شرح الحديث التاسع والثمانون من كتاب بهجة قلوب الأبرار لأبي فائزة البوجيسي

 

الحديث التاسع والثمانون: من الأدعية الجامعة.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:

"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو، فَيَقُولُ: (اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى والتقى، والعفاف والغنى)." رواه مسلم

 

شرح الحديث:

 

قال ابن فارس القزويني _رحمه الله_ في معجم مقاييس اللغة (4/ 3):

(عَفَّ) الْعَيْنُ وَالْفَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْكَفُّ عَنِ الْقَبِيحِ، وَالْآخَرُ دَالٌّ عَلَى قِلَّةِ شَيْءٍ.

فَالْأَوَّلُ: الْعِفَّةُ: الْكَفُّ عَمَّا لَا يَنْبَغِي. وَرَجُلٌ عَفٌّ وَعَفِيفٌ. وَقَدْ عَفَّ يَعِفُّ [عِفَّةً] وَعَفَافَةً وَعَفَافًا.

وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْعُفَّةُ: بَقِيَّةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ. وَهِيَ أَيْضًا الْعُفَافَةُ." اهـ

 

وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 355):

"فغنى النفس يُعِين على هذا كله، وغنى المؤمن الكفاية، وكذلك كان

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللَّهُمَّ اجعل رزق آل محمد قوتًا"، ولم يُرِدْ بهم إلا الذي هو

أفضل لهم، وقال: "ما قلّ، وكفى، خير مما كثُر، وألهى".

وقال أبو حازم: إذا كان ما يكفيك لا يغنيك، فليس في الدنيا شيء

يغنيك.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من فقر مسرف، وغنى مُطْغ." اهـ

 

ترجمة عبد الله بن مسعود أبي عبد الرحمن الهذلي _رضي الله عنه_ :

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (16/ 121) للمزي :

"عَبد اللَّهِ بن مسعود بن غافل بن حبيب بْن____شمخ بن مخزوم، ويُقال: ابْن شمخ بْن فار بْن مخزوم بْن صاهلة بْن كاهل بْن الحارث بْن تميم بْن سعد بْن هذيل بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر بْن نزار بن معد بن عدنان، أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهذلي، صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وكان أبو مسعود بْن غافل، قد حالف عبد بْن الحارث بْن زهرة فِي الجاهلية، وأمه أم عبد بنت ود بْن سواء من هذيل أَيْضًا، لها صحبة.

أسلم بمكة قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وهُوَ صاحب نعل رَسُول اللَّهِ صلى___الله عليه وسلم. كَانَ يلبسه إياها إِذَا قام، فإذا جلس أدخلها فِي ذراعه. وكَانَ كثير الولوج عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم." اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (16/ 127) : "وَقَال أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة، عَن يحيى بْن مَعِين: مات سنة ثلاث أَوِ اثنتين وثلاثين." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه: (مسلم) في "صحيحه" (رقم: 2721)، و (البخاريّ) في "الأدب المفرد" (674)، و (الترمذيّ) في "الدعوات" (3489)، و (ابن ماجه) في "الدعاء" (3832)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (9/ 186) (رقم: 5283)، و (الطيالسيّ) في "مسنده" (1/ 241) (رقم: 301)، و(أحمد) في "مسنده" (1/ 411 و 416 و 437)، وابن منده العبدي في التوحيد (2/ 198) (رقم: 348)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (900)، و(البزّار) في "مسنده" = البحر الزخار (5/ 436) (رقم: 2073)، و(اللالكائيّ) في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (4/ 716) (رقم: 1174)، و(الطبرانيّ) في "الدعاء" (ص: 416) (رقم: 1408)، والبيهقي في "القضاء والقدر" (ص: 266) (رقم: 372)، والله تعالى أعلم.

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 187):

هذا الدعاء «اللهم إني أسألك الهدى والتقى» من أجمع الأدعية وأنفعها. وهو يتضمن سؤال خير الدين وخير الدنيا،

 

فإن (الهدى): هو العلم النافع. (والتقى): العمل الصالح، وترك ما نهى الله ورسوله عنه. وبذلك يصلح الدين، فإن الدين علوم نافعة، ومعارف صادقة، فهي الهدى، وقيام بطاعة الله ورسوله، فهو التقى.

 

و«العفاف والغنى»

يتضمن العفاف عن الخلق، وعدم تعليق القلب بهم. والغنى بالله وبرزقه، والقناعةُ بما فيه، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية.

 

وبذلك تتم سعادة الحياة الدنيا، والراحة القلبية، وهي الحياة الطيبة.

 

فمَنْ رُزِقَ الْهُدَى والتُّقَى، والعفافَ والغِنَى، نال السعادتين، وحصل له كل مطلوب، ونجا من كل مرهوب. والله أعلم.

 

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 128)

* في هذا الحديث ما يدل على أن المهدي هادي الهدى، وقد سأل من الله عز وجل (الهدى).

* فيه أيضًا جواز أن يكون سأل الهدى لأمته إلى يوم القيامة، فإن الهدى مما قال الله عز وجل فيه: {إن علينا للهدى}].

* وقد سأل - صلى الله عليه وسلم - مع الهدى (التقى) وهذه التاء في التقى مبدلة من الواو، والتقوى نطق قد تكرر في القرآن، وأصل التقوى تقوى الشرك ثم ترتفع في الدرجات فهي كلمة شاملة إلا أنها راجعة إلى الحذر.

* ثم سأل - صلى الله عليه وسلم - (العفاف)، والعفاف قد يكون منه العفاف عن الرذائل على كثرتها، ومنه العفاف عن أموال الناس، ومنه العفاف عن سؤال الأجر على تبليغ الحق، ومنه العفاف الذي يؤدي إلى العون عما لا يحل من النظر فما فوقه، ومنه العفاف عما جاوز الكفاية بالمعروف في كل معنى.

* ثم سأل - صلى الله عليه وسلم - (الغنى) وقد جاء عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (الغنى غنى النفس) وكذلك هو. وهو الذي سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الغنى مطلق ينصرف إليه، إذ غنى الأعراض قد يكون فقرًا من وجوه كثيرة؛ منها الاشتغال بها، والخدمة لها، والحاجة إلى دوامها وغير ذلك.

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 275) لابن علان الصديقي :

"وقدم الهدى لأنه الأصل، والتقى مبني عليه، وعطف عليه العفاف عطفا خاصا على عام اهتماماً به، لأن النفس تدعو إلى ضده فسأل من الله الإعانة على تركه،

وبعد أن أتم مطالب الدين توجه لبعض مطالب الدنيا، وهو الغنى أي: عدم الحاجة إلى الناس." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 529_531) :

" * ينبغي لنا أن نقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء، وان نسأل الله الهدي والتقي والعفاف والغني.

* وفي هذا الحديث : دليل علي إن النبي صلي الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وان الذي يملك ذلك هو الله.

وفي دليل أيضا : على إبطال من تعلقوا بالأولياء والصالحين في جلب___المنافع ودفع المضار، كما يفعل بعض الجهال الذين يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام إذا كانوا عند قبره، أو يدعون من يزعمون أهم

أولياء من دون الله، فان هؤلاء ضالون في دينهم، سفهاء في عقولهم، لان هؤلاء المدعوين هم بأنفسهم لا يملكون لأنفسهم شيئا، قال الله تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم :

{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50]،

وقال له : {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف: 188]،

وقال له : {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)} [الجن: 21، 22].

فالإنسان يجب إن يعلم إن البشر مهما أتوا من الوجاهة عند الله عز وجل، ومن النزلة والمرتبة عند الله، فانهم ليسوا بمستحقين إن يدعوا من دون الله، بل انهم_ اعني من لهم جاه عند الله من الأنبياء والصالحين_ يبرؤون تبرؤنا تاما ممن يدعونهم من دون الله عز وجل. قال عيسي عليه الصلاة والسلام لما قال له الله :

{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: 116]،

ليس من حق عيسي ولا غيره إن يقول للناس اتخذوني إلها من دون الله:

{إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 116، 117]

فالحاصل إنما نسمع عن بعض جهال المسلمين في بعض الأقطار الإسلامية، الذين يأتون إلى قبور من يزعموهم أولياء، فيدعون هؤلاء الأولياء، فان هذا العمل سفه في العقل، وزلال في الدين.

وهؤلاء لن___ينفعوا أحدا أبدا، فهم جثث هامدة، هم بانفسهم لا يستطيعون الحراك فكيف يتحركون لغيرهم، والله الموفق." اهـ

 

الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات (ص: 277) للسعدي :

"فالهداية التامة هي الهداية للعلم النافع، والعمل الصالح، وهو الهدى ودين الحق. فمن عرف الحق فاتبعه وعرف الباطل فاجتنبه فقد هدي إلى صراط مستقيم، ومن قام بحقوق الله وحقوق عباده فهو المهتدي إلى جنات النعيم." اهـ

 

صحيح ابن حبان (3/ 182) :

"ذِكْرُ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ سُؤَالَ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا الزِّيَادَةَ لَهُ فِي الْهُدَى وَالتَّقْوَى". اهـ

 

الدعاء للطبراني (ص: 414) :

"بَابُ : مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ فِي سَائِرِ نَهَارِهِ."

 

جامع بيان العلم وفضله (1/ 730) لابن عبد البر :

"وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّقَلُّلَ مِنَ الدُّنْيَا وَالِاقْتِصَادَ فِيهَا وَالرِّضَا بِالْكَفَافِ مِنْهَا وَالِاقْتِصَارَ عَلَى مَا يَكْفِي وَيُغْنِي عَنِ النَّاسِ - أَفْضَلُ مِنَ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا وَالرَّغْبَةِ فِيهَا، وَأَقْرَبُ إِلَى السَّلَامَةِ ". اهـ

 

القضاء والقدر للبيهقي (ص: 262)

بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْمُعْطِي بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبِيدِهِ الْإِيمَانَ وَهُوَ مُحَبِّبُهُ إِلَيْهِ وَمُزَيِّنُهُ فِي قَلْبِهِ وَشَارِحُ صَدْرِهِ لَهُ وَهَادِيهِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَمُثَبِّتُهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ." اهـ

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة