شرح الحديث الحادي والتسعون لأبي فائزة البوجيسي _حفظه الله_
الحديث الحادي
والتسعون: من أوامر الله ونواهيه. عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ
اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا. فَيَرْضَى لَكُمْ
أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا. وَيَكْرَهُ لَكُمْ، قِيلَ وَقَالَ،
وَكَثْرَةَ السؤال، وإضاعة المال" رواه مسلم |
تخريج
الحديث:
أخرجه: مسلم في
"صحيحه" رقم: (1715)، و(أحمد) في "مسنده" (2/ 327 و 360 و
367)، و (مالك) في "الموطّأ" (2/ 990)، و (البخاريّ) في "الأدب
المفرد" (42 4)، و (ابن حبَّان) في "صحيحه" (3389 و 5720)، و (أبو
عوانة) في "مسنده" (4/ 165)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (8/
163)، و"شعب الإيمان" (6/ 25)، و (البغويّ) في "شرح السَّنة"
(101)، والله تعالى أعلم.
وفي مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 327) (رقم: 8334) زيادة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا ، وَرَضِيَ لَكُمْ ثَلاَثًا : رَضِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا، وَأَنْ تَنْصَحُوا لِوُلاَةِ الأَمْرِ، وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ.
وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 220):
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: جِمَاعُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ هُوَ عِنَايَةُ الْقَلْبِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ مَنْ كَانَ..."
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم - ت. الأرنؤوط (1/ 222):
وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَحُبُّ صَلَاحِهِمْ وَرُشْدِهِمْ وَعَدْلِهِمْ، وَحُبُّ اجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ، وَكَرَاهَةُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ، وَالتَّدَيُّنُ بِطَاعَتِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْبُغْضُ لِمَنْ رَأَى الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ، وَحُبُّ إِعْزَازِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 188_190): "فيه:
إثبات الرضى لله، وذكر متعلقاته، وإثبات الكراهة منه، وذكر متعلقاتها، فإن الله _جل
جلاله_ من كرمه على عباده، يرضى لهم ما فيه مصلحتهم، وسعادتهم في العاجل والآجل. وذلك بالقيام
بعبادة الله وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له بأن يقوم الناس بعقائد الإيمان
وأصوله، وشرائع الإسلام الظاهرة والباطنة، وبالأعمال الصالحة، والأخلاق الزاكية،
كل ذلك خالصا لله موافقا لمرضاته، على سنة نبيه، ويعتصموا بحبل الله، وهو دينه الذي هو الوصلة بينه وبين عباده، فيقوموا به مجتمعين متعاونين على البر والتقوى «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره» ، بل يكون محبا له مصافيا، وأخا معاونا.___ وبهذا الأصل
والذي قبله يكمل الدين، وتتم النعمة على المسلمين، ويعزهم الله بذلك وينصرهم،
لقيامهم بجميع الوسائل التي أمرهم الله بها والتي تكفل لمن أقام بها بالنصر
والتمكين، وبالفلاح والنجاح العاجل والآجل. ثم ذكر ما كره
الله لعباده، (القيل والقال) مما ينافي هذه الأمور التي يحبها وينقضها فمنها:
كثرة القيل والقال، فإن ذلك من دواعي الكذب، وعدم التثبت، واعتقاد غير الحق. ومن
أسباب وقوع الفتن، وتنافر القلوب، ومن الاشتغال بالأمور الضارة عن الأمور
النافعة. وقل أن يسلم أحد من شيء من ذلك، إذا كانت رغبته في القيل والقال. وأما قوله:
«وكثرة السؤال» فهذا هو السؤال المذموم، كسؤال الدنيا من غير حاجة وضرورة،
والسؤال على وجه التعنت والإعنات، وعن الأمور التي يخشى من ضررها، أو عن الأمور
التي لا نفع فيها، الداخلة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] وأما السؤال
عن العلوم النافعة على وجه الاسترشاد أو الإرشاد، فهذا محمود مأمور به. وقوله:
«وإضاعة المال» وذلك إما بترك حفظه حتى يضيع، أو يكون عرضة للسراق والضياع، وإما
بإهمال عمارة عقاره، أو الإنفاق على حيوانه، وإما بإنفاق المال في الأمور
الضارة، أو غير النافعة. فكل هذا داخل
في إضاعة المال. وإما بتولي ناقصي العقول لها، كالصغار والسفهاء والمجانين
ونحوهم؛ لأن الله تعالى جعل الأموال قياما للناس، بها تقوم مصالحهم الدينية
والدنيوية، فتمام النعمة فيها أن تصرف فيما خلقت له: من المنافع والأمور
الشرعية،___والمنافع الدنيوية. وما كرهه الله
لعباده، فهو يحب منهم ضدها، يحب منهم أن يكونوا متثبتين في جميع ما يقولونه، وأن
لا ينقلوا كل ما سمعوه، وأن يكونوا متحرين للصدق، وأن لا يسألوا إلا عما ينفع،
وأن يحفظوا أموالهم ويدبروها، ويتصرفوا فيها التصرفات النافعة، ويصرفوها في
المصارف النافعة. ولهذا قال
تعالى: {وَلَا
تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}
[النساء: 5]. والحمد لله
أولا وآخرا. والله أعلم. |
وقال الإثيوبي
في البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (30/ 92_94):
في فوائده:
1 - (منها): أن
الله تعالى يحب من عباده الإخلاص في عبادته في التوحيد، وسائر الأعمال كلِّها التي
يُعبَد بها، وفي الإخلاص طرح الرياء كلّه؛ لأنَّ الرياء شرك، أو ضرب من الشرك، قال
أهل العلم بالتأويل: إن قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو
لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ
رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، نزلت في الرياء، ويدخل في الإخلاص أيضًا التوكل
على الله، وأنه لا يضرّ، ولا ينفع، ولا يعطي، ولا يمنع على الحقيقة غيره؛ لأنه لا
مانع لما أعطي، ولا معطي لما منع، لا شريك له ["التمهيد" لابن عبد البرّ
- رَحِمَهُ اللهُ – (21/ 272)].
2 - (ومنها): الحضّ على الاعتصام، والتمسك بحبل الله تعالى في حال___اجتماع،
وائتلاف،
قال ابن عبد
البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وحبل الله في هذا الموضع فيه قولان: أحدهما: كتاب الله،
والآخر: الجماعة، ولا جماعة إلَّا بإمام، وهو عندي معنى متداخل متقارب؛ لأنَّ كتاب
الله يأمر بالأُلفة، وينهى عن الفرقة، قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} الآية [آل عمران: 105]، وقال:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
انتهى ["التمهيد" (21/ 272)].
3 - (ومنها):
النهي عن كثرة الكلام بما لا يعني؛ لأنه إن كان مباحًا ففيه إضاعة الوقت، وإن كان
حرامًا، ففيه كثرة المآثم.
4 - (ومنها):
النهي عن كثرة السؤال عن أموال الناس، فقد وردت نصوص كثيرة في ذمّ كثرة السؤال،
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "من سأل الناس تكثّرًا، فإنما يسأل جمرًا، فليستقلّ، أو
ليستكثر"، رواه مسلم.
وعن سمرة بن
جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إن المسألة كَدّ يَكُدّ بها الرجل وجهه، إلَّا أن يسأل الرجلُ سلطانًا، أو
في أمر لا بدَّ منه"، رواه الترمذيّ، وقال: حديث حسن صحيح، والكَدّ: الْخَدْش
ونحوه.
وعن ابن مسعود -
رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من
أصابته فاقة، فأنزلها بالناس، لَمْ تُسَدّ فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له
برزق عاجل، أو آجل"، رواه أبو داود، والترمذيّ، وقال: حديث حسن، يوشك - بكسر
الشين؛ أي: يُسرع ["رياض الصالحين" للنووي - رَحِمَهُ اللهُ – (1/ 154)][1].
والحاصل: أن كثرة
الكلام بما لا معنى له، ولا فائدة فيه، من أحاديث الناس لا يخلو أكثرها من أن يكون
غِيبة، ولَغَطًا، وكذبًا،
ومَن أكثر من القيل والقال مع العامة لَمْ يَسْلم من الخوض
في الباطل، ولا من الاغتياب، ولا من الكذب،
وقد صحّ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليصمت"،
متَّفقٌ عليه،
وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كفى
بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما سمع"، رواه مسلم.____
ومكتوب في حكمة
داود وفي صحف إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَام -: "مَن عَدَّ كلامه من عمله،
قَلّ كلامه، إلَّا فيما يعنيه"، وفي المَثَل السائر: التقيُّ مُلْجَم ["التمهيد"
(21/ 289)].
هذا إذا حملنا
الحديث على سؤال أموال الناس، وأما إذا حملناه على سؤال المسائل العلميّة، وهو
الذي عزاه ابن عبد البرّ إلى أكثر العلماء، حيث قال: وأما كثرة السؤال فمعناه عند
أكثر العلماء التكثير في السؤال من المسائل، والنوازل، والأغلوطات، وتشقيق
المولَّدات، وقال ما لك: أما نهي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عن كثرة السؤال، فلا أدري، أهو الذي أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول
الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسائل وعابها، أم هو مسألة الناس؟ .
قال ابن عبد
البرّ: الظاهر في لفظ هذا الحديث كراهة السؤال عن المسائل، إذا كان ذلك على
الإكثار، لا على الحاجة عند نزول النازلة؛ لأنَّ السؤال في مسألة الناس إذا لَمْ
يَجُز فليس يُنْهَى عن كثرته دون قلّته، بل الآثار في ذلك آثار عموم، لا تفزق بين
القلة والكثرة لمن كُرِه له ذلك.
قال: وكان الأصل
في هذا أنهم كانوا يسألون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن
أشياء، ويُلِحُّون فيها، فينزل تحريمها،
قال الله -
عَزَّ وَجَلَّ -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ
إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ
الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)}
[المائدة: 101]،
وثبت عن النبيّ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "أعظم المسلمين في المسلمين
جُرْمًا، من سأل عما لَمْ يُحَرَّم، فحُرِّم على الناس من أجل مسألته" [حديث
صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه" (4/ 201)][2].
5 - (ومنها):
تحريم إضاعة المال، سواء كان بإلقائه في البحر، أو إحراقه في النار، أو صرفه في
المحرّمات، أو الإسراف في الإنفاق فوق الحاجة، أو غير ذلك من وجوه إتلافه، فكلّه
محرّم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ
[1] أخرجه أبو داود في سننه
(2/ 122) (رقم: 1645)، والترمذي في سننه (4/ 563) (رقم: 2326)، وحسنه الألباني في
صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1044) (رقم: 6041)
[2] بل أخرجه صحيح البخاري (9/
95) (رقم: 7289)، صحيح مسلم (4/ 1831) (رقم: 2358)، سنن أبي داود (4/ 201) (رقم:
4610)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (7/ 817)
(رقم: 3276)
Komentar
Posting Komentar