شرح الحديث 42 من كتاب رياض الصالحين
[42] وعن ابن مسعودٍ
_رضي الله عنه_ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَومُ
حُنَينٍ[1]
آثَرَ[2]
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَاساً في القسْمَةِ، فَأعْطَى الأقْرَعَ
بْنَ حَابسٍ مئَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَة بْنَ حصن مِثْلَ ذلِكَ،
وَأَعطَى نَاساً مِنْ أشْرافِ العَرَبِ، وآثَرَهُمْ
يَوْمَئِذٍ في القسْمَةِ. فَقَالَ
رَجُلٌ : "واللهِ، إنَّ هذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُريدَ
فيهَا وَجْهُ اللهِ"، فَقُلْتُ : "وَاللهِ،
لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_، فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرتُهُ بمَا
قَالَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كالصِّرْفِ. ثُمَّ قَالَ :
«فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لم يَعْدِلِ اللهُ وَرسولُهُ؟» ثُمَّ قَالَ :
«يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبر» . فَقُلْتُ : "لا
جَرَمَ لا أرْفَعُ إِلَيْه بَعدَهَا حَدِيثاً." مُتَّفَقٌ
عَلَيهِ.[3] وَقَوْلُهُ:
«كالصِّرْفِ» هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ: وَهُوَ صِبْغٌ أحْمَر. |
ترجمة عبد
الله بن مسعود أبي عبد الرحمن الهذلي _رضي الله عنه_ :
وفي تهذيب الكمال في
أسماء الرجال (16/ 121) للمزي : "عَبد اللَّهِ بن مسعود بن غافل بن حبيب
بْن____شمخ بن مخزوم، ويُقال: ابْن شمخ بْن فار بْن مخزوم بْن صاهلة بْن كاهل بْن
الحارث بْن تميم بْن سعد بْن هذيل بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر بْن نزار بن معد بن
عدنان، أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهذلي،
صاحب رَسُول اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم.
وكان أبو مسعود بْن
غافل، قد حالف عبد بْن الحارث بْن زهرة فِي الجاهلية، وأمه أم عبد بنت ود بْن سواء
من هذيل أَيْضًا، لها صحبة.
أسلم بمكة قديما،
وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وهُوَ صاحب نعل رَسُول اللَّهِ صلى___الله عليه وسلم. كَانَ يلبسه إياها إِذَا
قام، فإذا جلس أدخلها فِي ذراعه. وكَانَ كثير الولوج عَلَى النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم." اهـ
وفي تهذيب الكمال في
أسماء الرجال (16/ 127) : "وَقَال أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة، عَن يحيى بْن
مَعِين: مات سنة ثلاث أَوِ اثنتين وثلاثين."
اهـ
تخريج
الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 95) (رقم : 3150)،
ومسلم في صحيحه (2/ 739) (رقم : 1062)، والترمذي في سننه (5/ 710) (رقم : 3896)، و(أحمد)
في "مسنده" (1/ 380 و 411 و 435 و 441 و 453)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"
(9/ 66 و 9/ 132 و 9/ 266) (رقم: 5133 و 5206 و 5388)، و(أبو نعيم) في "حلية
الأولياء وطبقات الأصفياء" (6/ 263)، وفي "مستخرجه" (3/ 126)، وفي "تثبيت
الإمامة وترتيب الخلافة" (ص: 318) (رقم: 124)، و(الحاكم) في
"المستدرك" (2/ 412)، و(أبو عوانة) في "مسنده" (3/ 433)، والشاشيّ
في "مسنده" (2/ 55) (رقم: 547 و 548)، والله تعالى أعلم.
من فوائد
الحديث :
قال الحافظ ابن حجر
العسقلاني _رحمه الله_ في "فتح الباري" (10/ 512):
"وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ: جَوَازُ إِخْبَارِ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ بِمَا يُقَالُ فِيهِمْ
مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِمْ لِيُحَذِّرُوا الْقَائِلَ،
* وَفِيهِ: بَيَانُ
مَا يُبَاحُ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، لِأَن صورتهما مَوْجُودَة فِي صَنِيع
بن مَسْعُودٍ هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ_.
وَذَلِكَ أَنَّ قصد
بن مَسْعُودٍ كَانَ نُصْحَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_
وَإِعْلَامَهُ بِمَنْ يَطْعَنُ فِيهِ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ
النِّفَاقَ لِيَحْذَرَ مِنْهُ،
وَهَذَا جَائِزٌ
كَمَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَى الْكُفَّارِ لِيُؤْمَنَ مِنْ كَيْدِهِمْ وَقَدِ
ارْتَكَبَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ بِمَا قَالَ إِثْمًا عَظِيمًا فَلَمْ يَكُنْ
لَهُ حُرْمَةٌ.
* وَفِيهِ: أَنَّ
أَهْلَ الْفَضْلِ قَدْ يُغْضِبُهُمْ مَا يُقَالُ فِيهِمْ مِمَّا لَيْسَ فِيهِمْ
وَمَعَ ذَلِكَ فَيَتَلَقَّوْنَ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ كَمَا صَنَعَ
النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ اقْتِدَاءً بِمُوسَى _عَلَيْهِ
السَّلَامُ_، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (قَدْ أُوذِيَ مُوسَى) إِلَى قَوْلَهُ
تَعَالَى_:
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزاب: 69]،
قد حكى فِي صفة إِذا
هم لَهُ ثَلَاثُ قَصَصٍ إِحْدَاهَا قَوْلُهُمْ هُوَ آدَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ
ذَلِكَ وَشَرْحُهُ فِي قِصَّةِ مُوسَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ ثَانِيهَا
فِي قِصَّةِ مَوْتِ هَارُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ أَيْضًا فِي قِصَّةِ مُوسَى
ثَالِثُهَا فِي قِصَّتِهِ مَعَ قَارُونَ حَيْثُ أَمَرَ الْبَغِيَّ أَنْ تَزْعُمَ
أَنَّ مُوسَى___رَاوَدَهَا حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هَلَاكِ قَارُونَ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ قَارُونَ فِي آخر أَخْبَار مُوسَى من أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء." اهـ
وقال العثيمين في "شرح
رياض الصالحين" (1/ 255):
"فقال رجل من
القوم : ((والله، إن هذه قسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله)) _نعوذ بالله_
يقول هذا القول في
قسمةٍ قَسَمَها رسولُ اللهِ _صلي الله عليه وسلم_، لكن حب الدنيا والشيطان يوقع
الإنسان في الهلكة. نسأل الله العافية.
هذه الكلمة
كلمة كفر[4]،
أن ينسب الله ورسوله إلي عدم العدل، وإلي أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يرد بها
وجه الله،
ولا شك أن النبي _صلي
الله عليه وسلم_ أراد بهذه القسمة وجه الله، أراد أن يؤلف كبار القبائل والعشائر
من أجل أن يتقوى الإسلام، لأن أسياد القوم إذا ألفوا الإسلام وقوي إيمانهم بذلك
حصل منهم خير كثير، وتبعهم على ذلك قبائل وعشائر، واعتز الإسلام بهذا. ولكن الجهل _والعياذ
بالله_ يوقع صاحبه في الهلكة." اهـ
وقال _رحمه الله_ في "شرح
رياض الصالحين" (1/ 256):
"فإذا كانت لحوم
الناس بالغيبة لحوم ميتة، فإن لحوم العلماء ميتة مسمومة، لما فيها من الضرر
العظيم، فلا تستغرب إذا سمعت أحدا يسب العلماء!
وهذا رسول الله صلى
الله عليه وسلم قيل فيه ما قيل، فاصبر، واحتسب الأجر من الله عز وجل، واعلم أن
العاقبة للتقوى، فما دام الإنسان في تقوى وعلى نور من الله عز وجل فإن العاقبة له."
اهـ
وقال _رحمه الله_ في "شرح
رياض الصالحين" (1/ 257):
"ففي هذا
الحديث: دليل على أن للإمام أن يعطى من يرى في عطيته المصلحة ولو أكثر من غيره،
إذا رأى في ذلك مصلحة للإسلام، ليست مصلحة شخصية يحابي من يحب ويمنع من لا يحب،
ولكن إذا رأى في ذلك
مصلحة للإسلام وزاد في العطاء، فإن ذلك إليه وهو مسؤول أمام الله، ولا يحل لأحد أن
يعترض عليه، فإن اعترض عليه فقد ظلم نفسه.
* وفيه : أن النبي _عليه
الصلاة والسلام_ يعتبر بمن مضى من الرسل، ولهذا قال: لقد أوذي موسى بأكثر من هذا
فصبر، لأن الله تعالي يقول : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي
الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111]،
ويقول : {أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]،
فأمر الله نبيه _صلى
الله عليه وسلم_ أن يقتدي بهدي الأنبياء قبله.
وهكذا ينبغي لنا نحن
أن نقتدي بالأنبياء _عليهم الصلاة والسلام_ في الصبر على الأذى، وأن نحتسب الأجر
على الله، وأن نعلم أن هذا زيادة في درجاتنا مع الاحتساب، وتكفير لسيئاتنا. والله
الموفق." اهـ
قال أبو حاتم البُسْتِيُّ
_رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (11/ 160):
"ذِكْرُ مَا
يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إِعْطَاءُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ خُمْسِ
خُمُسِهِ وَإِنْ أُسْمِعَ فِي ذَلِكَ مَا يَكْرَهُ." اهـ
وقال فيصل بن عبد
العزيز الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 46):
"في هذا الحديث:
استحبابُ الإِعراض عن الجاهل والصفح عن الأَذى والتأَسِّي بمن مضى من الصالحين،
قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ
هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان (63) ]."
اهـ
شرح النووي على مسلم
(7/ 158)
قَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمُ الشَّرْعِ أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ وَقُتِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قُتِلَ قَالَ الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ لَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ الطَّعْنَ فِي النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ
إِلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْمَعَاصِي ضَرْبَانِ كَبَائِرُ
وَصَغَائِرُ فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ
الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي إِمْكَانِ وُقُوعِ الصَّغَائِرِ
وَمَنْ جَوَّزَهَا مَنَعَ مِنْ إِضَافَتِهَا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَى طَرِيقِ
التَّنْقِيصِ وَحِينَئِذٍ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
يُعَاقِبْ هَذَا الْقَائِلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا
نَقَلَهُ عَنْهُ وَاحِدٌ وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ لَا يُرَاقُ بِهَا الدَّمُ قَالَ
الْقَاضِي هَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ يَدْفَعُه." اهـ
المفهم لما أشكل من
تلخيص كتاب مسلم (9/ 72)
وقول القائل في قسمة
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، أو : ما
عدل فيها " ؛ قول جاهل بحال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، غليظ الطبع ،
حريص ، شره ، منافق . وكان حقه أن يُقتل ؛ لأنه آذى رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ ، وقد قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، فالعذاب في الدنيا هو : القتل ، لكن لم يقتله النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ للمعنى الذي قاله ، وهو من حديث جابر : ((لا يتحدّث الناس : أن
محمدًا يقتل أصحابه)) ،
ولهذه العلة امتنع
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قتل المنافقين ، مع علمه بأعيان كثير منهم ،
وبنفاقهم . ولا يلتفت لقول من قال بإبداء علة أخرى ؛ لأن حديث جابر وغيره نصٌّ في
تلك العلة ، وقد أُمِنت تلك العلة بعد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، فلا نفاق
بعده، وإنما هو الزندقة ، كذلك قال مالك _رحمه الله_ ، فمن آذى رسول الله _صلى
الله عليه وسلم_، أو سبّه قتل ولا يستتاب ، وهذا هو الحق والصواب." اهـ
وقال الإثيوبي _رحمه
الله_ في "البحر المحيط الثجاج" (20/ 181):
"في فوائده:
1 - (منها): بيان
جواز إعطاء المؤلّفة قلوبهم من الغنيمة؛ تأليفًا لهم.
2 - (ومنها): جواز
إخبار الإمام، وأهل الفضل بما يقال فيهم، مما لا يليق بهم؛ ليحذروا القائل.
3 - (ومنها): بيان ما
يباح من الغيبة والنميمة؛ لأن صورتهما موجودة في صنيع ابن مسعود -رضي الله عنه-
هذا، ولم ينكره النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أن قَصْدَ ابن مسعود -رضي الله
عنه- كان نصحَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإعلامه بمن يَطْعَن فيه، ممن يُظْهِر
الإسلام، ويُبطِن النفاق؛ ليحذر منه، وهذا جائز، كما يجوز التجسس على الكفار؛
ليُؤْمَنَ من كيدهم، وقد ارتكب الرجل المذكور بما قال إثْمًا عظيمًا، فلم يكن له
حرمة.
4 - (ومنها): أن في
قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ
إلخ" تسليةً لنفسه -صلى الله عليه وسلم-، وتحريضًا لأمته على الصبر على
الأذى.
5 - (ومنها): بيان ما
كان في الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من الصبر على الجهّال، واحتمال أذاهم،
وجعل الله تعالى العاقبة لهم على من آذاهم.
6 - (ومنها): بيان أن
أهل الفضل قد يُغضِبهم ما يقال فيهم، مما ليس فيهم، ومع ذلك، فيتلقون ذلك بالصبر
والحلم، كما صنع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ اقتداءً بموسى عليه السلام.
والله تعالى أعلم
بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ
الإفصاح عن معاني
الصحاح (2/ 70)
* وفي هذا الحديث من
الفقه جواز إيثار الإمام وتفضيله قومًا في الغنائم على قوم على حسب ما يراه في
مصالح الإسلام.
* وفيه أيضًا دليل
على حلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شرارات النطق الخفي طلبًا لجمع
الكلمة وكراهية لشق العصا عند نفث كل ناطق غاو ما لم يظهره.
* وفيه أيضًا جواز
تأدية القول الذي ليس بصالح إذا قيل إذا كانت التأدية عبرة للحق ليعلم قائله
فيحذر.
* وفيه أيضًا أن عبد
الله لما رأى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب لذلك الخبر الذي أخبره به
ثم لم يزد على أن قال: (قد أذي موسى بأكثر من هذا فصبر) (139/ أ) اقتضى استصوابه
أن لا يرفع بعد ذلك إليه - صلى الله عليه وسلم - مثله. وهذا جائز مع أمن الشر الذي
يخاف في كتمان مثله مما ينشر أذاه أو يعظم ضرره.
وقال الحافظ العراقي _رحمه
الله_ في "طرح التثريب في شرح التقريب" (7/ 211):
"وَهَذَا وَإِنْ
كَانَ فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى الدِّينِ فَقَدْ يَكُونُ عَفْوُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ
لَمْ يَقْصِدْ الطَّعْنَ عَلَيْهِ فِي الْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ، بَلْ اعْتَقَدَ
أَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا الَّذِي يَصِحُّ الْخَطَأُ مِنْهُ فِيهَا
وَالصَّوَابُ، أَوْ كَانَ هَذَا اسْتِئْلَافًا لِمِثْلِهِ كَمَا اسْتَأْلَفَهُمْ
بِمَالِهِ وَمَالِ اللَّهِ رَغْبَةً فِي إسْلَامِ مِثْلِهِ." اهـ
وقال ابن بطال
القرطبي _رحمه الله_ (10/ 96):
"فى هذه
الأحاديث كلها من الفقه دعاء المسلم لأخيه دون نفسه كما ترجم، وقد جاء عن النبي -
عليه السلام - أن دعاء المرء لأخيه مجاب." اهـ
قلت :
صحيح مسلم (4/ 2094) (رقم:
2732): عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو
لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ."[5]
نيل الأوطار (7/ 342)
قَوْلُهُ: (رَحِمَ
اللَّهُ مُوسَى. . . إلَخْ) فِيهِ: الْإِعْرَاضُ عَنْ الْجَاهِلِ وَالصَّفْحُ عَنْ
الْأَذَى وَالتَّأَسِّي بِمَنْ مَضَى مِنْ النُّظَرَاءِ.
[1] وفي شرح رياض الصالحين (1/ 254_255) للعثيمين : "وهي غزوة
الطائف التي كانت بعد فتح مكة، غزاهم الرسول صلي الله عليه وسلم وغنم منهم غنائم
كثيرة جداً من إبل، وغنم، ودراهم ودنانير، ثم إن النبي صلي الله عليه وسلم نزل
بالجعرانة، وهي محل عند___منتهى الحرم من جهة الطائف، نزل بها." اهـ
[2] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (15/ 74)
قَوْله:
(آثر) بِالْمدِّ أَي: اخْتَار أُنَاسًا فِي الْقِسْمَة بِالزِّيَادَةِ
[3] قد وقعت مرة أخرى قصة على منوال ما في حديثنا. أخرجها البخاري
(3610) ومسلم (1064) في صحيحيهما عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ _رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ_ قَالَ :
بَيْنَمَا
نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ
قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ
أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ».
فَقَالَ
عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؟
فَقَالَ
: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ
صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ
إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ، - وَهُوَ قِدْحُهُ -،
فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ
شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى
عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ،
وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ»
قَالَ
أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ
بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ." اهـ
[4] وفي الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 232) لابن تيمية :
فهذا
الكلام مما يوجب القتل بالاتفاق لأنه جعل النبي صلى الله عليه وسلم ظالما مرائيا
وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا من أذى المرسلين ثم اقتدى في العفو عن
ذلك بموسى عليه السلام ولم يستتب لأن القول لم يثبت فإنه لم يراجع القائل ولا تكلم
في ذلك بشيء.
[5] وأما ما أخرجه البيهقي في "الدعوات
الكبير" (2/ 239) (رقم: 671) بإسناده :
عن
عبد الرحيم بن زيد العمي , عن أبيه عن سَعِيد بن جُبَيْر عن ابن عباس رضي الله
عنهما عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال:
(خمس دعوات يستجاب لهن دعوة المظلوم حتى ينتصر ودعوة الحاج حتى يصدر ودعوة المجاهد حتى يقفل ودعوة المريض حتى يبرأ ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب , ثم قال: وأسرع هذه الدعوات إجاة دعوة الأخ بظهر الغيب)، فهو حديث موضوع كما بينه الألباني _رحمه الله_ في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (3/ 541) (رقم: 1364).
Komentar
Posting Komentar