شرح الحديث الثالث والسبعون من بهجة قلوب الأبرار
الحديث
الثالث والسبعون: القناعة. عن عبد الله
بن عمرو _رضي الله عَنْهُمَا_ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_: "قَدْ
أَفْلَحَ[1] مَنْ
أَسْلَمَ[2]، ورُزِقَ
كَفَافًا[3]، وَقَنَّعَهُ
اللَّهُ بِمَا آتَاهُ[4]" رَوَاهُ
مُسْلِمٌ |
شرح
الحديث:
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (2/ 180)
والفَلاَح: الظفر، والفوز بالبُغْية.
وذلك ضربان: دنيوىّ، وأُخروىّ.
فالدّنيوى: نيل الأَسباب الَّتى بها تطِيب الحياة.
وهى البقاءُ، والغِنى، والعِزَّ.
والأُخروىّ: أَربعة أَشياءَ: بقاءٌ بلا فناءٍ، وغنى
بى فقرٍ، وعزّ بلا ذُلٍّ وعلم بلا جهل. لذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (اللهمّ
لا عيش إِلا عيش الآخرة) [خ م]." اهـ
قال الشيخ العصيمي في شرح ثلاثة الأصول:
"والإسلام الشرعي، له إطلاقان:
أحدهما: عام، وحقيقته:
الإستسلام بالتوحيد,والإنقياد له بالطاعة والبراءة والخلوص من الشرك وأهله.
والآخر خاص،
وله معنيان:
* إستسلام الباطن والظاهر لله تعبُّدًا له بالشرع
المنزل على محمد على مقام المشاهدة أوالمراقبة.
* والثاني: الأعمال الظاهره,فإنها تسمى إسلامًا.
وهذا المعنى هو المقصود إذا قُرن الإسلام بالإيمان
والإحسان,فيكون المراد بالإسلام هنا الأعمال الظاهرة." اهـ
وقال الله _تعالى_: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}
[المائدة: 3]
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل
عمران: 19]
المفردات في غريب القرآن (ص: 685)
القَنَاعَةُ: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج
إليها. يقال: قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً وقَنَعَاناً: إذا رضي." اهـ
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (4/ 299)
للفيروزآبادي:
"والقناعة: الرّضا بالقَسْم." اهـ
تخريج الحديث:
أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 730) (رقم: 1054)، والترمذي
في سننه (4/ 575) (رقم: 2348)، وابن ماجه في سننه (2/ 1386) (رقم: 4138)
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 149): "حكم صلى
الله عليه وسلم بالفلاح لمن جمع هذه الخلال الثلاث. و"الفلاح" اسم جامع لحصول كل مطلوب محبوب،
والسلامة من كل مخوف مرهوب. |
وذلك أن هذه
الثلاث جمعت خير الدين والدنيا: * فإن العبد
إذا هدي للإسلام الذي هو دين الله الذي لا يقبل دينا سواه، وهو مدار الفوز
بالثواب والنجاة من العقاب، * وحصل له
الرزق الذي يكفيه ويكف وجهه عن سؤال الخلق، * ثم تمم الله
عليه النعمة، بأن قنعه بما آتاه، وحصل له الرضى بما أوتي من الرزق والكفاف، ولم
تَطْمَحْ نَفْسُهُ لما وراء ذلك، فقد حصل له حسنة الدنيا والآخرة. فإن النقص
بفوات هذه الأمور الثلاثة أو أحدها: * إما أن لا
يهدى للإسلام: فهذا مهما كانت حاله، فإن عاقبته الشقاوة الأبدية. * وإما بأن
يهدى للإسلام، ولكنه يبتلى: إما بفقر ينسي، أو غنى يطغي، وكلاهما ضرر ونقص كبير.
وإما بأن يحصل
له الرزق الكافِيْ موسعا أو مقدرا، ولكنه لا يقنع برزق الله، ولا يطمئن قلبه بما
آتاه الله، فهذا فقير القلب والنفس.___ فإنه ليس
الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى القلب، |
أشار إلى ما أخرجه البخاري في
صحيحه (8/ 95) (رقم: 6446)، ومسلم في صحيحه (2/ 726) (رقم: 1051):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَيْسَ الغِنَى عَنْ
كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ»
&
غذاء
الألباب شرح منظومة الآداب ( ط: الكتب العلمية ) - (2 / 426-427)
أَنَّ
الْقَنَاعَةَ صَاحِبُهَا مَلِكٌ ; لأَنَّهُ فِي غِنًى عَنْ النَّاسِ , وَفِيهِ
مَزِيَّةٌ عَلَى مِلْكِ مَا سِوَاهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا , وَهِيَ أَنَّهَا
غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى خَدَمٍ وَلا أَنْصَارٍ وَعَسَاكِرَ يَحْفَظُونَهَا .
وَلا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْ زَوَالٍ وَلا اغْتِصَابٍ
, بِخِلافِ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْخَوَلِ
وَالأَنْصَارِ لِلْخِدْمَةِ , وَالاحْتِرَازِ عَلَى نُفُوسِهِمْ مِنْ الأَعْدَاءِ
ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي هَمٍّ وَفِكْرَةٍ فِي___تَحْصِيلِ الأَمْوَالِ
وَتَدْبِيرِ الرَّعَايَا , وَفِي خَوْفٍ مِنْ زَوَالِ الْمُلْكِ , إمَّا
بِغَلَبَةِ الْعَدُوِّ , وَإِمَّا بِخُرُوجِ أَحَدٍ مِنْ الرَّعَايَا عَنْ
الطَّاعَةِ .
فكم من صاحبِ
ثروةٍ، وقلبُه فقيرٌ مُتَحَسِّرٌ، وكم من فقير ذاتِ اليد، وقلبُه غني راض، قانع
برزق الله. فالحازم إذا
ضاقت عليه الدنيا لم يجمع على نفسه بين ضيقها وفقرها، وبين فقر القلب وحسرته
وحزنه، بل كما يسعى لتحصيل الرزق، فَلْيَسْعَ لراحة القلب، وسكونه وطمأنينته.
والله أعلم. |
البحر المحيط الثجاج في شرح
صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (20/ 99)
في فوائده:
1 - (منها):
بيان فضل القناعة، والحثّ عليها.
2 - (ومنها):
بيان فضيلة هذه الأوصاف، وقد يُحْتَجّ به لمذهب من يقول: الْكَفَاف أفضل من الفقر
ومن الغنى، قاله النوويّ رحمهُ اللهُ.
3 - (ومنها): أن
من اتّصف بهذه الأمور، فقد حصل على مطلوبه، وظَفِرَ بمرغوبه في الدنيا والآخرة.
4 - (ومنها): أن
هذا الحديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-، كما تقدّم عن الطيبيّ رحمهُ
اللهُ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[1] وفي تحفة الأحوذي (7/ 13)
: "قَوْلُهُ (قَدْ أَفْلَحَ) أَيْ فَازَ وَظَفِرَ بِالْمَقْصُودِ." اهـ
[2] وفي تحفة الأحوذي (7/ 13)
: "(مَنْ أَسْلَمَ) أَيِ انْقَادَ لِرَبِّهِ." اهـ
[3] وفي تحفة الأحوذي (7/ 13)
: "(وَرُزِقَ) أَيْ مِنَ الْحَلَالِ (كفافا) أي ما يكف مِنَ الْحَاجَاتِ
وَيَدْفَعُ الضَّرُورَاتِ." اهـ
[4] وفي تحفة الأحوذي (7/ 13)
: "(وَقَنَّعَهُ اللَّهُ) أَيْ جَعَلَهُ قَانِعًا بِمَا آتَاهُ." اهـ
Komentar
Posting Komentar