أَرْبَعَة أَقسَام:
أَحدهَا:
وَهُوَ أَشدّهَا: الْكَذِب على الله تَعَالَى: قَالَ الله تَعَالَى: {فَمن أظلم
مِمَّن كذب على الله} (الزمر: 93) .
وَالثَّانِي:
الْكَذِب على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: وَهُوَ هُوَ، أَو
نَحوه.
الثَّالِث:
الْكَذِب على النَّاس، وَهِي شَهَادَة الزُّور فِي إِثْبَات مَا لَيْسَ بِثَابِت
على أحد، أَو إِسْقَاط مَا هُوَ ثَابت.
الرَّابِع:
الْكَذِب للنَّاس، قَالَ وَمن أشده الْكَذِب فِي الْمُعَامَلَات، وَهُوَ أحد
أَرْكَان الْفساد الثَّلَاثَة فِيهَا، وَهِي: الْكَذِب وَالْعَيْب والغش.
وَالْكذب،
وَإِن كَانَ محرما، سَوَاء قُلْنَا كَبِيرَة أَو صَغِيرَة، فقد يُبَاح عِنْد
الْحَاجة إِلَيْهِ، وَيجب فِي مَوَاضِع ذكرهَا الْعلمَاء." اهـ
فوائد
الحديث :
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (22 / 88):
"وَفِيه:
دَلِيل على أَنه يَنْبَغِي للْعَالم أَن يعرض على أَصْحَابه مَا يُرِيد أَن
يُخْبِرهُمْ بِهِ إِمَّا لأجل الحض على التفريغ وَالِاسْتِمَاع لَهُ، وَأما
السَّبَب يَقْتَضِي التحذير مِمَّا يُحَذرهُمْ وَإِمَّا للحض على الْإِتْيَان
بِمَا فِيهِ صَلَاحهمْ." اهـ
وقال محمود بن
أحمد الغيتابى الحنفى، المعروف بـ"بدر الدين العيني" (المتوفى: 855 هـ) _رحمه
الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (22 / 88):
"قَالَ
الْكرْمَانِي: العقوق كَبِيرَة لِأَنَّهَا مَا توعد عَلَيْهَا الشَّارِع بخصوصها،
فَمَا وَجه كَونه أكبرها؟
وَأجَاب
بقوله: لِأَن الْوَالِد بِحَسب الظَّاهِر كالموجد لَهُ صُورَة وَلِهَذَا قرن الله
عز وَجل الْإِحْسَان إِلَيْهِ بتوحيده فَقَالَ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]."
اهـ
&
عمدة القاري
شرح صحيح البخاري - (22 / 88)
وَإِنَّمَا
كَرَّرَه بِهَذَا الْوَجْه لِأَن الدَّوَاعِي إِلَيْهِ كَثِيرَة وأسهل وقوعاً على
النَّاس، والشرك ينبو[3]
عَنهُ الْمُسلم، وعقوق الْوَالِدين ينبو عَنهُ الطَّبْعُ." اهـ
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (5
/ 263):
"قوله: (وجلس
وكان متكئا) يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئا. ويفيد ذلك تأكيد
تحريمه وعظم قبحه،
وسبب الاهتمام
بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر، فإن
الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع،
وأما الزور
فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما، فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس
ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا، بل لكون مفسدة الزور متعدية
إلى غير الشاهد، بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبا." اهـ
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (5
/ 263):
"قوله :
«فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت»، أي : شفقة عليه، وكراهية لما يزعجه.
وفيه :
ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وسلم والمحبة له والشفقة
عليه." اهـ
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (5
/ 263):
"وفي
الحديث : انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر،
ويؤخذ
منه :
ثبوت الصغائر، لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها؛ والاختلاف في ثبوت الصغائر
مشهور، وأكثر ما تمسك به من قال ليس في الذنوب صغيرة كونه نظر إلى عظم المخالفة
لأمر الله ونهيه،
فالمخالفة
بالنسبة إلى جلال الله كبيرة، لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول وهي بالنسبة لما فوقها
صغيرة كما دل عليه حديث الباب،
وقد فهم الفرق
بين الصغيرة والكبيرة من مدارك الشرع، وسبق في أوائل الصلاة ما يكفر الخطايا ما لم
تكن كبائر، فثبت به أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات، ومنها ما لا يكفر، وذلك هو عين
المدعي،
ولهذا قال
الغزالي : "إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه. ثم إن مراتب
كل من الصغائر والكبائر مختلف بحسب تفاوت مفاسدها." اهـ
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (5
/ 263):
"وفي
الحديث: تحريم شهادة الزور، وفي معناها: كل ما كان زورا من تعاطي المرء ما ليس له
أهلا." اهـ
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي، المعروف بـ"ابْنِ حجر العسقلاني" (المتوفى: 852 هـ) _رحمه الله_ في "فتح الباري" (11
/ 67):
"قال
المهلب: يجوز للعالم والمفتي والإمام الاتكاء في مجلسه بحضرة الناس لألم يجده في
بعض أعضائه أو لراحة يرتفق بذلك ولا يكون ذلك في عامة جلوسه." اهـ
وقال أبو
الحسن علي بن خلف بن عبد الملك المعروف بـ"ابن بطال
القرطبي" (المتوفى: 449 هـ) _رحمه الله_ في "شرح صحيح البخاري"
(9 / 55):
"قال
المهلب: فيه جواز العالم بين يدى الناس ، وفى مجلس الفتوى ، وكذلك السلطان والأمير
فى بعض مايحتاج إليه من ذلك لراحة يتعاقب بها فى جلسته أو لأَلَمٍ يجده فى بعض
أعضائه أو لما هو أرفق به ،
ولا يكون ذلك
عامة جلوسه ، لأنه قال عليه السلام آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد .
ولم يكن يأكل متكئًا." اهـ
وقال شمس الدين محمد بن عمر السفِيْرِي
الشافعي (المتوفى: 956 هـ) _رحمه الله_ في "المجالس الوعظية في شرح
أحاديث خير البرية" (1/ 373)
قال العلماء:
شاهد الزور ارتكب ذنوباً:
أحدها : الكذب
والافتراء على من شهد عليه والله تعالى يقول في كتابه : ((إِنَّ اللَّهَ لاَ
يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)) [غافر: 28]
وثانيها: أنه
ظلم الذي يشهد عليه حتى أخذ بشهادته ماله وعرض روحه للهلاك.
وثالثها: أنه
ظلم الذي شهد له، بأن ساق له المال الحرام فأخذه ووجبت له النار قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: «من قضي له من مال أخيه بغير حق فلا يأخذه، فإنما اقتطع
قطعة من النار» .
ورابعها: أنه
أباح ما حرم الله ومعصيته من المال والدم والعرض وقال - صلى الله عليه وسلم -:
«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول
الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» متفق عليه." اهـ
&
تأسيس الأحكام
- (5 / 124_126)
فقه الحديث
أولاً : يؤخذ
من هذا الحديث إبلاغ الأحكام الشرعية بطريقة العرض ألا أنبئكم
ثانياً : أن
المعاصي تنقسم إلى ثلاثة أقسام كبائر وأكبر كبائر ومعاصي دون ذلك
ثالثاً :
تعريف الكبائر هي كل ذنب اتبع صاحبه بلعن أو توعد بالنار أو بغضب الملك الجبار أو
رتب عليه حد من الحدود الدنيوية____
رابعاً : أما
أكبر الكبائر فلا تعلم إلا من طريق الشرع وهذه الثلاث منها
خامساً :
أولها الإشراك بالله وهذه الكبيرة هي أكبر من كل الكبائر وفاعلها يخرج من الإسلام
إن كان الشرك أكبر
سادساً :
الشرك الأكبر الذي يخرج من الإسلام هو أن يعطي الإنسان حق الألوهية لغير الله جل
وعلا فيعتقد فيه القدرة على ما لا يقدر عليه إلا الله كإنزال المطر وإعطاء الولد
والنصر على العدو وأن يعتقد فيه سلطاناً غيبياً يطلع به على المغيبات
سابعاً : أما
الشرك الأصغر فهو لا يخرج من الإسلام كالرياء العارض في العمل والحلف بغير الله
إذا لم يقصد تعظيم المخلوق تعظيماً يساوي تعظيم الله عز وجل أو يزيد عليه وإسناد
النعم إلى غير الله كقولهم لولا الكلب لأتانا اللصوص وما أشبه ذلك فهذا الشرك
الأصغر لا يخرج من الإسلام ولا يوجب الخلود في النار وقد قيل إنه داخل في الوعيد
بعدم المغفرة نعوذ بالله من ذلك
ثامناً : عقوق
الوالدين الذي يوجب لهما البكاء والحزن الشديد لكون ابنهما قابل إحسانهما بالإساءة
وهذا الذنب أعظم الذنوب بعد الشرك
تاسعاً : قوله
وكان متكئاً فجلس دليل على الاهتمام بالخصلة الأخيرة لأن الدواعي إليها كثيرة فقد
يحمل على شهادة الزور بغض المشهود عليه أو حب المشهود له أو أخذ الرشوة على ذلك___
عاشراً : وقول
الزور يتفاوت فمن بهت مسلماً في عرضه بما يريد أن يشينه به أو يسيء به سمعته فإن
ذنبه عظيم وحسابه شديد والله سبحانه وتعالى يقول (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا
بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) [ الأحزاب : 58 ] وقد جاء في الحديث عَنْ سَهْلِ
بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ أُرَاهُ قَالَ بَعَثَ
اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ
وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ
جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ )
الحادي عشر :
تنفير النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شهادة الزور وقول الزور بكونه كررها حتى
قالوا ليته سكت وبالله التوفيق." اهـ
وقال أبو حفص
عمر بن علي الشافعي المصري، المعروف بـ"سِرَاج
الدينِ ابنِ الْمُلَقِّنِ" (المتوفى: 804 هـ) _رحمه الله_ في
"التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (16 / 530):
"فيه:
عظم شهادة الزور، وأنها من أكبر الكبائر، وعبارة ابن بطال في حديث أبي بكرة أنها
أكبر الكبائر." اهـ
وقال الشيخ محمد
بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
_رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (3 / 207):
"وهذا
الحديث يوجب للعاقل الحذر من هذه الأمور الأربعة: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين،
وقول الزور، وشهادة الزور." اهـ
وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي
الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في
شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (3/ 29_30):
"في
فوائده:
1 - (منها):
بيان الكبائر، وأكبرها، وهو الشرك، وهو وجه المناسبة لإيراده في هذا الباب.
2 - (ومنها):
بيان انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر، ويؤخذ منه ثبوت الصغائر؛ لأن الكبيرة بالنسبة
إليها أكبر منها، والاختلاف في ثبوت الصغائر مشهور، وأكثر ما تمسك به مَن قال: ليس
في الذنوب صغيرة كونه نَظَرَ إلى عِظَم المخالفة لأمر الله ونهيه، فالمخالفة
بالنسبة إلى جلال الله كبيرة، لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول: هي بالنسبة لما فوقها
صغيرة، كما دلّ عليه حديث الباب، وقد فُهِمَ الفرقُ بين الصغيرة والكبيرة من
مَدَارك الشرع، وسيأتي في أبواب الصلاة ما يُكَفِّر الخطايا ما لَمْ تكن كبائر،
فَثَبَتَ به أن من الذنوب ما يُكَفَّر بالطاعات، ومنها ما لا يُكَفَّر، وذلك هو
عين الْمُدَّعَى، ولهذا قال الغزاليّ رحمه الله تعالى: إنكار الفرق بين الكبيرة
والصغيرة لا يليق بالفقيه، ثم إن مراتب كلٍّ من الصغائر والكبائر مختلف بحسب تفاوت
مفاسدها.
3 - (ومنها):
بيان تحريم شهادة الزور؛ لما يترتَّب عليها من المفاسد، وإن كانت مراتبها متفاوتة،
وفي معناها كُلُّ ما كان زُورًا، من تعاطي المرء ما ليس له أهلًا.
4 - (ومنها):
أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ولا شكّ في عظم مفسدته؛ لعظم حقّ الوالدين.
5 - (ومنها):
بيان انقسام الكبائر إلى شرك وغيره.
6 - (ومنها):
الاهتمام بذكر الشيء للتنبيه على وعيه ومنعه.
7 - (ومنها):
استحباب إعادة الموعظة ثلاثًا؛ لتُفْهَم.
8 - (ومنها):
انزعاج الواعظ في وعظه؛ ليكون أبلغ في الوعي عنه، والزجر عن فعل ما يَنْهَى
عنه.___
9 - (ومنها):
أن فيه التحريض على مجانبة كبائر الذنوب؛ ليحصل تكفير الصغائر بذلك، كما قال -
عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ
عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] الآية.
10 - (ومنها):
أن فيه إشفاق التلميذ على شيخه إذا رآه منزعجًا، وتمنّي عدم غضبه؛ لما يترتّب على
الغضب من تغيّر مزاجه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا
ونعم الوكيل." اهـ
[1] وقال يوسف بن عبد الرحمن القضاعي
الكلبي، المعروف بـ"أبي الحجاج المزي" (المتوفى: 742هـ)
_رحمه الله_ في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (34/ 366):
"اختلف
فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر، وقيل: عبد
الرحمن بْن غنم، وقيل: عَبد اللَّه بْن عائذ، وقيل: عَبد اللَّه بْن عامر، وقيل:
عَبد اللَّه بْن عَمْرو، وقيل: سكين بْن وذمة، وقيل: سكين بْن هانئ، وقيل: سكين
ابن مل، وقيل: سكين بْن صخر، وقيل: عامر بْن عبد شمس، وقيل: عامر بْن عُمَير،
وقيل: برير بن عشرقة، وقيل: عبدنهم، وقيل: عبد شمس، وقيل: غنم، وقيل: عُبَيد بْن
غنم، وقيل: عَمْرو ابن غنم، وقيل: عَمْرو بْن عامر، وقيل: سَعِيد بْن الحارث، وقيل
غير ذَلِكَ." اهـ
[2] شرح النووي على مسلم - (1 / 189):
"وَأَمَّا
حَقِيقَة الْعُقُوق الْمُحَرَّم شَرْعًا فَقَلَّ مَنْ ضَبَطَهُ . وَقَدْ قَالَ
الشَّيْخ الْإِمَام أَبُو مُحَمَّد بْن عَبْد السَّلَام رَحِمَهُ اللَّه : لَمْ
أَقِف فِي عُقُوق الْوَالِدَيْنِ وَفِيمَا يَخْتَصَّانِ بِهِ مِنْ الْحُقُوق عَلَى
ضَابِطٍ أَعْتَمِدهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِب طَاعَتهمَا فِي كُلّ مَا يَأْمُرَانِ
بِهِ ، وَيَنْهَيَانِ عَنْهُ ، بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء . وَقَدْ حَرُمَ عَلَى
الْوَلَد الْجِهَاد بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا لِمَا شَقَّ عَلَيْهِمَا مِنْ تَوَقُّع
قَتْله ، أَوْ قَطْع عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ ، وَلِشِدَّةِ تَفَجُّعهمَا عَلَى
ذَلِكَ . وَقَدْ أُلْحِق بِذَلِكَ كُلّ سَفَرٍ يَخَافَانِ فِيهِ عَلَى نَفْسه أَوْ
عُضْو مِنْ أَعْضَائِهِ هَذَا كَلَام الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد . قَالَ الشَّيْخ
أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه فِي فَتَاوِيه : الْعُقُوق
الْمُحَرَّم كُلّ فِعْل يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِد أَوْ نَحْوه تَأَذِّيًا لَيْسَ
بِالْهَيِّنِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْأَفْعَال الْوَاجِبَة . قَالَ :
وَرُبَّمَا قِيلَ طَاعَة الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَة فِي كُلّ مَا لَيْسَ
بِمَعْصِيَةٍ . وَمُخَالَفَة أَمْرهمَا فِي ذَلِكَ عُقُوق . وَقَدْ أَوْجَبَ
كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء طَاعَتهمَا فِي الشُّبُهَات . قَالَ : وَلَيْسَ قَوْل
مَنْ قَالَ مِنْ عُلَمَائِنَا : يَجُوز لَهُ السَّفَر فِي طَلَب الْعِلْم ، وَفِي
التِّجَارَة بِغَيْرِ إِذْنهمَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْته ، فَإِنَّ هَذَا
كَلَامٌ مُطْلَق ، وَفِيمَا ذَكَرْته بَيَانٌ لِتَقْيِيدِ ذَلِكَ الْمُطْلَق .
وَاَللَّه أَعْلَم .
[3] أي: تنحى عنه،
قال أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني
الرازي، الشهير
بـ"ابن فارس" (المتوفى:
395هـ) _رحمه الله_ في "مقاييس اللغة" (5/ 384): "(نَبَوَ)
النُّونُ وَالْبَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى
ارْتِفَاعٍ فِي الشَّيْءِ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ تَنَحٍّ عَنْهُ." اهـ
Komentar
Posting Komentar