شرح الحديث 23-24 من صحيح الترغيب

 

 2 - (الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه).

23 - (2) [صحيح] وعن أبي بنِ كعبٍ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"بَشِّرْ هذه الأمّةَ بالسَّناءِ[1] والدِّين والرِّفعةِ، والتمكين في الأرضِ، فَمَنْ عَمِل منهم عَملَ الآخرةِ للدنيا؛ لم يَكُنْ له في الآخرةِ مِنْ نَصِيْبٍ".

رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد".

وفي رواية للبيهقي : قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"بَشِّرْ هذه الأمّةَ بالتيسيرِ، والسَّناءِ والرِّفعةِ (1) بالدين، والتمكينِ في البلاد، والنصر،

فمن عملَ منهم بعملِ الآخرةِ للدنيا[2]؛ فليس له في الآخرةِ من نَصيبٍ".[3]

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 117)

__________

(1) عطف الرفعة على السَّناء عطف تفسير لأنّ (السناء): الارتفاع، ومعناه ارتفاع المنزلة والقدر عند الله تعالى.

 

تخريج الحديث :

 

أجرجه : أحمد في مسنده (35/ 147) (رقم : 21223)، وفي الزهد (ص: 30) (رقم : 177)، وابن أبي عاصم في الزهد (ص: 82) (رقم : 168)، وأبو الشيخ الأصبهاني في التوبيخ والتنبيه (ص: 78) (رقم : 164)، وابن حبان البستي في صحيحه (2/ 132) (رقم : 405)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 346) (7862)[4]، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 155) (رقم : 6414)، وفي دلائل النبوة (6/ 317)[5]، والشاشي في المسند (3/ 368) (رقم : 1491)، وابن الأعرابي في المعجم (1/ 340) (رقم : 653)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 42)

 

شرح الحديث وفوائده :

 

التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 546) للصنعاني:

"والمراد: بَشِّرْهُمْ بأنهم يثبتون عليه وأنه لا يزيده الله إلا قوة وأنه يظهره على الدين كله كما وقع ذلك

 

قلت : فقد قال الله _تعالى_:

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]

 

وهذا التمكين والرفعة لا يتحقق، إلا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح،  كما قال الله _جل وعلا_:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا. وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]

 

دلائل النبوة للبيهقي مخرجا (6/ 317) :

"بَابُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 55]،

ثُمَّ وَعْدِ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أُمَّتَهُ بِالْفُتُوحِ الَّتِي تَكُونَ بَعْدَهُ، وَتَصْدِيقِ اللهِ _عَزَّ وَجَلَّ_ وَعْدَهُ." اهـ[6]

 

قال السعدي في تيسير الكريم الرحمن (ص: 573):

"هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة، أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يمكَّن لهم ديْنُهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدا بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل." اهـ

 

وفي مسند أحمد - عالم الكتب (4/ 103) (رقم : 16957) : عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».

وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ ، يَقُولُ : قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ." وصححه الأرنؤوط

 

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 32_33) للألباني:

"ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان، ...___ولا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة." اهـ

 

فيض القدير (3/ 201) للمناوي:

"أي: قصد بعمله الأخروي استجلاب الدنيا وجعله وسيلة إلى تحصيلها (لم يكن له في الآخرة من نصيب) لأنه لم يعمل لها." اهـ

 

شعب الإيمان (9/ 157)

قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " فَثَبَتَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَجْهُ اللهِ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ لِمُجَرَّدِ التَّقَرُّبِ بِهِ إِلَيْهِ وَابْتِغَاءِ رِضْوَانِهِ حَبِطَ، وَلَمْ يَسْتَوْجِبْ بِهِ ثَوَابًا إِلَّا أَنَّ لِذَلِكَ تَفْصِيلًا:

* وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ إِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ، فَمَنْ أَدَّاهُ وَأَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ غَيْرَ أَنَّهُ أَدَّاهُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لِيَقُولَ النَّاسُ: (إِنَّهُ فَعُولٌ لِكَذَا) إِبْطَالًا لِرِضْوَانِ اللهِ وَاتِّقَاءً لِسَخَطِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُعَاقَبْ بِهِ التَّارِكُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ ثَوَابًا،

إِنَّمَا ثَوَابَهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَمَدْحُهُمْ إِيَّاهُ بِمَا فَعَلَ،

* وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ بَابِ التَّطَوُّعِ يَفْعَلُهُ يُرِيدُ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ دُونَ وَجْهِ اللهِ _تَعَالَى جَدُّهُ_، فَإِنَّ أَجْرَهُ يَحْبَطُ، وَلَا يَحْصُلُ مِنْ عَمَلِهِ عَلَى شَيْءٍ،

يَكُونُ لَهُ كَمَا حَصَلَ الْأَوَّلُ عَلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ، ثُمَّ يُعَاقِبُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا عَمِلَا لَا لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى، وَتَمَامًا ثَوَابُ اللهِ بِمَحْمَدَةِ النَّاسِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ قِيلَ: ذَلِكَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ إِخْبَارٌ بِأَنَّ الْمُرَائِي يُعَاقَبُ عَنْ عُدُولِهِ عَنْ قَصْدِ وَجْهِ اللهِ إِلَى وَجْهِ النَّاسِ،

وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ اسْتَخَفَّ وَجْهَ اللهِ وَاسْتَهَانَ نِعْمَتَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْصُرَ ذَلِكَ عَنْ ذَنْبِ غَيْرِهِ، وَالذَّنُوبُ كُلُّهَا مُوجِبَةٌ لِلْعِقَابِ فَكَذَلِكَ هَذَا

قُلْتُ: إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللهُ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ وَلَا يُثَابُ،

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ الَّتِي رَايَاهَا لَا تَنْفَعُهُ، فَيَثْقُلُ بِهَا مِيزَانُهُ وَيُرَجَّحُ بِهَا كَفَّةُ الطَّاعَاتِ كَفَّةَ الْمَعَاصِي، لَا أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى الرِّيَاءِ بِالنَّارِ،

إِنَّمَا عُقُوبَةُ الرِّيَاءِ إِحْبَاطُ الْعَمَلِ فَقَطْ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ عَمِلَ مَا عَمِلَ عِبَادَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِعَمَلِهِ حَمْدَ النَّاسِ،

فَإِذَا أُحِيلَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ جُوزِيَ [ص:158] بِصَنِيعِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وَرَاءَ ذَلِكَ ذَنْبٌ يَسْتَوْجِبُ عِقَابًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ عَمَلِهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا : فِعْلٌ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ عِبَادَةَ غَيْرِهِ لَكَفَرَ، وَالْآخَرُ قَصْدُهُ أَنْ يَمْدَحَهُ النَّاسُ بِفِعْلِهِ لَا أَنْ يُثَابَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ بِذَنْبٍ،

وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ الذَّنْبُ فَإِذَا لَمْ يَتُبْ وَقَصَّرَ عَلَى قَوْلِ النَّاسِ فَقَدْ جُوزِيَ فَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ قُصَارَى أَمْرِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ " قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " فَعَلَى هَذَا تَأْوِيلُ الْخَبَرِ حِينَ أُمِرَ بِهِ فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذُنُوبٌ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُرَجَّحْ بِهَذَا الَّذِي عَمِلَهُ رِيَاءً كِفَّةُ الطَّاعَاتِ كِفَّةَ الْمَعَاصِي، فَعُوقِبَ بِمَعَاصِيهِ لَا بِمَا فَعَلَ رِيَاءً وَاللهُ أَعْلَمُ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ كَالدِّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ "

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 79)

وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ أَقْسَامٌ:

* فَتَارَةً يَكُونُ رِيَاءً مَحْضًا، بِحَيْثُ لَا يُرَادُ بِهِ سِوَى مُرَاءَاتِ الْمَخْلُوقِينَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، كَحَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142] (النِّسَاءِ: 142) . وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ - الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 4 - 6] (الْمَاعُونِ: 4 - 6) .

وَكَذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَ بِالرِّيَاءِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال: 47] (الْأَنْفَالِ: 47) .

وَهَذَا الرِّيَاءُ الْمَحْضُ لَا يَكَادُ يَصْدُرُ مِنْ مُؤْمِنٍ فِي فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَقَدْ يَصْدُرُ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْحَجِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، أَوِ الَّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُهَا، فَإِنَّ الْإِخْلَاصَ فِيهَا عَزِيزٌ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُ حَابِطٌ وَأَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَحِقُّ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ وَالْعُقُوبَةَ.

* وَتَارَةً يَكُونُ الْعَمَلُ لِلَّهِ، وَيُشَارِكُهُ الرِّيَاءُ، فَإِنْ شَارَكَهُ مِنْ أَصْلِهِ فَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَحُبُوطِهِ أَيْضًا....

 

ثم قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 81_83) :

وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّ الْعَمَلَ إِذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيَاءِ كَانَ بَاطِلًا: طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَالْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي مَرَاسِيلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا فِيهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ رِيَاءٍ» .

وَلَا نَعْرِفُ عَنِ السَّلَفِ فِي هَذَا خِلَافًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

* فَإِنْ خَالَطَ نِيَّةَ الْجِهَادِ مَثَلًا نِيَّةٌ غَيْرُ الرِّيَاءِ، مِثْلُ أَخْذِهِ أُجْرَةً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ أَخْذِ___شَيْءٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ، أَوِ التِّجَارَةَ، نَقَصَ بِذَلِكَ أَجْرُ جِهَادِهِمْ، وَلَمْ يُبْطَلْ بِالْكُلِّيَّةِ،

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْغُزَاةَ إِذَا غَنِمُوا غَنِيمَةً، تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَغْنَمُوا شَيْئًا، تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ بِجِهَادِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي الْجِهَادِ إِلَّا الدُّنْيَا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: التَّاجِرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُكَارِيُّ أَجْرُهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَخْلُصُ مِنْ نِيَّتِهِمْ فِي غُزَاتِهِمْ، وَلَا يَكُونُ مِثْلَ مَنْ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لَا يَخْلِطُ بِهِ غَيْرَهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ يَأْخُذُ جُعْلًا عَلَى الْجِهَادِ: إِذَا لَمْ يَخْرُجْ لِأَجْلِ الدَّرَاهِمِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ، كَأَنَّهُ خَرَجَ لِدِينِهِ، فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا، أَخَذَهُ...

* وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَصْلُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الرِّيَاءِ، فَإِنْ كَانَ خَاطِرًا___وَدَفَعَهُ، فَلَا يَضُرُّهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ،

* وَإِنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ، فَهَلْ يُحْبَطُ بِهِ عَمَلُهُ أَمْ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيُجَازَى عَلَى أَصْلِ نِيَّتِهِ؟

فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ قَدْ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَرَجَّحَا أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ الْأُولَى وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي عَمَلٍ يَرْتَبِطُ آخِرُهُ بِأَوَّلِهِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، فَأَمَّا مَا لَا ارْتِبَاطَ فِيهِ كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ وَنَشْرِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِنِيَّةِ الرِّيَاءِ الطَّارِئَةِ عَلَيْهِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ...

* فَأَمَّا إِذَا عَمِلَ الْعَمَلَ لِلَّهِ خَالِصًا، ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ لَهُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، فَفَرِحَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ." اهـ ملخصًا

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 84)

وَبِالْجُمْلَةِ، فَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ: لَيْسَ عَلَى النَّفْسِ شَيْءٌ أَشَقَّ مِنَ الْإِخْلَاصِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِيهِ نَصِيبٌ.

وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ: أَعَزُّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا الْإِخْلَاصُ، وَكَمْ أَجْتَهِدُ فِي إِسْقَاطِ الرِّيَاءِ عَنْ قَلْبِي، وَكَأَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ عَلَى لَوْنٍ آخَرَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تُبْتُ إِلَيْكَ مِنْهُ، ثُمَّ عُدْتُ فِيهِ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا جَعَلْتُهُ لَكَ عَلَى نَفْسِي، ثُمَّ لَمْ أَفِ لَكَ بِهِ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا زَعَمْتُ أَنِّي أَرَدْتُ بِهِ وَجْهَكَ، فَخَالَطَ قَلْبِي مِنْهُ مَا قَدْ عَلِمْتَ.

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (2/ 132) :

"ذِكْرُ وَصْفِ إِشْرَاكِ الْمَرْءِ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فِي عَمَلِهِ" اهـ

 

ففي سنن أبي داود (3/ 323) (رقم : 3664)، سنن ابن ماجه (1/ 92) (رقم : 252): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي رِيحَهَا." اهـ صححه الألباني

 

هذا ما تيسر جمعه، ولله الحمد والمنة، "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب". وصلى الله على نبينا الكريم وآله وصحبه وسلم أجمعين.

 

============================

 

24 - (3) [صحيح] وعن أبي هند الدارِيَّ[7] :

أنه سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول :

"من قامَ مقامَ رياءٍ وسُمعةٍ[8]؛ راءى اللهُ به يومَ القيامةِ وسَمَّعَ". رواه أحمد بإسناد جيد، والبيهقي.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه أحمد في مسنده (37/ 7) (رقم : 22322)، والدارمي في سننه (3/ 1807) (رقم : 2790)، والحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (2/ 835) (رقم : 880 و 1096)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 319) (رقم : 804)،  وفي مسند الشاميين (4/ 325) (رقم : 3449)، وابن قانع معجم الصحابة (1/ 105)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 150) (رقم : 6404)، والدولابي في الكنى والأسماء (1/ 180)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 187)، وفي معرفة الصحابة (رقم : 1269 و 7053)[9]

 

شرح الحديث وفوائده :

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 337)

وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَكِنْ قَدْ يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ عَلَى إِرَادَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَيُقَدَّرُ ذَلِك بِقدر الْحَاجة.

قَالَ بن عَبْدِ السَّلَامِ : "يُسْتَثْنَى مِنِ اسْتِحْبَابِ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ مَنْ يُظْهِرُهُ لِيُقْتَدَى بِهِ أَوْ لِيُنْتَفَعَ بِهِ كَكِتَابَةِ الْعِلْمِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ سَهْلٍ الْمَاضِي فِي الْجُمُعَةِ : "لِتَأْتَمُّوا بِي وَلْتَعْلَمُوا صَلَاتِي."

قَالَ الطَّبَرِيُّ :

"كَانَ بن عمر وبن مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَتَهَجَّدُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَيَتَظَاهَرُونَ بِمَحَاسِنِ أَعْمَالِهِمْ لِيُقْتَدَى بِهِمْ."

قَالَ : "فَمَنْ كَانَ إِمَامًا يُسْتَنُّ بِعَمَلِهِ عَالِمًا بِمَا لِلَّهِ عَلَيْهِ قَاهِرًا لِشَيْطَانِهِ اسْتَوَى مَا ظَهَرَ مِنْ عَمَلِهِ وَمَا خَفِيَ لِصِحَّةِ قَصْدِهِ، وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَالْإِخْفَاءُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عَمَلُ السَّلَفِ،

فَمِنَ الْأَوَّلِ : حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ :

سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ فَقَالَ إِنَّهُ أَوَّابٌ قَالَ فَإِذَا هُوَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ،

وَمِنَ الثَّانِي : حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْمِعْنِي وَأَسْمِعْ رَبك." أخرجه احْمَد وبن أبي خَيْثَمَة وَسَنَده حسن." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3159) :

"مَنْ أَظْهَرَ رَجُلًا بِالصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى لِيَعْتَقِدَ النَّاسُ فِيهِ اعْتِقَادًا حَسَنًا، وَيَعْزُونَهُ وَيَخْدِمُونَهُ، وَيَجْعَلَهُ حِبَالًا وَمَصْيَدَةً، كَمَا يُرَى فِي زَمَانِنَا لِيَنَالَ بِسَبَبِهِ الْمَالَ وَالْجَاهَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ بِأَنْ يَأْمُرَ مَلَائِكَتَهُ بِأَنْ يَفْعَلُوا مَعَهُ مِثْلَ فِعْلِهِ، وَيُظْهِرُوا أَنَّهُ كَذَّابٌ." اهـ

 

قطر الولي على حديث الولي = ولاية الله والطريق إليها (ص: 441) للشوكاني :

"وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَون الرِّيَاء مُبْطلًا للْعَمَل مُوجبا للإثم كَثِيرَةٌ جدا وَارِدَة فِي أَنْوَاع من الرِّيَاء : الرِّيَاء فِي الْعلم، والرياء فِي الْجِهَاد، والرياء فِي الصَّدَقَة، والرياء فِي أَعمال الْخَيْر على الْعُمُوم، ومجموعها لَا يَفِي بِهِ أيُّ مُصَنَّفٍ مُسْتَقلٍّ.

والرياء هُوَ أضرّ الْمعاصِي الْبَاطِنَة وأشرها، مَعَ كَونه لَا فَائِدَة فِيهِ إِلَّا ذهَاب أجر الْعَمَل والعقوبة على وُقُوعه فِي الطَّاعَة، فَلم يذهب بِهِ مُجَرّد الْعَمَل بل لزم صَاحبه مَعَ ذهَاب عمله الْإِثْم الْبَالِغ." اهـ

وَمن كَانَ ثَمَرَة ريائه هَذِه الثَّمَرَة، وَعجز عَن صرف نَفسه عَنهُ فَهُوَ من ضعف الْعقل، وحمق الطَّبْع بمَكَان فَوق مَكَان الْمَشْهُورين بالحماقة.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/ 200)

في فوائده:

1 - (منها): تحريم الرياء والسمعة، إذ هما يُحبطان الأعمال الصالحة.

2 - (ومنها): الحثّ على إخلاص العمل لله سبحانه وتعالي؛ لأنه الذي ينفع عامله.

3 - (ومنها): الحثّ على إخفاء العمل الصالح؛ لكونه أبعد عن الرياء

والسمعة، قال العلماء: لكن قد يستحب إظهاره ممن يقتدى به على إرادته

الاقتداء به، ويقدَّر ذلك بقدر الحاجة، قال ابن عبد السلام: يستثنى من استحباب

إخفاء العمل من يُظهره ليُقتدَى به، أو لينتفع به، ككتابة العلم، ومنه حديث

سهل - رضي الله عنه - مرفوعًا: "لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي"، قال الطبريّ: كان ابن عمر،____

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/ 201)

وابن مسعود، وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم، ويتظاهرون بمحاسن

أعمالهم ليقتدى بهم، قال: فمن كان إمامًا يُستن بعمله، عالِمًا بما لله عليه، قاهرًا

لشيطانه، استوى ما ظهر من عمله، وما خفي؛ لصحة قصده، ومن كان بخلاف

ذلك، فالإخفاء في حقه أفضل، وعلى ذلك جرى عمل السلف.

فمن الأول: حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: سمع

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يقرأ، ويرفع صوته بالذكر، فقال: "إنه أواب"، قال: فإذا هو

المقداد بن الأسود - رضي الله عنه -، أخرجه الطبريّ.

ومن الثاني: حديث الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قام رجل

يصلى، فجهر بالقراءة، فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُسْمِعني، وأسمِع ربك"، أخرجه

أحمدّ، وابن أبي خيثمة، وسنده حسن، قاله في "الفتح" (1)، والله تعالى أعلم.

 

هذا ما تيسر جمعه، ولله الحمد والمنة، "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب". وصلى الله على نبينا الكريم وآله وصحبه وسلم أجمعين.



[1] وفي التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 433) للمناوي : "(بالسناء) بِالْفَتْح والمدّ : ارْتِفَاع الْمنزلَة وَالْقدر." اهـ

[2] وفي فيض القدير (3/ 201) للمناوي : "(فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا) أي قصد بعمله الأخروي استجلاب الدنيا وجعله وسيلة إلى تحصيلها." اهـ

[3] أخرجه التيهقي شعب الإيمان (9/ 156) (رقم : 6416)، صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 116) (رقم : 1332)

[4] وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 354) (رقم : 7895)

[5] وفي دلائل النبوة للبيهقي (6/ 318)

[6] وقال أحمد بن علي أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ) _رحمه الله_ في إمتاع الأسماع (14/ 179) :

"وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يفتح اللَّه تعالى لأمّته من الفتوح بعده

قوله- تعالى-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ." اهـ

ثم ذكر المقريزي حديثنا استدلالا على أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وعد أمته بالنصر بعد مماته، ولله الحمد والمنة.

[7] وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 436) :

"بَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَيُقَالُ : بَرُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ ابْنُ عُمَيْتِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ذَرَاعِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدَّارِ أَبُو هِنْدٍ الدَّارِيُّ : أَخُو تَمِيمٍ وَالطَّيِّبِ، سَكَنَ فِلَسْطِينَ كُوَرَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ." اهـ

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1773) لابن عبد البر :

"وَهُوَ ابْن عم تميم الداري، وليس بأخيه شقيقه، ولكنه أخوه لأمه وابن عمه يجتمع معه نسبه فِي ذراع بْن عدي بْن الدار." اهـ

[8] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3159) للقاري :

"قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ : "أَيْ : مَنْ قَامَ يَنْسُبُهُ إِلَى ذَلِكَ وَيُشْهِرُهُ بِهِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَضَحَهُ اللَّهُ وَشَهَّرَهُ بِذَلِكَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَذَّبَهُ عَذَابَ الْمُرَائِينَ." اهـ

[9] سيأتي الحديث في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 118) (رقم : 27) عن عوف بن مالك الأشجعي _رضي الله عنه_.

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

فضائل عشر ذي الحجة