شرح الحديث 26 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي
إِسْعَافُ
الرَّاغِبِيْنَ
عَلَى
بَيَانِ أَحَادِيْثِ رِيَاضِ الصَّالِحِيْنَ
شَرْحٌ
وَتَعْلِيْقٌ عَلَى كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِيْنَ
لِلْإِمَامِ
أَبِيْ زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ شَرَفٍ النَّوَوِيِّ الدِّمَشْقِيِّ _رَحِمَهُ
اللهُ_
قَامَ
بِشَرْحِهِ وَجَمْعِ فَوَائِدِهِ
الْفَقِيْرُ
إِلَى رِضَا رَبِّهِ وَمَغْفِرَتِهِ
الْأُسْتَاذُ
أَبُوْ فَائِزَةَ عَبْدُ الْقَادِرِ الْبُوْجِيْسِيِّ
_حَفِظَهُ
اللهُ وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِيْنَ_
(المجلد
الثاني)
[26] وعن أبي
سَعيد سعدِ بن مالكِ بنِ سنانٍ الخدري[1]
_رضي الله عنهما_ :
"أَنَّ
نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ فَأعْطَاهُمْ،
ثُمَّ سَألوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِندَهُ،
فَقَالَ
لَهُمْ حِينَ أنْفْقَ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ :
«مَا يَكُنْ
عِنْدي مِنْ خَيْر فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ
يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ[2]
يُصَبِّرْهُ اللهُ[3].
وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر[4]»
. مُتَّفَقٌ عليه.
تخريج
الحديث
أخرجه البخاري
في صحيحه (2/ 122) (رقم : 1469)، ومسلم في صحيحه (2/ 729) (رقم : 1053)، وأبو داود
في سننه (2/ 121) (رقم : 1644)، والترمذي في سننه (4/ 373) (رقم : 2024)، و(النسائيّ)
في "الزكاة" (2588) وفي "الكبرى" (2369)، و (مالك) في
"الموطّأ" (1880)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه" (20014)، و
(أحمد) في "مسنده" (3/ 2 1 و 47 و 93)، و (الطيالسيّ) في
"مسنده" (1/ 293)، و (الدارميّ) في "سننه" (1/ 387)، و (ابن
حبّان) في "صحيحه" (3400)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط" (9/
31)، و (أبو يعلى) في "مسنده" (2/ 505)، و (أبو نعيم) في
"مستخرجه" (3/ 117)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (4/ 195)، و
(البغويّ) في "شرح السنّة" (1613)، والله تعالى أعلم.
من
فوائد الحديث :
عمدة القاري
شرح صحيح البخاري - (13 / 493) :
"ويستفاد
منه : إعطاء السائل مرتين والاعتذار إلى السائل والحض على التعفف." اهـ
عمدة القاري
شرح صحيح البخاري - (13 / 494) :
"وفيه :
الحث على الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا وفيه أن الاستغناء والعفة
والصبر بفعل الله تعالى،
وفيه جواز
السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة وفيه ما كان
عليه من الكرم والسخاء والسماحة والإيثار على نفسه." اهـ
شرح صحيح
البخارى ـ لابن بطال - (3 / 504) :
"وفيه :
ما كان عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الكرم والسخاء والإيثار على نفسه
.
وفيه :
الاعتذار للسائل إذا لم يجد ما يعطيه . وفيه : الحض على الاستغناء عن الناس بالصبر
، والتوكل على الله ، وانتظار رزق الله
شرح صحيح
البخارى ـ لابن بطال - (3 / 505) :
"وأن
الصبر أفضل ما أعطيه المؤمن ، ولذلك الجزاء عليه غير مقدر ، ولا محدود،
قال تعالى :
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10]."
اهـ[5]
شرح صحيح
البخارى ـ لابن بطال - (10 / 182) :
"أرفع
الصابرين منزلةً عند الله من صبر عن محارم الله، وصبر على العمل بطاعة الله، ومن
فعل ذلك فهو من خالص عباد الله وصفوته." اهـ
التمهيد - (10
/ 132_133) لابن عبد البر :
"وفي هذا
الحديث ما كان عليه رسول الله _صلى الله عليه و سلم_ من السخاء والكرم،
هذا إن كان
عطاؤه ذلك من سهم وما أفاء الله عليه وإن يكن من مال الله فحسبك وما _عليه صلى الله عليه وسلم_ من إنفاذ أمر الله وإيثار
طاعته وقسمة مال الله بين عباده، وقد فاز من اقتدى به فوزا عظيما،
وفيه : إعطاء
السائل مرتين وفيه الاعتذار إلى السائل،
وفيه : الحض
على التعفف والاستغناء بالله عن عباده والتصبر وأن ذلك أفضل ما أعطيه الإنسان،
وفي هذا كله :
نهي عن السؤال وأمر بالقناعة والصبر،
وقد مضى القول
في السؤال وما يجوز منه وما لا يجوز ولمن يجوز ومتى يجوز فيما سلف من كتابنا هذا
والحمد لله." اهـ[6]
مجموع فتاوى
ابن باز(30)جزءا - (6 / 373_374)
الصبر له
عواقب حميدة إذا صبر على طاعة الله وعلى مصائب الدنيا ،
وإذا استقام
على أمر الله فإن له النعيم في الآخرة ، فالصابر مرتاح الضمير والقلب، جاهد_نفسه بالله وصبر على ما ابتلي به من الفقر والأعمال
الشاقة ، وفي الآخرة في دار النعيم مع الإيمان والتقوى . والله أعلم .
مجموع فتاوى
ابن باز(30)جزءا - (7 / 142)
فالصابر له
العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة أو له الجنة والكرامة في الآخرة إذا صبر على
تقوى الله سبحانه وطاعته وصبر على ما ابتلي به من شظف العيش والفاقة والفقر والمرض
ونحو ذلك
قال السعدي
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 127):
((وإنما كان
الصبر أعظم العطايا ، لأنه يتعلق بجميع أمور العبد وكمالاته ، وكل حالة من أحواله
تحتاج إلى صبر ، فإنه يحتاج إلى الصبر على طاعة الله ، حتى يقوم بها
ويؤديها ، وإلى صبر عن معصية الله حتى يتركها لله ، وإلى صبر على أقدار
الله المؤلمة ، فلا يتسخطها ، بل إلى صبر على نعم الله ومحبوبات النفس،
فلا يدع النفس تمرح وتفرح الفرح المذموم ، بل يشتغل بشكر الله ، فهو في كل أحواله
يحتاج إلى الصبر وبالصبر ينال الفلاح))[7]
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 88) للسعدي :
"هذا
الحديث اشتمل على أربع جمل جامعة نافعة.
إحداها: قوله:
"ومن يستعفف يعفه الله"
والثانية:
قوله: "ومن يستغن يغنه الله"
وهاتان
الجملتان متلازمتان، فإن كمال العبد في إخلاصه لله رغبة ورهبة وتعلقاً به دون
المخلوقين، فعليه أن يسعى لتحقيق هذا الكمال، ويعمل كل سبب يوصله إلى ذلك، حتى
يكون عبداً لله حقاً حُرّاً من رق المخلوقين. وذلك بأن يجاهد نفسه عن أمرين:
انصرافها عن التعلق بالمخلوقين بالاستعفاف عما في أيديهم. فلا يطلبه بمقاله ولا
بلسان حاله. ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم لعمر: "ما أتاك من هذا المال وأنت
غير مشرف ولا سائل فخذه. ومالا فلا تتبعه نفسَك"2 فقطع الإشراف في القلب
والسؤال باللسان، تعففاً وترفعاً عن مِنن الخلق، وعن تعلق القلب بهم، سبب قوي
لحصول العفة.
وتمام ذلك: أن
يجاهد نفسه على الأمر الثاني: وهو الاستغناء بالله، والثقة بكفايته، فإنه من يتوكل
على الله فهو حسبه. وهذا هو المقصود. والأول وسيلة إلى هذا." اهـ
بهجة قلوب
الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 89)
أن الصبر إذا
أعطاه الله العبد فهو أفضل العطاء وأوسعه وأعظمه، إعانة على الأمور. قال تعالى:
{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة:45] , أي: على أموركم كلها.
والصبر كسائر
الأخلاق يحتاج إلى مجاهدة للنفس وتمرينها. فلهذا قال: "ومن يتصبر" أي:
يجاهد نفسه على الصبر." اهـ
المنتقى شرح
الموطإ (7/ 322)
يُرِيدُ -
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ يَتَصَدَّ لِلصَّبْرِ وَيُؤْثِرْهُ يُعِنْهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَيُوَفِّقْهُ لَهُ.
المنتقى شرح
الموطإ (7/ 322)
وَقَوْلُهُ
_صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ
وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ»
يُرِيدُ
_وَاَللَّهُ أَعْلَمُ_ أَنَّهُ أَمْرٌ يَدُومُ بِهِ الْغِنَى بِمَا يُعْطَى،
وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلِأَنَّهُ يَفِي وَرُبَّمَا لَا يَفِي وَامْتَدَّ
الْأَمَلُ إلَى أَكْثَرَ مِنْهُ مِمَّنْ عَدِمَ الصَّبْرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَحْكَمُ." اهـ[8]
المفاتيح في
شرح المصابيح (2/ 517) للمظهري الزيداني :
"ومَن
طلبَ العِفَّةَ من الله تعالى رزقَه الله العفةَ، والإعفاف: إعطاءُ العفةِ أحدًا
وجعلُه عفيفًا، والعفة: حفظ النفس عن المَنهيَّات." اهـ
المفاتيح في
شرح المصابيح (2/ 517)
مَن قنعَ
بأدنى قُوتٍ وتركَ السؤالَ يُسهِّلُ الله عليه القناعةَ.
المفاتيح في
شرح المصابيح (2/ 517)
ومَن أظهرَ عن
نفسه الغنى وتركَ السؤال، وحفظَ ماءَ وجهِه يَجعلْه الله غنيًا.
المفاتيح في
شرح المصابيح (2/ 517)
ومَن أمرَ
نفسه بالصبر ووضعَ الصبرَ على نفسه بالتكلُّف يُسهِّلِ الله عليه الصبرَ.
عظات وعبر من
أحاديث سيد البشر صلى الله عليه وسلم (ص: 17_18) لأبي بكر الجزائري :
وجه العظة
بهذا الحديث النبوي الشريف يكون كالاتي:
1- كراهية
سؤال الناس أموالهم وما آتاهم الله من متاع الحياة الدنيا.
2- بيان الكرم
المحمدي الذي لم يصل إليه أحد غيره من الناس.
3- تجلي الكرم
المحمدي في الإنفاق أولاً، وفي قوله صلى الله عليه وسلم ما يكون عندي من خير لا
أدخره عنكم بل أعطيكم أياه ولا أدخره لغيركم من الناس قريبا مني أو بعيداً.
4- بيان فضل
كل من الاستعفاف والصبر والاستغناء عما في أيدي غيره.___
5- الوعد
النبوي الصادق المتجلي في قوله: ومن يستعفف يعفه الله أي من يطلب العفة لنفسه فلا
يسأل غير ربه يعفه الله أي يكفيه ويسد حاجته وفي قوله: ومن يتصبر أي يتكلف الصبر
ويتحمل مرارته فإن الله تعالى يصبره ويجعله من الصابرين الذي لا يسألون غير الله
شيئاً.
وفي قوله صلى
الله عليه وسلم ومن يستغن أي يطلب الغني بما اعطاه الله وإن قل ولا يسأل أحداً غير
الله تعالى يغنه الله فلا يحوجه على أن يسأل أحداً من الناس ما عنده من مال أو
طعام أو لباس أو مركوب.
6- بيان فضل
الصبر الذي هو حبس النفس عن سؤال غير الله تعالى أولاً ثم حبس النفس عن كل ما
يكرهه ولا يحبه من اعتقاد أو قول أو عمل، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم، ولن
تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر.
فاللهم ارزقنا
الصبر ورضاك واجعلنا من أوليائك وصالحي عبادك القانتين الصابرين الذاكرين الشاكرين
آمين آمين آمين." اهـ
منار القاري
شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 43) لحمزة محمد قاسم :
فقه الحديث:
دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: الترغيب في التعفف عن السؤال، لما فيه من إراقة
ماء الوجه، وإهدار كرامة الإِنسان، فلا يجوز إلّا لحاجة ماسّة على قدر الكفاية عند
العجز عن السعي، قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي
مِرَّةٍ سَوِي ". ثانياًً: أن الأخلاق الكريمة يمكن اكتسابها والوصول إليها
عن طريق التعود عليها كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " ومن يستعف يعفه الله
". والمطابقة: في قوله: " ومن يستعف يعفه الله ".
المنهل العذب
المورود شرح سنن أبي داود (9/ 282_283) لمحمود محمد خطاب السبكي
(فقه الحديث)
دل الحديث :
* على جواز
إعطاء السائل غير مرة.
* وعلى
مشروعية الاعتذار للسائل.
* وعلى جواز
السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه من غير سؤال.
* وعلى ما كان
عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من البشاشة والكرم وإيثار الغير على
نفسه.
* وعلى الحض
على التعفف والإستغناء عن الناس بالصبر وحسن التوكل على الله عَزَّ وَجَلَّ
* وعلي أن
الصبر أفضل ما أعطيه المؤمن ولذا كان الجزاء عليه جليلًا قال تعالى (إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ___أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)." اهـ
موارد الظمآن
لدروس الزمان (1/ 306) لعبد العزيز بن محمد بن عبد
المحسن السلمان (المتوفى: 1422هـ) :
"وَقَدْ
اشْتَمَلَ الحَدِيثَانِ الأَخِيرَانِ عَلَى جُمَلٍ جَامِعَةٍ نَافِعَةٍ:
الأولى:
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ
اللَّهُ» .
فَفِيهَا
الحَثُّ عَلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى انْصِرَافِهَا عَنْ التَّعَلَقُّ
بَالْمَخْلُوقِينَ، وَذَلِكَ بِالاسْتِعْفَافِ عَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، فَلا
يَطْلُبُ مِنْهُم شَيْئًا لا بِلِسَانِ الحَال ولا بِلِسَانِ الْمَقَالِ بَلْ
يَكُونُ مُعْتمدًا على الله وحْدَهُ." اهـ
موارد الظمآن
لدروس الزمان (1/ 306) :
"وَفي
الجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ: وَهِي قَوْلُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَمَنْ___يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ» . الحَثُّ عَلَى الاسْتِغْنَاءِ باللهِ
والثِّقَةِ بِهِ وَالاعْتِمَادِ عَلَيْهِ فِي الدَّقِيقِ والجَلِيلِ."
موارد الظمآن
لدروس الزمان (1/ 307) :
"وَالثَّالِثَةُ:
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرُهُ
اللهُ» .
فَفِيهَا
أَيْضًا الحَثُّ عَلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ الذي هُوَ حَبْسُ
النَّفْسِ عَلَى مَا تَكْرَهُ تَقَرُّبًا إلى اللهِ لأنَّهُ يَحْتَاجُ إلى
الصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ حَتَّى يُؤَدِّيهَا وَعَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ حَتَّى
يَتْرُكَهَا للهِ وَإلى الصَّبْرِ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ الْمُؤْلِمةِ فَلا
يَتَسَخَّطْ." اهـ
وفي "البحر
المحيط الثجاج" (20/ 93) للإثيوبي _رحمه الله_:
"وقال
ابن الجوزيّ _رحمهُ اللهُ_:
"إنما
جُعل الصبر خيرَ العطاء؛ لأنه حَبْسُ النفس عن فعل ما تحبّه، وإلزامها بفعل ما
تكره في العاجل مما لو فعله، أو تركه لتأذّى به في الآجل."
وقال القاريّ _رحمهُ
اللهُ_:
"وذلك
لأن مقام الصبر أعلى المقامات؛ لأنه جامع لمكارم الصفات والحالات، ولذا قُدّم على
الصلاة في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]،
ومعنى كونه
أوسع أنه تتّسع به المعارف، والمشاهد، والأعمال، والمقاصد." انتهى
البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (20/ 93_94):
"في
فوائده:___
1 - (منها):
بيان فضل الاستعفاف عن مسألة الناس أموالَهُم.
2 - (ومنها):
بيان ما كان عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من السخاءِ، والجودِ، والكرَمِ،
وإنفاذِ أمْرِ اللهِ _تعالى_، حيث قال له: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ
(10)} [الضحى: 10].
وقال ابن عبد
البرّ _رحمهُ اللهُ_:
"وفي هذا
الحديث ما كان عليه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من السخاء، والكرم، هذا إن كان
عطاؤه ذلك من سهم ما أفاء الله عليه، وإن يكن من مال الله فحسبك ما عليه من إنفاذ
أمر الله، وإيثار طاعته، وقسمة مال الله بين عباده، وقد فاز من اقتدى به فوزًا
عظيمًا." انتهى ["التمهيد لابن عبد البر" (10/ 132 – 133)].
3 - (ومنها):
إعطاء السائل مرّتين.
4 - (ومنها):
الاعتذار إلى السائل.
5 - (ومنها):
الحضّ على التعفّف.
6 - (ومنها):
جواز السؤال للحاجة، وإن كان الأولى تركه، والصبر على الفاقة حتى يرزقه الله تعالى
بغير مسألة.
7 - (ومنها):
الحضّ على الصبر، على ضيق العيش وغيره، من مكاره الدنيا، وأنه أفضل ما يُعطاه
المرءُ؛ لكون الجزاء عليه غير مقدّر، ولا محدود، قال الله تعالى: {إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
8 - (ومنها):
بيان أن الاستغناء، والعفّة، والصبر بفعل الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب،
وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل." اهـ
ذخيرة العقبى
في شرح المجتبى (23/ 181_182) للإثيوبي:
"في
فوائده:___
(منها): ما
بوّب له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان فضل الاستعفاف عن مسألة الناس
أموالَهُم
(ومنها): ما
كان عليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من السخاء والجود والكرم وإنفاذ أمر
اللَّه تعالى، حيث قال له: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}
(ومنها):
إعطاء السائل مرّتين،
(ومنها):
الاعتذار إلى السائل،
(ومنها):
الحضّ على التعفّف،
(ومنها): جواز
السؤال للحاجة، وإن كان الأولى تركه، والصبر على الفاقة حتى يرزقه اللَّه تعالى
بغير مسألة،
(ومنها):
الحضّ على الصبر، وأنه أفضل ما يعطاه المرأ؛ لكون الجزاء عليه غير مقدّر، ولا
محدود،
قال اللَّه
تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. واللَّه
تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل." اهـ
شرح أبي داود
للعيني (6/ 395):
"* وفيه :
الحض على الاستغناء عن الناس بالصبر والتوكل، وانتظار رزق الله [....]،
* وأن الصبر
أفضل ما أعطِي المؤمن، ولذلك كان الجزاء عليه غير مقدر، قال _تعالى_: {إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]." اهـ
[1] ترجمة أبي سعيد الخدري _رضي الله_
وفي
إكمال تهذيب الكمال (5/ 244) :
"سعد
بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبحر، وهو خدرة: أبو سعيد الخدري
الأنصاري الخزرجي.
وفي
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 168) : "أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ سَعْدُ
بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ * (ع) : الإِمَامُ، المُجَاهِدُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ،
سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ___عُبَيْدِ بنِ الأَبْجَرِ بنِ
عَوْفِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. وَاسْمُ الأَبْجَرِ: خُدْرَةُ. اسْتُشْهِدَ
أَبُوْهُ مَالِكٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ أَبُو سَعِيْدٍ الخَنْدَقَ، وَبَيْعَةَ
الرُّضْوَانِ. وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَأَكْثَرَ، وَأَطَابَ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَ
أَحَدَ الفُقَهَاءِ المُجْتَهِدِيْنَ. مُسْنَدُ أَبِي سَعِيْدٍ: أَلْفٌ وَمائَةٌ
وَسَبْعُوْنَ (1170) حَدِيْثاً، فَفِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) : ثَلاَثَةٌ
وَأَرْبَعُوْنَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً،
وَمُسْلِمٌ: بِاثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ." اهـ باختصار
وفي
معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1260) : سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَقِيلَ:
ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، كَانَ يَسْكُنُ
الْمَدِينَةَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ،
وَلَهُ عَقِبٌ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ
سَنَةً." اهـ
وفي
الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 602) : "أبو سعيد الخدري، هو مشهور بكنيته،
أول مشاهده الخندق، وغزا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سننا كثيرة، وروى عنه علما جما، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم
وفضلائهم. توفي سنة أربع وسبعين. روى عنه جماعة من الصحابة وجماعة من
التابعين." اهـ
[2] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1311):
"
وَمَنْ يَتَصَبَّرْ " أَيْ يَطْلُبْ تَوْفِيقَ الصَّبْرِ مِنَ اللَّهِ
لِأَنَّهُ قَالَ - تَعَالَى - {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}
[النحل: 127] أَوْ يَأْمُرْ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ وَيَتَكَلَّفْ فِي التَّحَمُّلِ
عَنْ مَشَاقِّهِ، وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، لِأَنَّ الصَّبْرَ
يَشْتَمِلُ عَلَى صَبْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْبَلِيَّةِ، أَوْ مَنْ
يَتَصَبَّرْ عَنِ السُّؤَالِ وَالتَّطَلُّعِ إِلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ
بِأَنْ يَتَجَرَّعَ مَرَارَةَ ذَلِكَ، وَلَا يَشْكُوَ حَالَهُ لِغَيْرِ
رَبِّهِ." اهـ
عدة
الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 20) لابن القيم :
"سمي
تصبرا كما يدل عليه هذا البناء لغة فإنه موضوع للتكلف كالتحلم والتشجع والتكرم
والتحمل ونحوها وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له." اهـ
[3] وفي مجموع الفتاوى (10/ 575) لابن تيمية : "وَهَذَا
كَأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الصَّبْرِ عَلَى الْفَاقَةِ بِأَنْ يَصْبِرَ عَلَى
مَرَارَةِ الْحَاجَةِ لَا يَجْزَعُ مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ مِنْ الْفَقْرِ وَهُوَ
الصَّبْرُ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ."
وفي
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (9/ 49) : "(يصبره الله) أَي: يرزقه الله صبرا
وَهُوَ من بَاب: التفعيل." اهـ
وقال
القرطبيّ _رحمهُ اللهُ_: "(ومن يتصبّر)، أي: يستعمل الصبر،
"يُصبّره" أي يقوّه، ويُمكّنه من نفسه حتى تنقاد له، وتُذعن لتحمّل
الشدائد، وعند ذلك يكون الله معه، فيُظفّره بمطلوبه، ويوصله إلى مرغوبه. انتهى من "المفهم"
(3/ 99)
[4] وفي الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/ 468_469) لأحمد بن إسماعيل بن عثمان
بن محمد الكوراني الشافعي ثم الحنفي (ت 893 هـ) :
"سماه عطاء بالنظر إلى
الأجر؛ ولذلك سمَّاه خيرًا؛ فإنَّ المال__يفنى، وأجر الصبر باق، وأما كونه أوسع
فإنه يدوم دوام العمر، والمال يفنى سريعًا." اهـ
[5] وفي شرح رياض الصالحين (1/ 197) للعثيمين :
"فإذا
كان الإنسان قد من الله عليه بالصبر؛ فهذا خير ما يعطاه الإنسان، وأوسع ما يعطاه،
ولذلك تجد الإنسان الصبور لو أوذي من قبل الناس، لو سمع منهم ما يكره، لو حصل منهم
اعتداء عليه، تجده هادي البال، لا يتصلب، ولا يغضب، لأنه صابر على ما ابتلاه الله
به؛ فلذلك تجد قلبه دائماً مطمئناً ونفسه مستريحة.."
[6] وفي الاستذكار (8/ 604) لابن عبد البر :
"وَفِي
هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ إِعْطَاءُ السَّائِلِ مَرَّتَيْنِ مِنْ مَالٍ
وَاحِدٍ
وَفِيهِ
حُجَّةٌ لِمَنْ قال يعطى الفقير باسم الفقر وباسم بن السَّبِيلِ مِنْ مَالٍ
وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ سَائِرُ سِهَامِ الصَّدَقَاتِ
وَقِيَاسُهُ
عِنْدَهُمُ الْوَصَايَا يُجِيزُونَ لِمَنْ أَوْصَى لَهُمْ بِشَيْءٍ وَإِذَا
قَبَضَهُ أَنْ يُعْطَى مَعَ الْمَسَاكِينِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَا
يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْمَسْكَنَةِ
وَكَذَلِكَ
سَائِرُ أَنْوَاعِ الْوَصَايَا
وأبى
من ذلك بن الْقَاسِمِ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّخَاءِ وَالْكَرَمِ
لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يُعْطِي مِنْ سَهْمِهِ وَصَمِيمِ مَالِهِ
وَفِيهِ
الِاعْتِذَارُ إِلَى السَّائِلِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُعْطِيهِ
وَفِيهِ
الْحَضُّ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ بِالصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى
اللَّهِ وَانْتِظَارِ رِزْقِ اللَّهِ وَذَلِكَ أَفْضَلُ مَا أُعْطِيَهُ
الْمُؤْمِنُ." اهـ
[7] وفي مجموع الفتاوى (6/ 215) : "فَمَنْ أُعْطِيَ الصَّبْرَ
وَالْيَقِينَ: جَعَلَهُ اللَّهُ إمَامًا فِي الدِّينِ." اهـ
وفي
قاعدة في الصبر (ص: 94) لابن تيمية :
"فبالصبر
واليقين تنال الإمامة في الدين، فإذا انضاف إلى هذا الصبر قوة اليقين والإيمان
ترقى العبد في درجات السعادة بفضل الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو
الفضل العظيم." اهـ
رسالة
ابن القيم إلى أحد إخوانه (ص: 16)
وَجمع
سُبْحَانَهُ بَين الصَّبْر وَالْيَقِين إِذْ هما سَعَادَة العَبْد وفقدهما يفقده
سعادته فَإِن الْقلب تطرقه طوارق الشَّهَوَات الْمُخَالفَة لأمر الله وطوارق الشُّبُهَات
الْمُخَالفَة لخبره فبالصبر يدْفع الشَّهَوَات وباليقين يدْفع الشُّبُهَات فَإِن
الشَّهْوَة والشبهة مضادتان للدّين من كل وَجه
[8] وفي الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/ 468_469) لأحمد بن إسماعيل بن
عثمان بن محمد الكوراني الشافعي ثم الحنفي (ت 893 هـ) :
"سماه عطاء بالنظر إلى
الأجر؛ ولذلك سمَّاه خيرًا؛ فإنَّ المال__يفنى، وأجر الصبر باق، وأما كونه أوسع
فإنه يدوم دوام العمر، والمال يفنى سريعًا." اهـ
Komentar
Posting Komentar