شرح الحديث 45 من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي
[45] وعن أبي هريرةَ[1]
- رضي الله عنه - أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ
الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ[2]،
إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» [3].
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«وَالصُّرَعَةُ» :
بضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وأَصْلُهُ عِنْدَ العَرَبِ: مَنْ يَصْرَعُ
النَّاسَ كَثيراً.[4]
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه
(8/ 28) (رقم : 6114)، ومسلم في صحيحه (4/ 2014) (رقم : 2609)، ومالك في الموطأ، ت
عبد الباقي (2/ 906) (رقم : 12)، وأحمد في مسنده (12/ 153) (رقم : 7219)، وغيرهم.
من فوائد
الحديث :
الإفصاح عن معاني
الصحاح (6/ 89_90) لابن هبيرة :
"* وفي هذا
الحديث من الفقه نفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشدة عن قوة أعضاء الإنسان
وإثباتها في عقله الذي يصرع هواه عند الغضب.
والذي أرى أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الغضب من أجل أن النفس إذا غضبت فإنما يكون ذلك
منها لأذى اتصل بها فيفور إلى الانتقام، ولا يكون ذلك في____الأكثر إلا على مقدور
عليه،
فذكر رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - هذا العارض منبهًا لها أنه إن كان عن خوف أو عن طمع أو عن هوى
كان في كل ذلك مكابدًا بها منها مالا يلحق درجة الغضب لأنها لا تغضب إلا في مقام
تظل فيه متسلطة،
والمؤمن يذكرها عن
استشاطتها بالغضب ما في عاقبة الكظم واطلاع الله _عز وجل_ عليه مع كونه قد أتى من
مساخط الله _تعالى_ أضعاف ما إليه أتاه المسخوط عليه، فأمهل _سبحانه_ وسامح فليمثل
في نفسه عفوًا لعفو وانتقامًا بانتقام." اهـ
إكمال المعلم بفوائد
مسلم (8/ 84) للقاضي عياض :
"قيل : وفى هذا
فضل كظم الغيظ وأن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبى - عليه السلام -
جعل غلبته لنفسه أشد من غلبته لمناوئه،
قال تعالى :
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}،
قيل فيه : جهاد النفس"
اهـ
شرح صحيح البخارى
لابن بطال (9/ 296) :
"فدل هذا أن
مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبى _عليه السلام_ جعل للذى يمكل نفسه
عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذى يغلب الناس ويصرعهم.
ومن هذا الحديث قال
الحسن البصرى حين سئل : "أيُّ الجهادِ أفضلُ؟" فقال : "جهادُك نفسك
وهواك." اهـ
الاستذكار (8/ 287)
لابن عبد البر :
"وَفِيهِ : دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ فِي صَرْفِهَا عَنْ هَوَاهَا أَشَدُّ
مُحَاوَلَةً وَأَصْعَبُ مَرَامًا وَأَفْضَلُ مِنْ مُجَاهَدَةِ الْعَدُوِّ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
جَعَلَ لِلَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ
مَا لَيْسَ لِلَّذِي يَغْلِبُ النَّاسَ وَيَصْرَعُهُمْ." اهـ[5]
التمهيد لما في
الموطأ من المعاني والأسانيد (6/ 322) لابن عبد البر :
"وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ : فَضْلُ الْحِلْمِ،
وَفِيهِ : دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْحِلْمَ كِتْمَانُ الْغَيْظِ وَأَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ مَلَكَ
نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ[6]
لِأَنَّ الْعَقْلَ فِي اللُّغَةِ ضَبْطُ الشَّيْءِ وَحَبْسُهُ مِنْهُ قِيلَ:
عِقَالُ النَّاقَةِ وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ مِلْكُ النَّفْسِ وَصَرْفُهَا عَنْ
شَهَوَاتِهَا الْمُرْدِيَةِ لَهَا وَحَبْسُهَا عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ،
وَقَدْ جَعَلَ
رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لِلَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ
وَيَغْلِبُهَا مِنَ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِلَّذِي يغلب غيره." اهـ[7]
التمهيد لما في
الموطأ من المعاني والأسانيد (6/ 323) :
"وَفِي هَذَا : دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ أصعب مراما وأفضل من مجاهدة عَلَى أَنَّ
مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ أَصْعَبُ مَرَامًا وَأَفْضَلُ مِنْ مُجَاهَدَةِ الْعَدُوِّ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ[8]
كشف المشكل من حديث
الصحيحين (3/ 336) لابن الجوزي :
"فَأخْبر صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَيْسَ الْعجب فِي قُوَّة الْبدن، إِنَّمَا الْعجب فِي
قُوَّة النَّفس، فَاعْتبر قُوَّة الْمَعْنى دون الصُّورَة." اهـ
تطريز رياض الصالحين
(ص: 49) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك النجدي :
"في هذا الحديث:
مَدْح من يملك نفسه عند الغضب. قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران (134) ] .
والغضب: جماع الشر،
والتحرز منه جماع الخير، وقال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني. قال: «لا
تغضب» ، فردَّد مرارًا. قال: «لا تغضب» .
وقال عمر بن عبد
العزيز: "قد أَفْلح مَنْ عُصِم من الهوى، والغضب، والطمع." اهـ
البدر التمام شرح
بلوغ المرام (10/ 262) للمغربي :
"والحديث فيه : دلالة
على أنه يجب على من أغضبه امرؤ وأرادت النفس المبادرة إلى الانتقام ممن أغضبه أن
يجاهد نفسه ويمنعها عما طلبت."
غذاء الألباب في شرح
منظومة الآداب (2/ 457_458) للسفاريني :
"قَالَ
الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ : مُخَالَفَةُ الْهَوَى تُورِثُ الْعَبْدَ قُوَّةً
فِي بَدَنِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْغَالِبُ
لِهَوَاهُ أَشَدُّ مِنْ الَّذِي يَفْتَحُ الْمَدِينَةَ وَحْدَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ
الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَكُلَّمَا تَمَرَّنَ عَلَى
مُخَالَفَةِ هَوَاهُ اكْتَسَبَ قُوَّةً عَلَى قُوَّتِهِ، وَبِمُخَالَفَتِهِ
لِهَوَاهُ تَعْظُمُ حُرْمَتُهُ وَتَغْزُرُ مُرُوءَتُهُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ خَالُ
الْمُؤْمِنِينَ: الْمُرُوءَةُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ وَعِصْيَانُ الْهَوَى.
وَقَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ: إذَا أَشْكَلَ عَلَيْك أَمْرٌ أَنْ لَا تَدْرِيَ أَيَّهمَا أَرْشَدُ، فَخَالِفْ
أَقْرَبَهُمَا مِنْ هَوَاك، فَإِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْخَطَأُ فِي
مُتَابَعَةِ الْهَوَى. وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ
عَنْهُ: الْبَلَاءُ كُلُّهُ فِي هَوَاك. وَالشِّفَاءُ كُلُّهُ فِي مُخَالَفَتِك
إيَّاهُ. .
وَقَدْ قِيلَ
لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَيُّ
الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جِهَادُك هَوَاك.
قَالَ الْإِمَامُ
الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَسَمِعْت شَيْخَنَا يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ
ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: جِهَادُ النَّفْسِ وَالْهَوَى
أَصْلُ جِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى
جِهَادِهِمْ حَتَّى يُجَاهِدَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ أَوَّلًا حَتَّى يَخْرُجَ إلَيْهِمْ،
فَمَنْ قَهَرَ هَوَاهُ عَزَّ وَسَادَ، وَمَنْ قَهَرَهُ هَوَاهُ ذَلَّ وَهَانَ
وَهَلَكَ وَبَادَ." اهـ
توضيح الأحكام من
بلوغ المرام (7/ 394_395) للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام :
"* ما يؤخذ من
الحديث:
1 - الحديث يدل على
أنَّ القوَّة الحقيقية ليست هي قوَّة العضلات، والقوَّة البدنية، وإنَّما القوَّة
الحقيقية هي القوَّة المعنوية؛ فليس الشديد القوي هو الَّذي يصرع دائمًا غيره من
الأشداء.
وإنَّمَا الشديد هو
الَّذي جاهد نفسه، وقهرها حينمَا يشتد به الغضب؛ فيملك زمامها، فلا يقدِّم على فعل
محرَّم، من اعتداء، ويمسك لسانه، فلا يتفوه بكلامٍ محرَّمٍ، من شتمٍ، أو لعنٍ، أو
قذْفٍ، أو غير ذلك.
2 - الغضب غريزةٌ في
الإنسان، فإذا جاء ما يبعثها، تحرَّكت نفسه من داخلها إلى خارج الجسد؛ لإرادة
الانتقام؛ فالقوي الشديد هو الَّذي يجاهد هذه الحركة، ويقوى عليها، فيصدها عمَّا تريده
من الانتقام.
3 - أمَّا ما جاء من
الحديث الَّذي رواه البخاري (6116) من حديث أبي هريرة :___"أنَّ رجلًا قال
للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أوصني، فقال: لا تغضب" فالمراد أمران:
الأوَّل: يوصيه بأنْ
يعمل الأسباب التي توجب له حسن الخلق، من الحلم، والأناة، والحياء، والاحتمال، وكف
الأذى، والصفح، والعفو، وكظم الغيظ، ونحو ذلك؛ فإنَّ النَّفس إذا تخلَّقت بهذه
الأخلاق، وصارت لها عادة، أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.
الثاني: أنَّه يوصيه
أنْ: لا تعملْ بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه، والعمل بما
يأمرك به، فإنَّ الغضب إذا ملك من بني آدم، كان هو الآمر النَّاهي له؛ ولهذا قال
تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154].
4 - فضيلة الحلم: قال
تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134].
وقال: {وَإِذَا مَا
غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} [الشورى].
وأخرج أبو داود
(4777) والترمذي (2021) وحسَّنه، من حديث معاذ بن أنس الجهني، عن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: "من كظم غيظًا هو قادر على أنْ ينفذه، دعاه الله على رؤوس
الخلائق، ويخيره من أي الحور شاء".
والآثار والحِكَم
المنقولة عن العلماء والحكماء في هذا الباب كثيرةٌ جدًّا." اهـ
شرح رياض الصالحين
(1/ 272) للعثيمين :
"ففي هذا الحديث
الحث على أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، وأن لا يسترسل فيه، لأنه يندم بعده،
كثيرا ما يغضب الإنسان فيطلق امرأته، وربما تكون هذه الطلقة آخر تطليقة!
كثيرا ما يغضب
الإنسان فيتلف ماله، إما بالحرق أو بالتكسير. كثيرا ما يغضب على ابنه حتى يضربه،
وربما مات بضربه. وكذلك يغضب على زوجته مثلا فيضربها ضربا مبرحا، وما أشبه ذلك من
الأشياء الكثيرة التي تحدث للإنسان عند الغضب؛ ولهذا نهي النبي صلي الله عليه وسلم
أن يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان لأن الغضب يمنع القاضي من تصور المسألة، ثم من
تطبيق الحكم الشرعي عليها، فيهلك ويحكم بين الناس بغير الحق." اهـ
منار القاري شرح
مختصر صحيح البخاري (5/ 253)
فقه الحديث: دل هذا
الحديث على ما يأتي:
أولاً: أن
من أعظم الأدلة على قوة الشخصية الحلم، وضبط النفس عند الغضب، لقوله - صلى الله
عليه وسلم -: " إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " لأن الغضب ثورة
نفسية عارمة، فالتصدي لمقاومتها في عنفوانها ليس بالأمر السهل، ولا يستطع ذلك
إلَّا من____قويت إرادته، وكمل إيمانه ودينه وأصبح له السلطان القاهر على جميع
انفعالاته النفسية.
ثانياً :
دل الحديث على أن الغضب وإن كان غريزة نفسية جبارة، إلَّا أنه يمكن مقاومته بعد
وقوعه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
" ويمكن مقاومة الغضب قبل وقوعه ووقاية النفس منه باجتناب الأسباب المثيرة
للغضب، كالخصام والجدال، والمزاح، والسخرية، والاستهزاء، إلى غير ذلك. والدليل على
ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي الدرداء: " لا تغضب " ثلاث مرات
أي تجنب دواعي الغضب، والأسباب التي تؤدّي إليه لئلا تقع فيه ولهذا قال العلماء:
للغضب دواءان:
(أ) دواء وقائي: قبل
وقوعه: وهو تجنب أسبابه والابتعاد عن المواقف المؤدّية إليه. كمجالسة السفهاء،
ومخالطة الأشرار، وتناول المشروبات المهيجة للأعصاب، وأن يكثر من الاستغفار،
وقَول: لا حول ولا قوة إلا بالله بصدق وإخلاص، فإن فيها شفاءً من أدواء كثيرة.
(ب) ودواء علاجي بعد
وقوعه: وهو مقاومة النفس عن الاستسلام والانقياد له، وكفها عن الظلم والعدوان، ثم
هناك وسائل أخرى للتخفيف من حدة الغضب، أو القضاء عليه نهائياً، كالاستعاذة بالله
من الشيطان، والغسل، والوضوء، وتغيير الحالة التي يكون عليها الإِنسان، فإن غضب
وهو قائم جلس، أو اضطجع.
ثالثاً:
أن مقاومة الغضب وامتلاك النفس عند وقوعه من أفضل الأعمال الصالحة التي يثاب
عليها، ولولا ذلك لما أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها كل هذا الثناء، وفي
الحديث عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رأس الخلائق
حتى يخيره في أي الحور شاء " أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجة، وفي
رواية: " من كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم
القيامة "." اهـ
فتح ذي الجلال
والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (6/ 353)
من فوائد الحديث:
الثناء على من يملك نفسه عند الغضب لقوله: "إنما الشديد الذي يملك نفسه عند
الغضب".
ومن فوائده: الحث على
ضبط النفس عند وجوب ما يثيرها لأن الإنسان عندما يحصل له ما يثير نفسه ربما يتكلم
بكلام لا يجوز، أو يفعل أفعالاً غير جائزة.
ومن فوائد الحديث: أن
من يملك نفسه عند الغضب أشد ممن يصارع فيصرع لقوله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد
بهذا ولكن كذا وكذا مع أن المصارع الذي يصرع الناس شديد قوي لكن حقيقة الأمر أن
الذي يضبط نفسه عند الغضب هو أشد منه وأقوى.
ومن فوائد الحديث:
حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث بين للناس الحكم أو الحال بأشياء محسوسة
لأن كل واحد من الناس يعرف أن الذي يصارع الناس فيصرعهم يعرف أنه قوي شديد فبين
الرسول صلى الله عليه وسلم من هو أحق منه بأن يوصف بالشدة، وهو الذي يملك نفسه عند
الغضب." اهـ
[1] ترجمة أبي هريرة الدوسي :
اختلف
فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن
هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله
بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن
الأزد.
وفي
تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي :
"ويُقال:
كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما
كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟
فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة." اهـ
وذكر
أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح.
وفي
تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) : "وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل
المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ
وفي
تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)
قال
سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.
وَقَال
أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط،
وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.
وفي
تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 561) للذهبي :
"قَالَ
الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.
قلت:
روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين
منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ
بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ
[2] وفي فتح الباري لابن حجر (10/ 519) :
"قَوْلُهُ
(لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ
الرَّاءِ : الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ كَثِيرًا بِقُوَّتِهِ وَالْهَاءُ
لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ وَالصُّرْعَةُ بِسُكُونِ الرَّاءِ بِالْعَكْسِ
وَهُوَ مَنْ يَصْرَعُهُ غَيْرُهُ كَثِيرًا وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهَذَا الْوَزْنِ
بِالضَّمِّ وَبِالسُّكُونِ فَهُوَ كَذَلِكَ كَهُمْزَةٍ وَلُمْزَةٍ وَحُفْظَةٍ
وَخُدْعَةٍ وَضُحْكَةٍ" اهـ
وفي
تفسير الموطأ للقنازعي (2/ 747) :
قَوْلُهُ
: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ" يَعْنِي : لَيْسَ القَوِيُّ مَنْ
يُصَارِعُ النَّاسَ فَيَغْلِبُهُمْ، "إنَّمَا القَوِيُّ الذِي يَمْلِكُ
نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ"، يَعْنِي: يَغْلِبَ نفْسَهُ عِنْدَ غَضَبِهِ،
فَيَمْنَعَهَا مِنْ إنْفَاذِ مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَهُ." اهـ
[3] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3188) للقاري :
"حَوَّلَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ مِنَ
الْقُوَّةِ الظَّاهِرَةِ إِلَى الْبَاطِنَةِ، وَمِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَى
الدِّينِ". اهـ
[4] وفي تطريز رياض الصالحين (ص: 421) :
"والصُّرَعة
: الذي يصرع الناس ويغلبهم.
والصُّرْعة
: بالسكون الذي يصرعه الناس، أي : ليس القوي المحمود الذي يصرع الناس ويغلبهم،
إنما المحمود الذي يغلب نفسه، ويملكها عند الغضب." اهـ
[5] وفي المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 259) لابن العربي :
"اعلم
أنّ الغضبَ شعلةُ نارٍ اقتبست من نار الله المُوقَدَة، إِلَّا أنَّه لا تطَّلِعُ
إِلَّا على___الأفئدة، وإنَّها لمستكِنَّةٌ في طَيِّ الفؤاد استكنانَ الجَمْرِ تحت
الرَّماد، ويستخرجها الكير الدّقيق من قلب كلِّ جبّارٍ عنيد، كما يستخرجُ الحجر
النّار من الحديد، وقد انكشفت للنّاظرين بنور اليقين؛ لأنّ الإنسان ينزعُ منه عرق
إلى الشَّيطان اللَّعين، فمن استفزّته نار الغضب فقد قرنه قرانة الشَّيطان، حيث
قال:
{خَلَقْتَنِي
مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]
فإنّ
شأن الطّين السّكون والوقار، وشأن النّار التّلظي والاستعار والحركة والاضطراب،
ولذلك قال الحسن البصري: ابن آدم، كلّما غضبت وثبت، ويوشك أنّ تثب وثبةً فتقع في
النّار." اهـ
[6] وفي المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 261) لابن العربي :
"والناسُ
في الغضب أربعة :
فبعضهم:
كالحَلفَاءِ سريع الوقود سريع الخُمُودِ.
وبعضهم:
كالعصا بطيءُ الوقود بطيءُ الخُمُودِ.
وبعضهم:
بطيءُ الوقودِ سريعُ الخمودِ وهو الأحمد، ما لم يَنتَهِ إلى فتور الحمية.
وبعضهم:
سريع الوقود بطيء الخُمُودِ، وهذا هو أشرَّهم، وفي الخبر: "سَرِيعُ الغَضَبِ
سرِيعُ الرِّضَى"،
فهذه
بتلك." اهـ
[7] وفي فيض القدير (5/ 358) للمناوي : "ومن ملك نفسه عنده فقد
قهر أقوى أعدائه وشر خصومه." اهـ
[8] وفي اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (15/ 149) لشمس الدين
البرماوي :
"وفيه:
أن مجاهدةَ النفسِ أشدُّ من مجاهدة العدو، وهي الجهادُ الأكبرُ والشجاعةُ
الحقيقةُ." اهـ
Komentar
Posting Komentar