شرح الحديث 25-26 من كتاب صحيح الترغيب

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 117)

25 - (4) [صحيح] عن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"مَن سمَّع الناسَ بعملِه؛ سَمَّعَ الله به مَسامعَ خَلقِه[1]، وصغَّرَه وحقَّرَه"[2].

رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح، والبيهقي (2).

__________

(2) قلت: وأحمد أيضاً (6509 و6986 و7085 - طبعة شاكر).

 

صحابي الحديث:

 

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشى: أبو محمد السهمى، صحابي جليل، مات سنة 63 هـ (ليالى الحرة بـ الطائف).

 

فتح الباري لابن حجر (8/ 651)

وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْحَرَّةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ

 

الأعلام للزركلي (4/ 111)

عبد الله بن عمرو بن العاص، من قريش:___

* صحابي، من النساك. من أهل مكة. كان يكتب في الجاهلية، ويحسن السريانية. وأسلم قبل أبيه. فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أن يكتب ما يسمع منه، فأذن له.

* وكان كثير العبادة حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن لجسدك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لعينيك عليك حقا - الحديث.

* وكان يشهد الحروب والغزوات. ويضرب بسيفين. وحمل راية أبيه يوم اليرموك. وشهد صفين مع معاوية. وولاه معاوية الكوفة مدة قصيرة.

* ولما ولي مزيد امتنع عبد الله من بيعته، وانزوى - في إحدى الروايات - بجهة عسقلان، منقطعا للعبادة. وعمي في آخر حياته. واختلفوا في مكان وفاته.

له 700 حديث." اهـ كلام الزركلي

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (رقم : 141) وأحمد في " مسنده " (رقم 6509 و 6986 و 7085)، وهناد بن السري في الزهد (2/ 441)، وابن الجعد في مسنده (ص: 37) (رقم : 135)، والطبراني المعجم الأوسط (5/ 172) (رقم : 4984)، وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 124) و (5 / 99)، وفي معرفة الصحابة (3/ 1723) (رقم : 4361)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 149) (رقم : 6403)، والقطيعي في جزء الألفِ دينارٍ (ص: 318) (رقم : 207)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 293) (رقم : 482).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 140) (رقم : 2566)

 

شرح الحديث وفوائده :

 

شعب الإيمان (9/ 135) للبيهقي :

"الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ : وَهُوَ بَابٌ فِي إِخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ _عَزَّ وَجَلَّ_ وَتَرْكِ الرِّيَاءِ،

قَالَ اللهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]،

وَقَالَ : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]،

وَقَالَ : {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39]،

وَقَالَ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)} [الليل: 17 - 21]،

وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ الَّذِي فِيهِ : " إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ كَذَا فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ "[3]. اهـ

 

تحفة الأحوذي (7/ 45) للمُبَارَكْفُوْرِيِّ:

"مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ الْجَاهَ وَالْمَنْزِلَةَ عِنْدَ النَّاسِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يجعله حديثا عند الناس الذين أرادوا نيل الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُمْ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ." اهـ

 

بحر الفوائد المسمى بـ"معاني الأخبار" للكلاباذي (ص: 269_270) :

"الْمُسَمِّعُ بِعَمَلِهِ الْمَرَائِي بِهِ، يُظْهِرُ لِلنَّاسِ وَجَاهًا فِيهِمْ وَرُتْبَةً عِنْدَهُمْ، يُرِيهِمْ أَنَّهُ لِلَّهِ عَابِدٌ، وَلَهُ طَائِعٌ إِرَادَةَ رِفْعَةٍ فِيهِمْ، فَهُوَ إِنَّمَا يُرَائِي بِهِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يَعْظُمُ فِي أَعْيُنِهِمْ مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ لِلَّهِ مُتَعَبِّدِينَ لَهُ،

وَاللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ إِنَّمَا أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ إِخْلَاصَ الْعَمَلِ لَهُ، وَأَنْ لَا يُرِيدُوا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلَا تَكُونَ أَغْرَاضُهُمْ فِي أَفْعَالِهِمْ إِلَّا رِضَاءَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةِ،

فَإِذَا صَرَفُوا إِرَادَتَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ بِإِظْهَارِ صَالِحِهَا لَهُمْ، وَمُرَاءَاتِهِمْ بِهَا لِيَعْظُمُوا بِهَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَيَجِلَّ عِنْدَهُمْ أَقْدَارُهُمْ، قَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ،

فَأَظْهَرَ لِلْخَلْقِ مَسَاوِئَ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يُخْفُونَهَا عَنْهُمْ، وَيَسْتُرُونَهَا مِنْهُمْ، مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ، وَسَتَرَهَا عَلَيْهِمْ، فَيُبْدِيهَا لِسَائِرِ خَلْقِهِ مِنْ آدَمِيٍّ وَمَلَكٍ، وَسَائِرِ خَلْقِ اللَّهِ،

فَيُبْغِضُونَهُمْ عَلَيْهَا، وَتَزْدَرِيهِمْ أَعْيُنُهُمْ، وَتَقْصُرُ أَقْدَارُهُمْ عِنْدَهُمْ، وَيَحْقُرُونَهُمْ وَيَمْقُتُونَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَيَفْتَضِحُونَ عِنْدَهُمْ، وَيُنْتَهَكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَيَفُوتُهُمْ مَا قَصَدُوهُ، وَيُقْلَبُ عَلَيْهِمْ مَا أَرَادُوهُ،

فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ رَاءَى النَّاسَ بِمَحَاسِنِهِ وَأَظْهَرَ لَهُمْ صَالِحَ أَعْمَالِهِ، أَظْهَرَ اللَّهُ لَهُمْ مَسَاوِئَهَا مِنْهَا، فَيَفُوتُهُ مَا يُرِيدُ، وَيَبْطُلُ مَحَاسِنُهَا،___فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا، وَلَا يُدْرِكُ مَا يُرِيدُ، بَلْ يَفْتَضِحُ وَيَصْغُرُ وَيَحْقُرُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخِذْلَانِ." اهـ

 

============================

 

26 - (5) [صحيح] وعن جُندُبِ بنِ عبدِ اللهِ قال :

قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :

"من سَمَّع؛ سَمَّعَ اللهُ به، ومن يُراءِ؛ يراءِ اللهُ بهِ"[4]. رواه البخاري ومسلم.

(سمَّع) بتشديد الميم، ومعناه: من أظهر عمله للناس رياء؛ أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد.[5]

 

ترجمة جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُفْيَانَ البَجَلِيُّ:

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 174) (رقم : 30) :

جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُفْيَانَ البَجَلِيُّ * (ع): الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ البَجَلِيُّ، العَلَقِيُّ، صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَزَلَ الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ."

 

مشاهير علماء الأمصار (ص: 80)

"وعلق من بجيلة أبو عبد الله وهو الذي يقال له جندب الخير." اهـ

 

معجم الصحابة للبغوي (1/ 534)

"ويقال: جندب الخير، وجندب الفاروق، وجندب بن أم جندب." اهـ

 

إكمال تهذيب الكمال (3/ 245)

زاد العسكري: ثنا إسحاق بن الخليل، ثنا الحسن ابن عرفة، ثنا عبد الرحمن بن أبان، ثنا إبراهيم ابن أبي عبلة عن الحسن قال: قدم جندب بن عبد الله البجلي علينا وكان بدريا، فخرج منها - يعني البصرة - يريد الكوفة فشيعه الحسن وخمسمائة، حتى بلغوا معه مكانا يقال له: حصن الكاتب

 

* وصيته:

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 174)

عَنْ يُوْنُسَ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:

شَيَّعْنَا جُنْدُباً، فَقُلْتُ لَهُ: أَوْصِنَا.

قَالَ: أُوْصِيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وَأُوْصِيْكُم بِالقُرْآنِ، فَإِنَّهُ نُوْرٌ بِاللَّيْلِ المُظْلِمِ، وَهُدَىً بِالنَّهَارِ، فَاعْمَلُوا بِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جُهْدٍ وَفَاقَةٍ، فَإِنْ عَرَضَ بَلاَءٌ، فَقَدِّمْ مَالَكَ دُوْنَ دِيْنِكَ، فَإِنْ تَجَاوَزَ البَلاَءُ، فَقَدِّمْ مَالَكَ وَنَفْسَكَ دُوْنَ دِيْنِكِ، فَإِنَّ المَخْرُوْبَ مَنْ خَرِبَ دِيْنُهُ، وَالمَسْلُوْبَ مِنْ سُلِبَ دِيْنُهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ فَاقَةَ بَعْدَ الجَنَّةِ، وَلاَ غِنَىً بَعْدَ النَّارِ." اهـ

 

* وفاته:

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 175)

عَاشَ جُنْدُبٌ البَجَلِيُّ - وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ - وَبَقِيَ إِلَى حُدُوْدِ سنَةِ سَبْعِيْنَ.

 

إكمال تهذيب الكمال (3/ 246)

وقال ابن قانع: مات سنة أربع وستين.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (8/ 104) (رقم : 6499)[6]، ومسلم في صحيحه (4/ 2289) (رقم : 2987)، وابن ماجه في سننه (2/ 1407) (رقم : 4207)

 

من فوائد الحديث :

 

صحيح ابن حبان (2/ 133) :

"ذِكْرُ إِثْبَاتِ نَفْيِ الثَّوَابِ فِي الْعُقْبَى عَنْ مَنْ رَاءَى وَسَمَّعَ فِي أَعْمَالِهِ فِي الدُّنْيَا". اهـ

 

الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 440)

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ[7] :

"يَقُولُ: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَى غَيْرِ إِخْلَاصٍ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُونَهُ، جُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَدَهُ اللَّهُ وَيَفْضَحَهُ، فَشَهِدُوا عَلَيْهِ مَا كَانَ يُبْطِنُهُ وَيُسِّرُهُ مِنْ ذَلِكَ."[8]

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: «وَالْخِدَاعُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ وَيُعَجِّلَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالنِّعَمِ مَا يَدَّخِرُونَهُ، وَيُؤَخِّرَ عَنْهُمْ عَذَابَهُ وَعِقَابَهُ، إِذْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَيُضْمِرُونَ خِلَافَ مَا يُظْهِرُونَ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُظْهِرُ لَهُمْ مِنَ الْإِحْسَانِ فِي الدُّنْيَا خِلَافَ مَا يَغِيبُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَيَجْتَمِعُ الْفِعْلَانِ تَسَاوِيهمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ»

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 910):

"وفي الحديث: استحباب إخفاء العمل الصالح، لكن قد يستحب إظهاره ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به، ويقدر ذلك بقدر الحاجة.

قال ابن عبد السلام: يستثنى من استحباب إخفاء العمل، مَنْ يظهره ليقتدى به، أو لينتفع به ككتابة العلم.

ومنه حديث: «لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي» .

قال الطبري: كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم، ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدى بهم.

قال: فمن كان إمامًا يستن بعمله، عالمًا بما لله عليه، قاهرًا لشيطانه، استوى ما ظهر من عمله وما خفي، لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل. وعلى ذلك جرى عمل السلف.

فمن الأول : حديث أنس قال: سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يقرأ ويرفع صوته بالذكر فقال: «إنه أواب» . قال: فإذا هو المقداد بن الأسود. أخرجه الطبري.

ومن الثاني : حديث أبي هرير قال: قام رجل يصلي فجهر بالقراءة، فقال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تسمعْني وأسْمِع ربك» . أخرجه أحمد.." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 337)

وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَكِنْ قَدْ يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ عَلَى إِرَادَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَيُقَدَّرُ ذَلِك بِقدر الْحَاجة.

قَالَ بن عَبْدِ السَّلَامِ : "يُسْتَثْنَى مِنِ اسْتِحْبَابِ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ مَنْ يُظْهِرُهُ لِيُقْتَدَى بِهِ أَوْ لِيُنْتَفَعَ بِهِ كَكِتَابَةِ الْعِلْمِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ سَهْلٍ الْمَاضِي فِي الْجُمُعَةِ : "لِتَأْتَمُّوا بِي وَلْتَعْلَمُوا صَلَاتِي."

قَالَ الطَّبَرِيُّ :

"كَانَ بن عمر وبن مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَتَهَجَّدُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَيَتَظَاهَرُونَ بِمَحَاسِنِ أَعْمَالِهِمْ لِيُقْتَدَى بِهِمْ."

قَالَ : "فَمَنْ كَانَ إِمَامًا يُسْتَنُّ بِعَمَلِهِ عَالِمًا بِمَا لِلَّهِ عَلَيْهِ قَاهِرًا لِشَيْطَانِهِ اسْتَوَى مَا ظَهَرَ مِنْ عَمَلِهِ وَمَا خَفِيَ لِصِحَّةِ قَصْدِهِ، وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَالْإِخْفَاءُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عَمَلُ السَّلَفِ،

فَمِنَ الْأَوَّلِ : حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ :

سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ فَقَالَ إِنَّهُ أَوَّابٌ قَالَ فَإِذَا هُوَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ،

وَمِنَ الثَّانِي : حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْمِعْنِي وَأَسْمِعْ رَبك." أخرجه احْمَد وبن أبي خَيْثَمَة وَسَنَده حسن." اهـ[9]

 

مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل (ص: 99) لأبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء (المتوفى: 660هـ):

من عمل طَاعَة ثمَّ أخبر بهَا النَّاس فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال :

إِحْدَاهُنَّ : أَن يظْهر ذَلِك ليعظم ويوقر وَيحصل أغراض المرائين فَهَذَا مسمع و«من سمع سمع الله بِهِ».

الثَّانِي : أَن يفعل ذَلِك ليقتدى بِهِ وَيكون سَببا يحث المخبرين على الطَّاعَات والعبادات،

فَلهُ حالان : ___

أَحدهمَا : أَن يكون مِمَّنْ لَا يقْتَدى بِهِ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، فَلَا يتحدث بِشَيْء من ذَلِك احْتِرَازًا من التسميع والتصنع للنَّاس، وَقد يُسْخَرُ مِنْهُ إِذا أظهر عمله، وَنُسِبَ إِلَى الرِّيَاء فَيكون مخاطرا بالتسميع متسببا إِلَى وُقُوع النَّاس فِيهِ.

الثَّانِيَة : أَن يكون مِمَّن يُقْتَدَى بِهِ، وَله حالان :

* أَحدهمَا : أَن يكون مِمَّن يعْتَقد فِيهِ عَامَّة النَّاس كالخلفاء الرَّاشِدين وَالْعُلَمَاء الْمُتَّقِينَ، فَإِن وثق من أَمنه من الرِّيَاء إِذا تحدث بذلك فليتحدث بِهِ،

وَقد فعل ذَلِك جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الَّذين يقْتَدى بهم فِي أَقْوَالهم وأفعالهم وَقد تسبب بِإِظْهَار ذَلِك إِلَى نصح الْمُسلمين وحثهم على طَاعَة رب الْعَالمين.

* الثَّانِيَة : أَن يكون مِمَّن يعْتَقد فِيهِ بعض النَّاس دون بعض، فَلَا يتحدث بِهِ من لَا يعْتَقد فِيهِ. ويذكره عِنْد من يعْتَقد فِيهِ إِذا أَمن الرِّيَاء

وَإِن اجْتمع الْفَرِيقَانِ فَفِيهِ تَفْصِيل

الْحَالة الثَّالِثَة : أَن يخْشَى من التحدث بِالْعَمَلِ للرياء والتسميع فَلَا يتحدث بذلك احْتِيَاطًا وتحرزا عَن التصنع والتسميع." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (5/ 442)

مَن عمل عملًا مِن الطاعات لا على وجه الإخلاص، بل ليشتهرَ بين الناس بالصلاح جازاه الله بمثل فعله، بأن يُشهِرَ عيوبَه يومَ القيامة، ويفضحَه على رؤوس الأشهاد."[10]

 

قطر الولي على حديث الولي = ولاية الله والطريق إليها (ص: 438):

"فَاعْلَم أَن عُمْدَة الْأَعْمَال الَّتِي تترتب عَلَيْهَا صِحَّتهَا أَو فَسَادهَا هِيَ النِّيَّة وَالْإِخْلَاص، وَلَا شكّ أَنَّهُمَا من الْأُمُور الْبَاطِنَة.

فَمن لم تكن نِيَّته صَحِيحَة لم يَصح عمله الَّذِي عمله، وَلَا أجره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. وَمن لم يخلص عمله لله سُبْحَانَهُ فَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ مَضْرُوب بِهِ فِي وَجهه، وَذَلِكَ كالعامل الَّذِي يشوب نِيَّته بالرياء، قَالَ الله عز وَجل: {واعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين}[11]." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (6/ 351) للعثيمين:

"وفي هذا الحديث: التحذير العظيم من الرياء وأن المرائي مهما كان ومهما اختفى لابد أن يتبين _والعياذ بالله_، لأن الله تعالى تكفل بهذا : «من سمع : سمع___الله به، ومن راءى : راءى الله به»." اهـ[12]

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/ 200_201)

في فوائده:

1 - (منها): تحريم الرياء والسمعة، إذ هما يُحبطان الأعمال الصالحة[13].

2 - (ومنها): الحثّ على إخلاص العمل لله سبحانه وتعالي؛ لأنه الذي ينفع عامله.

3 - (ومنها): الحثّ على إخفاء العمل الصالح؛ لكونه أبعد عن الرياء والسمعة،

قال العلماء: لكن قد يستحب إظهاره ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به، ويقدَّر ذلك بقدر الحاجة، قال ابن عبد السلام: يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يُظهره ليُقتدَى به، أو لينتفع به، ككتابة العلم،

ومنه حديث____سهل - رضي الله عنه - مرفوعًا: "لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي"،

قال الطبري : "كان ابن عمر، وابن مسعود، وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم، ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدى بهم، قال: فمن كان إمامًا يُستن بعمله، عالِمًا بما لله عليه، قاهرًا لشيطانه، استوى ما ظهر من عمله، وما خفي؛ لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك، فالإخفاء في حقه أفضل، وعلى ذلك جرى عمل السلف.

فمن الأول : حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: سمِع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يقرأ، ويرفع صوته بالذكر، فقال: "إنه أواب"، قال: فإذا هو المقداد بن الأسود - رضي الله عنه -، أخرجه الطبريّ.

ومن الثاني : حديث الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قام رجل يصلى، فجهر بالقراءة، فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُسْمِعني، وأسمِع ربك"، أخرجه أحمدّ، وابن أبي خيثمة، وسنده حسن، قاله في "الفتح" (1)، والله تعالى أعلم." اهـ

 

تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (ص: 16) لابن جماعة الكِناني :

"ومن أدوية الرياء : الفكر بأن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه بما يقضيه الله له، ولا على ضيره بما لم يقدِّرْه الله تعالى عليه، فَلِمَ يُحْبِطُ عمله ويضير دينه ويُشْغِلُ نفسه بمراعاة من لا يملك له في الحقيقة نفعًا ولا ضرًا مع أن الله تعالى يطلعهم على نيته وقبح سريرته؟!" اهـ

 

مجموع الفتاوى (11/ 613) لشيخ الإسلام ابن تيمية :

"فَالسَّالِكُ طَرِيقَ الزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ إذَا كَانَ مُتَّبِعًا لِلشَّرِيعَةِ فِي الظَّاهِرِ وَقَصَدَ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ وَتَعْظِيمَ النَّاسِ لَهُ كَانَ عَمَلُهُ بَاطِلًا لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ.

كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ. وَهُوَ كُلُّهُ لِلَّذِي أَشْرَكَ}

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ} ".

وَإِنْ كَانَ خَالِصًا فِي نِيَّتِهِ لَكِنَّهُ يَتَعَبَّدُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوعَةِ، مِثْلُ : الَّذِي يَصْمُتُ دَائِمًا أَوْ يَقُومُ فِي الشَّمْسِ أَوْ عَلَى السَّطْحِ دَائِمًا أَوْ يَتَعَرَّى مِنْ الثِّيَابِ دَائِمًا وَيُلَازِمُ لُبْسَ الصُّوفِ أَوْ لُبْسَ اللِّيفِ وَنَحْوِهِ أَوْ يُغَطِّي وَجْهَهُ أَوْ يَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ أَوْ اللَّحْمِ أَوْ شُرْبِ الْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ بَاطِلَةً وَمَرْدُودَةً،

كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ} ". اهـ[14]

 

الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 36) لابن قيم الجوزيّة :

"ولما أظهر المنافقون الإسلام وأسروا الكفر : أظهر الله تعالى لهم يوم القيامة نوراً على الصراط وأظهر لهم أنهم يجوزون الصراط وأسر لهم أن يطفئ نورهم، وأن يحال بينهم وبين الصراط من جنس أعمالهم.

وكذلك من يظهر للخلق خلاف ما يَعْلَمُه الله فِيْهِ، فإن الله تعالى يظهر له في الدنيا والآخرة أسباب الفلاح والنجاح والفوز، ويبطن له خلافها." اهـ

 

مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل (ص: 74) للعز ابن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي :

"لَا يكون التسميع إِلَّا بعد انْقِضَاء الْعَمَل على الْإِخْلَاص فَيسمع العَبْد____النَّاس بِمَا فعله لأجل الله تَعَالَى ليحصل على الْأَغْرَاض الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي الرِّيَاء من التوقير والتعظيم وَالْإِكْرَام والاحترام والتصدر فِي الْمجَالِس والبداءة بِالسَّلَامِ." اهـ

 

الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (4/ 228)

"وَالرِّيَاءُ مُقَارِنٌ مُفْسِدٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُجْبِ أَنَّهُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْعُجْبُ بِالْقَلْبِ كِلَاهُمَا بَعْدَ الْعِبَادَةِ." اهـ[15]

 

منهاج المسلم (ص: 143) لأبي بكر الجزائري :

"المسلمُ لَا يرائي؛ إذِ الرياءُ نفاقٌ وشركٌ، والمسلمُ مؤمن موحِّدٌ فيتنافَى معَ إيمانهِ وتوحيدهِ خلقا الرياءِ والنِّفاقِ، فلَا يكونُ المسلمُ بحالٍ منافقًا ولَا مرائيًا، ويكفِي المسلمَ فيِ بغضِ هذَا الخلقِ الذميمِ والنُّفورِ منهُ أنْ يعلمَ أنَّ اللّهَ ورسولهُ يكرهانهِ ويمقتانِ عليهِ؛ إذْ قالَ تعالَى متوعِّدًا المرائينَ بالعذابِ والنَّكالِ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون]." اهـ



[1] وفي الميسر في شرح مصابيح السنة للتُّورِبشتي (3/ 1117) : "والمعنى: يفضحه يوم القيامة. ومثله: (من راءى راءى الله به).

وقيل: من أذاع على مسلم عيبا، وسمعه عليه أظهر الله عيوبه." اهـ

وفي تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 302): "«سمَّع»، أي: بلغ الله مسامع خلقه أنه مراء مزور, وأشهره بذلك فيما بين الناس." اهـ

[2] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3334) للقاري:

"«وَحَقَّرَهُ وَصَغَّرَهُ» بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا، أَيْ: جَعَلَهُ حَقِيرًا ذَلِيلًا مِنَ الصَّغَارِ، وَهُوَ الذُّلُّ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْعَلَهُ كَالذَّرِّ صَغِيرًا، كَمَا وَرَدَ فِي جَنَّةِ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمٌ." اهـ

[3] أخرجه مسلم (3/ 1513) (رقم : 1905) ، والنسائي في سننه (6/ 23) (رقم : 3137)، الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 122) (رقم : 2528)، واللفظ له.

[4] وفي شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3369_3370) :

"قال الشيخ أبو حامد: "درجات الرياء أربعة أقسام :

الأولى: وهي أغلظها، أن لا يكون مراده الثواب أصلا كالذي يصلي بين أظهر الناس، ولو انفرد لكان لا يصلي. بل ربما يصلي من غير طهارة مع الناس. فهذا حرد قصده إلى الرياء، فهو الممقوت عند الله تعالى.____

والثانية : أن يكون له قصد الثواب أيضا. ولكن قصدا ضعيفا بحيث لو كان في الخلوة، لكان لا يفعله ولا يحمله ذلك القصد على العمل، ولو لم يكن الثواب، لكان قصد الرياء يحمله على العمل، فقصد الثواب فيه لا ينفي عنه المقت.

والثالثة : أن يكون قصد الرياء والثواب متساويين، بحيث لو كان واحدا خاليا عن الآخر، لم يبعثه على العمل. فلما اجتمعا انبعثت الرغبة. وظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم رأسا برأس.

والرابعة : أن يكون إطلاع الناس مرجحا مقويا لنشاطه، ولو لم يكن لا يترك العبادة، ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم، فالذي نظنه - والعلم عند الله تعالى - أنه لا يحبط أصل الثواب، ولكنه بنقص منه، أو يعاقب على مقدار قصد الرياء، ويثاب على مقدار قصد الثواب. وأما قوله: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك)) فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان، أو كان قصد الرياء أرجح." اهـ

[5] وفي تحفة الأحوذي (4/ 186) للمباركفوري :

"(وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فِيهِمَا أَيْ مَنْ شَهَرَ نَفْسَهُ بِكَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخْرًا أَوْ رِيَاءً  شَهَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَصَاتِ بِأَنَّهُ مُرَاءٍ كَذَابٌ بِأَنْ أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ بِرِيَائِهِ وَسُمْعَتِهِ وَقَرَعَ بَابَ أَسْمَاعِ خَلْقِهِ فَيُفْتَضَحَ بَيْنَ النَّاسِ." اهـ

[6] وفي صحيح البخاري (9/ 64) (رقم : 7152) بشطره الأول

[7] وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 336_337) : "قَالَ الْخَطَّابِيُّ :

"مَعْنَاهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَى غَيْرِ إِخْلَاصٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُوهُ جُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُشَهِّرَهُ اللَّهُ وَيَفْضَحَهُ وَيُظْهِرَ مَا كَانَ يُبْطِنُهُ، وَقِيلَ : مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ الجاه والمنزلة عندالناس وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَجْعَلُهُ حَدِيثًا عِنْدَ النَّاسِ الَّذِينَ أَرَادَ نَيْلَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُمْ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَمَعْنَى (يُرَائِي) يُطْلِعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ لَا لِوَجْهِهِ،

وَمِنْهُ___قوله تَعَالَى : ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نوف إِلَيْهِم اعمالهم فِيهَا إِلَى قَوْله مَا كَانُوا يعْملُونَ))

وَقِيلَ : الْمُرَادُ مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ أَنْ يَسْمَعَهُ النَّاسُ وَيَرَوْهُ لِيُعَظِّمُوهُ وَتَعْلُوَ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُمْ حَصَلَ لَهُ مَا قَصَدَ وَكَانَ ذَلِكَ جَزَاءَهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ.

وَقِيلَ : الْمَعْنَى : مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِ النَّاسِ وَأَذَاعَهَا أَظْهَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُ وَسَمَّعَهُ الْمَكْرُوهَ

وَقِيلَ : الْمَعْنَى : مَنْ نَسَبَ إِلَى نَفْسِهِ عَمَلًا صَالِحًا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَادَّعَى خَيْرًا لَمْ يَصْنَعْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَفْضَحُهُ وَيظْهر كذبه،

وَقيل : الْمَعْنى من يرائي النَّاسَ بِعَمَلِهِ أَرَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَحرمه إِيَّاه وَقيل مَعْنَى سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ شَهَّرَهُ أَوْ مَلَأَ أَسْمَاعَ النَّاسِ بِسُوءِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْقِيَامَةِ بِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنْ خُبْثِ السَّرِيرَةِ،

قُلْتُ : وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ التَّصْرِيحُ بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ." اهـ

وفي شرح النووي على مسلم (18/ 116) :

"قَالَ الْعُلَمَاءُ :

مَعْنَاهُ : مَنْ رَايَا بِعَمَلِهِ وَسَمَّعَهُ النَّاسَ لِيُكْرِمُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ وَيَعْتَقِدُوا خَيْرَهُ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ النَّاسَ وَفَضَحَهُ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِهِ وَأَذَاعَهَا أَظْهَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُ، وَقِيلَ : أَسْمَعَهُ الْمَكْرُوهَ، وَقِيلَ : أَرَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْطِيهِ إِيَّاهُ لِيَكُونَ حَسْرَةً عَلَيْهِ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ النَّاسَ أَسْمَعَهُ اللَّهُ النَّاسَ وَكَانَ ذَلِكَ حَظَّهُ مِنْهُ." اهـ

[8] وفي أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (3/ 2257) لأبي سليمان الخطابي :

"يقول: من عمل عملا على غير إخلاص، وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزى على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه فيشيدوا عليه ما كان يبطنه ويسره من ذلك." اهـ

[9] وفي قوت القلوب (1/ 113) لأبي طالب المكي :

"فأما من كانت له نية صالحة في أن يسمع أخاه كلام الله ليتعظ به ويتدبره أو ينتفع باستماعه ويتذكر به فليس داخلاً في السمعة لوجود حسن النية وصحة القصد ولفقد اقتران الآفة لإرادة طمع عاجل من مدح أو غرض دنيا، كماقال أبو موسى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً، فلم ينكر عليه لأنه ذو نية في الخير وحسن قصد به، وقال الآخر الذي رفع صوته بالآية أسمع الله عزّ وجلّ ولاتسمعني فأنكر عليه لما شهد السمعة فيه."

[10] وفي الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/ 172) للكوراني :

هذا إذا فعله قاصدًا به ذلك الغرض الفاسد، وأما إذا فعله خالصًا لوجه الله فاطّلع الناس عليه فلا بأس بذلك لما روى الترمذي: أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمَّن يعمل عملًا فيطَّلع عليه الناس فيمدحونه فيسّره، قال: "ذلك عاجل بشرى المؤمن". اهـ

بل أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2034) (رقم : 2642)، وابن ماجه في سننه (2/ 1412) (رقم : 4225). ومع الأسف، وما وقفت على رواية الترمذي التي ساقها الكوراني _رحمه الله_!

 

[11] لعله سبق قلم منه _رحمه الله_، فإنه يرد في القرآن بهذا اللفظ، إنما ورد فيه قوله _تعالى_: {لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]

[12] وفي منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 300_301) للشيخ حمزة محمد قاسم المصري :

"فقه الحديث : دل هذا الحديث على التحذير الشديد من الرياء والسمعة لأنّهما يعودان على صاحبهما بالفضيحة في الدنيا، وفساد العمل وبطلانه في____الآخرة." اهـ

وفي الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 62_63) :

"(الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الرِّيَاءُ) :

قَدْ شَهِدَ بِتَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ قَائِلًا: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 10] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] أَيْ لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْأَجْرَ وَالْحَمْدَ بِعِبَادَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: 9] .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ___الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً» ." اهـ وذكر حديثنا

[13] وفي الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 62_63) للهيتمي :

"(الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الرِّيَاءُ) : قَدْ شَهِدَ بِتَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ قَائِلًا: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 10] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] أَيْ لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْأَجْرَ وَالْحَمْدَ بِعِبَادَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: 9] .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ___الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً» ." اهـ وذكر حديثنا

[14] ومن هذا القبيل ما ذكره الشقيري في السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات (ص: 256) : "أما تَعْلِيق السبحة الطَّوِيلَة الغليظة فِي الْعُنُق والطقطقة عَلَيْهَا بِلَا ذكر فَهُوَ الشّرك الْأَصْغَر لِأَنَّهُ رِيَاء وَسُمْعَة." اهـ

فائدة نسبية :

وفي اللباب في تهذيب الأنساب (2/ 203) لابن الأثير :

"الشُّقَيْرِيُّ : بِضَم الشين وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخرهَا رَاء –

هَذِه النِّسْبَة إِلَى شقير وَهُوَ جد أبي بكر أَحْمد بن الْحسن بن الْعَبَّاس بن الْفَرح ابْن شقير النَّحْوِيّ الشقيري بغدادي." اهـ

[15] وفي الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (4/ 248) :

"وَأَمَّا التَّسْمِيعُ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ يُنَادَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا فُلَانُ عَمِلَ عَمَلًا لِي ثُمَّ أَرَادَ بِهِ غَيْرِي فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارِ الشَّخْصِ بِمَا عَمِلَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَخْلَصَ فِيهَا لِيُعْتَقَدَ فِيهِ، وَيُكْرَمَ بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فَإِنَّهُ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ قَدْ سَرَّهُ تَرْكُ الْإِخْلَاصِ فِي الْعَمَلِ بِمُلَاحَظَةِ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِيهِ إلَّا أَنَّ التَّسْمِيعَ يُفَارِقُ الْعَجَبَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْعَجَبُ يَكُونُ بِالْقَلْبِ كَمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة