شرح الحديث 66_68 من صحيح الترغيب
صحيح
الترغيب والترهيب (1/ 135) 66 - (6) [حسن لغيره] عن سهل بن سعد رضي الله عنهما؛ أنّ النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن هذا الخيرَ خزائنُ[1]،
ولتلك الخزائن مفاتيحُ، فطوبى لعبدٍ جَعَلَهُ الله _عزَّ وجلَّ_ مفتاحاً للخيرِ،
مغلاقاً للشرِّ، وويلٌ لِعبدٍ جَعَلَهُ الله مفتاحاً للشرِّ، مغلاقاً
للخير".(1) رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن أبي عاصم،
وفي سنده لين، وهو في "الترمذي" بقصةٍ (2). __________ (1) (المفتاح) بكسر الميم: آلة لفتح الباب ونحوه، والجمع:
(مفاتيح ومفاتح) أيضاً. و
(المغَلاق) بكسر الميم: هو ما يُغلق به، وجمعه (مغاليق ومغالق). ولا بُعْدَ أن
يُقدَّر: ذوي مفاتيح للخير، أي أن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير،
كالعلم والصلاح على الناس، حتى كأنه ملكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم. وقوله:
(طوبى): اسم للجنة. وقيل: هي شجرة في الجنة، وأصلها (فعلى) من الطيب، كما في
"النهاية". وأقول: تمريض القول بأنها شجرة في الجنة، مما لا وجه له،
فقد جاء ذكرها في أحاديث سيأتي أحدها في آخر الكتاب (28 - صفة الجنة / 8/ الحديث
3). وآخر في "الصحيحة" (1985). و
(ويل): هو الحزن والهلاك والمشقة من العذاب؛ كما قال ابن الأثير. وقيل: هو واد
في جهنم. قلت:
فيه حديث ضعيف سيأتي في (27 - صفة النار/3). (2) لكن روي بأسانيد أخرى، وبعضها موقوف صحيح، انظر
"الظلال" (1/ 126 - 129)، وعزوه للترمذي وهم محض لا أدري سببه، فإنه
لم يعزه إليه أحد ولا الحافظ المزي في "تحفة الأشراف"، والحافظ
السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير"، هذا بعد البحث الجاد عنه في
"سننه"، وهو مخرج في "الصحيحة" (1332). |
ترجمة سهل بن سعد
( خ م د ت س ق ) : سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن
ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن
عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن غسان بن الأزد بن
الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان : الأنصارى
الساعدى ، أبو العباس ، المدنى.
له و لأبيه صحبة .
اهـ .
وفي "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة
(3/ 422):
"وَكَانَ أَبُوْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ تُوُفُّوا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -." اهـ
وقال أبو نعيم عن أبيه في "معرفة الصحابة"
(3/ 1258):
"سَعْدُ بْنُ أَسْعَدَ السَّاعِدِيُّ أَبُو
سَهْلِ بْنُ سَعْدٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ سَهْلٍ، تُوُفِّيَ
بِالرَّوْحَاءِ مُتَوَجِّهًا إِلَى بَدْرٍ." اهـ
وقال ابن حبان: "كان اسمه (حَزْنًا)، فسماه رسول الله _صلى الله عليه وآله وسلم_ (سَهْلًا)." اهـ
وفي "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة
(3/ 423):
"كَانَ اسْمُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ حَزْناً، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: تَزَوَّجَ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً." اهـ
إكمال تهذيب الكمال (6/ 137):
"وقال ابن فتحون: وهو أخو سهيل، وله صحبة."
اهـ
وفي "حُسْن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة"
(1/ 207) للسيوطي :
"قال ابن الربيع: قدم
مصر بعد الفتح على مسلمة بن مخلد؛ ولأهل مصر عنه أحاديث." اهـ
و قال المزي:
"قال محمد بن إسحاق ، عن الزهرى : قلت لسهل بن
سعد : ابنُ كم أنت يومئذ؟ _يعنى: المتلاعِنَيْنِ_ قال : ابن خمس عشرة سنة .[2]
و قال أبو اليمان : حدثنا شعيب
، عن الزهرى ، عن سهل بن سعد أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم توفى و
هو ابن خمس عشرة سنة .
و ذكر الواقدى، وغيره :
"أن الحجاج أرسل إلى سهل بن سعد يريد إذلاله
فى سنة أربع و سبعين، فقال: "ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان؟" قال:
"قد فعلت." قال : "كذبْتَ."
ثم أمر به فختم فى عنقه ، وختم أيضا فى عنق أنس حتى
ورد كتاب عبد الملك فيه، وختم فى يد جابر يريد إذلالهم بذلك، وأن يجتنبهم الناس
ولا يسمعوا منهم."
سنة وفاته:
قال أبو نعيم ، و البخارى ، و الترمذى ، و غير واحد
: مات سنة ثمان و ثمانين (88 هـ). زاد بعضهم : وهو
ابن ست وتسعين سنة.
و قال الواقدى ، و يحيى بن بكير ، و ابن نمير : مات سنة إحدى و تسعين (91 هـ).[3]
زاد الواقدى : بالمدينة ، و هو ابن مئة (100) سنة ، و هو آخر من مات
بالمدينة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم .
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 423)
وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ مِنَ
الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ المائَةِ.
روى له الجماعة . اهـ .
الأعلام للزركلي (3/ 143)
له في كتب الحديث 188 حديثا
قال الحافظ في تهذيب التهذيب 4 / 253 :
رواية شعيب صحيحة و هى المعتمدة فى مولده ، فيكون
مولده قبل الهجرة بخمس سنين فأى سنة مات يضاف إليها الخمس فيخرج مبلغ عمره على
الصحة ، و ما يخالف ذلك لا يعول عليه .
و قال أبو حاتم الرازى : عاش مئة سنة أو أكثر .
فعلى هذا يكون تأخر إلى سنة ست و تسعين أو بعدها .
و زعم قتادة أنه مات بمصر ، و زعم أبو بكر بن أبى
داود أنه مات بالإسكندرية .
و هذا عندى أنه ولده عباس بن سهل ، انتقل الذهن
إليه ، و أما سهل فموته بالمدينة . اهـ .
تخريج الحديث :
أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 87) (رقم : 238)، وابن
أبي عاصم في السنة (1/ 126 و 128) (رقم : 296 و 298)، والطبراني في المعجم الكبير
(6/ 150 و 189) (رقم : 5812 و 5956)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (13/ 521) (رقم :
7526)، والروياني في مسنده (2/ 210) (رقم : 1049)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (ص:
195 و 341) (رقم : 590 و 83)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (8/
329)، وابن أبي الدنيا في مداراة الناس (ص: 109) (رقم : 136)، والخطيب في تاريخ
بغداد – ط. العلمية (19/ 17)
شرح الحديث:
حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 105)
قَوْلُهُ (إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ إِلَخْ) أَيْ ذُو
خَزَائِنٍ.
مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في
شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 414)
وقوله: "إن هذا الخير خزائن إلخ"
قال الطيبيّ رحمه الله: المعنى الذي يحتوي على خير
المال، وعلى كونه شرّا هو المشبّه بالخزائن، فمن توسّل بفتح
ذلك المعنى، وأخرج المال منها، ينفقه في سبيل الله، ولا ينفقه في سبيل الشيطان،
فهو مِفتاح الخير، مِغلاق الشرّ،
ومن توسّل بإغلاق
ذلك الباب بإنفاقه في سبيل الله، وفتحه في سبيل الشيطان، فهو مِغلاق الخير، مفتاح
الشرّ، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن للشيطان لِمَّةً بابن آدم، وللمك
لمّةً" (1)، وقرأ قوله عز وجل: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ
وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268] إشارةً إلى هذا المعنى. انتهى
لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/ 439_440):
"قوله: (إن هذا الخير) الخير: المال
الكثير، وبه فسروا قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180]،
والمراد بالخير في قوله: ___(مفتاحًا للخير) مقابل
الشر، يريد إنفاق المال في سبيل اللَّه وفي مرضاته." اهـ
وفي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"
(8/ 3261):
قَالَ الرَّاغِبُ: "(الْخَيْرُ): مَا يَرْغَبُ
فِيهِ الْكُلُّ كَالْعَقْلِ _مَثَلًا_ وَالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ وَالشَّيْءِ
النَّافِعِ، وَ(الشَّرُّ) ضِدُّهُ،
وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ قَدْ يَتَّحِدَانِ، وَهُوَ
أَنْ يَكُونَ خَيْرُ الْوَاحِدِ شَرَّ الْآخَرِ، كَالْمَالِ الَّذِي يَكُونُ
رِيَاءً كَانَ خَيْرًا لِزَيْدٍ وَشَرًّا لِعَمْرٍو،
وَلِذَلِكَ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِالْأَمْرَيْنِ فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أَيْ:
مَالًا.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {أَيَحْسَبُونَ
أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي
الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 55] انْتَهَى.
وَكَذَا الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِهِمْ
حِجَابٌ وَسَبَبُ الْعَذَابِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضٍ آخَرَ اقْتِرَابٌ
إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَقِيسَ عَلَى هَذَا الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ مِنْهَا مَا
يُورِثُ الْعُجْبَ وَالْغُرُورَ، وَمِنْهَا مَا يُورِثُ النُّورَ وَالسُّرُورَ
وَالْحُبُورَ كَالسَّيْفِ وَالْخَيْلِ وَنَحْوِهَا. قَدْ يُجْعَلُ آلَةً
لِلْجِهَادِ مَعَ الْكُفَّارِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْقَرَارِ فِي دَارِ
الْأَبْرَارِ، وَقَدْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ
وَالْأَوْلِيَاءِ، وَيُنْتَهَى بِهَا إِلَى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ،
وَهَذَا مَعْنَى مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " «أَلَا وَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي
الْجَنَّةِ أَلَا وَإِنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ» ".
يَعْنِي بِحَسَبِ مَا قُسِمَ لِأَهْلِهِ قِسْمَةً أَزَلِيَّةً أَبَدِيَّةً
مَبْنِيَّةً عَلَى جَعْلِ بَعْضِهِمْ مَرَائِي الْجَمَالِ وَبَعْضِهِمْ مَظَاهِرَ
الْجَلَالِ، كَمَا قَالَ: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}
[الشورى: 7]
وَقَدْ قَالَ: ( «خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ
وَلَا أُبَالِي وَخَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَلَا أُبَالِي» ) مُشِيرًا إِلَى
قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}
[الأنبياء: 23]
فَبَحْرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ عَرِيضٌ عَمِيقٌ،
لَا يَغُوصُ فِيهِ إِلَّا مَنْ لَهُ تَحْقِيقٌ بِتَوْفِيقٍ يَتَحَيَّرُ فِيهِ
أَرْبَابُ السَّوَاحِلِ، وَيَمْضِي مِنْهُ أَصْحَابُ سُفُنِ الشَّرَائِعِ
الْكَوَامِلِ." اهـ
من فوائد الحديث :
شرح
سنن ابن ماجة - الراجحي (16/ 3) – الشاملة:
ولا
شك أن العلماء والأخيار الذين نفع الله بهم البلاد والعباد ونشروا العلم، وكذلك
الدعاة والمصلحون وأهل الأموال الذين ينفقون أموالهم في المشاريع الخيرية، والذين
ينفعون الناس بشفاعاتهم ووجاهتهم تكون أعمالهم قدوة للناس فهم مفاتيح للخير،
ومغاليق للشر.
البحر
المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (41/ 701)
(ومنها):
أن بعض الأعمال لا ينقطع ثوابها، وكذا أوزارها، وهي
التي
تكون سببًا للاقتداء بفاعلها، فيجب على العاقل أن يكون مفتاحًا للخير،
لا
مفتاحًا للشرّ،
تنبيه
الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 570)
عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ هَذَا
الْخَبَرُ أَيْضًا مَرْفُوعًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحُ لِلْخَيْرِ،
مَغَالِيقُ لِلشَّرِّ، وَلَهُمْ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَمِنَ النَّاسِ نَاسًا
مَفَاتِيحُ لِلشَّرِّ، مَغَالِيقُ لِلْخَيْرِ، وَعَلَيْهِمْ بِذَلِكَ إِصْرٌ،
يَعْنِي إِثْمٌ كَبِيرٌ، طُوبَى لِمَنْ جُعِلَ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، مِغْلَاقًا
لِلشَّرِّ، وَتَفَكُّرُ سَاعَةٍ لِي خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ»
شرح
المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3300)
قوله:
((إن هذا الخير)) ((غب)): الخير ما يرغب فيه الكل كالعقل مثلا والعدل والفضل
والشيء النافع، والشر ضده. والخير والشر قد يقيدان وهو أن يكون خيرا لواحد وشرا
لآخر، كالمال الذي يكون ربما كان خيرا لزيد وشرا لعمر؛ ولذلك وصفه الله تعالى
بالأمرين فقال في موضع: {إن ترك خيرا} وقال في موضع آخر: {أيحسبون أنما نمدهم به
من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات} وقوله: ((إن ترك خيرا)) أي مالا. وقال بعض
العلماء: لا يقال للمال: خير حتى يكون كثيرا.
أقول:
المعنى الذي يحتوي على خيرية المال وعلى كونه شرا هو المشبه بالخزائن، فمن توسل
بفتح ذلك المعنى، وأخرج المال منها أنفقه في سبيل الله ولا ينفقه في سبيل الله
الشيطان، فهو مفتاح الخير مغلاق الشر، ومن توسل بإغلاق ذلك الباب بإنفاقه في سبيل
الله وفتحه في سبيل الشيطان، فهوه مغلاق الخير مفتاح الشر. وفي قوله صلى الله عليه
وسلم: ((إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة)) إلى قوله: {الشيطان يعدكم الفقر
ويأمركم بالفحشاء} إشارة إلى هذا المعنى.
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3261)
وَالْأَظْهَرُ
أَنَّ الشَّرَّ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِتَرْكِ الْخَيْرِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا
نِسْبَةُ التَّضَادِّ كَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ،
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ خَزَائِنَ لِلشَّرِّ أَيْضًا
مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3261)
قَالَ
الرَّاغِبُ: الْخَيْرُ مَا يَرْغَبُ فِيهِ الْكُلُّ كَالْعَقْلِ مَثَلًا
وَالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ وَالشَّيْءِ النَّافِعِ، وَالشَّرُّ ضِدُّهُ، وَالْخَيْرُ
وَالشَّرُّ قَدْ يَتَّحِدَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ الْوَاحِدِ شَرَّ
الْآخَرِ، كَالْمَالِ الَّذِي يَكُونُ رِيَاءً كَانَ خَيْرًا لِزَيْدٍ وَشَرًّا
لِعَمْرٍو، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَمْرَيْنِ فَقَالَ فِي
مَوْضِعٍ {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أَيْ: مَالًا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ
آخَرَ: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ
لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 55] انْتَهَى. وَكَذَا الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ
إِلَى بَعْضِهِمْ حِجَابٌ وَسَبَبُ الْعَذَابِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضٍ
آخَرَ اقْتِرَابٌ إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَقِيسَ عَلَى هَذَا الْعِبَادَةِ،
فَإِنَّ مِنْهَا مَا يُورِثُ الْعُجْبَ وَالْغُرُورَ، وَمِنْهَا مَا يُورِثُ
النُّورَ وَالسُّرُورَ وَالْحُبُورَ كَالسَّيْفِ وَالْخَيْلِ وَنَحْوِهَا. قَدْ
يُجْعَلُ آلَةً لِلْجِهَادِ مَعَ الْكُفَّارِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى
الْقَرَارِ فِي دَارِ الْأَبْرَارِ، وَقَدْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى قَتْلِ
الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَيُنْتَهَى بِهَا إِلَى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ
مِنَ النَّارِ." اهـ
التيسير
بشرح الجامع الصغير (1/ 346)
فالخير
مرضاة لله وَالشَّر مسخطة فَإِذا رَضِي عَن عبد فعلامة رِضَاهُ يَجعله مفتاحا
للخير وَعَكسه فصحبه الأول دَوَاء وَالثَّانِي دَاء والمفاتيح اسْتِعَارَة
للْإنْسَان للسَّبَبِيَّة فِي كل إيصالاً ومنعاً وَمِنْهُم من هُوَ متلبس بهما
فَهُوَ من الَّذين خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا
فيض
القدير (2/ 528)
قال
الحكيم: فالخير مرضاة الله والشر سخطه فإذا رضى الله عن عبد فعلامة رضاه أن يجعله
مفتاحا للخير فإن رؤى ذكر الخير برؤيته وإن حضر حضر الخير معه وإن نطق نطق بخير
وعليه من الله سمات ظاهرة لأنه يتقلب في الخير بعمل الخير وينطق بخير ويفكر في خير
ويضمر خيرا فهو مفتاح الخير حسبما حضر وسبب الخير لكل من صحبه والآخر يتقلب في شر
ويعمل شرا وينطق بشر ويفكر في شر ويضمر شرا فهو مفتاح الشر لذلك فصحبة الأول دواء
والثاني داء." اهـ[4]
حاشية
السندي على سنن ابن ماجه (1/ 104)
"اللَّه
تَعَالَى أَجْرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فَتْحَ أَبْوَابِ الْخَيْرِ كَالْعِلْمِ
وَالصَّلَاحِ عَلَى النَّاسِ حَتَّى كَأَنَّهُ مَلَّكَهُمْ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ
وَوَضَعَهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَلِذَلِكَ قَالَ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ
الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ
التحبير
لإيضاح معاني التيسير (4/ 107_108):
يتخلق
العبد من هذا بأن يبالغ في تعلم العلم النافع ويتوسع فيه وهو علم الكتاب والسنة،
وأن يعلم أنه وإن صار عليماً بما فتح الله به عليه؛ فإن علمه يقصر عن علم الله في
كل شيء، بل ما علمه وعلم جميع الخلائق في علم الله إلا كما يأخذه العصفور بمنقاره
من___البحر، كما قاله الخضر لموسى - عليه السلام - ويعلم أن علمه يقصر عن علم الله
بدرجات لا تنحصر." اهـ
السراج
المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (2/ 137) للعزيزي:
"قال
الدَّمِيْرِيُّ[5]:
"جعل
الله لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يدخل منه إليه كما جعل الشرك والإعراض والكبر عما
بعث الله به رسوله _صلى الله عليه وسلم_ والغفلةَ عن ذكرِهِ والقيامِ بحقه مفتاحاً
للنار،
وكما
جعل الخمر مفتاحاً لكل إثم، وجعل الغنا مفتاحَ الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصور
مفتاحَ العِشْقِ، وجعل الكسر والراحة مفتاحَ الخيبة والحرمان،
وجعل
المعاصي مفتاحَ الكفرِ، وجعل الكذب مفتاحَ النفاق، وجعل الشح والبخل والحرص مفتاحَ
التَّلَفِ وقطيعةِ الرحمِ وأخذِ المالِ من غير حله،
وجعل
الإعراض عما جاء به الرسول _صلى الله عليه وسلم_ مفتاحَ كل بدعةٍ وضلالةٍ،
وهذه
أمور لا يصدق بها، إلا من له بصيرة صحيحة، وعقل يعرض به عما في نفسه." اهـ
تنبيه
الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 94_95):
"الَّذِي
يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، فَهُوَ مِفْتَاحٌ لِلْخَيْرِ
وَمِغْلَاقٌ___لِلشَّرِّ، وَهُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ _تَعَالَى_:
{وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]
فَأَمَّا
الَّذِي يَأْمُرُ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَى عَنِ الْمَعْرُوفِ فَهُوَ مِنْ
عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{الْمُنَافِقُونَ
وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة: 67]
قَالَ
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ:
أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ،
وَشَنَآنُ الْفَاسِقِ. يَعْنِي بُغْضَهُ.
فَمَنْ
أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ فَقَدْ شَدَّ ظَهْرَ الْمُؤْمِنِ، وَمَنْ نَهَى عَنِ
الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أَنْفَ الْمُنَافِقِ." اهـ
وقال
عبد الرحمن بن ناصر السعدي _ رحمه الله_ في "الفواكه الشهية في الخطب
المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات" (ص: 115):
بهذا
الذي ذكر المصطفى توزن الرجال، وبه يعرف أهل النقص من أهل الكمال، فكونوا رحمكم
الله مفاتيح للخيرات، مغاليق للشرور والآفات، فمن كان منكم مخلصا لله ناصحا لعباد
الله، ساعيا في الخير بحسب إمكانه فذاك مفتاح للخير حائز للسعادة، ومن كان بخلاف
ذلك فهو مغلاق للخير، وقد تحققت له الشقاوة،___
الفواكه
الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات (ص: 116)
من
الناس من إذا اجتمع بهم في مجالسهم حرص على إشغالهم فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم،
ومنهم من يشغلهم بما يضر وما لا يغني، فهذا قد حرمهم الخير وأشقاهم، ومنهم من يسعى
في تقريب القلوب وجمع الكلمة والائتلاف، ومنهم من يسعى في إثارة الفتن والشقاق
والتنافر والخلاف، ومنهم من يجتهد في قلع ما في قلوبهم من البغضاء، ومنهم من يلهب
في قلوبهم الشحناء، ومنهم من يحث على الجود والكرم والسماحة، ومنهم من يدعو إلى
البخل والشح والوقاحة، ومنهم من يتنوع في فعل المعروف في بدنه وقوله وماله، ومنهم
من لا يعرف المعروف ولو قل، فلا تسأل عن سوء حاله، ومنهم من مجالسه مشغولة بالغيبة
والنميمة والوقيعة في الناس، ومنهم من ينزه نفسه عن ذلك وينزه الجلاس، ومنهم من
تذكر رؤيته بالله، ويعين العباد في مقاله وحاله على طاعة الله، ويأمرهم بالقيام
بالحقوق الواجبة والمسنونة، ومنهم المثبط عن الخير وأحواله غير مأمونة، فتبارك
الذي فاوت بين العباد هذا التفاوت العظيم، فهذا كريم على الله وعلى خلقه، وهذا
لئيم، وهذا مبارك على من اتصل به، وهذا داع إلى كل خلق ذميم، وهذا مفتاح للبر
والتقوى وطرق الخيرات، وهذا مغلاق لها ومفتاح للشرور والآفات،
وهذا___مأمون
على النفوس والأعراض والأموال، وهذا خائن لا يوثق به في حال من الأحوال وهذا قد
سلم المسلمون من لسانه ويده وهذا لم يسلم منه أحد وربما سرت أذيته على أهله وولده
أجارني الله وإياكم من منكرات الأعمال والأخلاق والأهواء، وعافانا من كل شر قاصر
ومتعد ومن البلوى، ورزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] بارك الله لي
ولكم في القرآن العظيم." اهـ
مداراة الناس لابن أبي الدنيا (ص: 98)
بَابُ الْحَذَرِ مِنَ النَّاسِ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ
وَالْمُدَارَاةِ لَهُمْ
مكارم الأخلاق للخرائطي (ص: 187)
بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّخَاءِ وَالْكَرَمِ
وَالْبَذْلِ مِنَ الْفَضْلِ
مكارم الأخلاق للطبراني (ص: 341)
"بَابُ فَضْلِ مَعُونَةِ الْمُسْلِمِينَ
وَالسَّعْيِ فِي حَوَائِجِهِمْ." اهـ
مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في
شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 235)
(ومنها): أن بعض الأعمال لا ينقطع ثوابها،
وكذا أوزارها، وهي التي تكون سببًا للاقتداء بفاعلها، فيجب على العاقل أن يكون
مفتاحًا للخير، لا مفتاحًا للشر
الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 164)
تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَهُوَ
مُضَاعَفَةُ تِلْكَ الْآثَامِ، وَذَلِكَ لِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ الْمُضَاعَفَةَ
الْكَثِيرَةَ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا الْحِسَابُ.
فَإِنْ قُلْت: إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي
سَنَّهَا كَبِيرَةً فَعَدُّهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، أَوْ غَيْرَ كَبِيرَةٍ فَعَدُّهَا
مُشْكِلٌ.
قُلْت: بَلْ الْوَجْهُ حَمْلُ عَدِّهَا كَبِيرَةً،
وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا سَنَّ صَغِيرَةً وَلَا إشْكَالَ
فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَاقْتَدَى بِهِ فِيهَا فَحُشَتْ
وَتَضَاعَفَ عِقَابُهَا فَصَارَتْ بِذَلِكَ كَالْكَبِيرَةِ، بَلْ وَأَعْظَمَ
بِكَثِيرٍ إذْ الْكَبِيرَةُ يَنْقَطِعُ إثْمُهَا بِالْفِرَاعِ مِنْهَا وَهَذِهِ
إثْمُهَا مُتَضَاعِفٌ مُسْتَمِرٌّ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُ
جَمْعًا عَدُّوا مِنْ الْكَبَائِرِ الْإِحْدَاثَ بِالدِّينِ وَاسْتَدَلُّوا
بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا» . قَالَ ابْنُ
الْقَيِّمِ: وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَدَثِ نَفْسِهِ، فَكُلَّمَا كَانَ
أَكْبَرَ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ أَعْظَمَ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَمِنْهُ «مَنْ
دَعَا لِضَلَالَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» . انْتَهَى، وَفِي ذَلِكَ
تَصْرِيحٌ بِمَا ذَكَرْته." اهـ
============================
صحيح
الترغيب والترهيب (1/ 136) 3 - كتاب العِلم 1 - (الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وما جاء في فضل
العلماء والمتعلمين). 67 - (1) [صحيح] عن معاوية رضي الله عنه قال : قال
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من يُرِد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين" (1). رواه البخاري ومسلم وابن ماجه. (2) [حسن لغيره] ورواه الطبراني في
"الكبير"، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقول: "يا أيها الناسُ! إنما العلم بالتعلّمِ، والفقهُ بالتفقه، ومن يُرِدِ الله به خيراً يفقهه في الدين، و {إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ". وفي
إسناده راوٍ لم يسم. (3) __________ (1) (الفقه) في الأصل: الفهم، يقال: فَقِه
الرجل بالكسر يفقَه فقهاً إذا فهمٍ وعلم. وفَقُه بالضم يفقه إذا صار فقهياً عالماً.
وقد جعله العرفَ خاصاً بعلم الشريعة، وتخصيصاً بعلم الفروع منها. قاله أبو
السعادات! أقول:
تخصيصه بعلم الفروع لا دليل عليه، فقد روى الدارمي عن عمران المنقَرِيِّ قال:
قلت للحسن يوماً في شيء: ما هكذا قال الفقهاء، قال: ويحك هل رأيت فقيهاً؟ إنما
الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دينه، المداوم على
عبادة ربه.[6] (2) في الأصل هنا ما نصه: "ورواه أبو يعلى وزاد فيه :
"ومن لم يفقهه لم يبالِ به"، ولما
كان إسناده ضعيفاً جداً، فلم أذكره مع "الصحيح" على ما هو مبين في
"المقدمة"، وهو مخرج في "الضعيفة" (6708). (3) له طرق وشواهد تقويه، فانظر "الصحيحة" (342). |
الأعلام للزركلي (7/ 261)
معاوية بن أبي سُفْيَان
(20 ق هـ - 60 هـ = 603 - 680 م)
معاوية بن (أبي سفيان) صخر ابن حرب بن أمية بن عبد
شمس بن عبد مناف، القرشي الأموي: مؤسس الدولة الأموية في الشام، وأحد دهاة العرب
المتميزين الكبار. كان فصيحا حليما وقورا.
ولد بمكة، وأسلم يوم فتحها (سنة 8 هـ وتعلم الكتابة
والحساب، فجعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كتَّابه. ولما ولي (أبو بكر)
ولاه قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان، فكان على مقدمته في فتح مدينة
صيداء وعرقة وجبيل وبيروت. ولما ولي (عمر) جعله واليا على الأردن، ورأى فيه حزما
وعلما فولاه دمشق بعد موت أميرها يزيد (أخيه) وجاء (عثمان) فجمع له الديار الشامية
كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له. وقتل عثمان، فولي (علي بن أبي طالب) فوجه لفوره
بعزل معاوية. وعلم معاوية بالأمر قبل وصول البريد، فنادى بثأر عثمان واتهم عليا
بدمه. ونشبت الحروب الطاحنة بينه وبين علي. وانتهى الأمر بإمامة معاوية في الشام
وإمامة علي في العراق. ثم قتل علي وبويع بعد ابنه الحسن، فسلم الخلافة إلى معاوية
سنة 41 هـ
ودامت لمعاوية الخلافة الى أن بلغ سنَّ الشيخوخة،
فعهد بها إلى___ابنه يزيد ومات في دمشق. له 130
حديثا، اتفق البخاري ومسلم على أربعة منها وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة.
وهو أحد عظماء الفاتحين في الإسلام، بلغت فتوحاته
المحيط الأتلانطيقي، وافتتح عامله بمصر بلاد السودان (سنة 43) . وهو أول مسلم ركب
بحر الروم للغزو. وفي أيامه فتح كثير من جزائر يونان والدردنيل.
وحاصر القسطنطينية برا وبحرا (سنة 48)، وهو أول من
جعل دمشق مقر خلافة، وأول من اتخذ المقاصير (الدور الواسعة المحصنة والمقصورة كذلك
كنّ في المسجد يقصر للخليفة لوقايته)
وأول من
اتخذ الحرس والحجاب في الإسلام. وأول من نصب المحراب
في المسجد. كان يخطب قاعدا، وكان طوالا جسيما أبيض، إذا ضحك انقلبت شفته العليا.
وضربت في أيامه دنانير (عليها صورة أعر أبي متقلد سيفا) .
وكان أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب إذا نظر إليه
يقول: هذا كسرى العرب!. وللشهاب ابن حَجَر الهَيْتَمي كتاب (تطهير الجنان واللسان
عن الخوض والتفوه بثلب معاوية ابن أبي سفيان - ط)
شرح الحديث:
وفي صحيح البخاري (1/ 25) (71):
قَالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ
مُعاويَةَ خَطِيباً يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ:
(مَنْ يُردِ الله بهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي
الدِّينِ وإنَّمَا أَنا قاسِمٌ وَالله يُعْطِي ولَنْ تَزَالَ هَذِه الأُمَّةُ
قائِمَةً عَلَى أمْر الله لاَ يضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفُمْ حَتَّى يأتِي أمْرُ الله)
صحيح البخاري (9/ 101) (رقم: 7312): عن حُمَيْدٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ
خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ،
وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى
تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ: حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ "
سنن ابن ماجه (1/ 80) (رقم: 221): عن مُعَاوِيَةَ
بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
«الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»
الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 35)
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودِ: "إنَّ أَحَدَكُمْ
لَمْ يُولَدْ عَالِمًا وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ."
وَقَالَ أَيْضًا: "اُغْدُ عَالِمًا، أَوْ
مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَغْدُ إمَّعَةً بَيْنَ ذَلِكَ."
وَقَالَ أَيْضًا: "اُغْدُ عَالِمًا أَوْ
مُتَعَلِّمًا، أَوْ مُسْتَمِعًا، وَلَا تَكُنْ الرَّابِعَ، فَتَهْلَكَ."
وَقَالَ حَمَّادُ بْن حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ،
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:
"كُنَّ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ
مُحِبًّا، أَوْ مُتَّبِعًا، وَلَا تَكُنْ الْخَامِسَ، فَتَهْلَكَ."
قَالَ الْحَسَنُ: "هُوَ الْمُبْتَدِعُ."
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ،
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: "الْعَالِمُ
وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ، لَا خَيْرَ
فِيهِمْ."
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
وَائِلٍ عَنْ ابْن مَسْعُودِ: "تَعَلَّمُوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي
مَتَى يَحْتَاجُ إلَيْهِ." اهـ
تخريج الحديث :
الرواية الأولى : أخرجها البخاري في صحيحه (1/ 25)
(رقم : 71)[7]،
ومسلم في صحيحه (2/ 718) (رقم : 1037)، وابن ماجه في سننه (1/ 80) (رقم : 221)،
وغيرهم.
الرواية الثانية : أخرجها الطبراني في المعجم
الكبير (19/ 395) (رقم : 929)، وفي مسند الشاميين (1/ 431) (رقم : 758)، والبيهقي
في المدخل إلى السنن الكبرى (ص: 253) (رقم : 352)
من فوائد الحديث:
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 52)
بَيَان استنبطاط الْأَحْكَام:
* الأول: فِيهِ دلَالَة على حجية الْإِجْمَاع،
لِأَن مفهومة أَن الْحق لَا يعدو الْأمة، وَحَدِيث: لَا تَجْتَمِع أمتِي على
الضَّلَالَة، ضَعِيف.
* الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على امْتنَاع
خلو الْعَصْر عَن الْمُجْتَهد.
* الثَّالِث: فِيهِ فضل الْعلمَاء على سَائِر
النَّاس.
* الرَّابِع: فِيهِ فضل الْفِقْه فِي الدّين على
سَائِر الْعُلُوم، وَإِنَّمَا ثَبت فَضله لِأَنَّهُ يَقُود إِلَى خشيَة الله
تَعَالَى والتزام طَاعَته.
* الْخَامِس: فِيهِ إخْبَاره، عَلَيْهِ الصَّلَاة
السَّلَام، بالمغيبات. وَقد وَقع مَا أخبر بِهِ، وَللَّه الْحَمد، فَلم تزل هَذِه
الطَّائِفَة من زَمَنه وهلم جراً، وَلَا تَزُول حَتَّى يَأْتِي أَمر الله
تَعَالَى." اهـ
إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 570)
وقوله: (من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين)
فيه: فضل العلم والفقه فى الدين، ولأنه يقود إلى
خشية الله _تعالى_ وتقاه،
قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28]،
وهذا يقود إلى الخير فى الآخرة وعظيم الثواب."
اهـ
إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 571)
وقوله: " إنما أنا قاسم، والله يعطى "،
وفى الآخر: " خازن ":
فيه: تفويض الأمور إلى الله تعالى، وكون جميعها
بمشيئته وقدرته والتسريح بأن الإنسان مصرف مسخر بحكمه، لا إله غيره، وأنه - عليه
السلام - لم يستأثر بشىء من الدنيا وإنما تصرفه فيها لمصلحة عباده، وأمر ربه لا
لنفسه ولا لحوله وقوته." اهـ
شرح النووي على مسلم (7/ 128)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ
يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْعِلْمِ
وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَائِدٌ
إِلَى تَقْوَى اللَّهُ تَعَالَى.
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن
الحجاج (19/ 607_608):
"في فوائده:
1 - (منها): بيان شدّة معاوية -رضي الله عنه-
حيث كان يُحذّر الناس من التحديث بالأحاديث التي لا يعتني بحفظها الناس، ولا
يبالون ممن أخذوا؛ لئلا يقعوا في الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
وحثّهم على التحديث بما كان في أيام___عمر -رضي الله عنه-؛ لأن الناس كانوا معتنين
بالحديث في أيامه؛ لأنه كان يخوّفهم بالله، ويشدّد عليهم في العناية بالحديث.
2 - (ومنها): بيان فيه فضيلة العلم، والتفقه
في الدين، والحثّ عليه؛ لأنه قائد إلى تقوى الله تعالى، والتزام طاعته، كما قال عز
وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
3 - (ومنها): بيان أنه -صلى الله عليه وسلم-
خازنٌ لما أوحي إليه من أمر الدين، وكذا لمال الله الذي آتاه له، وإنما المعطي هو
الله تعالى، فتفاوت عطاياه للناس إنما كان بأمر الله عز وجل، لا من عند نفسه -صلى
الله عليه وسلم-.
4 - (ومنها): بيان المال الذي أصابه الإنسان
بالعطاء يكون مباركًا إذا كان عن طيب نفس المعطي.
5 - (ومنها): بيان أن ما حصل للإنسان من
المال عن مسألته، وشرهه، فلا يبارك له فيه، بل كان كالذي يأكل ولا يَشْبَع، والله
تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا وتعم الوكيل." اهـ
المنتقى شرح الموطإ (7/ 208)
الْفِقْهَ فِي الدِّينِ يَقْتَضِي إرَادَةَ اللَّهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْخَيْرَ لِعَبِيدِهِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ
الْخَيْرَ فَقَّهَهُ فِي دِينِهِ وَالْخَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دُخُولُ
الْجَنَّةِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ النَّارِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ
زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] .
شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 154)
فيه فضل العلماء على سائر الناس. وفيه فضل الفقه فى
الدين على سائر العلوم، وإنما ثبت فضله، لأنه يقود إلى خشية الله، والتزام طاعته،
وتجنب معاصيه، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]،
وقال ابن عمر _للذى قال له: "فقيه"_:
"إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا، الراغب فى
الآخرة. ولمعرفة العلماء بما وعد الله به الطائعين، وأوعد العاصين، ولعظيم نعم
الله على عباده اشتدت خشيتهم."
وقال الزيداني _رحمه الله_ في "المفاتيح في
شرح المصابيح" (1/ 300):
"وخير الدنيا والآخرة في العلم بأحكام
الدين."
صحيح ابن حبان - مخرجا (1/ 291)
ذِكْرُ إِرَادَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا خَيْرَ
الدَّارَيْنِ بِمَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ
صحيح ابن حبان - مخرجا (2/ 8)
"ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ
عَلَى الْمَرْءِ مِنْ تَعَوُّدِ نَفْسِهِ أَعْمَالَ الْخَيْرِ فِي أَسْبَابِهِ."
وقال الحافظ ابن حجر _رحمه الله_ (1/ 161):
"لَيْسَ الْعِلْمُ الْمُعْتَبَرُ إِلَّا
الْمَأْخُوذَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَوَرَثَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّعَلُّمِ."
اهـ
وقال بدر الدين العيني _رحمه الله_ في "عمدة
القاري شرح صحيح البخاري" (2/ 42):
"لَيْسَ الْعلم المعتد إلاَّ
الْمَأْخُوذ عَن الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، على سَبِيل
التَّعَلُّم والتعليم،
فيفهم مِنْهُ:
أَن الْعلم لَا يُطلق إلاَّ على علم الشَّرِيعَة، وَلِهَذَا لَو أوصى رجل
للْعُلَمَاء لَا ينْصَرف إلاَّ على أَصْحَاب الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه."
اهـ
تطريز رياض الصالحين (ص: 754)
في هذا الحديث: بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر
الناس، ولفضل التفقَّه في الدين على سائر العلم.
قال الحافظ: ومفهوم الحديث: أنَّ من لم يتفقّه في
الدين، أي: يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع، فقد حُرِمَ الخير.
عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح
متونها (ص: 42_44):
- قال الحافظ في الفتح: ومفهوم الحديث أن من
لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير،
وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية رضي الله عنه من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: ومن لم
يتفقه في الدين لم يبال الله به. والمعنى صحيح لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون
فقيها ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير انتهى.
4- الحديث دال على ما دلت عليه الآيات
الكثيرة والأحاديث المستفيضة من وصف الله بالإرادة، ومعلوم أن مذهب أهل السنة
والجماعة في باب أسماء الله وصفاته تنزيهه عما نزه عنه نفسه وإثبات جميع ما أثبته
لنفسه في كتابه وعلى لسمان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه
اللائق بجلال الله بدون تكييف ولا تمثيل وبدون تأويل أو تعطيل كما قال سبحانه
وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فأثبت لنفسه
السمع والبصر بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ونفي مشابهة غيره له بقوله:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ___شَيْءٌ} وصفات الله تعالى كلها يقال في بعضها ما يقال في
البعض الآخر دون فرق بين صفة وصفة فكل ما ثبت في الكتاب والسنة من العلم والإرادة
والسمع والبصر والكلام والقدرة واليدين والوجه والغضب والرضا والاستواء على العرش
وغزير ذلك يجب إثباته له واعتقاده على النهج الواضح الذي بينه الله بقوله: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات
فكذا صفاته الثابتة بالكتاب والسنة تثبت على الوجه اللائق بالله دون أن يكون فيها
مشابها لخلقه، فإنه يقال في الصفات ما قيل في الذات سواء بسواء، كما أنه يقال في
بعض الصفات ما قيل في البعض الآخر سواء بسواء.
وإرادة الله تعالى عند أهل السنة نوعان دل عليهما
كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إحداهما بمعنى المشيئة الكونية القدرية.
والثانية الإرادة الدينية الشرعية، والفرق بينهما أن الكونية القدرية شاملة لكل
شيء لا فرق فيها بين ما يحبه الله وما يبغضه ولابد من وقوع ما تقتضيه وأما الدينية
الشرعية فهي خاصة فيما يحبه الله ويرضاه ولا يلزم وقوع ذلك، فالله تعالى أراد من
الإنس والجن شرعا ودينا أن يعبدوه وحده وذلك محبوب إليه ولذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل
وأراد كونا وقدرا في بعض عباده الخير فاجتمع لهم الأمران الكوني والشرعي، وأراد في
البعض الآخر غير ذلك فوقعت في حقه الكونية دون الدينية الشرعية فالذي أراده كونا
وقدراً: أن يكون الناس فريقين فريقا في الجنة وفريقاً في السعير، ولابد من وقوع
ذلك، ولو شاء غير ذلك لوقع، كما قال الله تعالى {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ
الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} . وقال {وَلَوْ شِئْنَا
لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أما بيان الحق والدعوة إليه
فهو حاصل للكل، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً
وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى
دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فحذف مفعول الفعل
(يدعو) إشارة إلى العموم فيه والشمول، وأظهر مفعول الفعل (يهدى) . المفيد الخصوص،
فالدعوة إلى الحق عامة للجميع والهداية خاصة فيمن وفقه الله.____
وما قدره الله وقضاه لابد من وقوعه كما تقدم بيانه
ونحن لا نعلم ذلك إلا بواحد من أمرين أحدهما وقوع الشيء، فكل ما وقع علمنا أن الله
قد شاءه لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي حركة تجرى فهي بمشيئة الله،
والثاني حصول الأخبار بالشيء الغائب عنا من الذي لا ينطق عن الهوى عظيم سواء كان
ماضيا أو مستقبلا فإذا أخبر عن شيء ماض علمنا قطعا بأنه كان ووقع كما اخبر، وإذا أخبر
عن شيء مستقبل علمنا قطعا بأنه لابد وأن يقع لأن الله قد شاءه، فالأخبار الماضية
كأخبار بدء الخلق مثلا، والمستقبلة كأخبار آخر الزمان ونهاية الدنيا وغير ذلك.
وليس معنى المشيئة الشاملة والإرادة القدرية أن
الإنسان مسلوب الإرادة مجبور على أفعاله لا مشيئة له ولا اختيار بل له مشيئة تابعة
لمشيئة الله كما قال تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ} ولهذا ندرك الفرق بين الحركات الاضطرارية كحركة المرتعش والحركات
الاختيارية من العقلاء كالبيع والشراء وحصول الإحسان من البعض والإساءة من البعض
الآخر، فالاضطرارية لا دخل للعبد فيها، والاختيارية تجرى بمشيئة العبد وإرادته
التابعة لمشيئة الله وإرادته.
ومن أمثلة الإرادة الدينية في القرآن قوله تعالى
{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله
{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ومن أمثلة الكونية القدرية قوله
تعالى {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ
اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا
يُرِيدُ} من السنة قوله-صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه:
" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"..
============================
صحيح
الترغيب والترهيب (1/ 137) 68 - (2) [صحيح لغيره] وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فَضْلُ العلمِ خيرٌ من فضلِ العبادة، وخيرُ دينِكم
الوَرَعُ". رواه
الطبراني في "الأوسط" والبزار بإسناد حسن.[8] |
ترجمة حذيفة بن اليمان :
الأعلام للزركلي (2/ 171_172):
"حُذَيْفَة بن اليمَان (000 - 36 هـ =
000 - 656 م)
حذيفة بن حِسل بن جابر العبسيّ، أبو عبد الله،
واليمان لقب حسل: صحابي، من الولاة الشجعان الفاتحين. كان صاحب سر النبي صلّى الله
عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره.
ولما ولي عمر سأله: أفي عمالي أحد من المنافقين؟
فقال: نعم، واحد. قال: من هو؟ قال: لاأذكره. وحدث حذيفة بهذا الحديث بعد حين فقال:
وقد عزله عمر كأنما دُل عليه.
وكان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة، فان حضر
الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإلا لم يصلّ عليه. وولاه عمر على المدائن (بفارس)
وكانت عادته إذا استعمل عاملا كتب في عهده (وقد بعثت فلانا وأمرته بكذا) فلما
استعمل حذيفة كتب في عهده (اسمعوا له وأطيعوه، وأعطوه ما سألكم)
فلما قدم المدائن استقبله الدهاقين، فقرأ عهده.
فقالوا: سلنا ما شئت، فطلب ما يكفيه من القوت. وأقام بينهم فأصلح بلادهم. وهاجم
نهاوند (سنة 22 هـ فصالحه صاحبها على مال يؤديه في كل سنة. وغزا الدينور، وماه
سندان، فافتتحهما عنوة (وكان سعد بن____أبي وقاص قد فتحهما ونقضتا العهد) ثم غزا
همذان والري، فافتتحهما عنوة. واستقدمه عمر إلى المدينة، فلما قرب وصوله اعترضه
عمر في ظاهرها، فرآه على الحال التي خرج بها، فعانقه وسرَّ بعفته. ثم أعاده إلى
المدائن، فتوفي فيها. له في كتب الحديث 225 حديثا." اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه البزار في مسنده = البحر الزخار (7/ 371)
(رقم : 2969)، والترمذي في "العلل الكبير" (ص: 341) (رقم: 633) والطبراني
في "المعجم الأوسط" (4/ 196) (رقم : 3960)، والحاكم في "المستدرك
على الصحيحين" (1/ 171) (رقم : 317)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء
وطبقات الأصفياء" (2/ 211)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى"
(ص: 303) (رقم : 455).
صحيح:
صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 625) (رقم: 3308)، وسيأتي الحديث
في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 325) (رقم : 1740)
شرح الحديث:
وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (7/ 232) (رقم: 35600)
بإسناد حسن : عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: "لَفَضْلُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَمَلَاكُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ." اهـ
من فوائد الحديث :
وفي الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 41_42) لابن
مفلح:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ:
(حَظٌّ مَنْ عِلْمٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ حَظِّ
عِبَادَةٍ)، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ سَاعَةً
أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةٍ، وَرُوِيَ مَنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عُتْبَةُ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:
(أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ لَئنْ
أَجْلِسَ مَجْلِسَ فِقْهٍ سَاعَةً أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صِيَامِ يَوْمٍ وَقِيَامِ
لَيْلَةٍ).
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ:
(سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ مَسْعُودٍ أَيُّ الْأَعْمَالِ
أَفْضَلُ قَالَ: الْعِلْمُ، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ
الْعِلْمَ، ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ إنَّ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ يَنْفَعُكَ
قَلِيلُ الْعِلْمِ وَكَثِيرُهُ، وَمَعَ الْجَهْلِ بِاَللَّهِ لَا يَنْفَعُكَ
قَلِيلُ الْعِلْمِ وَلَا كَثِيرُهُ).
وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: (مُذَاكَرَةُ
الْحَدِيثِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ).
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
الزُّهْرِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بِمِثْلِ الْفِقْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ
الْبَيْهَقِيُّ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ فِي
تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ: قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ حَدَّثَنِي عَمْرو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ أَبَا
عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى:
(لَمَقْعَدٌ كُنْتُ أَقْعُدُهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ
أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ فِي نَفْسِي).
وَكَانَ يَحْيَى يَقُولُ فِيهِ سَمِعْتُ أَبَا
مُوسَى فَلَمْ يَقُلْهُ لَنَا يَعْلَى عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى.
وَهَذَا إنَّمَا قَالَهُ لِمَا يَحْصُلُ
لَهُ مِنْ عِلْمِهِ وَهَدْيِهِ وَسَمْتِهِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
(الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنْ____الْعَمَلِ لِمَنْ
جَهِلَ، وَالْعَمَلُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ لِمَنْ عَلِمَ). وَقَالَ حَرْبٌ
سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ:
(النَّاسُ مُحْتَاجُونَ إلَى الْعِلْمِ قَبْلَ
الْخُبْزِ وَالْمَاءِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ فِي كُلّ
سَاعَةٍ، وَالْخُبْزُ وَالْمَاءُ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ).
وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ:
قِيلَ لَهُ يَطْلُبُ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ
انْتَفَعَ بِهِ؟
قَالَ: (الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ)
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيُّ: (لَيْسَ
قَوْمٌ عِنْدِي خَيْرًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، لَيْسَ يَعْرِفُونَ إلَّا الْحَدِيثَ).
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: (أَهْلُ
الْحَدِيثِ أَفْضَلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ).
وَقَالَ أَبُو إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ
أَحْمَدَ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَّ رَجُلًا
قَالَ إنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ قَوْمُ سُوءٍ، فَقَالَ: (هَذَا زِنْدِيقٌ!).
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: (أَكْثِرُوا مِنْ الْحَدِيثِ
فَإِنَّهُ سِلَاحٌ).
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: (إنِّي لَأَسْمَعُ
الْحَدِيثَ مَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَ بِهِ، وَلَا أَعْمَلَ بِهِ، وَلَكِنْ
لِأُعِدَّهُ لِأَخٍ مِنْ إخْوَانِي، يَقَعُ فِي الشَّيْءِ، فَأَجِدُ لَهُ
مَخْرَجًا).
وَقِيلَ لِأَحْمَدَ:
(إلَى مَتَى يَكْتُبُ الرَّجُلُ؟ قَالَ: حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ: نَحْنُ إلَى
السَّاعَةِ نَتَعَلَّمُ).
وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيدٍ
وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ «لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَبَرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى
يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةَ»[9].
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ
عُمَرَ قَالَ:
(تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودُوا). وَذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ الْعُزْلَةِ:
(يُرِيدُ مَنْ لَمْ يَخْدِمْ الْعِلْمَ فِي
صِغَرِهِ يَسْتَحِي أَنْ يَخْدِمَهُ بَعْدَ كِبَرِ السِّنِّ وَإِدْرَاكِ
السُّؤْدُدِ)."
بستان العارفين للسمرقندي (ص: 304)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
(تذاكر العلم ساعة من الليلة أحب إلى الله من
إحيائها).
وعن عوف بن عبد الله قال: جاء رجل إلى أبي ذر
الغفاري فقال:
(إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه ولا أعمل
به، فقال: إنك إن تتوسد بالعلم خير لك من أن تتوسد بالجهل)،
ثم ذهب إلى أبي الدرداء فسأله فقال أبو الدرداء: (إن
الناس يبعثون من قبورهم على ما ماتوا عليه: العالم عالماً والجاهل جاهلاً)،
ثم ذهب إلى أبي هريرة، فسأله عن ذلك، فقال له أبو
هريرة: (كفى بتركه ضياعاً).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال:
(الناس رجلان: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة،
وسائرهم همج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، والعلماء باقون ما بقي الدهرُ،
وأعيانهم مفقودةُ، وأمثالُهُمْ في القلوب موجودة، ولأن منفعة العمل لنفسه خاصة،
ومنفعة العلم ترجع إلى نفسه وإلى الناس عامة، فصار هذا أفضل، لأن النبي صلى الله
عليه وسلم قال:
((خير الناس من ينفع الناس))
وروي ((أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي الأعمال أفضل؟ فقال: العلم، فسأله ثانياً وثالثاً فأجابه مثل جوابه الأول،
فقال: يا رسول الله عليك السلام إني أسالك عن العمل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هل
يقبل الله الأعمال إلا بالعلم))
وروي ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن
أفضل ما يتصدق به العبد أن يتعلم العلم ثم يعلمه غيره)) والأخبار في هذا كثيرة.
قلت: حديث ((خير الناس من
ينفع الناس))، ما وقفت عليه في كتب الأحاديث، إلا ما أخرجه الطبراني في
"المعجم الأوسط" (6/ 58) (رقم: 5787) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ بَهْرَامَ قَالَ: نا عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ
يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ،
وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»
وأخرجه مسند الشهاب القضاعي (1/ 108) (رقم: 129)[10]
وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين (ص: 105) (رقم: 99)، شعب الإيمان (10/ 115)
(رقم: 7252)
وحسنه بشواهده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة
وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 787) (رقم: 426).
التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 530)
(خير دينكُمْ الْوَرع) لَان صَاحبه دَائِم
المراقبة للحق مستديم الحذر أَن يمزج بَاطِلا بِحَق
التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 14)
(خير دينكم الورع) لأن الورع دائم المراقبة
لمولاه فلا يغفل عما أمره به ولا يأتي ما نهاه عنه.
فيض القدير (3/ 487)
(خير دينكم الورع) لأن الورع دائم المراقبة
للحق مستديم الحذر أن يمزج باطلا بحق كما قال الحبر كان عمر كالطير الحذر
والمراقبة توزن بالمشاهدة ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر
التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 170)
نفل الْعلم أفضل من نفل الْعَمَل كَمَا أَن فرض
الْعلم أفضل من فرض الْعَمَل (وَخير دينكُمْ الْوَرع) لِأَن الدّين الْخضوْغ،
فَخير مَا خضع العَبْد لله
فيض القدير (4/ 434)
نفل العلم أفضل من نفل العمل كما أن فرض العلم أفضل
من فرض العمل وفضل العلم ما زاد على المفترض وقال السهروردي: الإشارة بهذا العلم
ليس إلى علم البيع والشراء والطلاق والعتاق بل إلى العلم بالله وقوة اليقين وقد
يكون العبد عالما بالله وليس عنده علم من فروض الكفايات وقد كانت الصحابة رضي الله
تعالى عنهم أعلم من علماء التابعين رحمهم الله بحقائق اليقين ودقائق المعرفة وفي
علماء التابعين من هو أقوم بعلم الفتوى من بعض الصحابة لأن فضل العلم يحكم العبادة
ويصححها ويخلصها ويصفيها قال حجة الإسلام: العلم أشرف جوهرا من العبادة مع العمل
به وإلا كان علمه هباء منثورا إذ العلم بمنزلة الشجرة والعبادة بمنزلة الثمر
فالشرف للشجرة لكونها الأصل لكن الانتفاع بثمرتها فلا بد للعبد من أن يكون له من
كلا الأمرين حظ ونصيب ولهذا قال الحسن: اطلبوا العلم طلبا لا يضر العبادة واطلبوا
العبادة طلبا لا يضر بالعلم
التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 492)
وذلك لأن أجر العلم أكمل من أجرها.
[1] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3260) للقاري :
"(خَزَائِنُ) أَيْ: أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مَخْزُونَةٌ مَكْنُونَةٌ مَرْكُوزَةٌ
مَوْضُوعَةٌ فِيمَا بَيْنَ عِبَادِهِ." اهـ
[2] قيل أنه ولد سنة 6 قبل الهجرة، فمن هنا نعلم أن حادثة اللعان وقعت
سنة 9 من الهجرة." هـ
قال
القرطبي _رحمه الله_ في تفسير القرطبي (12/ 184): "وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
هَذَا الزَّانِيَ هُوَ شَرِيكُ ابن عَبْدَةَ وَأُمُّهُ السَّحْمَاءُ، وَكَانَ
عُوَيْمِرٌ وَخَوْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَشَرِيكٌ بَنِي عَمِّ عَاصِمٍ، وَكَانَتْ
هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، مُنْصَرَفَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك إلى المدينة."
اهـ
[3] وفي الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 167) : "قال الزّهريّ: مات
النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو آخر من مات بالمدينة من
الصّحابة، مات سنة إحدى وتسعين. وقيل قبل ذلك." اهـ
[4] ثم وقفت عليه بعد بحث شديد
_ولله الحمد والمنة_ في "نوادر الأصول في أحاديث الرسول" (1/ 420)
للحكيم:
"فالخير مرضاة الله وَالشَّر مسخطه وَإِذا رَضِي الله عَن عبد
كَانَ عَلامَة رِضَاهُ عَنهُ أَن يَجعله مفتاحا للخير، فَإِن رُؤِيَ ذكر الْخَيْر
بِرُؤْيَتِهِ، وَإِن حضر، حضر مَعَه الْخَيْر، وَإِن ذكر ذكر الْخَيْر مَعَه،
وَإِن نطق نطق بِخَير وَعَلِيهِ من الله تَعَالَى سماتٌ ظَاهِرَةٌ تذكر بِالْخَيرِ
من لقِيه يتقلب فِي الْخَيْر بِعَمَل الْخَيْر، وينطق بِالْخَيرِ، ويفكر فِي
الْخَيْر، ويضمر على الْخَيْر،
وَهُوَ
مِفْتَاح الْخَيْر حَيْثُ مَا حضر وَسَبَبُ الْخَيْر لكل من خالطه أَو عاشره أَو
صَحبه وَالْآخر يتقلب فِي الشَّرّ يعْمل بِالشَّرِّ وينطق بِالشَّرِّ ويفكر
بِالشَّرِّ ويضمر على شَرّ فَهُوَ مِفْتَاح الشَّرّ حَيْثُمَا حضر وَسبب الشَّرّ
لكل من___خالطه أَو صَحبه فصحبة الأول دَوَاء لَا ترجع مِنْهُ إِلَّا بِزِيَادَة
وصحبة الثَّانِي دَاء لَا ترجع مِنْهُ إِلَّا بِنُقْصَان." اهـ
[5] قال ابن الأثير _رحمه الله_ في "اللباب
في تهذيب الأنساب" (1/ 509): "الدَّمِيرِيّ (بِفَتْح الدَّال وَكسر
الْمِيم وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَفِي آخرهَا رَاء): هَذِه
النِّسْبَة إِلَى دَمِيْرَةَ وَهِي قَرْيَة بِمصْر ينْسب إِلَيْهَا أَبُو أَيُّوب
عبد الْوَهَّاب بن خلف بن عمر بن يزِيد بن خلف الدَّمِيرِيّ الْمَعْرُوف بالخف
توفّي بدميرة بعد سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ
[6] أخرجه الدارمي في سننه (1/ 337) (رقم : 302)، وأحمد بن حنبل في
الزهد (ص: 216) (رقم : 1513)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 186) (رقم : 35188)،
والطبراني في المعجم الأوسط (2/ 316) (رقم : 2085)، وأبو نعيم في حلية الأولياء
وطبقات الأصفياء (2/ 147)، وابن أبي الدنيا في الزهد (ص: 68) (رقم : 123)
[7] وفي صحيح البخاري (4/ 85) (رقم : 3116) و (9/ 101) (رقم : 7312)
[8] وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 284) (رقم : 26115) :
عَنْ
عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ، وَمِلَاكُ
دِينِكُمُ الْوَرَعُ»
[9] ضعيف:
أخرجه الترمذي ت شاكر (5/ 50) (رقم: 2686)، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب
والترهيب" (1/ 514) (رقم: 1035) من أجل رواية دَرَّاجٍ،
عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ. ودراج هذا، قال عنه الحافظ في "تقريب التهذيب"
(ص: 201) (رقم: 1824): "صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعفٌ." اهـ
[10] أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (2/ 223) (رقم: 1234) مختصرا على الشطر الثاني منه.
Komentar
Posting Komentar