الحديث 21 رياض الصالحين

 

 

[21] وعن عبدِ الله بن كعبِ بنِ مالكٍ[1] (وكان قائِدَ كعبٍ _رضي الله عنه_ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عمِيَ) قَالَ : "سَمِعتُ كَعْبَ بنَ مالكٍ[2] _رضي الله عنه_ يُحَدِّثُ بحَديثهِ حينَ تَخلَّفَ عن رسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ في غَزْوَةِ تَبُوكَ.[3]

قَالَ كعبٌ : لَمْ أتَخَلَّفْ عَنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةٍ غزاها قطُّ إلاَّ في غزوة تَبُوكَ، غَيْرَ أنّي قَدْ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، ولَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهُ؛ إِنَّمَا خَرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمُسْلِمُونَ يُريدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ الله تَعَالَى بَيْنَهُمْ وبَيْنَ عَدُوِّهمْ عَلَى غَيْر ميعادٍ.

ولَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةَ العَقَبَةِ حينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وإنْ كَانَتْ بدرٌ أذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا.

وكانَ مِنْ خَبَري حينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةِ تَبُوكَ : أنِّي لم أكُنْ قَطُّ أَقْوى ولا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْهُ في تِلكَ الغَزْوَةِ،

وَالله ما جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُريدُ غَزْوَةً إلا وَرَّى بِغَيرِها[4] حَتَّى كَانَتْ تلْكَ الغَزْوَةُ،

فَغَزَاها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَديدٍ، واسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً وَمَفَازاً[5]، وَاستَقْبَلَ عَدَداً كَثِيراً[6]، فَجَلَّى للْمُسْلِمينَ أمْرَهُمْ ليتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهمْ، فأَخْبرَهُمْ بوَجْهِهِمُ الَّذِي يُريدُ،

والمُسلِمونَ مَعَ رسولِ الله كثيرٌ وَلا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ (يُريدُ بذلِكَ الدّيوَانَ)

قَالَ كَعْبٌ : فَقَلَّ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ أنَّ ذلِكَ سيخْفَى بِهِ ما لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ الله[7]،

وَغَزا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الغَزوَةَ حِينَ طَابَت الثِّمَارُ وَالظِّلالُ، فَأنَا إلَيْهَا أصْعَرُ[8]، فَتَجَهَّزَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ وطَفِقْتُ أغْدُو لكَيْ أتَجَهَّزَ مَعَهُ، فأرْجِعُ وَلَمْ أقْضِ شَيْئاً، وأقُولُ في نفسي: أنَا قَادرٌ عَلَى ذلِكَ إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمادى بي حَتَّى اسْتَمَرَّ بالنَّاسِ الْجِدُّ،

فأصْبَحَ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ غَادياً والمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أقْضِ مِنْ جِهَازي شَيْئاً، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أقْضِ شَيئاً،

فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بي حَتَّى أسْرَعُوا وتَفَارَطَ الغَزْوُ[9]، فَهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَا لَيْتَني فَعَلْتُ، ثُمَّ لم يُقَدَّرْ ذلِكَ لي، فَطَفِقْتُ إذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ يَحْزُنُنِي أنِّي لا أرَى لي أُسْوَةً، إلا رَجُلاً مَغْمُوصَاً عَلَيْهِ في النِّفَاقِ[10]، أوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ _تَعَالَى_ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ،

فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ في القَوْمِ بِتَبُوكَ : «ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟»

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ : يا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ والنَّظَرُ في عِطْفَيْهِ.[11]

فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ _رضي الله عنه_ : بِئْسَ مَا قُلْتَ! واللهِ يا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلا خَيْرَاً،

فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_.

فَبَيْنَا هُوَ عَلى ذَلِكَ رَأى رَجُلاً مُبْيَضًّا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ»،

فَإذَا هُوَ أبُو خَيْثَمَةَ الأنْصَارِيُّ[12]، وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِيْنَ لَمَزَهُ المُنَافِقُونَ.

قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا بَلَغَنِي أنَّ رَسُولَ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلاً[13] مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثِّي، فَطَفِقْتُ أتَذَكَّرُ الكَذِبَ، وأقُولُ : "بِمَ أخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدَاً؟"

وأسْتَعِيْنُ عَلى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رأْيٍ مِنْ أهْلِي،

فَلَمَّا قِيْلَ : إنَّ رَسُولَ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ قّدْ أظَلَّ قَادِمَاً، زَاحَ عَنّي البَاطِلُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيءٍ أَبَداً، فَأجْمَعْتُ صدْقَهُ،

وأَصْبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَادِماً، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ، فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ،

فَلَمَّا فَعَلَ ذلِكَ جَاءهُ المُخَلَّفُونَ يَعْتَذِرونَ إِلَيْه[14] ويَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعاً وَثَمانينَ رَجُلاً، فَقَبِلَ مِنْهُمْ عَلانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلى الله _تَعَالَى_، حَتَّى جِئْتُ،

فَلَمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ. ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَ» ، فَجِئْتُ أمْشي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فقالَ لي: «مَا خَلَّفَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟[15]»

قَالَ : قُلْتُ : "يَا رسولَ الله، إنّي _والله_ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا لَرَأيتُ أنِّي سَأخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ؛ لقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، ولَكِنِّي _والله_ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليوم حَدِيثَ كَذبٍ تَرْضَى به عنِّي لَيُوشِكَنَّ الله أن يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وإنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إنّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى الله _عز وجل_[16]، واللهِ ما كَانَ لي مِنْ عُذْرٍ. واللهِ، مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ."

قَالَ : فقالَ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ : «أمَّا هَذَا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ

اللهُ فيكَ» .

وَسَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَة فاتَّبَعُوني فَقالُوا لِي : "واللهِ، مَا عَلِمْنَاكَ أذْنَبْتَ ذَنْباً قَبْلَ هذَا، لَقَدْ عَجَزْتَ في أنْ لا تَكونَ اعتَذَرْتَ إِلَى رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ بما اعْتَذَرَ إليهِ المُخَلَّفُونَ، فَقَدْ كَانَ كَافِيكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ لَكَ."

قَالَ : فَوالله، ما زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُّ أَنْ أرْجعَ إِلَى رسولِ الله _صلى الله عليه وسلم_، فأُكَذِّبَ نَفْسِي،

ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : هَلْ لَقِيَ هذَا مَعِيَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلانِ قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قيلَ لَكَ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُما؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبيع الْعَمْرِيُّ[17]، وهِلاَلُ ابنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ[18]؟

قَالَ: فَذَكَرُوا لِي رَجُلَينِ صَالِحَينِ قَدْ شَهِدَا بَدْراً فيهِما أُسْوَةٌ،

قَالَ: فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي. ونَهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلامِنا أيُّهَا الثَّلاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فاجْتَنَبَنَا النَّاسُ - أوْ قَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا - حَتَّى تَنَكَّرَتْ[19] لي في نَفْسي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ بالأرْضِ الَّتي أعْرِفُ،

فَلَبِثْنَا عَلَى ذلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. فَأمّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانا وقَعَدَا في بُيُوتِهِمَا يَبْكيَان. وأمَّا أنَا فَكُنْتُ أشَبَّ الْقَومِ وأجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أخْرُجُ فَأشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ المُسْلِمِينَ، وأطُوفُ في الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ فأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ،

فَأَقُولُ في نَفسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْه برَدِّ السَّلام أَمْ لا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَريباً مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ عَنِّي،

حَتَّى إِذَا طَال ذلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ المُسْلِمينَ[20] مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدارَ حائِط أبي قَتَادَةَ _وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وأَحَبُّ النَّاس إِلَيَّ_، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ. فَوَاللهِ، مَا رَدَّ عَليَّ السَّلامَ،[21]

فَقُلْتُ لَهُ : "يَا أَبَا قَتَادَةَ، أنْشُدُكَ بالله،[22] هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ _صلى الله عليه وسلم_؟" فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ،

فَقَالَ: اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ، فَبَيْنَا أَنَا أمْشِي في سُوقِ الْمَدِينة إِذَا نَبَطِيٌّ[23] مِنْ نَبَطِ أهْلِ الشَّام مِمّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يَبيعُهُ بِالمَدِينَةِ يَقُولُ : "مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟"

فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إلَيَّ حَتَّى جَاءنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَاباً مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ[24]، وَكُنْتُ كَاتباً. فَقَرَأْتُهُ فإِذَا فِيهِ : "أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنا أنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بدَارِ هَوانٍ وَلا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بنَا نُوَاسِكَ"،

فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهَا : "وَهَذِهِ أَيضاً مِنَ البَلاءِ!"

فَتَيَمَّمْتُ بهَا التَّنُّورَ[25] فَسَجَرْتُهَا[26]، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، إِذَا رسولُ رسولِ الله _صلى الله عليه وسلم_ يَأتِيني، فَقالَ :

"إنَّ رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ يَأمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتَكَ[27]

فَقُلْتُ : "أُطَلِّقُهَا أمْ مَاذَا أفْعَلُ؟" فَقالَ : "لا، بَلِ اعْتَزِلْهَا، فَلا تَقْرَبَنَّهَا".

وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذلِكَ.

فَقُلْتُ لامْرَأتِي : "الْحَقِي بِأهْلِكِ فَكُوني عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ في هَذَا الأمْرِ.

فَجَاءتِ امْرَأةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ[28] رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ فَقَالَتْ لَهُ :

"يَا رَسُولَ الله، إنَّ هِلاَلَ بْنَ أمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أنْ أخْدُمَهُ؟"

قَالَ : «لا، وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ»

فَقَالَتْ : "إِنَّهُ _واللهِ_ ما بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إِلَى شَيْءٍ، وَوَالله، مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَومِهِ هَذَا."

فَقَالَ لي بَعْضُ أهْلِي[29] : "لَو اسْتَأْذَنْتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في امْرَأَتِكَ فَقَدْ أَذِن لاِمْرَأةِ هلاَل بْنِ أمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ؟"

فَقُلْتُ: لا أسْتَأذِنُ فيها رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ وَمَا يُدْرِيني مَاذَا يقُول رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌ! فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِيَ عَنْ كَلاَمِنا،

ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحالِ الَّتي ذَكَرَ الله تَعَالَى مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أوفَى عَلَى سَلْعٍ[30] يَقُولُ بِأعْلَى صَوتِهِ :

"يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أبْشِرْ!"

فَخَرَرْتُ سَاجِداً، وَعَرَفْتُ أنَّهُ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ.

فآذَنَ[31] رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ النَّاسَ بِتَوْبَةِ الله _عز وجل_ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاةَ الفَجْر، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا،

فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَساً، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أسْلَمَ قِبَلِي، وَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، فَكانَ الصَّوْتُ أسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ،

فَلَمَّا جَاءني الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُني، نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إيَّاهُ بِبشارته،

وَاللهِ مَا أمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبسْتُهُما، وَانْطَلَقْتُ أتَأمَّمُ رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ يَتَلَقَّاني النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهنِّئونَني بالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ لِي : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ.[32]

حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ حَوْلَه النَّاسُ،

فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ _رضي الله عنه_ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَني وَهَنَّأَنِي، والله مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرينَ غَيرُهُ _فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ_.

قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله _صلى الله عليه وسلم_ قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور: «أبْشِرْ بِخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُذْ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»

فَقُلْتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُول الله أَمْ مِنْ عِندِ الله؟ قَالَ: «لا، بَلْ مِنْ عِنْدِ الله - عز وجل -» ،

وَكَانَ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذلِكَ مِنْهُ،

فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ : "يَا رسولَ الله، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولهِ".[33]

فَقَالَ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ : «أمْسِكَ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». فقلتُ : "إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيبَر".

وَقُلْتُ : "يَا رسولَ الله، إنَّ الله _تَعَالَى_ إِنَّمَا أنْجَانِي بالصِّدْقِ، وإنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ لا أُحَدِّثَ إلا صِدْقاً مَا بَقِيتُ، فوَالله مَا عَلِمْتُ أَحَداً مِنَ المُسْلِمينَ أبْلاهُ الله تَعَالَى في صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرسولِ الله _صلى الله عليه وسلم_ أحْسَنَ مِمَّا أبْلانِي الله تَعَالَى[34]، واللهِ مَا تَعَمَّدْتُ كِذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذلِكَ لِرسولِ الله _صلى الله عليه وسلم_ إِلَى يَومِيَ هَذَا، وإنِّي لأرْجُو أنْ يَحْفَظَنِي الله تَعَالَى فيما بَقِيَ"،

قَالَ : فأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} حَتَّى بَلَغَ : {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} حَتَّى بَلَغَ: {اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ... [التوبة 117_119][35]

قَالَ كَعْبٌ : واللهِ ما أنْعَمَ الله عَليَّ مِنْ نعمةٍ قَطُّ بَعْدَ إذْ هَدَاني اللهُ للإِسْلامِ أَعْظَمَ في نَفْسِي مِنْ صِدقِي رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم - أنْ لا أكونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذينَ كَذَبُوا؛

إنَّ الله تَعَالَى قَالَ للَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فقال الله تَعَالَى :

{سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة (95، 96)]

قَالَ كَعْبٌ : كُنّا خُلّفْنَا أيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أمْرِ أُولئكَ الذينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وأرجَأَ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ أمْرَنَا حَتَّى قَضَى الله تَعَالَى فِيهِ بذِلكَ.

قَالَ الله تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}[36]

وَليْسَ الَّذِي ذَكَرَ مِمَّا خُلِّفْنَا تَخلُّفُنَا عن الغَزْو، وإنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إيّانا وإرْجَاؤُهُ أمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ واعْتَذَرَ إِلَيْهِ فقبِلَ مِنْهُ[37]. مُتَّفَقٌ عليه.

وفي رواية : أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ في غَزْوَةِ تَبْوكَ يَومَ الخَميسِ وكانَ يُحِبُّ أنْ يخْرُجَ يومَ الخمِيس.

وفي رواية : وكانَ لا يقْدمُ مِنْ سَفَرٍ إلا نَهَاراً في الضُّحَى، فإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بالمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ.

 

مشاهير علماء الأمصار (ص: 38) لابن حبان : "كعب بن مالك بن أبى كعب بن القين بن كعب الانصاري السلمي من بنى سلمة بن سعد ممن شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد إلا تبوك وكان من النقباء والشعراء ممن له شهامة في شبابه وبراعة في يفاعته كنيته أبو عبد الله توفى بالمدينة أيام قتل على بن أبى طالب رضه الله عنه."


تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه : في "الوصايا" (2757) و"الجهاد" (2947 و 2948 و 2949 و 2950 و 3088) و"المناقب" (3556) و"مناقب الأنصار" (3889) و"المغازي" (3951 و4418) و"التفسير" (4673 و 4676 و 4677 و 4678) و"الاستئذان" (6255) و"الأيمان والنذور" (6690) و"الأحكام" (7225)، وفي "الأدب المفرد" (944)، ومسلم في صحيحه [10/ 6990 و 6991 و 6992 و 6993] (2769)،و(أبو داود) في "الطلاق" (2202) و"الجهاد" (2773) و"الأيمان والنذور" (3317 و 3320)، و(الترمذيّ) في "التفسير" (3101)، و(النسائيّ) في "المجتبى" (3422 و 3426) و"الأيمان والنذور" (3824 و 3826) وفي "الكبرى" (1/ 266)، و(ابن ماجه) في "الصلاة" (1393)، و(عبد الرزّاق) في "مصنّفه " (5/ 400)، و (أحمد) في "مسنده" (6/ 386 و 390)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" (14/ 540 - 545)، و (ابن خزيمة) في "صحيحه" (2242)، و(ابن حبّان) في "صحيحه" (3370)، و (الطبريّ) في "تفسيره" (17449)، و(الطبرانيّ) في "الكبير" (19/ 96 و 97 و 98 و 99 و 100 و 101 أو 103 و 104 و 105 و 106 و 107 و 108 و 109 و 110 و 133 و 134 و 135 و 136)، و(الدارقطنيّ) في "سننه" (2/ 5)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (4/ 181)، و(البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (1676)، والله تعالى أعلم.[38]

 

من فوائد الحديث :

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 55_56)

فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور أَكثر من خمسين فَائِدَة :

فِيهِ : جَوَاز طلب أَمْوَال الْكفَّار دون الْحَرْب.

وَفِيه : جَوَاز الْغَزْو فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَالتَّصْرِيح بِجِهَة الْغَزْو وَإِذا لم تَقْتَضِي الْمصلحَة ستره، وَأَن الإِمَام إِذا اسْتنْفرَ الْجَيْش عُمُوما لَزِمَهُم النفير. فَإِن قلت: إِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استنفرهم عُمُوما لغزوة تَبُوك فغضبه على من تخلف ظَاهره، وَإِن لم يستنفرهم عُمُوما فالجهاد فرض كِفَايَة، فَمَا وَجه غَضَبه على الْمُخلفين؟ قلت: كَانَ الْجِهَاد فرض عين فِي حق الْأَنْصَار لأَنهم بَايعُوهُ على ذَلِك، فغضبه على المتخلفين كَانَ فِي مَحَله. وَفِيه: إِبَاحَة الْغَنِيمَة لهَذِهِ الْأمة إِذْ قَالَ: يُرِيدُونَ عير قُرَيْش. وَفِيه: فَضِيلَة أهل بدر والعقبة والمتابعة مَعَ الإِمَام وَجَوَاز الْحلف من غير استحلاف والتأسف على مَا فَاتَهُ من الْخَبَر وهجران أهل الْبِدْعَة، وَأَن للْإِمَام أَن يُؤَدب بعض أَصْحَابه بإمساك الْكَلَام عَنهُ وَترك قرْبَان الزَّوْجَة واستحباب صَلَاة القادم ودخوله الْمَسْجِد أَولا، وَتوجه النَّاس إِلَيْهِ عِنْد قدومه وَالْحكم بِالظَّاهِرِ وَقبُول المعاذير واستحباب الْبكاء على نَفسه، ومسارقة النّظر فِي الصَّلَاة لَا تبطلها، وفضيلة الصدْق وَأَن السَّلَام ورده كَلَام، وَجَوَاز دُخُوله فِي بُسْتَان صديقه بِلَا إِذْنه، وَأَن الْكِنَايَة لَا يَقع بهَا الطَّلَاق مَا لم يُنَوّه، وإيثار طَاعَة الله وَرَسُوله على مَوَدَّة الْقَرِيب، وخدمة الْمَرْأَة لزَوجهَا، وَالِاحْتِيَاط بمجانبته مَا يخَاف مِنْهُ الْوُقُوع فِي مَنْهِيّ عَنهُ إِذْ لم يسْتَأْذن فِي خدمَة امْرَأَته لذَلِك، وَجَوَاز إحراق ورقة فِيهَا ذكر الله إِذا كَانَ لمصْلحَة، واستحباب التبشير عِنْد تجدّد النِّعْمَة واندفاع الْكُرْبَة واجتماع النَّاس عِنْد الإِمَام فِي الْأُمُور المهمة وسروره بِمَا يسر أَصْحَابه، وَالتَّصَدُّق بِشَيْء عِنْد ارْتِفَاع الْحزن، وَالنَّهْي عَن التَّصَدُّق بِكُل مَاله عِنْد عدم الصَّبْر، وإجازة البشير بخلعه وَتَخْصِيص الْيَمين بِالنِّيَّةِ، وَجَوَاز الْعَارِية ومصافحة القادم وَالْقِيَام لَهُ والتزام مداومة الْخَيْر الَّذِي ينْتَفع بِهِ واستحباب سَجْدَة السكر. وَفِيه: عظم أَمر الْمعْصِيَة وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله: مَا أكل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَالا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أفسدوا فِي الأَرْض وأصابهم مَا سَمِعْتُمْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ، فَكيف بِمن يواقع الْفَوَاحِش والكبائر؟ رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم. وَفِيه: أَن الْقوي يُؤَاخذ أَشد مِمَّا يُؤَاخذ الضَّعِيف فِي الدّين. وَفِيه: جَوَاز إِخْبَار الْمَرْء عَن تَقْصِيره وتفريطه. وَفِيه: جَوَاز مدح الرجل بِمَا فِيهِ من الْخَيْر إِذا أَمن___الْفِتْنَة، وتسلية نَفسه عَمَّا لم يحصل لَهُ بِمَا وَقع لنظيره. وَفِيه: جَوَاز ترك السَّلَام على من أذْنب، وَجَوَاز هِجْرَة ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِيه: تبريد حر الْمعْصِيَة بالتأسي بالنظير. وَفِيه: جَوَاز ترك رد السَّلَام على المهجور عَمَّن سلم عَلَيْهِ، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لم يقل كَعْب: هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام؟ وَفِيه: أَن قَول الْمَرْء: الله وَرَسُوله أعلم، لَيْسَ لَيْسَ بخطاب وَلَا كَلَام، فَلَا يَحْنَث بِهِ من حلف أَن لَا يكلم فلَانا إِذا لم بَنو بِهِ مكالمته. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْعَارِية.

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (3/ 1548)

ولا شك أن الصدقة برهان لصاحبها في الوثوق بالله -عَزَّ وَجَلَّ-، والتقرب إليه، والتعين بالحلف، ويترتب عليها هو الذنوب، ولهذا شرعت الكفارات المالية؛ لما فيها من صلاحية هو الذنوب، ويترتب عليها الثواب الحاصل بسببها، وقد تحصل الموازنة بامتحاء أثر الذنب، ودعاء من يتصدق عليه؛ فقد يكون دعاؤه سببًا لمحو الذنب

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (3/ 1549)

"وفي هذا الحديث : دليل لقصد الخيرات والتصدق بجميع المال.

وفيه دليل: على المشاورة في النيات والمقاصد لأهل العلم والدين، والشفقة.

وفيه دليل: على أن التقريب إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- بمتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تجوز إضافته إليهما، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59].

وفي الحديث: "مَنْ يطعِ اللهَ ورسولَه فقدْ رَشَد"[39]، وقول كعب في هذا الحديث: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله.

وفيه دليل: على أن إمساك ما يحتاج إليه من ماله أولى من إخراجه كله في الصدقة، وقد قسم العلماء ذلك بحسب اختلاف حال الإنسان في صبره، وما يجب عليه من نفقة العيال وغيرهم فيه، فإن كان لا يصبر على الإضاقة، كره له أن يتصدق بكل ماله، وإن كان ممن يصبر، لم يكره، وكذلك إن كان له عيال أو غيرهم ممن تجب نفقتهم، حرم عليه الصدقة بجميع ماله وإضاعتهم، وإلا فلا يحرم.

وفيه دليل : على أن الصدقة محبوبة في محو الذنوب، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بعض أصحاب الذنوب التي لا حد فيها ولا كفارة بالصدقة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "والصدقةُ تطفىَ الخطيئةَ كما يطفىَ الماءُ النارَ"[40]

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (21/ 596) لابن الملقن الأندلسي المصري :

"وفيه: التأسي بالغير، فإن المصيبة إذا عمَّت هانت بخلاف ما إذا خصت، وهذا في الدنيا موجود، وفي الآخرة مفقود، قال تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)} [الزخرف: 39] ,

وفي نهي الناس عن كلامهم: أن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بالهجران، وإن جاوز ذلك ثلاثة أيام." اهـ

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (21/ 597)

"وفيه: إحراق الكتاب الذي فيه المكروه.

وفيه: اعتزال النساء عند الذنب الذي لا يعلم المخرج منه."

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (21/ 599)

"وفي حديث كعب غير ما سلف :

ذكر الرجل في مكانه ليوفي بالحديث على وجهه، وفيه: تفضيل كعب ببيعة العقبة؛ لأنها أول بيعة في الإسلام، وذلك أنهم واعدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم إلى المدينة مهاجرًا إذا أُذن له.

وفيه: أنه كان من السابقين الأولين الذين صلوا القبلتين، وغير ذلك." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 32) لفيصل آل مبارك :

"في هذا الحديث: أكثر من أربعين فائدة، منها: فضيلة الصدق، والحكم بالظاهر، وأنَّ القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ ضعيف الدين." اهـ

وفيه: جواز هجران المذنب أكثر من ثلاث إذا ظهرت فائدته، ولم يترتب عليه مفسدة، واستحباب الصدقة عند التوبة. وبالله التوفيق.

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 207) للصنعاني :

قوله : "قد شهدا بدراً".

قيل: فيه رد على من أنكر شهودهما بدراً، وأول من أنكر ذلك الأثرم صاحب الإمام أحمد[41] وتبعه جماعة وادعوا أن جملة قد شهدا بدراً مدرجة في حديث كعب.

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 211) :

وفيه : أن السلام كلام فمن حلف أن لا يكلم فلاناً فسلم عليه أو ردَّ عليه سلاماً حنث.

وفيه : ترك السلام على المبتدعة ونحوهم، وهذا بناءً على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرد السلام، واستدل له ابن القيم أنه لو كان الرد واجباً لأسمعه - صلى الله عليه وسلم - إياه.

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 212_213)

قوله: "قلت: هذا أيضاً من البلاء".

أي: من ابتلاء الله واختباره لإيمانه، ومحبته لله ورسوله، وإظهاراً للصحابة أنه ليس عن ضعف إيمان؛ لأنه هجر رسول الله _صلى الله عليه وآله وسلم_ والمسلمين، وأنه ليس ممن تحمله الرغبة في الجاه والملك مع هجر النبي _صلى الله عليه وسلم_ والمسلمين له على مفارقة دينه،

وهذا فيه تبرئة الله له من النفاق، وبيان صحة إيمانه، ولذا بادر بتسجير التنور بالصحيفة، وإتلافها خشية الفساد من إبقائها لئلا تبقى سبباً للوسوسة بما فيها، وهذا كإراقة العصير خشية أن يتخمر، وهكذا تجب المسارعة إلى تحريق كتب الزنادقة والباطنية وكل ما فيه ضلالة كفصوص ابن عربي[42] وفتوحه[43]___وتائيه ابن الفارض[44] وشروحها، وكتاب الجيلي[45].

فكلها مضادة لما أنزل الله تعالى قلبت معاني ألفاظ القرآن إلى غيرها ما أنزلها به من الهدى والبينان وصيرته من وحي الشياطين داعياً للكفر والضلالات." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 134) للعثيمين :

وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا لم يبادر بالعمل الصالح فإنه- حري أن يحرم إياه، كما قال الله سبحانه) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الأنعام: 110)

فالإنسان إذا علم الحق ولم يقبله ويذعن له من أول وهلة، فإن ذلك قد يفوته ويحرم إياه- والعياذ بالله- كما أن الإنسان إذا لم يصبر علي المصيبة من أول الأمر فإنه يحرم أجرها، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولي)) [خ م] .

فعليك- يا أخي - أن تبادر بالأعمال الصالحة، ولا تتأخر فتتمادي بك الأيام ثم تعجز وتكسل ويغلب عليك الشيطان والهوى فتتأخر، فها هو- رضي الله عنه- كل يوم يقول: أخرج، ولكن تمادي به الأمر ولم يخرج." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 136)

فاستفدنا من الحديث فائدتين عظيمتين:

الفائدة الأولي: أن الإنسان لا ينبغي له أن يتأخر عن فعل الخير، بل لابد أن يتقدم ولا يتهاون أو يتكاسل.

وأذكر حديثاً قاله النبي- عليه الصلاة والسلام- في الذين يتقدمون إلي المسجد ولكن لا يتقدمون إلي الصف الأول، بل يكونون في مؤخره. قال ((لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم___الله) .

إذا عود الإنسان نفسه على التأخير آخره الله عز وجل. فبادر بالأعمال الصالحة من حين أن يأتي طلبها من عند الله عز وجل.

الفائدة الثانية : أن المنافقين يلمزون المؤمنين، إن تصدق المسلمون بكثير قالوا: هؤلاء مراؤون، وإن قللوا بحسب طاقتهم قالوا: إن الله غني عن عملك وغني عن صاعك، كما سبق.

وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه- أي: بما يعادل تمرة- كما يربي أحدكم فلوه- أي مهره: الحصان الصغير - حتى تكون مثل الجبل، وهي تمرة أو ما يعادلها." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 139_141)

وفي هذا من الفوائد:

أولاً : أن الله سبحانه وتعالي قد يمن على العبد فيعصمه من المعصية إذا علم من قلبه حسن النية.

فإن كعبا- رضي الله عنه- لما هم أن يزور على الرسول - عليه الصلاة والسلام- جلي الله ذلك عن قلبه وأزاحه عن قلبه، وعزم على ان يصدق النبي عليه الصلاة والسلام.

ثانياً : أنه ينبغي للإنسان إذا قدم بلده، أن يعمد إلي المسجد قبل أن يدخل إلي بيته فيصلي فيه ركعتين، لأن هذه سنة النبي- عليه الصلاة والسلام- القولية والفعلية...___

ثالثاً : أن كعب بن مالك- رضي الله عنه - رجل قوي الحجة فصيح، ولكن لتقواه وخوفه من الله امتنع أن يكذب، وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم الحق.

رابعاً : أن الإنسان المغضب قد يتسم، فإذا قال قائل: كيف أعرف أن هذا تبسم رضا أو تبسم سخط؟

قلنا: إن هذا يعرف بالقرائن، كتلون الوجه وتغيره.

فالإنسان يعرف أن هذا الرجل تبسم رضا بما صنع أو تبسم سخطاً عليه.

خامساً : أنه يجوز للإنسان أن يسلم قائماً علي القاعد؛ لأن كعبا سلم وهو قائم، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ((تعال)) .

سادساً : أن الكلام عن قرب أبلغ من الكلام عن بعد، فإنه كان بإمكان الرسول صلي الله عليه وسلم أن يكلم كعب بن مالك ولو كان بعيداً عنه، لكنه أمره أن يدنو___منه؛ لأن هذا أبلغ في الأخذ والرد والمعاتبة، فلذلك قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: ((ادن)) .

سابعاً : كمال يقين كعب بن مالك- رضي الله عنه- حيث أنه قال: أنني أستطيع أن اخرج بعذر من الرسول - عليه الصلاة والسلام- ولكن لا يمكن أن أخرج منه بعذر يعذرني فيه اليوم ثم يغضب الله على فيه غداً.

ثامناً : إن الله يعلم السر وأخفي، فإن كعباً خاف أن يسمع الله قوله ومحاورته للرسول- عليه الصلاة والسلام- فينزل الله فيه قرآناً، كما أنزل في قصة المرأة المجادلة التي جاءت إلي الرسول - عليه الصلاة والسلام- تشكو زوجها حين ظاهر منها، فأنزل الله فيها آية من القرآن:) قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة: 1) ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 147) :

"وإنما أوقدها في التنور ولم يجعلها معه لئلا توسوس له نفسه بعد لك ان يذهب إلي هذا الملك، فأتلفها حتى ييأس منها ولا يحاول ان يجعلها حجة يذهب بها إلي هذا الملك. ثم بقي علي ذلك مدة.

ففي هذه القطعة من الحديث: دليل على جواز التخلف عن الجماعة إذا كان الإنسان مهجوراً منبوذا وعجزت نفسه أن تتحمل هذا كما فعل صاحبا كعب بن مالك رضي الله عنهم.

لأنه لا شك أنه من الضيق والحرج أن يأتي الإنسان إلي المسجد مع الجماعة لا يسلم عليه، ولا يرد سلامه، ومهجور ومنبوذ، هذا تضيق به نفسه ذرعاً ولا يستطيع، وهذا عذر كما قاله العلماء." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 147_148)

ومن فوائد هذا الحديث : شدة امتثال الصحابة لأمر النبي صلي الله عليه وسلم ودليل ذلك ما جري لأبي قتادة - رضي الله عنه- مع كعب بن مالك رضي الله عنه.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجب التحرز من أصحاب الشر وأهل السوء الذين ينتهزون الضعف في الإنسان والفرص في إضاعته وهلاكه.

فإن هذا الملك- ملك غسان- انتهز الفرصة في كعب بن مالك- رضي الله عنه- يدعوه إلي الضلال لعله يرجع عن دينه إلي دين هذا الملك بسبب هذا الضيق.

ومن فوائد الحديث: قوة كعب بن مالك- رضي الله عنه- في دين الله وأنه من المؤمنين الخلص، وليس ممن قال الله فيهم:

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ__آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) (العنكبوت: من الآية10) ، فبعض الناس- والعياذ بالله- يقول: آمنا بالله، ولكن إيمانه ضعيف، إذا أوذي في الله ارتد- والعياذ بالله- وفسق وترك الطاعة، وكعب بن مالك رضي الله عنه أوذي في الله إيذاء أيما أيما أيذاء، لكنه صبر واحتسب وانتظر الفرج، ففرج الله له تفريجاً لم يكن لأحد غيره وصاحبيه، أنزل الله فيهم ثناء عليهم آيات تتلي إلي يوم القيامة.

نحن نقرأ قصتهم في القرآن في صلاتنا! وهذا فضل عظيم النبي صلي الله عليه وسلم قصتهم تقرأ في الصلاة، في الصلوات الخمس، في صلاة النافلة، سرا وعلنا."

 

شرح رياض الصالحين (1/ 148_149)

ومن فوائد هذا الحديث أيضاً : أنه ينبغي للإنسان إذا رأي فتنة أو خوف فتنة أن يتلف هذا الذي يكون سبباً لفتنة.

فإن كعباً لما خاف على نفسه أن تميل فيما بعد إلي هذا الملك ويتخذ هذه الورقة وثيقة، حرقها رضي الله عنه.

ومن ذلك: - أيضاً ما جري لسيلمان بن داود- عليهما الصلاة والسلام- حينما عرضت عليه الخيل الصافنات الجياد في وقت العصر، فغفل وذهل- بما عرض عليه- عن الصلاة حتى غابت الشمس، فلما غابت الشمس وهو لم يصل العصر دعا بهذه الخيل الصافنات الجياد فجعل يضرب أعناقها وسوقها، يعني: جعل يقتلها ويعقرها انتقاماً من نفسه لنفسه، لأنه انتقم من نفسه التي لهت بهذه الصافنات الجياد عن ذكر الله :

{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)} [سورة ص : 32_33] .

فالمهم أنك إذا رأيت شيئاً من___مالك يصدك عن ذكر الله فأبعده عنك بأي وسيله تكون، حتى لا يكون سبباً لإلهائك عن ذكر الله.

فإن الذي يلهي عن ذكر الله خسارة، كما قال تعالي:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون: 9) ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 151)

يقول: فذهبت أتأمم رسول الله صلي الله عليه وسلم يعني أقصده، فجعل الناس يلاقونني أفواجاً، يعني جماعات، يهنئونه بتوبة الله عليه. رضي الله عنه.

هؤلاء القوم يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم، فلم يحسدوهم على ما أنعم اله به عليهم من إنزال القرآن العظيم بتوبتهم، بل جعلوا يهنئونهم حتى دخل المسجد.

وفي هذه القطعة من الحديث فوائد:

أولاً: شدة هجر النبي - عليه الصلاة والسلام- لهؤلاء الثلاثة، حتى إنه أمرهم أن يعتزلوا نساءهم، والتفريق بين الرجل وامرأته أمره عظيم.

ثانياً: وفيه أن أقول الرجل لامرأته: الحقي بأهلك؛ ليس بطلاق، لأن كعب بن مالك- رضي الله عنه- فرق بين قوله: ألحقي بأهلك، وبين الطلاق، فإذا قال الرجل لامرأته الحقي بأهلك ولم ينو الطلاق، فليس بطلاق.

أما إذا نوي الطلاق فإن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (0 إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) الحديث.

فإذا نوى الإنسان بهذه الكلمة وأمثالها الطلاق فله ما نوي.

ثالثاً: شدة امتثال الصحابة- رضي الله عنهم- لأمر النبي صلي الله عليه وسلم لأنه- رضي الله عنه- ما تردد، ولا قال: لعلي أراجع الرسول عليه الصلاة والسلام، أو قال للرسول الذي أرسله النبي صلي الله عليه وسلم: ارجع إليه لعله يسمح،___بل وافق بكل شيء.

رابعاً : أن النبي صلي الله عليه وسلم كان رحيما بأمته، فإنه بعد ان أمرهم باعتزال النساء رخص لهلال بن أمية، لأنه يحتاج لخدمة امرأته.

خامساً : جواز حكاية الحال عند الاستفتاء أو الشهادة أو ما أشبه ذلك، وإن كان المحكي عنه قد لا يحب أن يطلع عليه الناس، لأن امرأة هلال بن أمية ذكرت من حاله أنه ليس فيه حاجة إلي شيء من النساء.

سادساً : أن الإنسان إذا حصل له مثل هذه الحال وهجره الناس، وصار يتأذي من مشاهدتهم ولا يتحمل، فإنه له أن يتخلف عن صلاة الجماعة، وإن هذا عذر؛ لأنه إذا جاء إلي المسجد في هذه الحال سوف يكون متشوشاً غير مطمئن في صلاته؛ ولهذا صلي كعب بن مالك- رضي الله عنه- صلاة الفجر على ظهر بيت من بيوته، وسبق لنا ذكر هذه الفائدة في قصة هلال بن أمية ومرارة بن الربيع.

سابعاً : حرص الصحابة - رضي الله عنهم- علي التسابق إلي لبشرى؛ لأن البشري فيها إدخال السرور على المسلم. وإدخال السرور على المسلم مما يقرب إلي الله عز وجل؛ لأنه إحسان والله- سبحانه وتعالي- يحب المحسنين ولا يضيع أجرهم.

فلذلك ينبغي لك إذا رأيت من أخيك شيئا يسره، كأن يكون خبراً ساراً أو رؤيا سارة أو ما أشبه ذلك، أن تبشره بذلك، لأنك تدخل السرور عليه.

ثامناً : أنه ينبغي مكافأة من بشرك بهديه تكون مناسبة للحال، لأن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أعطي الذي بشره ثوبيه." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 154_156)

فقال كعب : إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلي الله وإلي رسوله، أي: يتخلي عنه ويجعله صدقة إلي الله ورسوله شأنه وتدبيره. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك))

فأمسكه رضي___الله عنه.

ففي هذه القطعة من الحديث فوائد:

أولاً: فيها دليل على أن من السنة إذا أتي الإنسان ما يسره ان يهنأ به ويبشره به، سواء كان خير دين أو خير دنيا.

ولهذا بشرت الملائكة إبراهيم عليه السلام بغلام حليم وبغلام عليم، الغلام الحليم: إسماعيل. والغلام العليم: إسحاق. بشرت الملائكة إبراهيم بهذين الغلامين.

ثانياً: إنه لا بأس بالقيام إلي الرجل لمصافتحه وتهنئته بما يسره.

والقيام إلي الرجل لا باس به قد جاءت به السنة، وكذلك القيام للرجل وأنت باق في مكانك لا تتحرك إليه، فهذا أيضاً لا بأس به إذا أعتاده الناس، لأنه لم يرد النهي عنه؛ وإنما النهي والتحذير من الذي يقام له لا من القائم، فإن من يقام له قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: ((من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوا مقعده من النار)) .

قال أهل العلم: والقيام ثلاثة أقسام:

الأول: قيام إلي الرجل.

الثاني: قيام للرجل.___

والثالث: قيام على الرجل.

فالقيام إلي الرجل: لا باس به، وقد جاءت به السنة أمرا وإقراراً وفعلاً أيضاً."

 

شرح رياض الصالحين (1/ 165)

وذكر أن النبي صلي الله عليه وسلم عاد إلي المدينة ضحي، وأنه دخل المسجد فصلي فيه ركعتين، وكان هذا من سنته صلي الله عليه وسلم أنه إذا قدم بلده لم يبدأ بشيء قبل المسجد.

وهاتان الركعتان تشمل كل الوقت، حتى أوقات النهي؛ لأنها صلاة سببية، فليس عنها نهي، في أي وقت وجد سببها حل فعلها.

فينبغي إذا قدم الإنسان إلي بلده أن يبدأ قبل كل شي بالمسجد. وقد تقدم ذكر ذلك." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 20) للشيخ حمزة محمد قاسم :

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً : أن الإِمام إذا استنفر المسلمين للغزو لزمهم النفير، ولحق اللوم من تخلف منهم، ولذلك اشتد الغضب على من تخلف عن غزوة تبوك، وإن كان الجهاد في حد ذاته فرض كفاية، ولكن لما أمر - صلى الله عليه وسلم - بالنفير العام تعيّن الخروج على كل قادر عليه.

ثانياً : جواز ترك السلام على المذنب، وهجره أكثر من ثلاثة أيام.

ثالثاً : فائدة الصدق وعاقبته الحميدة، فإن الله تعالى تاب على هؤلاء الثلاثة، وعفا عنهم بسبب صدقهم كما قال كعب: " إنما نجَّاني الله بالصدق ".

رابعاً: شؤم الكذب وعاقبته الوخيمة، فإن المنافقين الذين اختلقوا الأعذار الكاذبة سرعان ما فضحهم الله وهتك سترهم، ووصفهم بأقبح الصفات في قوله تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).

خامساً: أن الخطأ لا يعالج بخطأ آخر، وِإلا تفاقم الشر، وتضاعف الخطأ، وأصبحت المعصية معصيتين، ولذلك آثر كعب الصدق لئلا يجمع بين ذنبين.

سادساً: مشروعية التبشير بالخير والتهنئة بالنعمة كما فعل___أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصة.

سابعاً: استحباب سجود الشكر عند حدوث نعمة من النعم.

ثامناً: استحباب المبادرة إلى الصدقة وأعمال البر والإِحسان عند التوبة لقول كعب رضي الله عنه: " إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله ".

تاسعاً: قال ابن القيم: وقول كعب لامرأته الحقي بأهلك دليل على أنه لا يقع بهذه اللفظة طلاق ما لم ينوه.

عاشراً: أن أمرهم باعتزال نسائهم في آخر المدة كما قال ابن القيم فيه تنبيه وإرشاد لهم إلى الجد والاجتهاد في العبادة، وشد المئزر، وفي هذا إيذان بقرب الفرج.

الحادي عشر: قال ابن القيم: وفيه دليل على أن إعطاء البشير من مكارم الأخلاق والشيم وعادة الأشراف، وعلى تهنئة من تجددت له نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل ومصافحته، فهذه سنة مستحبة، والأولى أن يقال له: ليهنك ما أعطاك الله، وما منّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام.

الثاني عشر: قال ابن القيم: فيه دليل على أن خير أيام العبد على الإِطلاق، وأفضلها يوم توبته إلى الله، وقبول الله توبته، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمّك ".

الثالث عشر: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك " دليل على أن من نذر الصدقة بكل ماله لم يلزمه إخراج جميعه، بل يجوز له أن يبقى منه بقية، ولم يعين له - صلى الله عليه وسلم - قدراً، ووكله إلى اجتهاده في قدر الكفاية،

قال ابن القيم: وهذا هو الصحيح، فإن ما نقص عن كفايته وكفاية أهله لا يجوز له التصدق به، فنذره لا يكون طاعة فلا يجب الوفاء به، وفي الحديث فوائد كثيرة،

فقد قال العيني: " فيه أكثر من خمسين فائدة " وما لا يدرك كله لا يترك جله." اهـ

 

قال الشيخ ابن باز _رحمه الله_ كما في "الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري" (3/ 338) لعبد الله بن مانع الروقي :

"هذه القصة فيها فوائد عظيمة:

- فيها الحذر من التخلف عن الغزو إذا تعين.

- جواز الهجر إذا دعت الحاجة.

- وفيه فضل كعب وصاحبيه.

- وفيه الحص على الصدق وأنه طريق النجاة." اهـ

 

منهاج السنة النبوية (2/ 432_433) لابن تيمية :

وَقَدْ تَكُونُ التَّوْبَةُ مُوجِبَةً لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ لِمَنْ يَكُنْ مِثْلُهُ (تَائِبًا) مِنَ الذَّنْبِ،

كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ:___

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 117] ،

ثُمَّ قَالَ :

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 118] .

وَإِذَا ذُكِرَ حَدِيثُ كَعْبٍ فِي قَضِيَّةٍ تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ رَفَعَ دَرَجَتَهُ بِالتَّوْبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ أَعْظَمَ مِمَّا ابْتَلَانِي." اهـ

 

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 319) لابن القيم :

"وَتَوْبَةُ الْعَبْدِ إِلَى اللَّهِ مَحْفُوفَةٌ بِتَوْبَةٍ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ قَبْلَهَا، وَتَوْبَةٍ مِنْهُ بَعْدَهَا، فَتَوْبَتُهُ بَيْنَ تَوْبَتَيْنِ مِنْ رَبِّهِ، سَابِقَةٍ وَلَاحِقَةٍ، فَإِنَّهُ تَابَ عَلَيْهِ أَوَّلًا إِذْنًا وَتَوْفِيقًا وَإِلْهَامًا، فَتَابَ الْعَبْدُ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ثَانِيًا، قَبُولًا وَإِثَابَةً، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ - وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 117 - 118]

فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ تَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ سَبَقَتْ تَوْبَتَهُمْ، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي جَعَلَتْهُمْ تَائِبِينَ، فَكَانَتْ سَبَبًا مُقْتَضِيًا لِتَوْبَتِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا تَابُوا حَتَّى تَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ." اهـ

 

مجموع فتاوى ابن باز (3/ 207)

فمما تقدم من الآيات والأحاديث يعلم الكاتب وغيره من القراء أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت باللين في محله والغلظة والشدة في مجالهما، وأن المشروع للداعية إلى الله أن يتصف باللين والرفق والحلم والصبر لأن ذلك أكمل في نفع دعوته والتأثر بها كما أمره الله بذلك وأرشد إليه رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون على علم وبصيرة فيما يدعو إليه وفيما ينهى عنه لقول الله سبحانه:

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108]

ولا ينبغي للداعية أن يلجأ إلى الشدة والغلظة إلا عند الحاجة والضرورة وعدم حصول المقصود بالطريقة الأولى، وبذلك يكون الداعي إلى الله سبحانه قد أعطى المقامين حقهما وترسم هدي الشريعة في الجانبين، والله الموفق." اهـ

 

حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار (ص: 377) لمحمد بن عمر بن مبارك الحميري الحضرمي الشافعي، الشهير بـ «بَحْرَق» (المتوفى: 930هـ) :

في قوله صلى الله عليه وسلم لكعب: «أبشر بخير يوم مرّ عليك» دليل واضح أنّ توبة الله على عبده لا يتطرّق إليها نقص، إذ كعب أسلم وبايع ب (العقبة) وشهد غير (بدر وتبوك) من المشاهد، وكلّ هذه أيّام شريفة، لكنّ عاقبتها غير مأمونة، وبذلك يعلم أنّ ثناء الله على من أثنى عليه من عباده لا يتحوّل ذمّا، كثنائه على أصحاب نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ورضي عنهم. وسيأتي تقرير ذلك في فصل معقود لفضلهم." اهـ

 

الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (9/ 335_338)

في فوائده وأحكامه:

الأولى: قصد فعل الخيرات، والتصدق بكل المال.___

الثانية: المشاورة في الأمور المهمة لأهل العلم والدين، والشفقة بالمشاور، وإنما أورد الاستشارة بصيغة الحكم، لشدة ما حصل له من الفرج بالتوبة.

الثالثة: استحباب الصدقة شكرًا لما يتجدد من النعم، لاسيما لما عظم منها، وهو أصل لأهل الطريق في عمل الشكران عند تجدد النعم أو دفع النقم ونحو ذلك.

الرابعة: أن الصدقة لها أثر في محو الذنوب، فإنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار؛ ولهذا شرعت الكفارات المالية، لما فيها من صلاحية محو الذنوب، ويترتب عليها الثواب الحاصل بسببها، وقد تحصل به الموازنة. فيمحي أثر الذنوب، وقد يكون دعاء من يتصدق عليه سببًا للمحو أيضًا. كذا ذكر هذا الاستنباط الشيخ تقي الدين، ويترجح فيه، لأن تصدقه هنا لأجل الشكر، لا لمحو الذنب، فإنه لا ذنب إذن وأنه قال ذلك بعد أن تيب عليه.___

الخامسة: أن التقرب إلى الله تعالى بمتابعة رسوله -عليه أفضل الصلاة والسلام-.

السادسة: أن إمساك ما يحتاج إليه من المال أولى من إخراجه كله في الصدقة. وقد قسم العلماء ذلك بحسب اختلاف حال الإِنسان في صبره على الضرّ والإِضافة، فإن كان لا يصبر على ذلك كُره له، وإن كان يصبر فلا. وعلى ذلك تنزل الأخبار المختلفة الظواهر. وصحح أصحابنا أيضًا أنه يحرم عليه أن يتصدق بما يحتاج إليه لنفقة من يلزمه نفقته أو لدين لا يرجو له وفاء.

السابعة: استدل به بعض المالكية على مذهبه أن من نذر التصدق بكل ماله أكتفي منه بالثلث وهو ضعيف، كما قال الشيخ تقي الدين، لأن اللفظ الذي أتى به كعب بن مالك ليس بتنجيز صدقته حتى يقع في محل الخلاف، وإنما هو لفظ عن نية قصد فعل متعلقها -ولم يقع بعد- فأشار -عليه الصلاة والسلام- بأن لا يفعل ذلك، ويمسك بعض ما له، وذلك قبل إيقاع ما عزم عليه. هذا ظاهر اللفظ، أو هو محتمل له وكيفما كان فتضعف منه الدلالة على مسئلة الخلاف، وهو تنجيز___الصدقة بكل المال نذرًا مطلقًا أو معلقًا.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (43/ 66_72)

في فوائده، وإن كان بعضها تقدّم، إلا أن كونها في

محلّ واحد أنفع، وأيسر :

1 - (منها): إباحة الغنيمة لهذه الأمة؛ لقوله: "خرجوا يريدون عِير قريش".

2 - (ومنها): بيان فضيلة أهل بدر، وأهل العقبة.

3 - (ومنها): جواز الحلف من غير استحلاف، في غير الدعوى عند القاضي.

4 - (ومنها): أنه ينبغي لأمير الجيش إذا أراد غزوة أن يُوَرّيَ بغيرها؛ لئلا يسبقه الجواسيس، ونحوهم بالتحذير، إلا إذا كانت سفرة بعيدة، فيستحب أن يُعرِّفهم البعد، ليتأهبوا.

5 - (ومنها): التأسف على ما فات من الخير، وتمنّي المتأسف أنه كان فعله؛ لقوله: "فيا ليتني فعلتُ".

6 - (ومئها): مشروعيّة ردّ غِيبة المسلم، لقول معاذ -رضي الله عنه-: "بئسما قلت".

7 - (ومنها): بيان فضيلة الصدق، وملازمته، وإن كان فيه مشقة، فإن عاقبته خير، "وإن الصدق يَهدي إلى البرّ، والبرّ يَهدي إلى الجنة"، كما ثبت في الصحيح [خ م].

8 - (ومنها): بيان استحباب صلاة القادم من سفر ركعتين، في مسجد مَحِلّته أولَ قدومه قبل كل شيء.

9 - (ومنها): أنه يستحب للقادم من سفر، إذا كان مشهورًا يقصده الناس___للسلام عليه، أن يقعد لهم في مجلس بارزٍ، سهل الوصول إليه.

10 - (ومنها): بيان أن الحُكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.

11 - (ومنها): قبول معاذير المنافقين، ونحوهم، ما لم يترتب على ذلك مفسدة.

12 - (ومنها): استحباب هِجران أهل البدع، والمعاصي الظاهرة، وترك السلام عليهم، ومقاطعتهم؛ تحقيرًا لهم، وزجرًا.

13 - (ومنها): استحباب بكاء الإنسان على نفسه، إذا وقعت منه معصية.

14 - (ومنها): بيان أن مسارقة النظر في الصلاة، والالتفات لا يبطلها.

15 - (ومنها): أن السلام يُسَمَّى كلامًا، وكذلك ردّ السلام، وأن من

حلف لا يكلم إنسانًا، فسلّم عليه، أو ردّ عليه السلام يحنث.

16 - (ومنها): وجوب إيثار طاعة الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- على مودّة

الصديق، والقريب، وغيرهما، كما فعل أبو قتادة -رضي الله عنه- حين سَلّم عليه كعب، فلم يردّ عليه حيث نُهِي عن كلامه.

17 - (ومنها): أنه إذا حلف لا يكلّم إنسانًا، فتكلم، ولم يقصد كلامه، بل قصد غيره، فسمع المحلوف عليه لم يحنث الحالف؛ لقوله: "الله أعلم"، فإنه محمول على أنه لم يقصد كلامه، كما سبق.

18 - (ومنها): جواز إحراق ورقةٍ، فيها ذِكر الله تعالى؛ لمصلحة، كما فعل عثمان والصحابة -رضي الله عنه- بالمصاحف التي هي غير مصحفه الذي أجمع معظم الصحابة عليه، وكان ذلك صيانةً، فهي حاجة، وموضع الدلالة من حديث كعب -رضي الله عنه- أنه أحرق الورقة، وفيها: "لم يجعلك الله بدار هوان".

19 - (ومنها): إخفاء ما يُخاف من إظهاره مفسدة، وإتلافه.

20 - (ومنها): أن قوله لامرأته: "الحقي بأهلك" ليس بصريح طلاق، ولا يقع به شيء، إذا لم ينو.

21 - (ومنها): جواز خدمة المرأة زوجها برضاها، وذلك جائز له بالإجماع، فأما إلزامها بذلك فلا.

قال الجامع عفا الله عنه : هكذا قال النوويّ : "فإما إلزامها فلا"، وفيه نظر لا يخفى على المنصف،

فقد قدّمت أن الصواب في هذه المسألة قول من قال___بوجوب خدمة المرأة زوجها، كما هو نصّ قوله تعالى : {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الآية [البقرة: 228]،

والمعروف في وقت نزول الآية أن المرأة تخدم زوجها، كما في قصّة فاطمة -رضي الله عنها-، حيث كانت تطحن، حتى تأثّرت يدها، فجاءت تطلب الخادم منه -صلى الله عليه وسلم-، فلم يُعطها، بل ثبّتها على الطحن،

وقصّة عائشة -رضي الله عنه- حيث كانت تفتل قلائد هدي النبيّ -صلي الله عليه وسلم-،

وقصّة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنه- حيث كانت تَحمل النوى من أرض الزبير تعلف فرسه،

وكل هذا في "الصحيح"، فالقول بعدم الوجوب قول مخالف لنصوص كثيرة بلا نصّ، وقد استوفيت البحث في هذا في غير هذا المحلّ، ولله الحمد والمنّة.

22 - (ومنها): استحباب الكنايات في ألفاظ الاستمتاع بالنساء، ونحوها.

23 - (ومنها): الورع، والاحتياط بمجانبة ما يُخاف منه الوقوع في منهيّ عنه؛ لأن كعبًا -رضي الله عنه- لم يستأذن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- في خدمة امرأته له، وعلَّل ذلك بأنه شابّ؛ أي: لا يأمن مواقعتها، وقد نُهي عنها.

24 - (ومنها): استحباب سجود الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة، أو اندفاع بلية ظاهرة، وهو مذهب الشافعيّ، وطائفة، وقال أبو حنيفة، وطائفة: لا يُشرع، وهو قول ضعيف، لمخالفته لحديث كعب -رضي الله عنه- هذا، ولمَا ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من ذلك،

فقد أخرج ابن ماجه، وصححه ابن حبّان، عن أبي بكرة -رضي الله عنه-: "أن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- كان إذا أتاه أمر يَسُرّه -أو يُسَرّ به- خَرّ ساجدًا شكرًا لله تبارك وتعالى" [حسّنه الشيخ الألباني -رحمه الله-][46].

25 - (ومنها): استحباب التبشير بالخير.

26 - (ومنها): استحباب تهنئة من رزقه الله خيرًا ظاهرًا، أو صرف عنه شرًّا ظاهرًا.

27 - (ومنها): استحباب إكرام المبشِّر بخلعة، أو نحوها.

28 - (ومنها): أنه يجوز تخصيص اليمين بالنية، فإذا حلف لا مال له، ونوى نوعًا لم يحنث بنوع من المال غيرِهِ، وإذا حلف لا يأكل، ونوى خبزًا لم____يحنث باللحم، والتمر، وسائر المأكول، ولا يحنث إلا بذلك النوع،

وكذلك لو حلف لا يُكلِّم زيدًا، ونوى كلامًا مخصوصًا لم يحنث بتكليمه إياه غير ذلك الكلام المخصوص،

قال النوويّ: وهذا كله متّفق عليه عند أصحابنا، ودليله من هذا الحديث قوله في الثوبين: "والله ما أملك غيرهما"، ثم قال بعده في ساعة : "إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً"، ثم قال: "فإني أمسك سهمي الذي بخيبر".

29 - (ومنها): جواز العارية.

35 - (ومنها): جواز استعارة الثياب للّبس.

31 - (ومنها): مشروعيّة اجتماع الناس عند إمامهم، وكبيرهم في الأمور المهمة، من بشارة، ومشورة، وغيرهما.

32 - (ومنها): استحباب القيام للوارد إكرامًا له، إذا كان من أهل الفضل بأيّ نوع كان، قال النوويّ: وقد جاءت به أحاديث، جمعتها في جزء مستقلّ بالترخيص فيه، والجواب عما يُظنّ به مخالفًا لذلك.

33 - (ومنها): استحباب المصافحة عند التلاقي، وهي سُنَّة بلا خلاف.

34 - (ومنها): استحباب سرور الإمام، وكبير القوم بما يُسَرّ به أصحابه، وأتباعه.

35 - (ومنها): أنه يستحبّ لمن حصلت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه كربة ظاهرة، أن يتصدق بشيء صالح من ماله؛ شكرًا لله تعالى على إحسانه،

قال النوويّ: وقد ذكر أصحابنا أنه يستحب له سجود الشكر، والصدقة جميعًا، وقد اجتمعا في هذا الحديث.

36 - (ومنها): أنه يستحب لمن خاف أن لا يصبر على الإضاقة أن لا يتصدق بجميع ماله، بل ذلك مكروه له.

37 - (ومنها): أنه يستحب لمن رأى مَن يريد أن يتصدق بكل ماله، ويخاف عليه أن لا يصبر على الإضاقة أن ينهاه عن ذلك، ويشير عليه ببعضه.

38 - (ومنها): أنه يستحب لمن تاب بسبب من الخير أن يحافظ على ذلك السبب، فهو أبلغ في تعظيم حرمات الله تعالى، كما فَعَل كعب -رضي الله عنه- في

الصدق، والله أعلم.____

39 - (ومنها): جواز الغزو في الشهر الحرام؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- غزاها في شهر رجب سنة تسع.

40 - (ومنها): أن الإمام إذا استنفر الجيش عمومًا لزمهم النفير، ولحق اللوم بكل فرد فرد أن لو تخلف.

41 - (ومنها): أن العاجز عن الخروج بنفسه، أو بماله، لا لوم عليه.

42 - (ومنها): استخلاف من يقوم مقام الإمام على أهله، والضعفة.

43 - (ومنها): ترك قتل المنافقين، ويُستنبط منه ترك قتل الزنديق، إذا أظهر التوبة، وأجاب من أجازه بأن الترك كان في زمن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- لمصلحة التأليف على الإسلام.

44 - (ومنها): عِظَم أمر المعصية، وقد نبّه الحسن البصريّ على ذلك، فيما أخرجه ابن أبي حاتم عنه، قال: يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالًا حرامًا، ولا سفكوا دمًا حرامًا، ولا أفسدوا في الأرض، أصابهم ما سمعتم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر.

45 - (ومنها): أن القويّ في الدين يؤاخذ بأشدّ مما يؤاخذ الضعيف في الدين.

46 - (ومنها): جواز إخبار المرء عن تقصيره، وتفريطه، وعن سبب ذلك، وما آل إليه أمره؛ تحذيرًا، ونصيحةً لغيره.

47 - (ومنها): جواز مَدْح المرء بما فيه من الخير، إذا أَمِن الفتنة، وتسلية نفسه بما لم يحصل له بما وقع لنظيره.

48 - (ومنها): جواز ترك وطء الزوجة مدّةً؛ للحاجة.

49 - (ومنها): أن المرء إذا لاحت له فُرصة في الطاعة، فحقّه أن يبادر إليها، ولا يُسَوِّف بها؛ لئلا يُحْرَمها، كما قال تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} الآية [الأنفال: 24]،

ومثله قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الآية [الأنعام: 110]،

ونسأل الله تعالى أن يُلهمنا المبادرة إلى طاعته، وأن لا يسلبنا ما خَوّلنا من نعمته، آمين.

50 - (ومنها): أن الإمام لا يُهمل من تخلَّف عنه في بعض الأمور، بل يُذَكّره؛ ليراجع التوبة.____

51 - (ومنها): جواز الطعن في الرجل بما يَغلب على اجتهاد الطاعن عن حمية لله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

52 - (ومنها): جواز الردّ على الطاعن إذا غلب على ظنّ الرادّ، وَهْمُ الطاعن، أو غلطه.

53 - (ومنها): استحباب بكاء العاصي؛ أَسَفًا على ما فاته من الخير.

54 - (ومنها): أن التبسم قد يكون عن غضب، كما يكون عن تعجب، ولا يختص بالسرور.

55 - (ومنها): معاتبة الكبير أصحابه، ومن يَعِزّ عليه دون غيره.

56 - (ومنها): العمل بمفهوم اللقب، إذا حفّته قرينة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لمّا حدّثه كعب: "أما هذا فقد صدَق"، فإنه يشعر بأن من سواه كذب، لكن ليس على عمومه في حقّ كل أحد سواه؛ لأن مُرارة، وهلالًا أيضًا قد صدقا، فيختص الكذب بمن حلف، واعتذر، لا بمن اعترف، ولهذا عاقب من صَدَق بالتأديب الذي ظهرت فائدته عن قرب، وأَخَّر من كَذَب للعقاب الطويل، وفي الحديث الصحيح: "إذا أراد الله بعبد خيرًا عَجّل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد به شرًّا أمسك عنه عقوبته، فيَرِدُ القيامة بذنوبه".

قيل: وإنما غُلِّظ في حقّ هؤلاء الثلاثة؛ لأنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر، ويدل عليه قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 120]، وقول الأنصار: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

57 - (ومنها): تبريد حرّ المصيبة بالتأسي بالنظير، حيث تأسّى كعب -رضي الله عنه- بصاحبيه.

58 - (ومنها): عِظَم مقدار الصدق في القول والفعل، وتعليق سعادة الدنيا والآخرة، والنجاة من شرّهما به.

59 - (ومنها): أن من عُوقب بالهجر يُعذر في التخلف عن صلاة الجماعة؛ لأن مرارة، وهلالًا -رضي الله عنه- لم يخرجا من بيوتهما تلك المدّة.

60 - (ومنها): جواز دخول المرء دار جاره وصديقه بغير إذنه، ومن غير البارب، إذا عَلِم رضاه.____

61 - (ومنها): أن قول المرء: "اللهُ ورسوله أعلم" ليس بخطاب، ولا كلام، ولا يحنث به من حلف أن لا يكلم آخر إذا لم ينو به مكالمته، وإنما قال أبو قتادة ذلك لَمّا ألحّ عليه كعب، وإلا فقد تقدم أن رسول ملك غسّان لمّا سأل عن كعب جعل الناس يشيرون له إلى كعب، ولا يتكلمون بقولهم مثلًا: هذا كعب؛ مبالغةً في هجره، والإعراض عنه، والله تعالى أعلم.

ذكر هذه الفوائد النوويّ -رحمه الله- في "شرحه" ["شرح النوويّ" 17/ 100 - 102]، والحافظ في "الفتح" [راجع: "الفتح" 9/ 575 - 577]،

والعينيّ في "عمدته" [عمدة القاري" 18/ 55 - 56]، والله تعالى أعلم." اهـ كلام الإثيوبي _رحمه الله_.



[1] عبد الله بن كعب بن مالك الأنصارى السلمى المدنى، وهو ثقة من كبار التابعين، توفي سنة 97 أو 98 هـ.

[2] ترجمة كعب بن مالك _رضي الله عنه_ :

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 523) : كَعْبُ بنُ مَالِكِ بنِ أَبِي كَعْبٍ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ * (ع) : ابْنِ القَيْنِ بنِ كَعْبِ بنِ سَوَادِ بنِ غَنْمِ بنِ كَعْبِ بنِ سَلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، العَقَبِيُّ، الأُحُدِيُّ،  شَاعِرُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبُهُ، وَأَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِيْنَ خُلِّفُوا، فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ. شَهِدَ العَقَبَةَ.

وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ، تَبْلُغُ الثَّلاَثِيْنَ، اتَّفَقَا عَلَى ثَلاَثَةٍ مِنْهَا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ___

آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَكَعْبِ بنِ مَالِكٍ." اهـ

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (50/ 176)

كعب بن مالك بن أبي كعب واسمه عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج أبو عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو بشير الأنصاري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وشاعره روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أحاديث صالحة وشهد العقبة وأحدا." اهـ

مشاهير علماء الأمصار (ص: 38) لابن حبان : "كعب بن مالك بن أبى كعب بن القين بن كعب الانصاري السلمي من بنى سلمة بن سعد ممن شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد إلا تبوك وكان من النقباء والشعراء ممن له شهامة في شبابه وبراعة في يفاعته كنيته أبو عبد الله توفى بالمدينة أيام قتل على بن أبى طالب رضه الله عنه."

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 435) : كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْقَيْنِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ السُّلَمِيُّ، أَبُو عبد اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ. [الوفاة: 41 - 50 ه] : شَاعِرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَأُحُدًا." اهـ

[3] قال سعد في "الطبقات الكبرى" – ط. دار صادر (2/ 165) تصويرا لغزوة تبوك : "غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم تَبُوكَ فِي رَجَبَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ مُهَاجَرِهِ، قَالُوا: بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَنَّ الرُّومَ قَدْ جَمَعَتْ جُمُوعًا كَثِيرَةً بِالشَّامِ وَأَنَّ هِرَقْلَ قَدْ رَزَقَ أَصْحَابَهُ لِسَنَةٍ وَأَجْلَبَتْ مَعَهُ لَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ وَقَدَّمُوا مُقَدِّمَاتِهِمْ إِلَى الْبَلْقَاءِ فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْخُرُوجِ وَأَعْلَمَهُمُ الْمَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ لِيَتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ وَبَعَثَ إِلَى مَكَّةَ وَإِلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَسْتَنْفِرُهُمْ , وَذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَحَمَلُوا صَدَقَاتٍ كَثِيرَةٍ وَقَوُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَاءَ الْبَكَّاؤُونَ وَهُمْ سَبْعَةٌ يَسْتَحْمِلُونَهُ فَقَالَ: " {لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92]،

وَهُمْ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهَرَمِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو لَيْلَى الْمَازِنِيُّ وَعَمْرُو بْنُ عَنَمَةَ وَسَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُونَ : "الْبَكَّاءُونَ: بَنُو مُقَرِّنٍ السَّبْعَةُ، وَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَجَاءَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللَّهِ _صلّى الله عليه وسلم_ فِي التَّخَلُّفِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، وَهُمْ : بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا.

وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤَذَنَ لَهُمْ، فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يَعْذُرْهُمْ، وَهُمُ : اثْنَانِ وَثَمَانُونَ رَجُلًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَدْ عَسْكَرَ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ فِي حُلَفَائِهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَكَانَ يُقَالُ: لَيْسَ عَسْكَرُهُ بِأَقَلِّ الْعَسْكَرِيِّنَ،

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ عَلَى عَسْكَرِهِ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِمَّنْ قَالَ اسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ.

فَلَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ _صلّى الله___عليه وسلم_، تَخَلَّفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ، وَتَخَلَّفَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ مِنْهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ رَبِيعٍ وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو خَيْثَمَةَ السَّالِمِيِّ , وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ." اهـ

[4] وفي إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 284) للقاضي عياض :

"وقوله : " لا يريد غزوة إلا ورى بغيرها ": أى ستر وراء ظهره. قالوا: وأصله من وراء، كأنه جعل البيان وراء ظهره." اهـ

وفي التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 203) للأمير الصنعاني :"وَالتَّوْرِيةُ" إخفاء الشيء وإظهار غيره." اهـ

[5] وفي التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 203) للصنعاني : "وَالمَفَاوِزُ" جمع مفازة، وهي البرية القفز." اهـ

والمفازة بين المدينة وتبوك: 623 كم، وبين تبوك وحالة عمار (حدود الأردن) : 120 كم.

[6] بلغ عدد جيوش المسلمين في غزوة تبوك ثلاثين ألفا (30000)، بينما جيوش الروم بلغ أربعين ألفا (40000).

[7] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (43/ 22) للإثيوبي: "والمعنى: أن من كان يريد أن يتغيّب عن الغزو، فإنه من السهل عليه أن يفعل ذلك؛ لأنه يظنّ أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يطّلع عليه؛ لكثرة الناس، ولعدم تسجيل أسمائهم في ديوان، إلا أن ينزل وحي من الله تعالى، كما بيّنه بقوله: (مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ) بالبناء للفاعل، أو المفعول، (وَحْي مِنَ اللهِ-عز وجل-)؛ أي: إلا أن يُنزل الله -عز وجل- وحيًا على رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتغيّب ذلك الرجل، والله تعالى أعلم." اهـ

[8] وفي الترغيب والترهيب للمنذري، ت. عمارة (3/ 587) :

"[وقوله: فانا إليها أصعر] بفتح الهمزة والعين المهملة جميعاً وسكون الصاد المهملة: أي أميل إلى البقاء فيها، وأشتهي ذلك، والصعر: الميل، وقال الجوهري: في الخد خاصة." اهـ

[9] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 52) : "(وتفارط الْغَزْو) أَي: فَاتَ وَسبق من الفرط وَهُوَ السَّبق." اهـ

[10] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 52) : "أَي : مطعوناً عَلَيْهِ فِي دينه مُتَّهمًا بالنفاق، وَقيل: مَعْنَاهُ مستحقراً، تَقول: غمصت فلَانا إِذا استحقرته، وَكَذَلِكَ: اغمصته." اهـ

[11] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 52) :

"قَوْله: (حَبسه برْدَاهُ) تَثْنِيَة، برد. قَوْله: (وَالنَّظَر) ، أَي وحبسه النّظر (فِي عطفيه) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة أَي: جانبيه، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى إعجابه بِنَفسِهِ ولباسه، وَقيل: كنى بذلك عَن حسنه وبهجته، وَالْعرب تصف الرِّدَاء بِصفة الْحسن وتسميه عطفا لوُقُوعه على عطفي الرجل." اهـ

[12] سعد بن خيثمة الأنصاري

[13] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 52) :

"أَي: رَاجعا من سَفَره إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ قدومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فِي رَمَضَان."

[14] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 52) : "أَي : يظهرون الْعذر." اهـ

[15] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) : "قَوْله: (ابتعت ظهرك) ، أَي: اشْتريت راحلتك." اهـ

[16] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (43/ 34) للإثيوبي: "(عُقْبَى اللهِ) بضمّ العين المهملة، وسكون القاف، مقصورًا؛ أي: ثوابه، قال المجد -رحمه الله-: الْعُقْبَى: جزاء الأمر. انتهى." اهـ

[17] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) :

"قَوْله: (مُرَارَة) ، بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الراءين: ابْن الرّبيع، وَيُقَال: ابْن ربيعَة الْعمريّ نِسْبَة إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات العامري، أنكرهُ الْعلمَاء وَقَالُوا: صَوَابه الْعمريّ. قلت: لِأَنَّهُ كَانَ من بني عَمْرو بن عَوْف شهد بَدْرًا." اهـ

[18] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) :

"(وهلال بن أُميَّة) الْأنْصَارِيّ (الوَاقِفِي) من بني وَاقِف ابْن امرىء الْقَيْس بن مَالك بن الْأَوْس شهد بَدْرًا." اهـ

[19] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) : "قَوْله: (تنكرت) ، أَي: تَغَيَّرت."

[20] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) : "أَي: من جفائهم وإعراضهم."

[21] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) :

"وَأَبُو قَتَادَة، بِفَتْح الْقَاف: اسْمه الْحَارِث بن ربعي، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة: ابْن بلذمة الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الخزرجي من بني غنم بن كَعْب بن سَلمَة بن تزيد بن جشم بن الْخَزْرَج، هَكَذَا يَقُول ابْن شهَاب وَجَمَاعَة أهل الحَدِيث أَن اسْم أبي قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي،

قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَأَهله يَقُولُونَ اسْمه النُّعْمَان بن عَمْرو بن بلذمة، قَالَ أَبُو عمر: يَقُولُونَ بلذمة، بِالْفَتْح، وبلذمة باضم، وبلذمة بِالذَّالِ المنقوطة وَالضَّم أَيْضا، توفّي بِالْكُوفَةِ فِي خلَافَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى هُوَ عَلَيْهِ." اهـ

[22] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) : "قَوْله : (أنْشدك) ، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة، أَي: أَسأَلك بِاللَّه."

[23] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) :

"قَوْله: (إِذا نبطي) كلمة: إِذا للمفاجأة، و: النبطي، بِفَتْح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة: الْفَلاح، سمي بالنبطي لِأَن اشتقاقه من استنباط المَاء واستخراجه، والأنباط كَانُوا فِي ذَلِك الْوَقْت أهل الفلاحة، وَهَذَا النبطي كَانَ نَصْرَانِيّا شامياً، وَقيل: النبطي مَنْسُوب إِلَى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام." اهـ

[24] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) :

"قَوْله : (من ملك غَسَّان) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ من جملَة مُلُوك الْيمن، سكنوا الشَّام. قيل: هُوَ جبلة بن الْأَيْهَم، نَص عَلَيْهِ ابْن عَائِذ، وَعَن الْوَاقِدِيّ: إِنَّه الْحَارِث بن أبي بشر، وَقيل: جند بن الْأَيْهَم، وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه: فَكتب إِلَى كتابا فِي سَرقَة من حَرِير." اهـ

[25] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 53) : "قَوْله : (فَتَيَمَّمت بهَا التَّنور) أَي: قصدت بهَا. أَي: بِالْكتاب الَّذِي أرْسلهُ ملك غَسَّان." اهـ

[26] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 54) :

"أَي: فسجرت التَّنور أَي: أوقدته، بهَا أَي: بِالْكتاب الَّذِي هُوَ الصَّحِيفَة، وَهَذَا الصَّنِيع من كَعْب يدل على قُوَّة إيمَانه ومحبته لله وَرَسُوله." اهـ

[27] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 54) :

"اسْمهَا: عميرَة بنت جُبَير بن صَخْر بن أُميَّة الْأَنْصَارِيَّة، أم أَوْلَاده الثَّلَاثَة: عبد الله وَعبيد الله ومعبد." اهـ

[28] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 54) :

"قَوْله: (فَجَاءَت امْرَأَة هِلَال بن أُميَّة) هِيَ: خَوْلَة بنت عَاصِم، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: هِيَ الَّتِي لاعنها هِلَال فَفرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَينهمَا." اهـ

[29] يعني : أهل كعب

[30] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 54) :

"قَوْله: (على جبل سلع) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ، وَفِي رِوَايَة معمر: من ذرْوَة سلع، أَي: أَعْلَاهُ. قَالَ الْوَاقِدِيّ: الَّذِي أوفى على سلع أَبُو بكر الصّديق." اهـ

[31] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 54) : "قَوْله : (وآذن) ، أَي: أعلم." اهـ

[32] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 54)

"قَوْله : (لتهنِك) ، بِكَسْر النُّون، وَزعم ابْن التِّين أَنه بِفَتْحِهَا، قَالَ: لِأَنَّهُ من: يهنأ، بِالْفَتْح."

[33] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 54) : "قَوْله: (أَن أَنْخَلِع) ، أَي: أَن أخرج من مَالِي بِالْكُلِّيَّةِ." اهـ

[34] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 55) : "قَوْله: (أبلاه الله) ، أَي: أنعم عَلَيْهِ." اهـ

[35] قال الله _تعالى_ :

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 117_119]

[36] وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) [التوبة/118]

[37] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 55)

"قَوْله : (وَإِنَّمَا هُوَ تخليفه) ، أَي: تخليف الله إينا أَي: تَأْخِيره إيانا أَي: تَأْخِيره أمرنَا عَن أَمر من حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ اعتذاره وحلفه فغفر لَهُ." اهـ

[38] مستفاد من البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (43/ 65)

[39] أخرجه مسلم (رقم : 870)، كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، عن عدي بن حاتم -رَضِيَ الله عَنْهُ-

[40] أخرجه التِّرْمِذِيّ (رقم : 614)، كتاب: الصلاة، باب: ما ذكر في فضل الصلاة، وقال: حسن غريب، وابن حبان في "صحيحه" (رقم : 1723)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5761)، عن كعب بن عجرة -رَضِيَ الله عَنْهُ-. وفي الباب عن غير واحد من الصَّحَابَة -رضي الله عنهم-. والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 519) (رقم : 867)

[41] قال محمد صبحي حسن حلاق معلق التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 207) :

"وهو خطأ، بل ممن جزم بأنهما شهدا بدراً أبو بكر الأثرم، انظر "فتح الباري" (8/ 120) "زاد المعاد" (3/ 504 - 505)." اهـ

[42] قال معلق التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 212) :

"فصوص الحكم: من مؤلفات ابن عربي، زعم أنه ألقاه إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الذي ألقاه إليه الشيطان؛ لأن فيه من الكفر والإلحاد ما قد بينه ابن تيمية في حقيقة الاتحاديين.

قال أبو العلاء غففي في مقدمة (الفصوص): له طريقة في تأويل الآيات فيها تعسف وشطط ويعمد إلى تعقيد البسيط، وإخفاء الظاهر لأغراض في نفسه.

ويقول "نيكولسون" في وصف أسلوب ابن عربي إنه يأخذ نصاً من القرآن أو الحديث ويؤوله بالطريقة التي نعرفها في كتابات فيلون اليهودي، وأريجن الاسكندري.

وقد طبع الكتاب (سنة 365 هـ) - دار إحياء الكتب العربية - مجلد واحد، الجزء الأول فيه نص كتاب الفصوص، والجزء الثاني تعليقات عليه لأبي العلاء عفيفي.

انظر: حاشية "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لابن تيمية (ص 192) تحقيق د/ عبد الرحمن عبد الكريم اليمي. كتب ليست من الإسلام (7/ 11، 27، 46)." اهـ

[43] وفي تعليق "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (2/ 212) :

"الفتوحات المكية"، من أكبر مؤلفات ابن عربي، وآخرها تأليفاً، ألفها في فترة إقامته في مكة، ثم كتبها ثانية بدمشق، وذكر أنه زاد عليها زيادات لا توجد في النسخة الأولى.___

الكتاب مطبوع في أربع مجلدات كبيرة/ ط: دار الكتب العربية المصرية، ويكاد يشتمل كل ما أورده ابن عربي في مؤلفاته الأخرى.

قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/ 249) فيه - كتاب "الفتوحات" - ما يعقل وما لا يعقل، وما ينكر وما لا ينكر، وما يعرف وما لا يعرف.

"كشف الظنون" (2/ 1238)." اهـ

[44] هو عمر بن علي مرشد المصري، أشهر المتصوفين، توفي سنة (632 هـ/ 1235 م).

[45] الجيلي ويقال: الجيلاني، هو عبد القادر بن موسى، وقيل أنه مؤسس الطريقة القادرية في التصوف توفي (سنة 561 هـ).

وقال الأمير الصنعاني في التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 213) ذاكرا كتاب الجيلي :

"(نكتة): اتفق لي سنة (74) لعله في رجب منها أنه أتاني إنسان من أهل العلم بكتاب قد بهره ما فيه من المضادة لما في القرآن ومن أمارة الشر والهذيان، فقال لي: انظروا هذا!! فنظرته، فرأيت فيه كل عجاب وهو كتاب الجيلي الذي سماه "الإنسان الكامل" وكنت قد عرفته من مدة فزادني تأمله يقيناً بوجوب إحراقه." اهـ

[46] أخرجه أبو داود في سننه (3/ 89) (رقم : 2774)، والترمذي في سننه (4/ 141) (رقم : 1578)، وابن ماجه في سننه (1/ 446) (رقم : 1394)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 858) (رقم : 4701)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة