شرح الحديث 20 من رياض الصالحين للأستاذ أبي فائزة عبد القادر البوجيسي
[20] وعن أبي سَعيد
سَعْدِ بنِ مالكِ بنِ سِنَانٍ الخدريِّ[1] _رضي الله عنه_ :
"أنّ نَبِيَّ الله _صلى
الله عليه وسلم_ قَالَ :
«كَانَ فِيمَنْ كَانَ
قَبْلَكمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعينَ نَفْساً،[2]
فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ
الأرضِ،
فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ[3]، فَأَتَاهُ. فقال: "إنَّهُ قَتَلَ تِسعَةً وتِسْعِينَ نَفْساً،
فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوبَةٍ؟"
فقالَ : "لا"،
فَقَتَلهُ فَكَمَّلَ بهِ مئَةً،
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ
أَهْلِ الأَرضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ
عَالِمٍ. فقَالَ : "إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ
تَوْبَةٍ؟"
فقالَ : "نَعَمْ،
ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا،
فإِنَّ بِهَا أُناساً يَعْبُدُونَ الله _تَعَالَى_، فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ، ولا
تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ".
فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا
نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ،
فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ.
فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ : "جَاءَ تَائِباً، مُقْبِلاً بِقَلبِهِ إِلى اللهِ
تَعَالَى."
وقالتْ مَلائِكَةُ
العَذَابِ : "إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيراً قَطُّ".
فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ
آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ _أيْ : حَكَماً_
فقالَ : قِيسُوا ما بينَ
الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى
إِلى الأرْضِ التي أرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ» . مُتَّفَقٌ عليه.
وفي رواية في الصحيح : «فَكَانَ إلى القَريَةِ الصَّالِحَةِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ
أهلِهَا» .
وفي رواية في الصحيح : «فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وإِلَى هذِهِ
أَنْ تَقَرَّبِي،
وقَالَ : قِيسُوا مَا
بيْنَهُما، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ» .
وفي رواية : «فَنَأى بصَدْرِهِ نَحْوَهَا» .
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه (4/
174) (رقم : 3470)، ومسلم في صحيحه (4/ 2118) (رقم : 2766)، وابن ماجه في سننه (2/
875) (رقم : 2622)
الشرح الإجمالي :
كشف المشكل من حديث
الصحيحين (3/ 159) :
"وَالْمرَاد من
الحَدِيث أَنه لما صدق فِي التَّوْبَة، اجْتهد فِي الْقرب إِلَى أهل الْخَيْر،
فأعين على اجْتِهَاده بِالْوَحْي إِلَى الأَرْض الصَّالِحَة : «أَن تقربي»،
وَإِلَى الخبيثة : «أَن تباعدي»،
وَهَذَا من جنس قَوْله
تَعَالَى: {كَذَلِك كِدْنَا لِيُوْسُفَ} [يُوسُف: 76] ." اهـ
مجالس التذكير من حديث
البشير النذير (ص: 104_105) لابن بادس الصِّنْهَاجِيِّ :
"هذا رجل جنى هذه
الجنايات العديدة، ثم ذكر الله _تعالى_، فأراد الرجوع إليه، فسأل عن أعلم أهل
الأرض، ليوجده سبيلا إلى ذلك، فدله من دله على راهِبٍ لاعتقاد العامةِ العِلْمَ في
كل مُظْهِرٍ للتعبد، فلم يَجْدْ عنده مَخْرَجًا من جنايته، فكمَّل بقتله المائة
محمولا على___ذلك باليأس والجرأة والاستهانة بقتل النفس.
ولكنه بقي مع ذلك يطمع أن
يجد عند غيره سبيلاً، فدل على عالم، فأفتاه بإمكان التوبة مستدلا بأنه لا شيء يحول
بينه وبينها، وأشار عليه بمفارقة أرضه التي ضَرِيَ فيها على الجنايات، فإنها كانت
أَرْضَ سُوْءٍ عليه، وأمره أن يذهب إلى أخرى، بها قوم صالحون، يعبدون الله ويسيرون
بطاعته، فيصاحبهم، ويعبد الله معهم لإصلاح نفسه بمعاشرة الصالحين وتحقيق توبته
بالعمل الصالح معهم،
فذهب الرجل على هذه النية،
وأدركه الموت قبل أن يصل إلى تلك الأرض، واختصمت فيه ملائكة الرحمة، وحُجَّتُهُمْ
نيته التي خرج عليها، وملائكةُ العذاب، وحجتُهم أنه لم يعمل عملا صالحا،
فكان القضاء لملائكة الرحمة
تغليبا لجانب القصد والنية وتأيدت النية بجده في السير إلى الأرض التي قصد حتى كان
أقربَ إليها من الأرض التي خرج منها." اهـ
من فوائد الحديث :
فتح الباري لابن حجر (6/
517_518)
"* وَفِي الْحَدِيثِ : مَشْرُوعِيَّةُ التَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْكَبَائِرِ حَتَّى مِنْ
قَتْلِ الْأَنْفُسِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا قَبِلَ
تَوِبَةَ الْقَاتِلِ تَكَفَّلَ بِرِضَا خَصْمِهِ.
* وَفِيهِ : أَنَّ الْمُفْتِيَ قَدْ يُجِيبُ بِالْخَطَإِ،
وَغَفَلَ مَنْ زَعَمَ
أَنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَ الْأَخِيرَ عَلَى سَبِيلِ التَّأَوُّلِ لِكَوْنِهِ
أَفْتَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ
عَالِمٍ بِالْحُكْمِ حَتَّى اسْتَمَرَّ يَسْتَفْتِي وَأَنَّ الَّذِي أَفْتَاهُ
اسْتَبْعَدَ أَنْ تَصِحَّ تَوْبَتَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ لمن ذَكَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ
بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ بِنَاءً عَلَى الْعَمَلِ بِفَتْوَاهُ
لِأَنَّ ذَلِكَ اقْتَضَى عِنْدَهُ أَنْ لَا نَجَاةَ لَهُ فَيَئِسَ مِنَ الرَّحْمَةِ
ثُمَّ تَدَارَكَهُ اللَّهُ فَنَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فَرَجَعَ يَسْأَلُ.
* وَفِيهِ : إِشَارَةٌ إِلَى قِلَّةِ فِطْنَةِ الرَّاهِبِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ
حَقِّهِ التَّحَرُّزُ مِمَّنِ اجْتَرَأَ عَلَى الْقَتْلِ حَتَّى صَارَ لَهُ عَادَةً
بِأَنْ لَا يُوَاجِهَهُ بِخِلَافِ مُرَادِهِ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُ
الْمَعَارِيضَ مُدَارَاةً عَنْ نَفْسِهِ،
هَذَا لَوْ كَانَ الْحُكْمُ
عِنْدَهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ فَضْلًا عَنْ أَنَّ
الْحُكْمَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا مَظْنُونًا.
* وَفِيهِ : أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِبَنِي آدَمَ يَخْتَلِفُ
اجْتِهَادُهُمْ فِي حَقِّهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَكْتُبُونَهُ مُطِيعًا
أَوْ عَاصِيًا، وَأَنَّهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ
بَيْنَهُمْ،
* وَفِيهِ : فَضْلُ التَّحَوُّلِ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي يُصِيبُ الْإِنْسَانُ
فِيهَا الْمَعْصِيَةَ لِمَا يَغْلِبُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ،
إِمَّا لِتَذَكُّرِهِ
لِأَفْعَالِهِ الصَّادِرَةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْفِتْنَةِ بِهَا،
وَإِمَّا لِوُجُودِ مَنْ
كَانَ يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَحُضُّهُ عَلَيْهِ،
وَلِهَذَا قَالَ لَهُ
الْأَخِيرُ (وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ)
* فَفِيهِ : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّائِبَ يَنْبَغِي لَهُ مُفَارَقَةُ
الْأَحْوَالِ الَّتِي اعْتَادَهَا فِي زَمَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّحَوُّلُ
مِنْهَا كلهَا___وَالِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهَا،[4]
* وَفِيهِ : فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ لِأَنَّ الَّذِي أَفْتَاهُ
أَوَّلًا بِأَنْ لَا تَوْبَةَ لَهُ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ فَاسْتَعْظَمَ
وُقُوعَ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاتِلِ مِنَ اسْتِجْرَائِهِ عَلَى قَتْلِ
هَذَا الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَأَمَّا الثَّانِي فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ
فَأَفْتَاهُ بِالصَّوَابِ وَدَلَّهُ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ،[5]
* قَالَ عِيَاضٌ :
"وَفِيهِ : أَنَّ
التَّوْبَةَ تَنْفَعُ مِنَ الْقَتْلِ كَمَا تَنْفَعُ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ،
وَهُوَ وَإِنْ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا، وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ،
لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ إِذَا
لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا تَقْرِيرُهُ وَمُوَافَقَتُهُ، أَمَّا إِذَا وَرَدَ
فَهُوَ شَرْعٌ لَنَا بِلَا خِلَافٍ."[6]
وَمِنَ الْوَارِدِ فِي
ذَلِكَ :
قَوْلِهِ _تَعَالَى_ : {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ} [النساء: 48]،
وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ، فَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ) وَغَيْرُ
ذَلِكَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَمْرُهُ
إِلَى اللَّهِ : إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ"،
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
* قُلْتُ : وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ تَخْفِيفِ الْآصَارِ
عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ،
فَإِذَا شُرِعَ لَهُمْ
قَبُولُ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ، فَمَشْرُوعِيَّتُهَا لَنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى،
وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ} [النساء: 93] _الْآيَةَ_ فِي التَّفْسِيرِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ _تَعَالَى_.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ فِي بَنِي آدَمَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْحُكْمِ بَيْنَ
الْمَلَائِكَةِ إِذَا تَنَازَعُوا،
* وَفِيهِ : حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ التَّحْكِيمَ وَأَنَّ مَنْ رَضِيَ
الْفَرِيقَانِ بِتَحْكِيمِهِ، فَحُكْمُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ،
وَسَيَأْتِي نَقْلُ
الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِي مَا بَعْدَهُ،
* وَفِيهِ : أَنَّ لِلْحَاكِمِ إِذَا تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ
الْأَحْوَالُ وَتَعَدَّدَتِ الْبَيِّنَاتُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالْقَرَائِنِ عَلَى
التَّرْجِيحِ." اهـ
إكمال المعلم بفوائد مسلم
(8/ 269) للقاضي عياض :
"وقوله فى الذى قتل
تسعة وتسعين، وسؤاله : (هل له من توبة؟) وقول العالم له : (نعم).
هذا مذهب أهل السنة
والجماعة؛ أنّ التوبة تكفّر القتل كسائر الذنوب، وهو قول كافة السلف.
وما روي عن بعضهم من خلاف
ذلك، فشديد فى الزجر وتورية فى القول، لئلا يجترئ الناس على الدماء." اهـ[7]
التوضيح لشرح الجامع الصحيح
(19/ 641) لابن الملقن:
"وقتله الراهب الأول
كان لقلة علمه وتجرئه على الفتيا بقوله: "لا توبة لك"، وهذا جهل منه،
وأعان على نفسه إذ أيأس القاتل من التوبة." اهـ
دليل الفالحين لطرق رياض
الصالحين (1/ 108_109) لابن علان الصديقي:
"قال القرطبي : "وهذا
من الراهب دليل على قلة علمه وعدم فطنته حيث لم يصب وجه الفتيا ولا سلك طريق
التحرّز في نفسه مما صار له القتل عادة معتادة، فقد صار هذا مثل الأسد الذي لا
يبالي بمن يفترسه،
فكان حقه ألا يشافهه بمنع
التوبة مداراة لدفع القتل عن نفسه كما يدارى الأسد الضاري___لكنه أعان على نفسه،
فإنه لما آيسه من التوبة قتله بحكم سبعيته ويأسه من رحمة الله وتوبته عليه."
اهـ
دليل الفالحين لطرق رياض
الصالحين (1/ 110) :
(أتاه الموت فاختصمت فيه
ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى
الله تعالى)
قال القرطبي : "هذا
نصّ صريح في أن الله تعالى أطلع ملائكة الرحمة على ما في قلبه من صحة قصده إلى
التوبة وحرصه عليها. وأن ذلك خفي على ملائكة العذاب حتى أخبر عنها بقوله: (وقالت
ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط) بضم الطاء ظرف لاستغراق الزمن الماضي، إذ لو
اطلعت على ما فيه قلبه من التوبة، لَمَا صح لها أن تقول هذا، ولا أن تنازع ملائكة
الرحمة في قولها : (إنه جاء تائباً) الخ، بل كانت تشهد بما في علمها كما شهد
الأولون بما تحققوه.[8]
ولما كانت شهادة ملائكة
الرحمة على إثبات وملائكة العذاب على عدمٍ. وشهادة الإثبات مقدمةٌ، فلا جرم لما
حصل التنازع بين الصنفين وخرج كلاهما عن الشهادة إلى الدعاوى، بعث الله إليهما
ملكاً حاكماً يفصل بينهما كما قال: (فأتاهم ملك في صورة آدمي) صوّر بصورته إخفاء
عن الملائكة وتنويهاً ببني آدم، وأن منهم من يصلح لأن يفصل بين الملائكة إذا
تنازعوا (فجعلوه بينهم) حجة لمن قال بلزوم حكم المحكم للخصمين المتراضيين به."
اهـ
دليل الفالحين لطرق رياض
الصالحين (1/ 111) :
"قال القرطبي : وفيه
دليل على أن الحاكم إذا تعارضت الأقوال عنده وتعذرت الشهادة مكنة الاستدلال
بالقرائن على ترجيح بعض الدعاوى نفد الحكم بذلك كما فعله سليمان _عليه السلام_ حيث
قال : «ائتوني بالسكين، أَشُقَّه بينكما»،
وقال المصنف : "قياس
الملائكة ما بين القريتين، وحكم الملك الذي جعلوه بينهم بذلك محمول على أن الله
تعالى أمرهم عند اشتباهِ الأمر عليهم، واختلافِهم فيه أن يحكموا رجلاً ممن يمر
بهم، فمرّ الملك في صورة رجل فحكم بذلك اهـ." اهـ
دليل الفالحين لطرق رياض
الصالحين (1/ 112) :
"(أقرب بشبر) بسبب
امتدادها وانبساطها والزواء تلك وانقباضها (فغفر له) فأخذته ملائكة الرحمة، ففيه
مجاز كما تقدم في نظيره.
قال القرطبي : "يفهم منه أن الرجل كان أقرب إلى الأرض التي خرج منها، فلو تركت
الأرض على حالها لقبضته ملائكة العذاب، لكن غمرته الألطاف الإلهية وسبقت له
العناية الأزلية فقرّبت البعيد وألانت الحديد.
ويستفاد منه أن الذنوب وإن عظمت فعفو الله أعظم منها، وأن من ألهمه الله صدق
التوبة، فقد سلك به طريق اللطف والقربة اهـ." اهـ
التوضيح لشرح الجامع الصحيح
(19/ 644)
وفيه: أن الذنوب وإن عظمت
تصغُر عند عفو الله، وهو حديث عظيم لرجاء أصحاب العظائم.
صحيح ابن حبان - مخرجا (2/
380)
ذِكْرُ مَا يَجِبُ عَلَى
الْمَرْءِ مِنْ لُزُومِ النَّدَمِ، وَالتَّأَسُّفِ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ
رَجَاءَ مَغْفِرَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ذُنُوبَهُ بِهِ
المفاتيح في شرح المصابيح
(3/ 176)
"فوجد إلى هذه أقرب
بشبر فغفر له"، (إلى هذه) إشارة إلى القرية التي قصدها للتوبة، وهذا تحريض
للمذنبين على التوبة، ومَنْعُهم عن اليأس عن رحمة الله تعالى، بل لا مرجع ولا مآب
للمطيعين والعاصين إلا بابُ مولاهُمُ الْكَرِيْمِ، فإنه لا مولى سواه، ولا نصيرَ
ولا مخلِّصَ من العذاب سواه، ولا مجير،
ولا تظننَّ أن الله إذا غفر
له أضاع ما عليه من حقوق الآدميين، بل سيُرضي يومَ القيامة خصماءَه بفضله ورحمته."
اهـ
مجالس التذكير من حديث
البشير النذير (ص: 104) لابن بادس الصِّنْهَاجِيِّ[9]:
"وكانت الرهبنة فيمن
قبلنا بالانقطاع عن الناس والتفرغ للعبادة، ابتدعها أهلها دون أن يكتبها الله
عليهم كما في سورة الحديد. ثم جاء الإسلام فشرع الجمعة والجماعة فأبطل الانقطاع عن
الناس للعبادة إلا من فرَّ بدينه أيام الفتنة خوفا على نفسه منها." اهـ
مجالس التذكير من حديث
البشير النذير (ص: 105) :
"في الحديث : لزوم
السؤال للجهال. وفيه : أن أهل العلم هم الذين يسألون عنه لا غيرهم وإن كان أكثر
عبادة، ولذا قال مالك _رحمه الله_ : (لا يؤخذ العلم عن أربعة : سفيه معلن السفه،
وصاحب هوى يدعو إليه، ورجل معروف بالكذب في حديث الناس، وإن كان لا يكذب على
الرسول _عليه وآله الصلاة والسلام_، ورجل له فضل وصلاح لا يعرف ما يحدث به)،
ذكره ابن عبد البر في جامع
العلم[10].
وفيه : صحة توبة القاتل،
وهو مذهب جمهور السلف، وهذا الحديث من أدلتهم." اهـ
مجالس التذكير من حديث
البشير النذير (ص: 105) :
"العلم قبل العمل، ومن
دخل في العمل بغير علم، لا يأمن على نفسه من الضلال ولا على عبادته من مداخل
الفساد والاختلال، وربما___اغتر به الجهال، فسألوه فاغتر هو بنفسه فتكلم بما لا
يعلم، فَضَلَّ وأضل.[11]
فهذا الراهب قد دل عليه من
دل عليه يحسبه أعلم أهل الأرض فسئل فأجاب بما لا يعلم فعادت مصيبة ذلك عليه وعلى
سائله،
ولو دل هو سائله على غيره
من العلماء لسلم هو وسلم السائل، فحذار من التقصير في العلم اللازم للعبادة.
وحذار من الكلام في دين
الله، والإفتاء للناس بغير علم مؤهل لذلك. وحذار من صرف الناس عن العلم وأصله إذا
رأيتهم قد افتتنوا بك." اهـ
شرح رياض الصالحين (1/ 118)
للعثيمين :
"ففي هذا دليل علي
فوائد كثيرة:
منها : أن القاتل إذا قتل
إنساناً عمداً، ثم تاب فإن الله - تعالي- يقبل توبته، ودليل ذلك في كتاب الله قوله
تعالي : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء : من الآية 48]،
يعني : ما دون الشرك، فإن
الله _تعالى_ يغفره إذا شاء. وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم." اهـ
منار القاري شرح مختصر صحيح
البخاري (4/ 222) لحمزة بن محمد بن قاسم المغربي _رحمه الله_ :
"فقه الحديث :
دل هذا الحديث على ما يأتي :
أولاً : أن التوبة تكفّر الكبائر كلها مهما بلغت، بما في ذلك القتل، لأن
الله تعالى قبل توبة هذا الرجل الذي قتل مائة نفس، ولا يقال: إن القتل من حقوق
الآدميين التي لا تقبل فيها التوبة إلا باستحلال أصحاب الحقوق ومسامحتهم وإرضائهم،
لأن الله إذا قبل توبة العبد أرضي عنه خصمه كما أفاده القسطلاني.
ثانياً : قال الحافظ : في هذا الحديث فضل العالم على العابد، لأن الذي أفتاه
أولاً بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من
جرأته على قتل هذا العدد الكثير، وأما الثاني: فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب.
اهـ.
وهذا يدل على قيمة العلم، وأن
العالم مقدم على العابد.
ثالثاً: أنه ينبغي لمن تاب من ذنب، ولا سيما إذا كان من الكبائر أن يعقبه
بالإكثار من العبادات والأعمال الصالحة، ومعاشرة الصالحين،
ولهذا أفتاه هذا العالم
الواعي أن يذهب إلى تلك القرية الصالحة، ليعايش الصالحين من أهلها، فيقتدي بهم في
عبادتهم، فإنّ الحسنة تكفر السيئة، فإذا أضيفت الحسنات إلى التوبة الصادقة كانت
خيراً على خير، والله أعلم." اهـ
الترغيب والترهيب للمنذري ت
عمارة (4/ 88) للمنذري :
"الترغيب في التوبة،
والمبادرة بها، وإتباع السيئةِ الحسنة." اهـ
صحيح ابن حبان (2/ 376)
لأبي حاتم ابن حبان البستي :
"ذِكْرُ الْخَبَرِ
الدَّالِّ عَلَى أَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ." اهـ[12]
التوضيح لشرح الجامع الصحيح
(19/ 643):
"وفيه : أن الندم توبة."
اهـ
مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين (7/ 133)[13] :
"العالم نور يهتدي به
الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفى على كثير من الناس قصة الرجل من بني
إسرائيل الذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا،
فسأل رجلًا عابدًا هل له من
توبة. فكأن العابد استعظم الأمر فقال: (لا)، فقتله السائل فأتم به المائة،
ثم ذهب إلى عالم فسأله
فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دله على بلد أهله صالحون
ليخرج إليه فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق» ، والقصة مشهورة، فانظر الفرق بين
العالم والجاهل." اهـ
تطريز رياض الصالحين (ص:
25) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك النجدي :
"في هذا الحديث : فضل
العلم على العبادة.
وفيه : والهجرة من دار
العصيان، ومقاطعة إخوان السوء، واستبدالهم بصحبة أهل الخير والصلاح.
وفيه : دليل على أنَّ
القاضي إذا تعارضت الأقوال عنده، يحكم بالقرائن.
وفيه : أن الذنوب وإن عظمت،
فعفو الله أعظم منها.
وأن من صدق في توبته، تاب
الله عليه، ولو لم يعمل خيرًا إذا عزم على فعله."
البحر المحيط الثجاج في شرح
صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 738)
في فوائده:
1 - (منها): بيان مشروعية
التوبة من جميع الكبائر، حتى مِنْ قَتْلِ___الأنفس، ويُحمل على أن الله تعالى إذا
قَبِل توبة القاتل تكفّل برضا خصمه.
2 - (ومنها): بيان أن
المفتي قد يجيب بالخطأ، وغَفَل من زعم أنه إنما قَتَل الأخير على سبيل التأوّل؛
لكونه أفتاه بغير علم؛ لأن السياق يقتضي أنه كان غير عالم بالحكم، حتى استمر
يستفتي، وأن الذي أفتاه استبعد أن تصح توبته بعد قَتْله لمن ذَكَر أنه قتله بغير
حقّ، وأنه إنما قَتَله بناءً على العمل بفتواه؛
لأن ذلك اقتضى عنده أن لا
نجاة له، فيئس من الرحمة، ثم تداركه الله، فنَدِم على ما صنع، فرجع يسأل، وفيه
إشارة إلى قلة فطنة الراهب؛ لأنه كان من حقه التحرز ممن اجترأ على القتل، حتى صار
له عادة بأن لا يواجهه بخلاف مراده، وأن يستعمل معه المعاريض مداراةً عن نفسه، هذا
لو كان الحكم عنده صريحًا في عدم قبول توبة القاتل، فضلًا عن أن الحكم لم يكن عنده
إلا مظنونًا.
3 - (ومنها): أن الملائكة
الموكَلين ببني آدم يَختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعاً أو
عاصيًا، وأنهم يختصمون في ذلك، حتى يقضي الله بينهم.
4 - (ومنها): بيان فضل
التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية؛ لِمَا يَغلب بحكم العادة على مثل
ذلك؛ إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك، والفتنة بها، وإما لوجود من كان يعينه
على ذلك، ويحضّه عليه،
ولهذا قال له الأخير:
"ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء".
5 - (ومنها): أن فيه إشارةً
إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحول منها
كلّها، والاشتغال بغيرها.
6 - (ومنها): بيان فضل
العالم على العابد؛ لأن الذي أفتاه أوّلًا بان لا توبة له غلبت عليه العبادة،
فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل، من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير، وأما
الثاني فغلب عليه العلم، فأفتاه بالصواب، ودلّه على طريق النجاة.
7 - (ومنها) : أن التوبة
-كما قال عياض-: تنفع من القتل، كما تنفع من سائر الذنوب، وهو وإن كان شرعًا لمن
قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف، لكن ليس هذا من موضع الخلاف؛ لأن موضع الخلاف إذا لم
يَرِد في شرعنا____تقريره، وموافقته،
أما إذا وَرَدَ فهو شَرْع
لنا بلا خلاف، ومن الوارد في ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
وحديث عبادة بن الصامت -رضي
الله عنه-، ففيه بعد قوله: "ولا تقتلوا النفس".
وغير ذلك من المنهيات،
"فمن أصاب من ذلك شيئًا، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه"
متفق عليه.
قال الحافظ : ويؤخذ ذلك
أيضًا من جهة تخفيف الآصار عن هذه الأمة بالنسبة إلى مَنْ قَبْلهم من الأمم، فإذا
شُرع لهم قبول توبة القاتل، فمشروعيتها لنا بطريق الأَولى.
8 - (ومنها): أنه استُدِلّ
به على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكهَ إذا تنازعوا [راجع: "الفتح
" 8/ 129 - 130، "كتاب أحاديث الأنبياء" رقم (3470)]، والله تعالى
أعلم.
لمعات التنقيح في شرح مشكاة
المصابيح (5/ 152) لعبد الحق الدهلوي:
وفي الحديث كمال مبالغة في
سعة رحمة اللَّه وعدم اليأس منها.
[1] ترجمة أبي سعيد الخدري _رضي الله_
وفي
إكمال تهذيب الكمال (5/ 244) :
"سعد
بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبحر، وهو خدرة: أبو سعيد الخدري
الأنصاري الخزرجي.
وفي
سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 168) : "أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ سَعْدُ
بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ * (ع) : الإِمَامُ، المُجَاهِدُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ،
سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ___عُبَيْدِ بنِ الأَبْجَرِ بنِ
عَوْفِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. وَاسْمُ الأَبْجَرِ: خُدْرَةُ. اسْتُشْهِدَ
أَبُوْهُ مَالِكٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ أَبُو سَعِيْدٍ الخَنْدَقَ، وَبَيْعَةَ
الرُّضْوَانِ. وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَأَكْثَرَ، وَأَطَابَ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَطَائِفَةٍ.
وَكَانَ
أَحَدَ الفُقَهَاءِ المُجْتَهِدِيْنَ. مُسْنَدُ أَبِي سَعِيْدٍ: أَلْفٌ وَمائَةٌ
وَسَبْعُوْنَ (1170) حَدِيْثاً، فَفِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) : ثَلاَثَةٌ
وَأَرْبَعُوْنَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً،
وَمُسْلِمٌ: بِاثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ." اهـ باختصار
وفي
معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1260) : سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَقِيلَ:
ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، كَانَ يَسْكُنُ
الْمَدِينَةَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ،
وَلَهُ عَقِبٌ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ
سَنَةً." اهـ
وفي
الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 602) : "أبو سعيد الخدري، هو مشهور بكنيته،
أول مشاهده الخندق، وغزا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سننا كثيرة، وروى عنه علما جما، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم. توفي
سنة أربع وسبعين. روى عنه جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين." اهـ
[2] وفي فتح الباري لابن حجر (1/ 297):
"حَدِيث
أبي سعيد فِي قصَّة الَّذِي قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا :
*
لم يسم هُوَ، وَلَا الراهب الَّذِي أكمل بِهِ الْمِائَة.
*
وَفِيه (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : "ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا."
اسْم
هَذِه الْقرْيَة نصْرَة، وَاسم الْقرْيَة
الْأُخْرَى كفرة. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ.
*
وَلم يسم الرجل الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِ بذلك، إِلَّا أَن فِي بعض طرقه : أَنه رَاهِب أَيْضا،
وَفِي
رِوَايَة فِي الصَّحِيح : (أَنهم وجدوه أقرب إِلَى الْقرْيَة الصَّالِحَة بشبر)،
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم." اهـ
وفي
فتح الباري لابن حجر (6/ 517): "وَوَقَعَتْ
لِي تَسْمِيَةُ الْقَرْيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ
لِلطَّبَرَانِيِّ قَالَ فِيهِ إِنَّ اسْمَ الصَّالِحَةِ نَصْرَةُ وَاسْمَ الْقَرْيَةِ
الْأُخْرَى كَفْرَةُ." اهـ
أخرجه
الطبراني في "المعجم الكبير" (13/ 34) (رقم : 76)، إلا أن الحديث ضعيف،
صعف الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 295) (رقم : 1839)، وقال : "وفيه
(عبد الرحمن بن زياد)، وهو ابن أنعم الإفريقي، وهو ضعيف، وفيه ألفاظ منكرة مخالفة
لحديث الشيخين عن أبي سعيد الخدري كما يتبين لكل ناظر، وهو في هذا الباب من
"الصحيح"." اهـ
[3] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 517) :
"قَوْلُهُ
(فَأَتَى رَاهِبًا) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ رَفْعِ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ إِنَّمَا ابْتَدَعَهَا أَتْبَاعُهُ
كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ." اهـ
[4] وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 110) لابن علان :
"(فإنها
أرض سوء) بفتح المهملة، وفيه تنبيه على وجه استبدال تلك الأرض بأرضه، وفيه
الانقطاع عن إخوان السوء ومقاطعتهم ما داموا على حالهم واستبدال صحبة أهل الخير
والعلم والصلاح والعبادة والورع ومن يقتدى به وينتفع بصحبته لتتأكد بذلك توبته
وتقوى أوبته، فإن كل قرين يقتدي بقرينه". اهـ
[5] وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 109) :
قال
القرطبي : وبهذا يعرف فضل العلم على العبادة، لأن الأول___غلبت عليه الرهبانية
واغترّ بوصف الناس له بالعلم فأفتى بغير علم فهلك في نفسه وأهلك غيره. والثاني كان
مشتغلاً بالعلم فوفق للحق فأحياه الله وأحيا به اهـ.
[6] قال يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن ابن
عبد الهادي الصالحي، جمال الدين، ابن المِبْرَد الحنبلي (المتوفى: 909 هـ) _رحمه
الله_ في معارف الإنعام وفضل الشهور والأيام (ص: 148) :
"واعلمْ
: أن التوبة إذا صحت، قُبلت بلا شك؛ إذا وقعت قبل نزولِ الموت، ولو كانت عن أيِّ
ذنب كان." اهـ
[7] وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 109) لابن علان المكي :
"وقبول
توبة القاتل عمداً مذهب أهل العلم وإجماعهم، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس، وما
نقل عن بعض السلف من خلاف ذلك فمراد قائله الزجر والتورية لا اعتقاد بطلان توبته،
وهذا الحديث ظاهر فيما قاله أهل العلم، وهو إن كان شرعاً لمن قبلنا، وفي الاحتجاج
به خلاف فليس هذا من موضع الخلاف، إنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره،
فإن ورد كان شرعاً لنا بلا خلاف، وهذا ورد شرعنا به، قال تعالى: {والذين لا يدعون
مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون} - إلى قولهـ {إلا من تاب} (68 - 70) الآية.
وجاءت
أحاديث كثيرة بمعنى ذلك. وأما قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم
خالداً فيها} (النساء: 93) فالصواب في معناه أن جزاءه جهنم وقد يجازى بها، وقد
يجازى بغيرها، وقد لا يجازى بل يعفى عنه. كذا في «شرح مسلم» للمصنف. ثم إن العالم
دلّ السائل على ما فيه نفعه بقوله: (انطلق إلى أرض كذا وكذا) اسمها بصرى، واسم
القرية التي كان بها كفرة رواه الطبراني. ليفارق دار الفساد وأصحابه الذين كانوا
يعينونه عليه ما داموا كذلك." اهـ
[8] وفي التوضيح لشرح الجامع
الصحيح (19/ 642_643) لابن الملقن:
"وفيه: اختصام الملائكة
واطلاع ملائكة الرحمة على ما في قلبه من صحة توبته، وأن ذلك خفي على ملائكة العذاب
حتى قالت: "إنه لم يعمل خيرًا قط"، ولو اطلعت على ما في قلبه من توبته
لما صح لها قول ذلك ولا تنازع ملائكة الرحمة، لكن شهادة ملائكة الرحمة على___إثبات،
وأولئك على نفي، والمثبت مقدم، فلا جرم أنهما لما تنازعا خرجا عن الشهادة إلى
الدعوى بعث الله إليهما ملكًا حاكمًا يفصل بينهما في صورة آدمي، وأخفى ذلك عنهم؛
ليعلموا أن في بني آدم من يصلح للفصل بين الملائكة إذا تنازعوا." اهـ
[9] وفي اللباب في تهذيب الأنساب (2/ 249) :
الصُّنْهَاجِي
_بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة، وَكسرِهَا، وَسُكُونِ النُّون وَفتح الْهَاء وَبعد
الْألف جِيم_
هَذِه
النِّسْبَة إِلَى صُنْهَاجة وَهِي قَبيلَة مَشْهُورَة من حمير وَهِي بالمغرب ينْسب
إِلَيْهَا خلق كثير من الْأُمَرَاء وَالْعُلَمَاء بالمغرب." اهـ
[10] أخرجه : يعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة
والتاريخ" (1/ 684)، وأحمد بن حنبل في "العلل ومعرفة الرجال" برواية
المروذي وغيره، ت. وصي الله عباس (ص: 185) (رقم : 328)، وابن عدي في "الكامل
في ضعفاء الرجال" (1/ 178)، وأبو بكر الدِّيْنَوَري في "المجالسة وجواهر
العلم" (5/ 83 و 7/ 147) (رقم : 1891 و 3053)، وابن المقرئ الأصبهاني في "المعجم"
(ص: 331) (رقم : 1084)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 13)، والرامهرمزي
في "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" (ص: 403)، والخطيب البغدادي في "الجامع
لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/ 139) (رقم : 168)، وفي "الكفاية في علم
الرواية" (ص: 116 و 160)، والحافظ العلائي في "بغية الملتمس في سباعيات
حديث الإمام مالك بن أنس" (ص: 77) ، والقاضي عياض اليحصبي في "الإلماع
إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع" (ص: 60).
انظر
: جامع بيان العلم وفضله (2/ 821) (رقم : 1542)، والتمهيد لما في الموطأ من
المعاني والأسانيد (1/ 66)، وكلا الكتابين لابن عبد البر _رحمه الله_. صححه
المعلمي في التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (1/ 197)، ت: الألباني، ط.
المكتب الإسلامي، سنة 1406 هـ
[11] هذا واقعنا اليوم كم من جاهل، فأفتى بغير علم، فضلَّ،
وأضل الناس عن الحق المبين. ففي "صحيح البخاري" (1/ 31) (رقم : 100)، وصحيح
مسلم (4/ 2058) (رقم : 2673): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ
قَالَ:
سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَقُولُ:
«إِنَّ
اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ
يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا
اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ،
فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»
[12] يؤيده : ما أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 1420) (4252) : عَنِ ابْنِ
مَعْقِلٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ
مَعَ أَبِي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ : «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»، فَقَالَ لَهُ أَبِي :
أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «النَّدَمُ
تَوْبَةٌ»، قَالَ: "نَعَمْ "
وحديث
عبد الله بن مسعود هذا، صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 219) (رقم :
3147).
وورد
من حديث أنس بن مالك _رضي الله عنه_ فيما أخرجه ابن حبان في صحيحه (2/ 379) (رقم :
613)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 272) (رقم : 7614)، وصححه الألباني في
صحيح الترغيب والترهيب (3/ 219) (رقم : 3146).
[13] العلم للعثيمين (ص: 16) أنثاء ذكره للفضل (12) للعلم الشرعي.
Komentar
Posting Komentar