شرح الحديث 54_56 من الأدب المفرد لأبي فائزة البوجيسي
54 - حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو فِي الْوَهْطِ - يَعْنِي أَرْضًا لَهُ بِالطَّائِفِ - فَقَالَ:
عَطَفَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِصْبَعَهُ فَقَالَ:
«الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ[1]،
مَنْ يَصِلْهَا يَصِلْهُ، وَمَنْ يَقْطَعْهَا يَقْطَعْهُ، لَهَا لِسَانٌ طَلْقٌ
ذَلْقٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [قال الشيخ الألباني : صحيح] |
رواة الحديث:
حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ (ثقة ثبت: ت 223 هـ بـ البصرة):
موسى بن
إسماعيل المنقرى ، مولاهم ، أبو سلمة التبوذكى البصرى، من صغار أتباع التابعين، روى له : خ م د
ت س ق
قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ (ثقة ثبت : 175 هـ):
الوضاح بن عبد
الله اليشكري أبو عوانة الواسطي البزاز (مولى يزيد بن عطاء بن يزيد اليشكري، ويقال
الكندي (مشهور بكنيته)، من كبار أتباع التابعين، روى له : خ م د ت س ق
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ (ثقة):
عثمان بن
المغيرة الثقفى مولاهم ، أبو المغيرة الكوفى الأعشى ، وهو عثمان بن أبى زرعة ،
مولى أبى عقيل الثقفى، من الذين عاصروا صغارالتابعين، روى
له: خ د ت س ق
عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ (مقبول):
أبو العنبس : محمد بن عبد الله
بن قارب الثقفي، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له : بخ
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْوَهْطِ، يَعْنِي أَرْضًا لَهُ بِالطَّائِفِ (ت:
سنة ليالى الحرة بـ الطائف):
عبد الله بن
عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشى السهمى، أبو محمد _رضي الله
عنهما_ (توفي ليالى الحرة بـ الطائف سنة 63 هـ) : خ م د ت س ق
نص الحديث:
فَقَالَ: عَطَفَ لَنَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِصْبَعَهُ فَقَالَ: «الرَّحِمُ شُجْنَةٌ
مِنَ الرَّحْمَنِ[2]،
مَنْ يَصِلْهَا يَصِلْهُ، وَمَنْ يَقْطَعْهَا يَقْطَعْهُ، لَهَا لِسَانٌ طَلْقٌ
ذَلْقٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في "الأدب
المفرد" (ص: 33) (رقم: 54)، مسند أبي داود الطيالسي (4/ 9) (رقم: 2364)، مسند
الحميدي (1/ 504) (رقم: 603)، مسند أحمد ط الرسالة (11/ 33) (رقم: 6494)، سنن الترمذي
ت شاكر (4/ 323) (رقم: 1924)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 175) (رقم: 7274).
صحيح - «التعليق الرغيب» (3/226)
، «غاية المرام» (406)، "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2/ 594) (رقم: 925)[3]
من فوائد الحديث:
وقال ابن حجر في فتح الباري (10/
419):
"* وَفِي الْأَحَادِيثِ
الثَّلَاثَةِ تَعْظِيمُ أَمْرِ الرَّحِمِ،
* وَأَنَّ صِلَتَهَا مَنْدُوبٌ
مُرَغَّبٌ فِيهِ
* وَأَنَّ قَطْعَهَا مِنَ
الْكَبَائِرِ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِيهِ
* وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
الْأَسْمَاءَ تَوْقِيفِيَّةٌ وَعَلَى رُجْحَانِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ
الْمُرَادَ بقوله وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا أَسْمَاءَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ
سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الذَّوَاتِ أَو من الصِّفَات وَالله أعلم." اهـ
المفاتيح في شرح المصابيح (5/
206)
صلةُ الرَّحِم رحمةٌ من الله
الكريم على عباده؛ لأنه يحصلُ لواصل الرَّحِم رحمةٌ من الله الكريم على عباده،
ويصل إلى بعض الأقارب مِن بعضهم شفقةٌ ورحمةٌ ونُصْرةٌ.
التوضيح لشرح الجامع الصحيح (23/
242)
وحقيقة الصلة العطف والرحمة،
وصلة الله عباده لطفه لهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أو صلتهم بأهل ملكوته
وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته.
ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في
الجملة، وقطعها معصية كبيرة، والأحاديث في الباب تشهد له، ولكن الصلة درجات، بعضها
أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك
باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة دون غايتها لا
يسمى قاطعًا ولو قصر عما قدر عليه، وينبغي له أن يسمى واصلًا
التحبير لإيضاح معاني التيسير
(4/ 427) للصنعاني:
"قال القرطبي (3): الرحم
التي توصل عامة وخاصة. فالعامة رحم الدين يجب مواصلتها بالتواد والتناصح والعدل
والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة.
وأما الرحم الخاصة؛ فيريد
بالنفقة على القريب وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم، وتتفاوت مراتب استحقاقهم
في ذلك كما جاء في الحديث الأول من كتاب الأدب: "الأقرب فالأقرب".
التحبير لإيضاح معاني التيسير
(4/ 428)
وقال ابن أبي جمرة (1): تكون صلة
الرحم بالمال، والعون على الحاجة ودفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء. والمعنى
الجامع إيصال ما أمكن من الخير، أو دفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة، وهذا إنما
يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة.
فإن كانوا كفاراً أو فجاراً
فمقاطعتهم في الله هي صلتهم؛ بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إن أصروا بأن ذلك
سبب تخلفهم عن الحق، ولا يقطع مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى
الطريقة المثلى. انتهى.
قلت: والحديث تخصيص برحمة الرحم
بصلتها بالقول والفعل، والمال." اهـ
وقال علاء الدين، أبو بكر بن
مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي (المتوفى: 587هـ) _رحمه الله_ في "بدائع
الصنائع في ترتيب الشرائع" (4/ 48):
"وَالْأَمْرُ بِالْوَصْلِ
يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ، وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ
نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:
«الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ
اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا مَقَامُ
الْعَائِذِ بِكَ قُطِعْتُ وَلَمْ أُوصَلْ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
أَمَا يَكْفِيك أَنِّي شَقَقْت لَك اسْمًا مِنْ اسْمِي أَنَا الرَّحْمَنُ وَأَنْتِ
الرَّحِمُ فَمَنْ وَصَلَك وَصَلْته وَمِنْ قَطَعَك بَتَتُّهُ»
وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا
يَكُونُ إلَّا بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ، فَدَلَّ : أَنَّ قَطْعَ الرَّحِمِ
حَرَامٌ!
وَالرَّحِمُ هُوَ الْقَرَابَةُ،
سُمِّيَتْ الْقَرَابَةُ (رَحِمًا):
* إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ
الرَّحِمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الرَّحْمَةِ، كَمَا جَاءَ فِي
الْحَدِيثِ.
وَالْقَرَابَةُ سَبَبُ
الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ طَبْعًا.
* وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ
الْمَخْصُوصِ مِنْ النِّسَاءِ الْمُسَمَّى بِـ(الرَّحِمِ)،
مَحَلُّ السَّبَبِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُودُ الْقَرَابَاتِ، فَكَانَ كُلُّ
قَرَابَةٍ أَوْ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ مُحَرَّمَةَ الْقَطْعِ بِظَاهِرِ النُّصُوصِ."
اهـ
الأدب المفرد مخرجا (ص: 34) 55 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ اللَّهِ، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ
قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ» [قال الشيخ الألباني : صحيح] |
رواة الحديث:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (صدوق
أخطأ فى أحاديث من حفظه : ت226 هـ):
إسماعيل
بن
عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبى عامر الأصبحى: أبو عبد الله بن أبى أويس المدنى (ابن أخت الإمام)، روى له : خ م د
ت ق
قَالَ: حَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ (ثقة: ت 177 هـ):
سليمان بن
بلال القرشى التيمى مولاهم: أبو محمد المدنى، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له : خ م د
ت س
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
أَبِي مُزَرِّدٍ (ليس به بأس):
معاوية بن أبى
مزرد (عبد الرحمن) بن يسار المدنى ، مولى بنى هاشم (وهو ابن أخى أبى الحباب سعيد
بن يسار)، من الذين عاصروا صغار التابعين، روى له : خ م س
عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ (ثقة
: ت 130 هـ)
يزيد بن رومان الأسدى: أبو روح المدنى
، مولى آل الزبير بن العوام، من صغار التابعين، روى له : خ م د ت س ق
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ثقة:
ت 94 هـ):
عروة بن
الزبير : بن العوام بن خويلد القرشى الأسدى ، أبو عبد الله المدنى، من الوسطى من
التابعين ، : خ م د ت س ق : ثقة
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا (ت 57 هـ)
عائشة بنت أبى بكر : الصديق
التيمية أم المؤمنين، أم عبد الله، روى له : خ م د ت س ق
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ اللَّهِ، مَنْ وَصَلَهَا
وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ»
تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في "الأدب
المفرد" (ص: 34) (رقم: 55)، وفي صحيحه (8/ 6) (رقم: 5989)، وابن وهب في "الجامع"
(ص: 226) (رقم: 149)، ووكيع في الزهد (ص: 707) (رقم: 404)، وهناد بن السري في الزهد
(2/ 489)، وأحمد في مسنده (40/ 392) (رقم: 24336)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (8/
73) (رقم: 4599)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 282) (رقم: 3152)، والمحاملي
في "الأمالي" - برواية ابن يحيى البيع (ص: 141) (رقم: 105)، والحاكم في المستدرك
على الصحيحين (4/ 175) (رقم: 7273)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 40) (رقم: 13214)،
وفي شعب الإيمان (10/ 322) (رقم: 7565)، وفي "الأسماء والصفات" (2/ 224)
(رقم: 789).
بَابُ صِلَةِ الرَّحِمِ
تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ 56 - حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَقِيلٌ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ
لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [قال الشيخ الألباني : صحيح] |
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
صَالِحٍ
(صدوق)
:
عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم
الجهنى مولاهم ، أبو صالح المصرى ( كاتب الليث بن سعد ) : (ت : 222 هـ) خت د ت
ق
قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ
(ثقة
ثبت فقيه إمام) :
الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمى ،
أبو الحارث المصرى (مولى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر)، من كبار أتباع التابعين (ت
: 175 هـ) خ م د ت س ق
قَالَ: حَدَّثَنِي عَقِيلٌ (ثقة
ثبت : ت 144 هـ):
عقيل بن خالد بن عقيل الأيلى:
أبو خالد الأموى مولاهم (مولى عثمان بن عفان)، روى له : خ م د ت س ق
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ثقة: 125 هـ):
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن
عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشى الزهرى: أبو بكر المدنى،
من طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له :
خ م د ت س ق
قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ (92 هـ):
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن
زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارى النجارى ، أبو حمزة
المدنى، روى له : خ م د ت س ق
نص الحديث:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ،
وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح
الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 307)
قال ابن التين رحمه الله: ظاهر
الحديث يعارض قوله تعالى:
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، والجمع بينهما
من وجهين:
أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن
البركة في العمر، بسبب التوفيق إلى
الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه
في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك،
ومثل هذا ما جاء أن النبيّ -صلى
الله عليه وسلم- تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من
الأمم، فأعطاه الله تعالى ليلة
القدر.
وحاصله أن صلة الرحم تكون سببًا
للتوفيق للطاعة، والصيانة عن
المعصية، فيبقى بعده الذِّكر
الجميل، فكأنه لم يمت.
ومن جملة ما يحصل له من التوفيق:
العلمُ الذي يُنتفع به مِن بعده،
والصدقة الجارية عليه، والخَلَف
الصالح.
ثانيهما: أن الزيادة على
حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملَك الموكل
بالعمر، وأما الأول الذي دلّت
عليه الآية، فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن
يقال للملَك مثلًا: إن عمر فلان
مائة مثلًا إن وَصَل رَحِمه، وستون إن قطعها،
وقد سبق في علم الله تعالى أنه
يَصِل، أو يَقطع، فالذي في علم الله لا يتقدّم،
ولا يتأخر، والذي في علم المَلَك
هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه
الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو
اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}
[الرعد: 39]، فالمحو والإثبات
بالنسبة لِمَا في علم المَلَك، وما في أم الكتاب
هو الذي في عِلم الله تعالى، فلا
محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرَم،___
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح
الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 308)
ويقال للأول: القضاء المعلَّق،
والوجه الأول ألْيَق بلفظ حديث الباب، فإن
الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أُخّر
حَسُن أن يُحْمَل على الذِّكر الحَسَن بعد فَقْد
المذكور.
وقال الطيبيّ: الوجه الأول أظهر،
وإليه يشير كلام صاحب "الفائق" قال:
ويجوز أن يكون المعنى أن الله
يُبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلًا، فلا
يضمحلّ سريعًا، كما يضمحلّ أثر
قاطع الرحم، ولَمّا أنشد أبو تمّام قوله في
بعض المراثي [من الطويل]:
تُوُفِّيَتِ الآمَالُ بَعْدَ
مُحَمَّدٍ ... وَأَصْبَحَ فِي شُغْلٍ عَنِ السَّفَرِ السَّفْرُ
قال له أبو دُلَف: لم يمت من قيل
فيه هذا الشعر.
ومن هذه المادّة قول الخليل رحمه
الله: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)} [الشعراء: 84].
وقد ورد في تفسيره وجه ثالث،
فأخرج الطبرانيّ في "الصغير" بسند
ضعيف، عن أبي الدرداء -رضي الله
عنه- قال: ذُكِر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وَصَل
رَحِمه أُنسئ له في أجله، فقال:
"إنه ليس زيادة في عمره، قال الله تعالى:
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ}
الآية [الأعراف: 34]، ولكن الرجل تكون له الذرية
الصالحة، يَدْعُون له من
بعده"، وله في "الكبير" من حديث أبي مشجعة
الجهنيّ، رفعه: "إن الله لا
يؤخِّر نَفْسًا إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر
ذرية صالحة ... " الحديث.
وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة
العمر نفي الآفات عن صاحب البرّ في
فَهْمه، وعقله، وقال غيره: في
أعمّ من ذلك، وفي وجود البركة في رزقه،
وعِلمه، ونحو ذلك، ذكر ذلك كلّه في
"الفتح" (1).
قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ
عندي قول من قال: إن الزيادة في
الأجل، والرزق زيادة حقيقيّة على
ظاهرها؛ لظاهر النصّ، ولأدلّة أخرى،
وسيأتي تحقيق ذلك في المسألة
الرابعة -إن شاء الله تعالى-.
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح
الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 309)
في فوائده:
1 - (منها): بيان فضل صلة الرحم.
2 - (ومنها): بيان بَسْط الرزق،
وطول العمر بسبب صلة الرحم.
3 - (ومنها): بيان أن الرزق
والأجل يزاد فيهما بصلة الرحم، وقد قدّمت
أن الصحيح كون الزيادة حقيقةً،
لا مجازًا، والله تعالى أعلم.
4 - (ومنها): بيان أن فعل الخير،
كصلة الرحم، ونحوها سبب الفلاح
في الدنيا والآخرة، قال الله عز
وجل: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[الحج: 77]، والله تعالى أعلم.
[1] وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "كشف المشكل"
(3/ 405):
"وأصل
ذَلِك الْغُصْن من أَغْصَان الشّجر إِذا التف بِالْآخرِ، قَالَ أَبُو عبيد: شجنة:
أَي قرَابَة مشتبكة كاشتباك الْعُرُوق، وَكَأن قَوْلهم: ((الحَدِيث ذُو شجون))
مِنْهُ، إِنَّمَا هُوَ تمسك بعضه بِبَعْض وَقَالَ: هَذَا شجر متشجن: إِذا التف
بعضه بِبَعْض. والشجنة والشجنة كالغصن يكون من الشّجر.
وَهَذَا
الحَدِيث لَا يَخْلُو مَعْنَاهُ من أحد شَيْئَيْنِ: إِمَّا أَن يُرَاد أَن الْحق
عز وَجل يُرَاعِي الرَّحِم بوصل من وَصلهَا وَقطع من قطعهَا وَالْأَخْذ لَهَا
بِحَقِّهَا، كَمَا يُرَاعِي الْقَرِيب قرَابَته، فَإِنَّهُ يزِيدهُ فِي المراعاة
على الْأَجَانِب. أَو أَن يُرَاد أَن الرَّحِم بعض حُرُوف الرَّحْمَن، فَكَأَنَّهُ
عظم قدره بِهَذَا الِاسْم." اهـ
وقال
الخطابي _رحمه الله_ في "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (3/ 2166) :
"معنى الشُجْنة: الوصْلة، وأصلها الغُصن من أغصان الشجر." اهـ
[2] وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "كشف المشكل"
(3/ 405):
"وأصل
ذَلِك الْغُصْن من أَغْصَان الشّجر إِذا التف بِالْآخرِ، قَالَ أَبُو عبيد: شجنة:
أَي قرَابَة مشتبكة كاشتباك الْعُرُوق، وَكَأن قَوْلهم: ((الحَدِيث ذُو شجون))
مِنْهُ، إِنَّمَا هُوَ تمسك بعضه بِبَعْض وَقَالَ: هَذَا شجر متشجن: إِذا التف
بعضه بِبَعْض. والشجنة والشجنة كالغصن يكون من الشّجر.
وَهَذَا
الحَدِيث لَا يَخْلُو مَعْنَاهُ من أحد شَيْئَيْنِ: إِمَّا أَن يُرَاد أَن الْحق
عز وَجل يُرَاعِي الرَّحِم بوصل من وَصلهَا وَقطع من قطعهَا وَالْأَخْذ لَهَا
بِحَقِّهَا، كَمَا يُرَاعِي الْقَرِيب قرَابَته، فَإِنَّهُ يزِيدهُ فِي المراعاة
على الْأَجَانِب. أَو أَن يُرَاد أَن الرَّحِم بعض حُرُوف الرَّحْمَن، فَكَأَنَّهُ
عظم قدره بِهَذَا الِاسْم." اهـ
وقال
الخطابي _رحمه الله_ في "أعلام الحديث" (شرح صحيح البخاري) (3/ 2166) :
"معنى الشُجْنة: الوصْلة، وأصلها الغُصن من أغصان الشجر." اهـ
[3] والحديث ورد من طريق آخر أخرجه البخاري في "صحيحه"
(8/ 6) (رقم: 5988) عن أبي هريرة _رضي الله عنه_: عَنِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ: " إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ،
فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ "
Komentar
Posting Komentar