شرح الحديث 45-48 من صحيح الترغيب

 

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 126)

45 - (9) [صحيح] وعن عروة بن عبد الله بن قُشَيرٍ قال : حدثني معاوية بن قرة عن أبيه قال :

"أتيتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رَهْطٍ من مُزَينةَ[1]، فبايعناه وإنه لَمُطْلَقُ الأزرارِ[2]، فأدخلتُ يدي في جَيبِ قميصِه، فمَسَسْتُ[3] الخاتمَ[4]، قال عروة: (فما رأيتُ معاويةَ ولا ابنَه قط في شتاءٍ ولا صيف إلا مُطْلَقَيِ الأزرارِ).

رواه ابن ماجه (2) وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له،

وقال ابن ماجه : "إلا مُطْلَقَةً أزرارُهما".

__________

(2) قلت: وكذا أبو داود وابن سعد في "الطبقات"، وعزاه الناجي للترمذي أيضاً في "الشمائل". وهو مخرج في كتابي "مختصر الشمائل" (46 - 47/ 48).

 

تراجم الرواة:

 

* ترجمة عروة بن عبد الله بن قشير الجعفي:

عروة بن عبد الله بن قشير الجعفي: أبو مَهَلٍ _بفتح الميم والهاء وتخفيف اللام_ الكوفي، من طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له :  أبو داود، والترمذي في الشمائل، وابن ماجه، ثقة.

 

* ترجمة معاوية بن قرة المزني:

معاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزنى ، أبو إياس البصرى ( والد إياس بن معاوية )

المولد :  36 هـ ( يوم الجمل )

الطبقة :  3  : من الوسطى من التابعين

الوفاة :  113 هـ

روى له :  خ م د ت س ق  ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  ثقة

 

* ترجمة قرّة بن إياس المزني _رضي الله عنه_:

قال الحافظ _رحمه الله_ في "الإصابة في تمييز الصحابة" (5/ 330) (رقم: 7116):

قرّة بن إياس بن هلال بن رياب المزني: جدُّ إياس بن معاوية القاضي.

قال البخاريّ وابن السّكن: له صحبة، روى عنه ابنه معاوية،

قال ابن أبي حاتم: "ويقال له (قرة بن الأغَرِّ بن رياب).

وذكره ابن سعد في طبقة من شهد الخندق.

وقال أبو عمر [الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1280) (رقم: 2110)]: قتل في حرب الأزارقة في زمن معاوية، وأرّخه خليفة سنة أربع وستين (64 هـ)[5]، فيكون معاوية المذكور هو ابن يزيد بن معاوية." اهـ

 

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1280):

"سكن البصرة، وداره بها بحضرة العَوَقَةِ[6]." اهـ

 

وفي الإصابة في تمييز الصحابة (5/ 331):

"وأخرج البخاريّ في «التاريخ» ، من طريق جرير بن حازم، عن معاوية بن قرة، قال:

"خرجنا مع ابن عُبيس (بمهملتين وموحدة مصغرا) في عشرين ألفا، وكانت الحرورية في خمسمائة، فقتل أبي، فحملت على قاتل أبي، فقتلتُه."

قلت: وابن عبيس المذكور هو عبد الرحمن بن عبيس بن كريز بن ربيعة بن عبد شمس، وكان أمير الجيش، وقُتِل هو وأخوه (مسلم) في ذلك اليوم." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه أبو داود في سننه (4/ 55) (رقم : 4082)، وابن ماجه في سننه (2/ 1184) (رقم : 3578)، وابن الجعد في مسنده (ص: 392) (رقم: 2682)، وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 164) (رقم: 24801)، وأحمد في مسنده (24/ 347) (رقم : 15581)، وابن حبان في صحيحه (12/ 266) (رقم : 5452)، البزار في البحر الزخار (8/ 246_407) (رقم: 3308_3309)، وغيرهم.

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (2/ 1244) (رقم: 4336)

 

من فوائد الحديث :

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (12/ 266)

ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُطْلِقَ الْأزَرارِ فِي الْأَحْوَالِ

 

وقال القاري _رحمه الله_ في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2775):

"وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْعِصَامِ: فِيهِ حِلُّ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَحِلُّ الزِّرِّ فِيهِ وَحِلُّ إِطْلَاقِهِ، وَأَنَّ طَوْقَهُ كَانَ مَفْتُوحًا بِالطُّولِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَّخَذُ لَهُ الْأَزْرَارُ عَادَةً اهـ.

وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْعَادَاتِ مُخْتَلِفَةٌ زَمَانًا وَمَكَانًا، وَفِي الْأَوَّلِ أَيْضًا بَحْثٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ أَحَبَّ أَنْ يُسْتَحَبَّ وَحُكْمُ مَا بَيْنَهُمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2775)

"قَالَ السُّيُوطِيُّ: "فِيهِ أَنَّ جَيْبَهُ[7] كَانَ عَلَى الصَّدْرِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ الْآنَ، فَظَنَّ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ اهـ." اهـ

 

وقال عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي المتوفى بها سنة (1052 هـ) _رحمه اللَّه تعالى_ في "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (7/ 350):

"اعلم أن جيب قميصه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان على الصدر كما دلت عليه الأحاديث، وحققه علماء الحديث، وهو الذي تُعورف في بلاد العرب إلى أقصى المغرب، وتوارث فيهم خلفًا عن سلف،

وقال السيوطي: "ظن من لا علم عنده أنه بدعة، وليس كما ظن". انتهى.

ولما صار في بعض ديار العجم الجيب على الصدر عادة للنساء حكم بعض الفقهاء بكراهته للتشبه بهن،

ولا شك أن هذه العادة حادثة، والمعتبر هو الأصل، وما تُعورف في العجم للرجال فهو عادة النساء في العرب،

وبالجملة التحقيق أن جيبه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان على الصدر، نعم في دلالة هذا الحديث على ذلك كما ادعاه السيوطي خفاء،

ولعل وجه الدلالة أنه على تقدير وجود الإزار على الكتفين كما قاله بعض الفقهاء، وكونها مطلقة لا حاجة كثيرة إلى إدخال اليد لمساس الخاتم، بل الظاهر أن الخاتم على هذا التقدير يكون ظاهرًا مكشوفًا، ومسه بدون إدخال اليد ميسرًا، فافهم." اهـ

 

وقال شيخنا عبد المحسن العباد _رحمه الله_ في "شرح سنن أبي داود" - الشاملة:

هذا الحديث دل على أنهم رأوه محلول الأزرار، ولا يعني هذا أنه محلول الأزرار دائماً وأبداً، وأن هذا شأنه، وإلا فلماذا تتخذ الأزرار إذا كان الإنسان سيكون جيبه مفتوحاً باستمرار،

ولكن هذه هي الرؤية التي رآها قرة، فأراد أن يكون على هذه الهيئة التي رأى عليها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، ولا يعني هذا أن الأزرار تشترى وتركب في الثياب ثم لا تزر أبداً، هذا لا يدل عليه الحديث.

 

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (6/ 187)

يجوز لبس القميص والقباء ونحوهما مزررا ومحلول الأزرار إذا لم تبد عورته. ولا كراهة فى واحد منهما، لما تقدم،

سنن أبي داود (1/ 170)

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ أَصِيدُ [ص:171] أَفَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والنسائى والحاكم[8]

ولحديث " معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى رهط فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار (الحديث) أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذى فى الشمائل بسند صحيح." اهـ

 

قلت:

 

مصنف ابن أبي شيبة (5/ 164) (رقم: 24799): عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، زَارَّيْنِ عَلَيْهِمَا قَمِيصَهُمَا قَطُّ»

 

وفي مصنف ابن أبي شيبة (5/ 164) (رقم: 24800): عَنْ سَعِيدٍ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: «كُنْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي جِنَازَةٍ، فَرَأَيْتُهُ مُصْفَرَّ اللِّحْيَةِ مُحَلَّلَ الْأَزْرَارِ»

 

مصنف ابن أبي شيبة (5/ 165) (رقم: 24802) - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أُسَامَةَ[9]، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ سَالِمًا أَزَرَّ عَلَيْهِ»

 

وفي مصنف ابن أبي شيبة (5/ 165) (رقم: 24803) : عَنْ فِطْرٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ سَالِمًا[10] مُحَلِّلًا أَزْرَارَهُ»

 

وفي مصنف ابن أبي شيبة (5/ 165) (رقم: 24804): عَنْ المنذر بن يعلى الثورى[11]: «أَنَّهُ رَأَى عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ حِبَرَةً مُحَلَّلَةَ الْأَزْرَارِ، وَكَانَ لَهُ بُرْنُسُ قَزٍّ»

 

مصنف ابن أبي شيبة (5/ 165) (رقم: 24805): عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ مُحَلِّلًا أَزْرَارَهُ»."

 

============================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 126) :

46 - (10) [صحيح] وعن مجاهد قال :

كنا مع ابن عُمر _رحمه الله_ في سفرٍ، فمرَّ بمكان، فحادَ عنه، فسئل: لمَ فعلتَ ذلك؟ قال: (رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل هذا؛ ففعلتُ).

رواه أحمد والبزار بإسناد جيد.

قوله : (حاد) بالحاء والدال المهملتين؛ أي: تنحّى عنه، وأخذ يميناً أو شمالاً.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه أحمد في "مسنده" (8/ 474) (رقم : 4870)، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار عن زوائد البزار" (1/ 81) (رقم : 128)، وابن بطة العكبري في "الإبانة الكبرى" (1/ 242) (رقم : 74)، وأبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (2/ 115) (رقم : 1255).

 

شرح الحديث:

 

والذي يدل  على شدة اتباع ابن عمر  ما أخرجه أبو داود في سننه (رقم: 571): عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ» قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ." اهـ

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (2/ 195)

وَهَذَا مَشْهُورٌ مِنْ سِيرَةِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ لِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رَوَى ابن ماجه عن أبي جعفرٍ قال:

كَانَ ابْنُ عُمَرَ «إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ يَعْدُهُ، وَلَمْ يُقَصِّرْ دُونَهُ»[12]

وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مجاهد قال:

"كنت أسافر مع بن عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَحَادَ عَنْهُ، فَسُئِلَ: (لِمَ فَعَلْتَ)، قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا، فَفَعَلْتُ).

وَرَوَى الْبَزَّارُ عن بن عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي شَجَرَةً بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَيَقِيلَ تَحْتَهَا وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.[13]

وَرَوَى الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قال:

"رأيت بن عُمَرَ مَحْلُولُ الْإِزَرارِ وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْلُولُ الْإِزَارِ.[14]" اهـ

 

قلت:

 

وفي صحيح ابن حبان - محققا (12/ 267) (رقم: 5453)

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: "رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي مَحْلُولًا أَزْرَارُهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي كَذَلِكَ»

 

من فوائد الحديث:

1/ فيه شدة اتباع الصحابة السلف سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.

2/ فيه فضل الصحابي الجليل عبد الله بن عمر _رضي الله عنهما_.

3/ وفيه حرصهم على تفقد أحوال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.

 

وقال الساعاتي في الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (1/ 190)

وفيه منقبة لابن عمر رضي الله عنهما لأنه كان شديد الولوع بالاتباع ___بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في الأمور العادية رضي الله عنه.

 

============================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 127)

47 - (11) [حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما:

"أنّه كان يأتي شجرةً بين مكة والمدينة فَيَقِيلُ تحتها، ويُخبِر أنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعلُ ذلك".

رواه البزار بإسناد لا بأس به. (1)

__________

(1) قلت: يشير إلى أن في إسناده شيئاً، ولم أر فيه (1/ 81/ 129) من يمكن الغمز منه سوى محمد بن عباد الهنائي، وهو صدوق كما قال أبو حاتم ثم الحافظ. وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد حسن. وأما الجهلة الثلاثة فقالوا (1/ 101): "صحيح، وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون"! وهذا التوثيق لا يستلزم الصحة كما بينت في المقدمة.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البزار في مسنده = البحر الزخار (12/ 213) (رقم : 5909)[15]

 

============================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 127)

48 - (12) [صحيح] وعن [أنس] (2) بن سيرين قال :

"كنتُ مع ابنِ عمرَ -رحمه الله- بـ (عرفات)، فلما كان حين راحَ، رُحْتُ معه، حتى أتى الإِمامُ فصلّى معه الأولى والعصرَ،

ثم وقفَ وأنا وأصحابٌ لي، حتى أفاضَ الإمامُ، فَأَفَضْنا معه، حتى انتهى إلى المضيقِ دون المأْزِمَين[16]، فأَناخَ وأنخْنا، ونحن نَحسِب أنه يريد أن يصلّي،

فقال غلامُه الذي يُمسك راحلته: إنَّه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجتَه، فهو يحبّ أن يقضيَ حاجَتَه."

رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

 

قال الحافظ رحمه الله :

"والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في اتباعهم له، واقتفائهم سنّته كثيرة جداً، والله الموفق، لا ربَّ غيره".

__________

(2) لم ترد هذه الزيادة في الأصل، ولا في المخطوطة، واستدركتها من "المسند" (2/ 131)، وحذفُها من المؤلف غير جيد، فإن المتبادر من "ابن سيرين" عند الإطلاق، إنما هو محمد بن سيرين لا أنس بن سيرين، وهما أخوان.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه أحمد مسنده (10/ 294) (رقم : 6151)[17]

 

الأعلام للزركلي (4/ 108)

عَبْد الله بن عُمَر (10 ق هـ - 73 هـ = 613 - 692 م)

عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن: صحابي، من أعز بيوتات قريش في الجاهلية. كان جريئا جهيرا. نشأ في الإسلام، وهاجر إلى المدينة مع أيبه، وشهد فتح مكة.

ومولده ووفاته فيها. أفتى الناس في الإسلام ستين سنة. ولما قتل عثمان عرض عليه نفر أن يبايعوه بالخلافة فأبى. وغزا إفريقية مرتين: الأولى مع ابن أَبي سَرْح، والثانية مع معاوية بن حديج سنة 34 هـ وكف بصره في آخر حياته. وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة.

له في كتب الحديث 2630 حديثا. وفي الإصابة: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: مات ابن عمر، وهو مثل عمر في الفضل، وكان عمر في زمان له فيه نظراء، وعاش ابن عمر في زمان ليس له فيه نظير

شرح الحديث:

 

قال الله _تعالى_: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} [البقرة: 198، 199]



[1] وقال علي بن سلطان القاري _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (7/ 2775):

"(مِنْ مُزَيْنَةَ) : بِالتَّصْغِيرِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ مُضَرَ، وَالْجَارُّ صِفَةٌ لِرَهْطٍ وَهُوَ بِسُكُونِ الْهَاءِ وَيُحَرَّكُ، قَوْمُ الرَّجُلِ وَقَبِيلَتُهُ، أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَقِيلَ: إِلَى الْأَرْبَعِينَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَسْلَمُوا ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجِيئُهُمْ رَهْطًا رَهْطًا، أَوْ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ الْقَوْمِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَ " فِي " تَأْتِي بِمَعْنَى " مَعَ " كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38]." اهـ

[2] قال العظيم آبادي _رحمه الله_ في عون المعبود وحاشية ابن القيم (11/ 91):

"جَمْعُ زِرٍّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ هُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِي الْقَمِيصِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ زِرٌّ بِالْكَسْرِ كوبك كربيان وجزآن وَيُقَالُ لَهُ بِالْهِنْدِيَّةِ كهندي." اهـ

وقال ابن الملك الحنفي _رحمه الله_ في شرح المصابيح (5/ 20):

"(لمُطْلَقُ الأزرار)؛ أي: كان جيبُ قميصهِ مفتوحًا واسعًا، ولم يكنْ مشدودًا بالأزرار جمع زِر القميص بالكسر." اهـ

وقال القاري _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (7/ 2775):

"قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: كَذَا وَقَعَ فِي أُصُولِنَا وَرِوَايَتِنَا الْأُزُرُ بِغَيْرِ رَاءٍ بَعْدَ الزَّايِ، وَهُوَ جَمْعُ الْإِزَارِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الثَّوْبُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ أَوْ أَكْثَرِهَا الْأَزْرَارُ جَمْعُ زِرٍّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَشَدِّ الرَّاءِ، وَهُوَ خَرِيزَةُ الْجَيْبِ، وَبِهِ شَرَحَ شُرَّاحُهُ، وَجَيْبُ الْقَمِيصِ طَوْقُهُ الَّذِي يُخْرِجُ مِنْهُ الرَّأْسَ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَجْعَلُوهُ وَاسِعًا وَلَا يَزِرُّونَهُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْأَزْرَارَ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ اهـ." اهـ

[3] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2775) : " أَعْلَمُ. (فَمَسِسْتُ) : بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى وَيُفْتَحُ، وَالْأُولَى هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] أَيْ لَمَسْتُ." اهـ

[4] وقال ابن الملك الحنفي _رحمه الله_ في شرح المصابيح (5/ 20) : "أي: خاتم النبوة." اهـ

وفي سنن الترمذي ت شاكر (5/ 602) (رقم: 3644): عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: " كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - يَعْنِي الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ - غُدَّةً حَمْرَاءَ مِثْلَ بَيْضَةِ الحَمَامَةِ "

وهو حديث صحيح : صححه المحدث الشيخ محمد الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 872) (رقم: 4808)

وفي صحيح مسلم (4/ 1823) (رقم: 2346): عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا، أَوْ قَالَ ثَرِيدًا، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]

قَالَ: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ «فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى. جُمْعًا عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ»."

[5] وقال البستي في مشاهير علماء الأمصار (ص: 72) : "قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني: أبو معاوية، مات سنة أربع وستين." اهـ

[6] وقال الحموي _رحمه الله_ في "معجم البلدان" (4/ 169):

"عَوَقَةُ: بفتح أوله وثانيه، يقال: رجل عوقة ذو تعويق للناس عن الخيرات، وأما عوقة فهو جمع عائق: وهي محلّة من محالّ البصرة، ينسب إليها محمد بن سنان العوقي، والمحلّة تنسب إلى القبيلة، كذا ذكره الحازمي، وأخاف أن لا يكون ضبطه فان القبيلة هي عوق، بالضم والتسكين، كما ضبطه الأزهري بخطه، وهو أيضا موضع بالبصرة." اهـ

[7] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2775):

"وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَيْبَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَا يُقْطَعُ مِنَ الثَّوْبِ لِيُخْرِجَ الرَّأْسَ أَوِ الْيَدَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، يُقَالُ: جَابَ الْقَمِيصَ يَجُوبُهُ وَيَجِيبُهُ أَيْ قَدَّرَ جَيْبَهُ، وَجَيَّبَهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ جَيْبًا، وَأَصْلُ الْجَيْبِ الْقَطْعُ وَالْخَرْقُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُجْعَلُ فِي صَدْرِ الثَّوْبِ لِيُوضَعَ فِيهِ الشَّيْءُ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْجَيْبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ طَرَفُهُ الَّذِي يُحِيطُ بِالْعُنُقِ. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: جَيْبُ الثَّوْبِ أَيْ جَعَلَهُ فِيهِ ثُقْبًا يُخْرِجُ مِنْهُ الرَّأْسَ." اهـ

[8] حديث حسن : أخرجه أبو داود في سننه (1/ 170) (رقم: 632)، والنسائي في سننه (2/ 70) (رقم: 765)، وأحمد في مسنده – ط. عالم الكتب (4/ 49) (رقم: 16520)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 379) (رقم: 913).وحسنه الألأباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 295) (رقم: 268)

[9] أسامة بن زيد الليثى مولاهم (المتوفى سنة 153 هـ)، أبو زيد المدنى، من كبار أتباع التابعين، روى له :  خت م د ت س ق، صدوق يهم.

[10] سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى ، أبو عمرالمدنى الفقيه، ثبت عابد فاضل ، أحد الفقهاء السبعة، من الوسطى من التابعين، توفي سنة 106 هـ، روى له :  خ م د ت س ق

[11] المنذر بن يعلى الثورى ، أبو يعلى الكوفى، من الذين عاصروا صغارالتابعين، روى له :  خ م د ت س ق، ثقة.

[12] أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 4) (رقم: 4)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (3/ 647) (رقم: 6374)، وصححه الألباني.

وفي حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 5):

"قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْدُهُ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّقْصِيرِ دُونَهُ قَدَّرَ اللَّهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِأَنْ لَا يَعْمَلَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ أَصْلًا أَوْ يَأْتِيَ بِأَقَلَّ مِنَ الْقَدْرِ الْوَارِدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْحَدِّ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتِ بِإِفْرَاطٍ فِيهِ وَلَا تَفْرِيطٍ." اهـ

[13] أخرجه البزار في مسنده = البحر الزخار (12/ 213) (رقم : 5909)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 127) (رقم: 47)

[14] وأخرجه البزار (127)، وابن حبان في صحيحه (12/ 267) (رقم: 5453)، وفيه زهير بن محمد التميمى العنبرى، والحديث رواه عنه الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقى.

[15] وفي كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 81) (رقم : 129)

[16] فتح الباري لابن حجر (1/ 188): "قَوْله المأزمان وَأَحَدهمَا مأزم وَهُوَ الْمضيق." اهـ

وفي فتح الباري لابن حجر (4/ 83): "وَالْمَأْزِمُ بِكَسْرِ الزَّايِ الْمَضِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْجَبَلِ نَفْسِهِ." اهـ

وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (10/ 236)

"والمأزمان تَثْنِيَة مأزم، بِهَمْزَة بعد مِيم وبكسر الزَّاي، هُوَ الْجَبَل، وَقيل: الْمضيق بَين الجبلين وَنَحْوه، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب هُنَا، وَمَعْنَاهُ: مَا بَين جبليها." اهـ

وفي أخبار مكة للفاكهي (4/ 310) : "وَهُمَا جَبَلَانِ مِنْ دُونِ الْعَقَبَةِ إِلَى مَكَّةَ , يَقُولُ: أَيَّامَ مِنًى "

وفي معرفة السنن والآثار (7/ 292) (رقم : 10088) :

قَالَ الشَّافِعِيُّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ : «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ، فَلَمَّا افْتَرَقَتْ لَهُ الطَّرِيقَانِ، طَرِيقُ ضَبٍّ، وَطَرِيقُ الْمَأْزِمَيْنِ، سَلَكَ طَرِيقَ الْمَأْزِمَيْنِ وَهِيَ الَّتِي أُحِبُّ أَنْ يَسْلُكَ الْحَاجُّ، وَهِيَ طَرِيقُ الْأَئِمَّةِ مُنْذُ كَانُوا»

[17] صححه الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد، ط الرسالة (10/ 294)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة