شرح الحديث 43 من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[43] وعن أنسٍ _رضي الله عنه_ قَالَ :

قَالَ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ :

«إِذَا أَرَادَ الله بعبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ[1] بِهِ[2] يومَ القِيَامَةِ» .

وَقالَ النَّبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ :

«إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» . رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن».

 

ترجمة أنس بن مالك الأنصاري  الخزرجي النجاري _رضي الله عنه_ :

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 395) :

"أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) : ابْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ : الإِمَامُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتُهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَتِلْمِيذُهُ، وَتَبَعُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً.

 

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (9/ 361):

عن أنس قال شهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحديبية وعمرته والحج والفتح وحنينا وخيبر

 

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 231) :

"تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: تِسْعِينَ، آخِرُ مِنْ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الْصَّحَابَةِ، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَكَانَتْ نَخْلَاتُهُ تُحْمَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَوُلِدَ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ ثَمَانُونَ وَلَدًا، وَقِيلَ: بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ." اهـ

 

شرح الحديث:

 

مَرَاتِبُ النَّاسِ عِنْدَ المُصِيْبَةِ :

1) مَرْتَبَةُ السَّخَطِ عَلَى قَدَرِ اللهِ تَعَالَى: وَيَكُوْنُ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالجَوَارِحِ، كَمَا فِي المتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُوْدَ وَشَقَّ الجُيُوْبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ). [خ م]

2) مَرْتَبَةُ الصَّبْرِ: وَهُوَ الرِّضَى بِمَا قَدَّرَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ البَلَاءِ؛ وَأنَّهُ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اللهُ، وَقَدْ يَتَمَنَّى العَبْدُ زَوَالَهَا؛ كَمِثْلِ مَنْ ابْتُلِيَ بِمَرَضٍ؛ فَيَعْلَمُ أنَّهُ لِحِكْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ، فَهُوَ رَاضٍ بِفِعْلِ رَبِّهِ (أَي بِتَقْدِيْرِهِ) - وَإِنْ كَانَ مُتَمَنِّيًا لِزَوَالِهِ؛ وَهُوَ المَقْدُوْرُ -.

3) مَرْتَبَةُ الرِّضَا بِالمَقْدُوْرِ: فَهُوَ رَاضٍ بِالقَدَرِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لِحِكْمَةٍ، وَأَيْضًا هُوَ رَاضٍ بِمَا حَلَّ بِهِ - أَيْ: مِنَ المَقْدُوْرِ - غَيْرُ مُتَمَنٍ لِزَوَالِ مَا أَصَابَهُ.

لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِأَسْبَابِ إِزَالَةِ المُؤْلِمِ؛ لِأَنَّ المَقْصُوْدَ هُوَ إِظْهَارُ مَحَبَّةِ مَا اخْتَارَهُ اللهُ لَكَ؛ لِأَنَّهُ نَاتِجٌ عَنْ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ وَرَحْمَةٍ.

4) مَرْتَبَةُ الشُّكْرِ عَلَى المُصِيْبَةِ: ووَجْهُهَا أَنَّه يَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنَّه لَمْ يَجْعَلْهَا فِي دِيْنِهِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ عَذَابَ الدُّنيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (4/ 601) (رقم : 2396)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1338) (رقم : 4031) بشطره الثاني، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (4/ 651) (رقم : 8799)، والروياني في "مسنده" (2/ 95) (رقم : 888) بشطره الأول.

 

وحسن الألباني _رحمه الله_ الشطر الأول من الحديث في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3/ 220) (رقم : 1220)

 

وكذا حسن الشطر الثاني منه في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 276) (رقم : 146)

 

من فوائد الحديث :

 

تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (ص: 446_447) لسليمان بن عبد الله آل الشيخ :

"قال شيخ الإسلام : "المصائب نعمة[3]، لأنها مكفرات للذنوب، ولأنها تدعو إلى الصبر، فيثاب عليها، ولأنها تقتضي الإنابة إلى الله والذل له، والإعراض عن الخلق، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة فنفس البلاء يكفر الله به الخطايا،

ومعلوم أن هذا من أعظم النعم، ولو كان رجل من أفجر الناس فإنه لا بد أن يخفف الله عنه عذابه بمصائبه. فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلق إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاصي أعظم مما كان قبل ذلك،

فتكون___شرًّا عليه من جهة ما أصابه في دينه، فإن من الناس من إذا ابتلي بفقر أو مرض أو جوع حصل له من الجزع والسخط والنفاق ومرض القلب، أو الكفر الظاهر، أو ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له ضررًا في دينه بحسب ذلك.

فهذا كانت العافية خيرًا له من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة المصيبة، كما أن من أوجبت له المصيبة صبرًا وطاعة كانت في حقه نعمة دينية،

فهي بعينها فعل الرب عزّ وجل رحمة للخلق، والله تبارك وتعالى محمود عليها، فإن اقترن بها طاعة كان ذلك نعمة ثانية على صاحبها،

وإن اقترن بها للمؤمن معصية، فهذا مما تتنوع فيه أحوال الناس كما تتنوع أحوالهم في العافية، فمن ابتلي فرزق الصبر كان الصبر عليه نعمة في دينه، وحصل له بعد ما كفر من خطاياه رحمة، وحصل له بثنائه على ربه صلاة ربه عليه حيث قال : {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157].

فحصل له غفران السيئات، ورفع الدرجات وهذا من أعظم النعم. فالصبر واجب على كل مصاب; فمن قام بالصبر الواجب حصل له ذلك". انتهى ملخصًا." اهـ

 

قلت: أَوْجُهُ بَيَانِ أَنَّ المَصَائِبَ نِعْمَةٌ :

1) مُكَفِّرَاتٌ لِلذُّنُوبِ (كَمَا فِي حَدِيْثِ أَنَسٍ - عَجَّلَ لَهُ العُقُوْبَةَ -).

2) تَدْعُو إِلَى الصَّبْرِ؛ فَيُثَابُ عَلَيهَا - كَمَا فِي آيَةِ البَابِ -.

3) تَقْتَضِي الإِنَابَةَ إِلَى اللهِ وَالذُّلَّ لَهُ، حَيْثُ يَسْتَشْعِرُ العَبْدُ ضَعْفَهُ وَحَاجَتَهُ إِلَى رَبِّهِ، وَيَظْهَرُ افْتِقَارُهُ إِلَيْهِ، فَتَظْهَرُ عُبُودِيَّتُهُ لَهُ سُبْحَانَهُ.

4) رَفْعُ الدَّرَجَاتِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ - حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ - لَوْ أَنَّ جُلودَهُمْ كانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيْضِ) [التِّرْمِذِيُّ (2402) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (2206)]

 

التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 525) للأمير الصنعاني :

"ففيه : أنه لا يعجل الله عقوبة الذنب في الدنيا، إلا لمن أراد به الخير، لأن عقوبات الدنيا زائلة ذاهبة، وإذا أراد به خلاف ذلك أمسك عليه العقوباتِ ليوافي القيامة بجناياته فيعاقب عليها." اهـ

 

حاشية كتاب التوحيد (ص: 262) لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي القحطاني الحنبلي النجدي (المتوفى: 1392هـ) :

"وفيه: أن البلاء للمؤمن من علامات الخير، والخوف من الصحة الدائمة خشية أن تكون علامة شر، والتنبيه على رجاء الله، وحسن الظن به فيما يقضيه لك مما تكره، وهذه الجملة هي آخر الحديث." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 258_259):

"الأمور كلها بيد الله _عز وجل_ وبإرادته، لأن الله _تعالى_ يقول عن نفسه :

{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107]،

ويقول :

{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [الحج: 18]،

فكل الأمور بيد الله.

والإنسان لا يخلو من خطأ ومعصية وتقصير في الواجب؛

فإذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا: إما بماله، أو بأهله، أو بنفسه، أو بأحد ممن يتصل به؛ لأن العقوبة تكفر السيئات،

فإذا تعجلت العقوبة وكفر الله بها عن العبد، فإنه يوافي الله وليس عليه ذنب، قد طهرته المصائب والبلايا، حتى إنه ليشدد على الإنسان موته لبقاء سيئة أو سيئتين عليه، حتى يخرج من الدنيا نقيا من الذنوب، وهذه نعمة؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.___

لكن إذا أراد الله بعبده الشر أمهل له واستدرجه وأدر عليه النعم ودفع عنه النقم حتى يبطر ـ والعياذ بالله ـ ويفرح فرحا مذموما بما أنعم الله به عليه، وحينئذ يلاقي ربه وهو مغمور بسيئاته فيعاقب بها في الآخرة، نسأل الله العافية. فإذا رأيت شخصا يبارز الله بالعصيان وقد وقاه الله البلاء وأدر عليه النعم، فاعلم إنما أراد به شرا؛ لأن الله أخر عنه العقوبة حتى يوافى بها يوم القيامة. " اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 259)

وهذه _أيضا_ بشرى للمؤمن، إذا ابتلى بالمصيبة فلا يظن أن الله سبحانه يبغضه، بل قد يكون هذا من علامة محبة الله للعبد، يبتليه سبحانه بالمصائب،

فإذا رضي الإنسان وصبر واحتسب فله الرضى، وإن سخط فله السخط.

وفي هذا : حثٌ على أن الإنسان يصبر على المصائب حتى يكتب له الرضى من الله عز وجل. والله الموفق.

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 47) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك النجدي :

"في هذا الحديث : الحثُّ على الصبر على ما تجري به الأَقدار، وأَنه خيرٌ للناس في الحال والمآل، فمن صبر فاز، ومن سخط فاته الأَجر وثبت عليه الوِزْر، ومضى فيه القدر." اهـ

 

التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص: 395) لصالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ :

"هذا فيه بيان حكمة الله - جل وعلا - التي إذا استحضرها المصاب، فإنه يعظم عنده الصبر، ويتحلى بهذه العبادة القلبية العظيمة وهي ترك التسخط، والرضا بفعل الله - جل وعلا - وقضائه؛ لأن العبد إذا أريد به الخير فإن العقوبة تعجل له في هذه الدنيا". اهـ

 

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 85) للفوزان :

"الذنوب تصدُر من الإنسان بكثرة، ليس هناك أحدٌ معصوم إلاَّ الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فيما عصمهم الله منه، "كلكم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون"؛ والإنسان تصدُر منه ذنوب كثيرة ومخالفات." اهـ

 

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 85):

إذا أراد الله بعبده خيراً عجّل له العقوبة على هذه المعاصي في الدنيا حتى يطهِّره، وحتى ينتقل إلى الدار الآخرة ليس عليه ذنوب فيدخل الجنة." اهـ

 

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 85):

"فدلّ هذا على أن صحّة الإنسان الدائمة ليستْ علامة خير.

ودلّ هذا على أن الخير والشر كلُّه مقدَّرٌ من الله سبحانه وتعالى وبقضاء الله وقدره، وهو قدّر الشر لحكمة وقدّر الخير لحكمة لا يقدِّر شيئاً إلاَّ لحكمة عظيمة، ابتلاءً وامتحاناً." اهـ

 

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 86):

"أن المبتَلى إذا صبر ورضيَ بقضاء الله وقدره فإن الله يجزيه على ذلك الخير العاجل والآجل، فيجزيه الجزاء العظيم آجِلاً وعاجلا ًكما قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وهذا مع الصبر والاحتساب." اهـ

 

الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد (ص: 137) للفوزان:

"ومن الحكم الإلهية في إجراء المصائب ابتلاء العباد عند وقوعها من يصبر ويرضى ومن يجزع ويسخط."

 

الملخص في شرح كتاب التوحيد (ص: 284) للفوزان :

"ما يستفاد من الحديث:

1- علامة إرادة الله الخير بعبده معاجلته بالعقوبة على ذنوبه في الدنيا.

2- علامة إرادة الشر بالعبد أن لا يجازى بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة.

3- الخوف من الصحة الدائمة أن تكون علامة شرّ.

4- التنبيه على حسن الظن بالله ورجائه فيما يقضيه عليه من المكروه.

5- أن الإنسان قد يكره الشيء وهو خيرٌ له، وقد يحب الشيء وهو شرّ له.

6- الحث على الصبر على المصائب." اهـ

 

قلت: مصداق ذلك قوله _تعالى_:

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]

وقوله _تعالى_:

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19]

 

زاد المسير في علم التفسير (1/ 386) لابن الجوزي:

"قوله تعالى: (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً)

قال ابن عباس: ربما رزق الله منها ولداً، فجعل الله في ولدها خيراً كثيراً. وقد نَدَبت الآية إِلى إِمساكِ المرأة مع الكراهة لها، ونبَّهت على معنيين:

* أحدهما: أن الإِنسان لا يعلم وُجوهَ الصلاح، فرب مكروهٍ عاد محموداً، ومحمودٍ عاد مذموماً.

* والثاني: أن الإِنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره، فليصبِر على ما يكره لما يُحِبُ." اهـ

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 172)

أي: ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة.

ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة. وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور.

فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم." اهـ

 



[1] وفي المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 407) للزيداني : "أي : حتى يجازيه."

وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 1142) للقاري :

"قَالَ [الطيبي] : وَالْمَعْنَى لَا يُجَازِيهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يَجِيءَ فِي الْآخِرَةِ مُتَوَافِرَ الذُّنُوبِ وَافِيهَا ; فَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنَ الْعِقَابِ."

[2] وفي المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 407) : "(به)؛ أي: بذنبه."

[3] أَوْجُهُ بَيَانِ أَنَّ المَصَائِبَ نِعْمَةٌ :

1) مُكَفِّرَاتٌ لِلذُّنُوبِ (كَمَا فِي حَدِيْثِ أَنَسٍ - عَجَّلَ لَهُ العُقُوْبَةَ -).

2) تَدْعُو إِلَى الصَّبْرِ؛ فَيُثَابُ عَلَيهَا - كَمَا فِي آيَةِ البَابِ -.

3) تَقْتَضِي الإِنَابَةَ إِلَى اللهِ وَالذُّلَّ لَهُ، حَيْثُ يَسْتَشْعِرُ العَبْدُ ضَعْفَهُ وَحَاجَتَهُ إِلَى رَبِّهِ، وَيَظْهَرُ افْتِقَارُهُ إِلَيْهِ، فَتَظْهَرُ عُبُودِيَّتُهُ لَهُ سُبْحَانَهُ. (8)

4) رَفْعُ الدَّرَجَاتِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ - حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ - لَوْ أَنَّ جُلودَهُمْ كانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيْضِ) [التِّرْمِذِيُّ (2402) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (2206)]

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة