الحديث 46_49 من صحيح الترغيب
صحيح
الترغيب والترهيب (1/ 126) : 46 - (10) [صحيح] وعن مجاهد قال : كنا
مع ابن عُمر _رحمه الله_ في سفرٍ، فمرَّ بمكان، فحادَ عنه، فسئل: لمَ فعلتَ ذلك؟
قال: (رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل هذا؛ ففعلتُ). رواه أحمد والبزار بإسناد جيد. قوله
: (حاد) بالحاء والدال المهملتين؛ أي: تنحّى عنه، وأخذ يميناً أو شمالاً. |
تخريج الحديث :
أخرجه أحمد في "مسنده" (8/ 474) (رقم :
4870)، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار عن زوائد البزار"
(1/ 81) (رقم : 128)، وابن بطة العكبري في "الإبانة الكبرى" (1/ 242)
(رقم : 74)، وأبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" = "أخبار
أصبهان" (2/ 115) (رقم : 1255).
ترجمة مجاهد بن جبر المكي:
مجاهد بن جبر المكي: أبو الحجاج القرشى المخزومي (مولاهم)،
من الوسطى من التابعين، روى له : خ م د ت س، وهو ثقة إمام فى التفسير وفي العلم،
توفي سنة 101 هـ
ترجمة عبد الله بن عمر بن
الخطاب:
وفي "الأعلام" للزركلي (4/ 108):
"عَبْد الله بن عُمَر (10 ق هـ - 73 هـ
= 613 - 692 م):
عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن:
صحابي، من أعز بيوتات قريش في الجاهلية. كان جريئا جهيرا. نشأ في الإسلام، وهاجر
إلى المدينة مع أيبه، وشهد فتح مكة، ومولده ووفاته فيها.
أفتى الناس في الإسلام ستين سنة. ولما قتل عثمان
عرض عليه نفر أن يبايعوه بالخلافة فأبى. وغزا إفريقية مرتين: الأولى مع ابن أَبي
سَرْح، والثانية مع معاوية بن خديج[1]
سنة 34 هـ وكف بصره في آخر حياته. وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة.
له في كتب الحديث 2630 حديثا.
وفي الإصابة: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: مات ابن
عمر، وهو مثل عمر في الفضل، وكان عمر في زمان له فيه نظراء، وعاش ابن عمر في زمان
ليس له فيه نظير." اهـ
قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 5/ 330:
و قال ابن يونس: شهد فتح مصر.
و قال أبو نعيم الحافظ: أعطى ابن عمر القوة فى
الجهاد، و العبادة، و البضاع، و المعرفة بالآخرة،
و الإيثار لها، و كان من التمسك بآثار النبى _صلى
الله عليه و آله وسلم_ بالسبيل المتين، وما مات حتى أعتق ألف إنسان أو أزيد، و
توفى بعد الحج." اهـ
شرح الحديث:
والذي يدل
على شدة اتباع ابن عمر ما أخرجه
أبو داود في سننه (رقم: 571): عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ»
قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ." اهـ
عون المعبود وحاشية ابن القيم (2/ 195)
وَهَذَا مَشْهُورٌ مِنْ سِيرَةِ بن عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ لِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَوَى ابن ماجه عن أبي جعفرٍ قال:
كَانَ ابْنُ عُمَرَ
«إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا
لَمْ يَعْدُهُ، وَلَمْ يُقَصِّرْ دُونَهُ»[2]
وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مجاهد قال:
"كنت أسافر مع بن عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَحَادَ
عَنْهُ، فَسُئِلَ: (لِمَ فَعَلْتَ)، قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا، فَفَعَلْتُ).
وَرَوَى الْبَزَّارُ عن بن عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ
يَأْتِي شَجَرَةً بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَيَقِيلَ تَحْتَهَا وَيُخْبِرُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.[3]
وَرَوَى الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ قال:
"رأيت بن عُمَرَ مَحْلُولُ الْإِزَرارِ
وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْلُولُ
الْإِزَارِ.[4]"
اهـ
قلت:
وفي صحيح ابن حبان (12/ 267) (رقم: 5453)
عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، قَالَ: "رَأَيْتُ
ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي مَحْلُولًا أَزْرَارُهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ،
فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
كَذَلِكَ»
من فوائد الحديث:
1/ فيه
شدة اتباع الصحابة السلف سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
2/ فيه
فضل الصحابي الجليل عبد الله بن عمر _رضي الله عنهما_.
3/ وفيه
حرصهم على تفقد أحوال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
وقال
الساعاتي في الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (1/ 190):
"وفيه
منقبة لابن عمر _رضي الله عنهما_ لأنه كان شديد الولوع بالاتباع___بالنبي صلى الله
عليه وسلم في كل شيء حتى في الأمور العادية رضي الله عنه." اهـ
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 211)
وَعَنْ عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَلْزَمَ
لِلأَمْرِ الأَوَّلِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ.
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 213)
عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: "لَوْ نَظرْتَ إِلَى
ابْنِ عُمَرَ إِذَا اتَّبعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَقُلْتَ: هَذَا مَجنُوْنٌ." اهـ
============================
صحيح
الترغيب والترهيب (1/ 127) 47 - (11) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنّه كان يأتي شجرةً بين مكة والمدينة فَيَقِيلُ تحتها،
ويُخبِر أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعلُ
ذلك". رواه البزار بإسناد لا بأس به. (1) __________ (1) قلت: يشير إلى أن في إسناده شيئاً، ولم أر فيه (1/ 81/ 129)
من يمكن الغمز منه سوى محمد بن عباد الهنائي، وهو صدوق كما قال أبو حاتم ثم
الحافظ. وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد حسن. وأما الجهلة الثلاثة
فقالوا (1/ 101): "صحيح، وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون"!
وهذا التوثيق لا يستلزم الصحة كما بينت في المقدمة. |
تخريج الحديث :
أخرجه البزار في "مسنده" = البحر الزخار
(12/ 213) (رقم : 5909)[5]،
وحسنه الألباني.
من فوائد الحديث:
قال محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان، أبو سعيد
الخادمى الحنفي (المتوفى: 1156هـ) _رحمه الله_ في "بريقة محمودية في شرح
طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية" (1/ 81_82):
"وَالنَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ
نُدِبَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ
السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ»
[ق][6]___
أَيْ: مِنْ التَّهَجُّدِ وَنَحْوِهِ مِنْ ذِكْرٍ
وَقِرَاءَةٍ،
فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا أَخَذَتْ حَظَّهَا مِنْ
نَوْمِ النَّهَارِ اسْتَقْبَلَتْ السَّهَرَ بِنَشَاطٍ وَقُوَّةِ انْبِسَاطٍ،
فَوَجْهُ النَّدْبِ: هُوَ
التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ فَنَوْمُ الْعَالِمِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ
الْجَاهِلِ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ «وَيُخْبِرُ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ» الظَّاهِرُ
مِنْ كَانَ هُوَ الْكَثْرَةُ «يَفْعَلُ ذَلِكَ»،
وَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ السُّنَّةِ الْعَادِيَّةِ،
فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَطْلُوبِ كَمَا سَمِعْت:
الِاهْتِمَامُ وَالِالْتِزَامُ عَلَى إتْيَانِ جَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ _صَلَّى
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، كَابْنِ عُمَرَ _رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا_، فَإِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى مُتَابَعَتِهِ _عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ_.
وَرُوِيَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ إذَا
سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا
أَجْدَرُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِيهِ وَلَا يُنْقِصَ مِنْهُ وَيَتَّبِعَ لِأَوَامِرِهِ
مِنْ ابْنِ عُمَرَ» فِي حَدِيثٍ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَتَّبِعُ أَمْرَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآثَارَهُ وَحَالَهُ
وَيَهْتَمُّ بِهِ حَتَّى كَانَ قَدْ خِيفَ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ اهْتِمَامِهِ
بِذَلِكَ." اهـ
فائدة حول
القيلولة:
مختصر قيام الليل
وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص: 104)
وَمَرَّ الْحَسَنُ
رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْمٍ فِي السُّوقِ فَرَأَى مِنْهُمْ مَارًّا فَقَالَ: أَمَا
يَقِيلُ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: «إِنِّي لَأَرَى لَيْلَهُمْ لَيْلَ
سُوءٍ»
وَعَنْ إِسْحَاقَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: «الْقَائِلَةُ مِنْ عَمِلَ أَهْلِ
الْخَيْرِ، وَهِيَ مَجَمَّةٌ لِلْفُؤَادِ مِقْوَاةٌ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ»
وَعَنْ مُجَاهِدٍ _رَحِمَهُ
اللَّهُ_:
"بَلَغَ عُمَرَ _رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ_ أَنَّ عَامِلًا لَهُ لَا يَقِيلُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: "أَمَّا
بَعْدُ «فَقِلْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ»
وَعَنْ خَوَّاتِ بْنِ
جُبَيْرٍ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ قَالَ:
«نَوْمُ أَوَّلِ
النَّهَارِ حُمْقٌ، وَوَسَطِهِ خُلُقٌ، وَآخِرِهِ خُرْقٌ»
صحيح
الترغيب والترهيب (1/ 127) 48 - (12) [صحيح] وعن [أنس] (2) بن سيرين قال : "كنتُ مع ابنِ عمرَ -رحمه الله- بـ (عرفات)، فلما كان حين
راحَ، رُحْتُ معه، حتى أتى الإِمامُ فصلّى معه الأولى[7]
والعصرَ، ثم
وقفَ وأنا وأصحابٌ لي، حتى أفاضَ الإمامُ، فَأَفَضْنا معه، حتى انتهى إلى
المضيقِ دون المأْزِمَين[8]،
فأَناخَ وأنخْنا، ونحن نَحسِب أنه يريد أن يصلّي، فقال
غلامُه الذي يُمسك راحلته: إنَّه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أنّ النبي - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجتَه، فهو يحبّ أن
يقضيَ حاجَتَه." رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح". قال
الحافظ رحمه الله : "والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في اتباعهم له،
واقتفائهم سنّته كثيرة جداً، والله الموفق، لا ربَّ غيره". __________ (2) لم ترد هذه الزيادة في الأصل، ولا في المخطوطة، واستدركتها
من "المسند" (2/ 131)، وحذفُها من المؤلف غير جيد، فإن المتبادر من
"ابن سيرين" عند الإطلاق، إنما هو محمد بن سيرين لا أنس بن سيرين،
وهما أخوان. |
تخريج الحديث :
أخرجه أحمد مسنده (10/ 294) (رقم : 6151)[9]
ترجمة ابن سيرين:
محمد بن سيرين الأنصاري: أبو بكر بن أبى عمرة البصري
(مولى أنس بن مالك: أخو أنس، ومعبد، و حفصة، و كريمة)، من الوسطى من التابعين (الطبقة
الثالثة)، توفي سنة 110 هـ، روى له : خ م د ت س ق، وهو ثقة ثبت كبير القدر،
كان لا يرى الرواية بالمعنى
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (4/ 606) (رقم: 246):
مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ أَبُو بَكْرٍ
الأَنْصَارِيُّ : الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ،
الأَنَسِيُّ، البَصْرِيُّ، مَوْلَى أَنَسِ بنِ مَالِكٍ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ سَبْيِ جَرْجَرَايَا،
تَمَلَّكَهُ أَنَسٌ، ثُمَّ كَاتَبَهُ عَلَى أُلُوْفٍ مِنَ المَالِ، فَوَفَّاهُ،
وَعَجَّلَ لَهُ مَالَ الكِتَابَةِ قَبْلَ حُلُوْلِهِ." اهـ
شرح الحديث:
قال الله _تعالى_:
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا
فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ
قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} [البقرة: 198، 199]
من فوائد الحديث:
وقال الساعاتي _رحمه الله_ في "بلوغ الأماني
من أسرار الفتح الرباني" (12/ 138):
"المعروف عن ابن عمر _رضى الله عنهما_:
أنه كان أشد الصحابة اقتداء برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فى كلِّ أحوالِهِ حتى
المباحِ مِنْهَا _رضى الله عنه_." اهـ
وفي "المستدرك على الصحيحين" للحاكم (3/
647) (رقم: 6374):
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [محمد بن على بن الحسين بن على
بن أبى طالب الباقر القرشي] قَالَ: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ حَدِيثًا أَحْذَرَ، أَنْ لَا يَزِيدَ فِيهِ وَلَا يُنْقِصَ
مِنَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا»[10]
وفي سنن ابن ماجه (1/ 4) (رقم: 4): عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ قَالَ:
"كَانَ ابْنُ عُمَرَ «إِذَا سَمِعَ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ يَعْدُهُ، وَلَمْ
يُقَصِّرْ دُونَهُ»."[11]
حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 5_6):
"وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَفَرَّدَ
بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بِشِدَّةِ اتِّبَاعِهِ
الْحَدِيثَ مَعْرُوفًا،
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ: حَلَالٌ فَقَالَ الشَّامِيُّ: إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى
عَنْهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانْ أَبِي نَهَى عَنْهَا
وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَمْرُ أَبِي يُتَّبَعُ أَمْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ___تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - قَالَ التِّرْمِذِيُّ :
"هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ."[12]
فَانْظُرْ إِلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَيْفَ خَالَفَ أَبَاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ أَبَاهُ قَدْ
بَلَغَهُ الْحَدِيثُ، وَأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ هُوَ أَقْوَى
مِنْهُ عِنْدَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَفْتَى بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِيهِ، وَقَالَ: (إِنَّ
قَوْلَ أَبِيهِ لَا يَلِيقُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ)،
وَقَدْ عَمِلَ بِمِثْلِ هَذَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الطِّيبِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ،
وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ، تَرَكَ قَوْلَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَقَالَ : (سُنَّةُ
رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ)،
وَغَالِبُ أَهْلِ الزَّمَانِ عَلَى خِلَافَاتِهِمْ،
إِذَا جَاءَهُمْ حَدِيثٌ يُخَالِفُ قَوْلَ إِمَامِهِمْ يَقُولُونَ: (لَعَلَّ هَذَا
الْحَدِيثَ قَدْ بَلَغَ الْإِمَامَ، وَخَالَفَهُ بِمَا هُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ
مِنْهُ)،
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ حَدِيثَ «لَا تَمْنَعُوا
إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» [خ م][13]،
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَوْلَادِهِ نَحْنُ نَمْنَعُ،
فَسَبَّهُ سَبًّا مَا سُمِعَ سَبٌّ مِثْلُهُ قَطُّ وَقَطَعَ الْكَلَامَ مَعَهُ
إِلَى الْمَوْتِ،
وَلَهُ _رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ_ فِي
مُرَاعَاةِ دَقَائِقِ السُّنَنْ أَحْوَالٌ مُدَوَّنَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ
مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، ذَكَرَ شَيْئًا مِنْهَا السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ
الْكِتَابِ." اهـ
صحيح
الترغيب والترهيب (1/ 128) 2 - (الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء) 49 - (1) [صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أحْدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌّ". رواه البخاري ومسلم، وأبو داود، ولفظه: "مَن صنع أمراً على غير أمرِنا؛ فهو ردٌّ". وابن ماجه. وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو ردٌّ". |
تخريج الحديث :
الرواية الأولى : أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 184)
(رقم : 2697)، ومسلم في صحيحه (3/ 1343) (رقم : 1718)، وأبو داود في سننه (4/ 200)
(رقم : 4606)، وابن ماجه في سننه (1/ 7) (رقم : 14)
الرواية الثانية : سنن أبي داود (4/ 200) (رقم :
4606)، مسند أحمد مخرجا (40/ 507) (رقم : 24450)، السنن الكبرى للبيهقي (10/ 425)
(رقم : 21196)[14]
الرواية الثالثة : أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1343)
(رقم : 1718)، وأحمد في مسنده (42/ 61) (رقم : 25128)، وابن أبي عاصم في السنة (1/
28) (رقم : 52)، وأبو عوانة في مستخرجه (4/ 171) (رقم : 6410)، والدارقطني في سننه
(5/ 406) (رقم : 4537)
شرح الحديث:
فتح الباري لابن حجر (13/
253)
والمحدثات بِفَتْحِ
الدَّالِّ جَمْعُ مُحْدَثَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا أُحْدِثَ وَلَيْسَ لَهُ
أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِدْعَةً وَمَا كَانَ لَهُ
أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ فَالْبِدْعَةُ فِي عُرْفِ
الشَّرْعِ مَذْمُومَةٌ بِخِلَافِ اللُّغَةِ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ أُحْدِثَ عَلَى
غَيْرِ مِثَالٍ يُسَمَّى بِدْعَةً سَوَاءٌ كَانَ مَحْمُودًا أَوْ مَذْمُومًا،
من فوائد الحديث :
صحيح ابن حبان - مخرجا (1/ 207)
ذِكْرُ الزَّجْرِ عَنْ أَنْ يُحَدِّثَ الْمَرْءُ
فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ
صحيح ابن حبان - مخرجا (1/ 209)
"ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ
أَحْدَثَ فِي دِينِ اللَّهِ حُكْمًا لَيْسَ مَرْجِعُهُ إِلَى الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ." اهـ
جامع العلوم والحكم ت
الأرنؤوط (1/ 177_178)
وَقَوْلُهُ: " لَيْسَ
عَلَيْهِ أَمْرُنَا " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْعَامِلِينَ
كُلِّهِمْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْتَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَتَكُونُ
أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ حَاكِمَةً عَلَيْهَا بِأَمْرِهَا وَنَهْيِهَا، فَمَنْ
كَانَ عَمَلُهُ جَارِيًا تَحْتَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مُوَافِقًا لَهَا، فَهُوَ
مَقْبُولٌ، وَمَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ مَرْدُودٌ.
وَالْأَعْمَالُ قِسْمَانِ:
عِبَادَاتٌ وَمُعَامَلَاتٌ.
فَأَمَّا الْعِبَادَاتُ،
فَمَا كَانَ مِنْهَا خَارِجًا عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْكُلِّيَّةِ،
فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى عَامِلِهِ، وَعَامِلُهُ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: {أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ___الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ
اللَّهُ} [الشورى: 21] (الشُّورَى: 21) فَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِعَمَلٍ
لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ، فَعَمَلُهُ بَاطِلٌ
مَرْدُودٌ عَلَيْهِ،
وَهُوَ شَبِيهٌ بِحَالِ الَّذِينَ كَانَتْ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ
مُكَاءً وَتَصْدِيَةً،
وَهَذَا كَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَمَاعِ الْمَلَاهِي،
أَوْ بِالرَّقْصِ، أَوْ بِكَشْفِ الرَّأْسِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَمَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ الَّتِي لَمْ يَشْرَعِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
التَّقَرُّبَ بِهَا بِالْكُلِّيَّةِ."
تطريز رياض الصالحين (ص:
137)
هذا الحديث: من أصول الدين
وقواعده، فيحتج به في إبطال جميع العقود المنهيّ عنها، وفي ردِّ المحدثاث وجميع
المنهيّات.
عمدة القاري شرح صحيح
البخاري (13/ 274)
وَفِيه: رد المحدثات
وَأَنَّهَا لَيست من الدّين لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا أمره، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَالْمرَاد بِهِ أَمر الدّين.
جامع العلوم والحكم ت
الأرنؤوط (1/ 176)
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ
عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ كَالْمِيزَانِ لِلْأَعْمَالِ فِي
ظَاهِرِهَا كَمَا أَنَّ حَدِيثَ: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» مِيزَانٌ
لِلْأَعْمَالِ فِي بَاطِنِهَا، فَكَمَا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يُرَادُ بِهِ
وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِعَامِلِهِ فِيهِ ثَوَابٌ، فَكَذَلِكَ كُلُّ
عَمَلٍ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى
عَامِلِهِ، وَكُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ، فَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ فِي شَيْءٍ
جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط
(2/ 128)
فَكُلُّ مَنْ أَحْدَثَ
شَيْئًا، وَنَسَبَهُ إِلَى الدِّينِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الدِّينِ
يَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَهُوَ ضَلَالَةٌ، وَالِدَيْنُ بَرِيءٌ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ فِي
ذَلِكَ مَسَائِلُ الِاعْتِقَادَاتِ، أَوِ الْأَعْمَالُ، أَوِ الْأَقْوَالُ
الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ.
شرح الأربعين النووية
للعثيمين (ص: 98)
من فوائد هذا الحديث:
. 1تحريم إحداث شيء في
دين الله ولو عن حسن قصد، ولو كان القلب يرق لذلك ويقبل عليه، لأن هذا من عمل
الشيطان.
الأحاديث الأربعين النووية مع
ما زاد عليها ابن رجب وعليها الشرح الموجز المفيد (ص: 14_15) للشيخ عبد الله بن
صالح المحسن
الفوائد:
(1) الحث على الإتباع
والتحذير من الابتداع.
(2) رد كل محدثة في الدين
وأنه لا فرق بين ما يحدثه الإنسان أو يحدثه غيره ويعمل به.
(3) أن كل ما وافق الشرع
أو تضمنته القواعد العامة ليس بمردود.
(4) إبطال جميع العقود
المنهي عنها.
(5) أن حكم الحاكم لا
يغير الحقائق فلا يحل حراما ولا يحرم حلالا وإن نفذ ظاهرا.
الموجز:
يرشدنا هذا الحديث على أن
كل من تعبد بشيء لم يشرعه الله ورسوله أو أحدث في الدين ما لا يشهد له أصل من
أصوله السنة أو القواعد___العامة فإن ذلك مردود على صاحبه وهو آثم في ذلك وكل شيء
من المعاملات إذا حدث فيه ما يفسد العقد لمخالفته الحكم الشرعي يجب رده على صاحبه
فليحذر كل مسلم الابتداع في الدين وليتمسك بهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
فتح القوي المتين في شرح
الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 40)
مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 تحريم الابتداع في
الدين.
2 أنَّ العمل المبني على
بدعة مردود على صاحبه.
3 أنَّ النهي يقتضي
الفساد.
4 أنَّ العمل الصالح إذا
أُتي به على غير الوجه المشروع، كالتنفل في وقت النهي بغير سبب، وصيام يوم العيد،
ونحو ذلك، فإنَّه باطل لا يُعتدُّ به.
5 أنَّ حكم الحاكم لا يُغيّر
ما في باطن الأمر؛ لقوله: "ليس عليه أمرنا".
6 أنَّ الصلح الفاسد
باطل، والمأخوذ عليه مستحق الرد، كما في حديث العسيف.
مشارق الأنوار الوهاجة
ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (1/ 208)
في فوائده:
1 - (منها): أن هذا
الحديث قاعدة عظيمة، من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-،
فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات.
2 - (ومنها): أنه وقع في
رواية لمسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ".
ففي هذه الرواية ردّ على من
قد يعاند من بعض الفاعلين في بدعة سُبق إليها، فإذا احتُجَّ عليه بالرواية الأولى،
يقول: أنا ما أحدثت شيئًا، فيحتج عليه بالثانية التي فيها التصريح برد كل
المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو سُبق بإحداثها. قاله النوويّ رحمه الله تعالى
(1).
وقال في "الفتح":
واللفظ الثاني -وهو قوله: "من عَمِلَ"- أعم من اللفظ الأول -وهو قوله:
"من أحدث"- فيُحتَجُّ به في إبطال جميع العقود المنهية، وعدم وجود
ثمراتها المرتبة عليها، وفيه ردُّ المحدثات، وأن النهي يقتضي الفساد؛ لأن المنهيات
كلها
مشارق الأنوار الوهاجة
ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (1/ 209)
ليست من أمر الدين، فيجب ردّها.
انتهى (1).
3 - (ومنها): أنه يستفاد
منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر؛ لقوله: "ليس عليه أمرنا"،
والمراد به أمر الدين.
4 - (ومنها): أن الصلح
الفاسد مُنتَقَضٌ، والمأخوذ عليه مُستحق الرد.
5 - (ومنها): أن هذا
الحديث دليلٌ لمن يقول من الأصوليين: إن النهي يقتضي الفساد، ومن قال: لا يقتضي
الفساد يقول: هذا خبر واحد، ولا يكفي في إثبات هذه القاعدة المهمة. قال النوويّ
رحمه الله تعالى: وهذا جواب فاسد.
وقال القرطبيّ: فيه حجةً
على أن النهي يدلّ على الفساد، وهو قول جمهور الفقهاء. وذهب بعض المالكيّة، وأكثر
المتكلّمين إلى أنه لا يدل على الفساد، وإنما مدلوله المنع من إدخال المنهيّ عنه
في الوجود فقط، وأما حكمه إذا وقع من فساد أو صحّة، فالنهي لا يدلّ عليه، ويُنظر
دليل ذلك من خارج النهي. وقد اختلف حال المنهيّات، فبعضها يصحّ إذا وقع، كالطلاق
في الحيض، وبعضها لا يصحّ، كبيع الملاقيح والمضمامين، وبعضها يَختلف فيه الفقهاء،
كالبيع عند النداء. قاله القرطبيّ (2).
قال الجامع عفا الله تعالى
عنه: الحقّ هو ما عليه جمهور الفقهاء من أن النهي يقتضي الفساد، وهذا فيما إذا لم
يدلّ دليل على خلافه، كالنهي عن تلقّي الجلب، فقد أخرج مسلم في "صحيحه"
وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "لا تَلَقَّوُا الجلب، فمن
تلقاه، فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار"، فقد خير -صلى الله
عليه وسلم- صاحبه بعد النهي بين أن يجيز البيع، وبين أن يُبطله، فدلّ على أن النهي
ليس للفساد، ومثله النهي عن التصرية، فقد أخرج مسلم أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله
عنه- مرفوعًا: "ولا تُصَرُّوا الإبلَ والغنمَ، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير
النظرين، بعد أن يَحْلُبها، فإن رضيها أمسكها، وإن___سخطها رَدّها، وصاعا من
تمر". فقد خيّر -صلى الله عليه وسلم- المشتري بين الرضا، وبين الردّ مع صاع
من تمر، فدلّ على أن النهي ليس للفساد، وكذا كلّ نهي دلّ النصّ على عدم اقتضائه
الفساد، وما عدا ذلك كلّه على الفساد. والله تعالى أعلم.
6 - (ومنها): أن هذا
الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، فإن معناه من اخترع في الدين ما
لا يشهد له أصل من أصوله، فلا يلتفت إليه. قال النووي: هذا الحديث مما ينبغي أن
يعتنى بحفظه، واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به كذلك. وقال
الطرقي: هذا الحديث يصلح أن يُسمَّى نصف أدلة الشرع؛ لأن الدليل يتركب من مقدمتين،
والمطلوب بالدليل إما إثبات الحكم، أو نفيه، وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل
حكم شرعي ونفيه؛ لأن منطوقه مقدمة كلية في كل دليل ناف لحكم، مثل أن يُقال في
الوضوء بماء نجس: هذا ليس من أمر الشرع، وكل ما كان كذلك فهو مردود، فهذا العمل
مردود، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، وإنما يقع النزاع في الأولى، ومفهومه
أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح، مثل أن يقال في الوضوء بالنية: هذا عليه
أمر الشرع، وكل ما كان عليه أمر الشرع فهو صحيح، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا
الحديث، والأولى فيها النزاع، فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم
شرعي ونفيه، لاستقل الحديثان بجميع أدلة الشرع، لكن هذا الثاني لا يوجد، فإذًا
حديث الباب نصف أدلة الشرع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[1] وفي "معجم الصحابة" للبغوي (5/ 386):
"معاوية بن خديج التجيبي: كان عامل معاوية على مصر." اهـ
[2] أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 4) (رقم: 4)، والحاكم
في المستدرك على الصحيحين (3/ 647) (رقم: 6374)، وصححه الألباني.
وفي
حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 5):
"قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْدُهُ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ لَمْ
يَتَجَاوَزْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ
وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّقْصِيرِ دُونَهُ قَدَّرَ اللَّهُ
قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِأَنْ لَا يَعْمَلَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ أَصْلًا أَوْ
يَأْتِيَ بِأَقَلَّ مِنَ الْقَدْرِ الْوَارِدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ
وَاقِفًا عِنْدَ الْحَدِّ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتِ بِإِفْرَاطٍ
فِيهِ وَلَا تَفْرِيطٍ." اهـ
[3] أخرجه البزار في مسنده = البحر الزخار (12/ 213)
(رقم : 5909)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 127) (رقم: 47)
[4] وأخرجه البزار (127)، وابن حبان في صحيحه (12/
267) (رقم: 5453)، وفيه زهير بن محمد التميمى العنبرى، والحديث رواه عنه الوليد بن
مسلم أبو العباس الدمشقى.
[5] وفي كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 81) (رقم : 129)
[6] أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 540) (رقم: 1693)،
وضعفه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (6/ 278) (رقم: 2758)، لضعف
زمعة بن صالح. أبو عامر: هو عبد الملك بن عمرو العَقَدي، وسلمة: هو ابن وَهرام.
لكن
الأمر بالقيلولة ورد فيما أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/ 13)
(رقم: 28) : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ»
وأخرجه
ابن المقرئ في معجمه (ص: 206) (رقم: 647)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان"
= "أخبار أصبهان" (1/ 236 و 1/ 416 و 2/ 30)، وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"
(4/ 202) (رقم: 1647)، وقال: "وشاهده الذي يصلح للاستشهاد إنما هو حديث عمر،
وهو وإن كان موقوفا فمثله لا يقال من قبل الرأي، بل فيه إشعار بأن هذا الحديث كان
معروفا عندهم، ولذلك لم يجد عمر رضي الله عنه ضرورة للتصريح برفعه. والله أعلم."
اهـ كلام الألباني.
[7] وقال أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي (المتوفى: 1378
هـ) _رحمه الله_ في بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني (12/ 138):
"يعنى: الظهر سميت (أولى) لاشتراكها مع العصر فى الوقت، ولذلك يقال لها مع
العصر الظهران. كما يقال للمغرب والعشاء العشاءان، والمراد صلاهما مع الأمام بعرفة
جمع تقديم." اهـ
[8] وفي فتح الباري لابن حجر (4/ 83): "وَالْمَأْزِمُ بِكَسْرِ
الزَّايِ الْمَضِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْجَبَلِ
نَفْسِهِ." اهـ
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (10/ 236)
"والمأزمان
تَثْنِيَة مأزم، بِهَمْزَة بعد مِيم وبكسر الزَّاي، هُوَ الْجَبَل، وَقيل: الْمضيق
بَين الجبلين وَنَحْوه، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب هُنَا، وَمَعْنَاهُ: مَا بَين
جبليها." اهـ
وفي أخبار مكة للفاكهي (4/ 310) : "وَهُمَا
جَبَلَانِ مِنْ دُونِ الْعَقَبَةِ إِلَى مَكَّةَ , يَقُولُ: أَيَّامَ مِنًى "
وفي معرفة السنن والآثار (7/ 292) (رقم : 10088) :
قَالَ الشَّافِعِيُّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ : «أَفَاضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ، فَلَمَّا
افْتَرَقَتْ لَهُ الطَّرِيقَانِ، طَرِيقُ ضَبٍّ، وَطَرِيقُ الْمَأْزِمَيْنِ،
سَلَكَ طَرِيقَ الْمَأْزِمَيْنِ وَهِيَ الَّتِي أُحِبُّ أَنْ يَسْلُكَ الْحَاجُّ،
وَهِيَ طَرِيقُ الْأَئِمَّةِ مُنْذُ كَانُوا»
وقال الساعاتي _رحمه الله_ في "بلوغ الأماني
من أسرار الفتح الرباني" (12/ 138):
"(المضيق) بكسر الضاد المعجمة ما ضاق من الأماكن، والمراد
به هنا المكان الضيق بين المأزمين، و(المأزمان) -
بهزة ساكنة بعد الميم الأولى وبعدها زاى مكسورة. وهما مثنيان واحدهما مأزم. ويجوز
تخفيف الهمزة بقلبها الفًا - : وهما جبلان بين عرفات ومزدلفة بينهما طريق، وهو
الْمُعَبَّرُ عنه هنا بـ(المضيق) لكونه ضيِّقًا، هذا معناه عند الفقهاء والمحدثين،
وأما أهل اللغة فقالوا المأزم الطريق الضيق بين الجبلين، وذكر الجوهرى قولًا آخر
فقال المأزم أيضًا موضع الحرب، ومنه سمي الموضع الذى بين مزدلفة وعرفة
(مأزمين)." اهـ
[9] صححه الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد، ط الرسالة (10/ 294)
[10] وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه
(7/ 193) (رقم: 35249) بإسناد صحيح
[11] وفي حاشية السندي على سنن
ابن ماجه (1/ 5):
قَوْلُهُ:
(لَمْ يَعْدُهُ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى
قَدْرِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي
التَّقْصِيرِ دُونَهُ قَدَّرَ اللَّهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِأَنْ لَا
يَعْمَلَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ أَصْلًا أَوْ يَأْتِيَ بِأَقَلَّ مِنَ الْقَدْرِ
الْوَارِدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْحَدِّ الْوَارِدِ فِي
الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتِ بِإِفْرَاطٍ فِيهِ وَلَا تَفْرِيطٍ." اهـ
[12] أخرجه: الترمذي في سننه
(3/ 176) (رقم: 824)، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
[13] أخرجه البخاري
في صحيحه (2/ 6) (رقم: 900)، ومسلم في صحيحه (1/ 327) (رقم: 442)
[14] وصححه الألباني في غاية المرام (رقم : 5)
Komentar
Posting Komentar