الحديث 18-19 من صحيح الترغيب
18
- (18) [صحيح] وعن أبي هريرة : أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال: "يقولُ اللهُ -عز وجل- : *
إِذا أراد عبْدي أنْ يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها[1]،
فإن عملها فاكتبوها بِمثلها، *
وإن تَركَهَا من أجلي، فاكتبوها له حسنةً، *
وإن أراد أن يعمَلَ حَسنةً فلم يَعمَلْها، فاكتبوها له حسنةً، *
فإن عمِلَها فاكتبوها له بعشرِ أمثالِها، إلى سبع مِئة". رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم. وفي رواية لمسلم : قال رسول الله - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من همَّ بحسنةٍ[2]،
فلم يعملها كُتِبَتْ له حسنةً، ومن هَمَّ بحسنةٍ فَعَمِلَها كُتِبَتْ له عشرُ
حسناتَ، إلى سبع مِائة ضِعفٍ، ومن هَمَّ بسيئةٍ فلم يعَملْهَا لم تُكتَبْ عليه،
وإن عَملَها كُتِبَتْ". وفي أخرى له قال: عن
محمد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال اللهُ عز وجل: إذَا تَحَدَّثَ عبْدي بأن يعملَ حسنةً،
فأنا أَكْتُبُها له حسنةً ما لم يَعْمَلَها، فإذا عَمِلَها فإني أكتُبُها له
بعشرِ أمثالها، وإذا تحدَّثَ عبدي بأن يعملَ سيئةً، فأنا أغفرُها له ما لم
يعملْها، فإذا عملها، فأنا أكتبها له بِمثلها، وإنْ تَرَكها فاكتبوها له حسنةً،
إنما تَرَكهَا من جَرّاي". قوله
: (من جرّاي) بفتح الجيم وتشديد الراء، أي: من أجلي. |
تخريج الحديث :
الرواية الأولى : أخرجها البخاري في صحيحه (9/ 144)
(رقم : 7501)، ومسلم في صحيحه (1/ 117) (رقم : 128)، والترمذي سننه (5/ 265) (رقم
: 3073)
الرواية الثانية : أخرجها مسلم في صحيحه (1/ 118)
(رقم : 130)
الرواية الثالثة : أخرجها مسلم في صحيحه (1/ 117)
(رقم : 129)، وأبو عوانة في المستخرج (1/ 81) (رقم : 240)، وأحمد في مسنده (13/
501) (رقم : 8166)، وابن حبان في صحيحه (2/ 103) (رقم : 379)، والبيهقي في شعب
الإيمان (9/ 269) (رقم : 6644)
من فوائد الحديث :
فتح الباري لابن حجر (11/ 325)
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ يَطَّلِعُ
عَلَى مَا فِي قَلْبِ الْآدَمِيِّ إِمَّا بِإِطْلَاعِ اللَّهِ إِيَّاهُ أَوْ بِأَنْ يَخْلُقَ لَهُ عِلْمًا يُدْرِكُ بِهِ ذَلِكَ[3]،
وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ :
مَا أَخْرَجَهُ ابن أَبِي الدُّنْيَا : عَنْ أَبِي
عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ :
«قَالَ يُنَادَى الْمَلَكُ : (اكْتُبْ لِفُلَانٍ
كَذَا وَكَذَا)، فَيَقُولُ : "يَا رَبِّ، إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ، فَيَقُولُ
: (إِنَّهُ نَوَاهُ)، وَقِيلَ : بَلْ يَجِدُ الْمَلَكُ لِلْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ
رَائِحَةً خَبِيثَةً وَبِالْحَسَنَةِ رَائِحَةً طَيِّبَةً»[4]
وَأَخْرَجَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي
مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
وَرَأَيْتُ فِي شَرْحِ مُغْلَطَايْ أَنَّهُ وَرَدَ مَرْفُوعًا." اهـ
مجموع الفتاوى (4/ 253_254) لابن تيمية :
"مجموع الفتاوى (4/ 253_254) لابن تيمية
:
سُئِلَ :
عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{إذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِالْحَسَنَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً}
الْحَدِيثَ. فَإِذَا كَانَ الْهَمُّ سِرًّا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ
فَكَيْفَ تَطَّلِعُ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِ؟ .
فَأَجَابَ : قَدْ
رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ :
{إنَّهُ إذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ شَمَّ الْمَلَكُ رَائِحَةً طَيِّبَةً وَإِذَا هَمَّ
بِسَيِّئَةٍ شَمَّ رَائِحَةً خَبِيثَةً} .
وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ
يُعْلِمَ الْمَلَائِكَةَ بِمَا فِي نَفْسِ الْعَبْدِ كَيْفَ شَاءَ كَمَا هُوَ
قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَطَّلِعَ بَعْضُ الْبَشَرِ عَلَى مَا فِي الْإِنْسَانِ.
فَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْبَشَرِ قَدْ يَجْعَلُ
اللَّهُ لَهُ مِنْ الْكَشْفِ مَا يَعْلَمُ بِهِ أَحْيَانًا مَا فِي قَلْبِ
الْإِنْسَانِ: فَالْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِالْعَبْدِ أَوْلَى بِأَنْ يُعَرِّفَهُ
اللَّهُ ذَلِكَ.
وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَنَحْنُ
أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ:
وَاَللَّهُ قَدْ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ تُلْقِي فِي نَفْسِ الْعَبْدِ الْخَوَاطِرَ
كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً
وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً فَلَمَّةُ الْمَلَكِ تَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ وَوَعْدٌ___بِالْخَيْرِ
وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ تَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ ".[5]
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ
قَالَ: {مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ
الْمَلَائِكَةِ وَقَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَنَا إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلَا
يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرِ} . فَالسَّيِّئَةُ الَّتِي يَهُمُّ بِهَا الْعَبْدُ
إذَا كَانَتْ مِنْ إلْقَاءِ الشَّيْطَانِ: عَلِمَ بِهَا الشَّيْطَانُ. وَالْحَسَنَةُ
الَّتِي يَهُمُّ بِهَا الْعَبْدُ إذَا كَانَتْ مِنْ إلْقَاءِ الْمَلَكِ: عَلِمَ
بِهَا الْمَلَكُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِذَا عَلِمَ بِهَا هَذَا
الْمَلَكُ: أَمْكَنَ عِلْمُ الْمَلَائِكَةِ الْحَفَظَةِ لِأَعْمَالِ بَنِي آدَمَ."
اهـ
فتح الباري لابن حجر (11/ 325) :
"قَالَ الطُّوفِيُّ : إِنَّمَا كُتِبَتِ
الْحَسَنَةُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْخَيْرِ سَبَبٌ إِلَى
الْعَمَلِ وَإِرَادَةَ الْخَيْرِ خَيْرٌ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْخَيْرِ مِنْ عَمَلِ
الْقَلْبِ." اهـ
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن
الحجاج (3/ 577) للإثيوبي _رحمه الله_ :
"في فوائده :
1 - (منها): بيان كرم الله _سبحانه وتعالى_
على عباده، وذلك بأنه يعفو عنهم ما همّوا به من السيّئات، فلا يُكتب شيءٌ منها.
فإن تجرّؤوا على عملها، عفا عنهم أيضًا عن مضاعفة العقاب عليهم، فلا يُجازيهم. إن
جازاهم إلا على سيئة واحدة.
2 - (ومنها): بيان فضل الله سبحانه وتعالى
على عباده أيضًا، حيث يكتب لهم ما___همّوا به من الحسنات، وإن لم يعملوها، فإن
وفّقهم لعملها، فعملوها، فإنه يتفضّل عليهم بمضاعفتها إلى عشر أمثالها، ثم إلى
أضعاف كثيرة، كما قال عز وجل: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
3 - (ومنها): إثبات أن الملائكة يعلمون ما
يُضمره العبد من الحسنات والسيّئات، وينويه، فلذلك قال في الرواية الآتية:
"قالت الملائكة : ربّ ذاك عبد يُريد أن يعمل سيّئة ... " الحديث[6]،
فقد أخبروا ربهم بما علموه من نيّة العبد السيّئة.
4 - (ومنها): إثبات أنهم يكتبون أعمال العباد
كلها، عملوها، أو لم يعملوها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو
حسبنا ونعم الوكيل." اهـ
الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 248)
إن فضل الله سبحانه وتعالى لما كان فائقًا مقدار
أماني الخلق بلغ من ذلك إلى أن بدل السيئة حسنة، إذا عملت السيئة فتاب عاملها منها
انقلبت بعينها حسنة.
ثم إن ذلك سرى إلى أنه متى هم الإنسان بسيئة فلم
تتم هذه الهمة؛ بل تركها بأن هم به، أجرى الله سبحانه ذلك له في ديوان فضله، فإنما
مقام الفعل الحسن، فكتب ذلك حسنة." اهـ
اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (17/ 456) شمس
الدين البِرْماوي (ت 831 هـ) :
"القصد إلى الحسنةِ حسنةٌ، وهو عملٌ من
الأعمال القلبية." اهـ
الأدب النبوي (ص: 194) لمحمد عبد العزيز بن علي
الشاذلي الخَوْلي (المتوفى: 1349هـ) :
"لم يجعل في الهم بالسيئة عقابا إذا لم
يقترن بعملها. وجعل في تركها خشية الله ثوابا. إذ جاهد باعث الشر حتى غلبه. {وَأَمَّا
مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ
الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} [النازعات: 40، 41]." اهـ
معارج القبول بشرح سلم الوصول (1/ 247) لحافظ بن
أحمد بن علي الحكمي (المتوفى : 1377هـ) :
"وَمِمَّا أَثْبَتَهُ رَبُّنَا عَزَّ
وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تَكْلِيمُهُ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ بِدُونِ
وَاسِطَةِ رَسُولٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بَلْ أَسْمَعَهُ كَلَامَهُ الَّذِي هُوَ
صِفَتُهُ اللَّائِقَةُ بِذَاتِهِ كَمَا شَاءَ وَعَلَى مَا أَرَادَ." اهـ
قلت : ثبت ذلك في صحيح مسلم (1/ 117) (رقم : 129) :
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
"قَالَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : (إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً،
فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا
أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً،
فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا
أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا)،
وَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَتِ
الْملَائِكَةُ: (رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً)،
وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ، فَقَالَ :
(ارْقُبُوهُ،
فَإِنْ عَمِلَهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا،
فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ)،
وَقَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : «إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ
يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ
سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللهَ»
معارج القبول بشرح سلم الوصول (2/ 662) :
"وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِحِفْظِ
عَمَلِ الْعَبْدِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ, وَهُمُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ,
وَهَؤُلَاءِ يَشْمَلُهُمْ مَعَ مَا قَبْلَهُمْ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الْأَنْعَامِ: 61] وَقَالَ تَعَالَى فِيهِمْ:
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا
لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزُّخْرُفِ: 80] وَقَالَ تَعَالَى: {إِذْ يَتَلَقَّى
الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ
قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17, 18] فَالَّذِي عَنِ الْيَمِينِ
يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ, وَالَّذِي عَنِ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الِانْفِطَارِ: 10] ." اهـ
متن الطحاوية بتعليق الألباني (ص: 71) (رقم : 78) لأبي
جعفر الطحاوي :
"وَنُؤْمِنُ بِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ،
فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُمْ علينا حافظين." اهـ
شرح العقيدة الطحاوية للراجحي (ص 292) :
"هذا من عقيدة أهل السنة والجماعة،
الإيمان بالكرام الكاتبين؛ فإن الله جعلهم علينا حافظين، والمراد بالكرام الكاتبين
الملائكة الذين كلفهم الله بكتابة أفعال العباد وأقوالهم من خير وشر[7]،
وعددهم أربع : اثنان بالنهار واثنان بالليل، واحد
عن اليمين يكتب الحسنات، والآخر عن الشمال يكتب السيئات، وكاتب الحسنات أمير على
كاتب السيئات، فإذا عمل الشخص حسنة كتبها، وإن عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب
الشمال: دعه لعله يستغفر ربه، أو يتوب." اهـ
وسبق بنا شرحه وفوائده في الحديث (رقم : 17)
هذا ما تيسر جمعه، ولله الحمد والمنة، "إن
أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
وصلى الله على نبينا الكريم وآله وصحبه وسلم أجمعين.
============================
19
- (19) [صحيح] وعن مَعن بن يزيد رضي الله عنهما قال: كان
أبي يزيدُ أخرجَ دنانير يَتَصَّدقُ بها، فوضَعها عندَ رجلٍ في المسجد، فجئتُ
فأخذتُها فأتيتُه بها، فقال: واللهِ ما إيَّاك أردتُ، فخاصمتُه إِلى رسولِ اللهِ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لَكَ ما نويتَ يا يَزيدُ! ولك ما أخذت يا مَعْنُ! ". رواه البخاري. |
تخريج الحديث :
أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 111) (رقم :
1422)، والدارمي في سننه (2/ 1020) (رقم : 1678)، والطبراني في المعجم الكبير (19/
441) (رقم : 1070)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 53) (رقم : 13253)، وابن زنجويه
في الأموال (3/ 1213) (رقم : 2296)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 423) (رقم :
4533)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2785) (رقم : 6610)
من فوائد الحديث :
· فتح الباري لابن رجب (3/ 156)
ويتصل بهذا: التصدق في المسجد على
السائل، وهو جائز، وقد كان الإمام أحمد يفعله، ونص على جوازه، وإن كان السؤال في
المسجد مكروها.
· فتح الباري لابن حجر (3/ 292)
"أَمْضَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِطْلَاقَ لِأَنَّهُ فَوَّضَ لِلْوَكِيلِ بِلَفْظٍ
مُطْلَقٍ فَنَفَّذَ فِعْلَهُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْعَمَلِ
بِالْمُطْلَقَاتِ عَلَى إِطْلَاقِهَا وَإِنِ احْتَمَلَ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَوْ
خَطَرَ بِبَالِهِ فَرْدٌ مِنَ الْأَفْرَادِ لَقَيَّدَ اللَّفْظَ بِهِ وَاللَّهَ
أَعْلَمُ."
· فتح الباري لابن حجر (3/ 292)
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ
الصَّدَقَةِ إِلَى كُلِّ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ
نَفَقَتُهُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ
يَكُونَ مَعْنٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا لَا يَلْزَمُ أَبَاهُ يَزِيدَ نَفَقَتُهُ
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ
الزَّكَاةِ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ بَابًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
وَفِيهِ : جَوَازُ الِافْتِخَارِ
بِالْمَوَاهِبِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالتَّحَدُّثِ بِنِعَمِ اللَّهِ،
وَفِيهِ : جَوَازُ التَّحَاكُمِ بَيْنَ
الْأَبِ وَالِابْنِ وَأَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ عُقُوقًا وَجَوَازُ
الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّدَقَةِ وَلَا سِيَّمَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ
فِيهِ نَوْعُ إِسْرَارٍ.
وَفِيهِ : أَنَّ لِلمتَّصَدُّقِ أَجْرَ
مَا نَوَاه سَوَاء صَادف الْمُسْتَحق _أَولاً_ وَأَنَّ الْأَبَ لَا رُجُوعَ لَهُ
فِي الصَّدَقَةِ على وَلَده بِخِلَاف الْهِبَة وَالله أعلم." اهـ
· عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 288_289) للعيني :
"(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ)
* فِيهِ
دَلِيل على الْعَمَل بالمطلقات على إِطْلَاقهَا لِأَن يزِيد فوض إِلَى الرجل
بِلَفْظ مُطلق فنفذ فعله،
* وَفِيه
جَوَاز التحاكم بَين الْأَب وَالِابْن وخصومته مَعَه وَلَا يكون هَذَا عقوقا إِذا
كَانَ ذَلِك فِي حق،[8]
على أَن مَالِكًا _رَحمَه الله_ كره
ذَلِك وَلم يَجعله من بَاب الْبر واختياري هَذَا
* وَفِيه
أَن مَا خرج إِلَى الابْن من مَال الْأَب على وَجه الصَّدَقَة أَو الصِّلَة أَو
الْهِبَة لَا رُجُوع للْأَب فِيهِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة _رَحمَه الله
تَعَالَى_.[9]
* وَاتفقَ
الْعلمَاء على أَن الصَّدَقَة الْوَاجِبَة لَا تسْقط عَن الْوَالِد إِذا أَخذهَا
وَلَده حاشا التَّطَوُّع،[10]
قَالَ ابْن بطال : "وَعَلِيهِ حمل
حَدِيث معن،"
وَعند الشَّافِعِي _رَحمَه الله
تَعَالَى_ يجوز أَن يَأْخُذهَا لولد بِشَرْط أَن يكون غارما أَو غازيا،
فَيُحمل حَدِيث معن على أَنه كَانَ
متلبسا بِأحد هذَيْن النَّوْعَيْنِ،
قَالُوا : وَإِذا كَانَ الْوَلَد أَو
الْوَالِد فَقِيرا أَو مِسْكينا."
وَقُلْنَا فِي بعض الْأَحْوَال لَا تجب
نَفَقَته، فَيجوز لوالده أَو لوَلَده دفع الزَّكَاة إِلَيْهِ من سهم الْفُقَرَاء
وَالْمَسَاكِين بِلَا خلاف عِنْد الشَّافِعِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ
كَالْأَجْنَبِيِّ.
وَقَالَ ابْن التِّين : يجوز دفع
الصَّدَقَة الْوَاجِبَة إِلَى الْوَلَد بِشَرْطَيْنِ :
أَحدهمَا
: أَن يتَوَلَّى غَيره من صرفهَا إِلَيْهِ،
وَالثَّانِي
: أَن لَا يكون فِي عِيَاله فَإِن كَانَ فِي عِيَاله وَقصد إعطاءه،
فروى مطرف___عَن مَالك :
"لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يفعل
ذَلِك فَإِن فعله، فقد أَسَاءَ وَلَا يضمن إِن لم يقطع عَن نَفسه إِنْفَاقه
عَلَيْهِم."
قَالَ ابْن حبيب : "فَإِن قطع
الْإِنْفَاق عَن نَفسه بذلك لم يجزه.
وَاخْتلفُوا فِي دفع الزَّكَاة إِلَى
سَائِر الْأَقَارِب المحتاجين
الَّذين لَا يلْزمه نَفَقَتهم :
* فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس _رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ_ : أَنه يجْزِيه، وَهُوَ قَول عَطاء وَالقَاسِم وَأحمد،[11]
وَقَالُوا : "هِيَ لَهُم صَدَقَة
وصلَة."
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ _رَحمَه
الله تَعَالَى_ وَطَاوُس :
"لَا يُعْطي قرَابَته من
الزَّكَاة." وَهُوَ قَول أَشهب
وَذكر ابْن الْمَوَّاز عَن مَالك _رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ_ : أَنه كره أَن يخص قرَابَته بِزَكَاتِهِ وَإِن لم تلْزمهُ
نفقاتهم.
وَمِمَّنْ قَالَ بِإِعْطَاء
الْأَقَارِب مَا لم يَكُونُوا فِي عِيَاله : ابْن عَبَّاس وَابْن الْمسيب وَعَطَاء
وَالضَّحَّاك وَطَاوُس وَمُجاهد، حَكَاهُ ابْن أبي
شيبَة فِي المُصَنّف عَنْهُم، وَفِي مُسْند الدَّارمِيّ من حَدِيث حَكِيم
مَرْفُوعا :
"أفضل الصَّدَقَة على ذِي الرَّحِم
الْكَاشِح".
وَفِيه
: جَوَاز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله تَعَالَى،
وَفِيه
: جَوَاز الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّدَقَة لَا سِيمَا فِي التَّطَوُّع لِأَن فِيهِ
نوع أسرار.
وَفِيه
: أَن للمتصدق جَزَاء مَا نَوَاه سَوَاء صَادف الْمُسْتَحق أَو لَا." اهـ
· شرح رياض الصالحين (1/ 39) للعثيمين :
فقوله عليه الصلاة والسلام: ((لك يا
يزيد ما نويت)) يدل على أن الأعمال بالنيات، وأن الإنسان إذا نوي الخير حصل له،
وإن كان يزيد لم ينو أن يأخذ هذه الدراهم ابنه، لكنه أخذها؛ وابنه من
المستحقين؛___فصارت له، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم:
((لك يا معن ما أخذت))." اهـ
· شرح رياض الصالحين (1/ 40) للعثيمين :
فهذا الحديث له فوائد كثيرة وفروع منشرة
في أبواب زوجته.
* ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز
للإنسان أن يتصدق على ابنه، والدليل على هذا أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر
بالصدقة وحث عليها، فأرادت زينب___
زوجة عبد الله بن مسعود _رضي الله عنها_
أن تتصدق بشيء من مالها، فقال لها زوجها أنا وولدك أحق من تصدقت عليه - لأنه كان
فقيراً- رضي الله عنه - فقالت: لا حتى اسال النبي صلي الله عليه وسلم فقال: ((صدق
ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم))
* ومن فوائد الحديث: أنه يجوز أن يعطي
الإنسان ولده من الزكاة، بشرط أن لا يكون في ذلك إسقاط لواجب عليه.
· منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 22) // حمزة محمد قاسم المغربي
_رحمه الله_ :
"فقه الحديث: دل الحديث على ما
يأتي:
أولاً :
أن من أخطأ هو أو وكيله في الزكاة، فأعطاها لمن تحرم عليه من ولد أو غيره دون قصد،
ثم تبين له خطؤه أجزأته، وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد لما في حديث الباب، حيث إن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أمضى زكاة يزيد حين وصلت إلى ولده خطأً، ولم يطالبه
بأخرى، وقال مالك والشافعي: لا تجزئه، وهو مذهب أحمد في____رواية.
ثانياً :
أنها لا تجوز الزكاة على الولد إذا كان يعوله، وكذلك كل من ينفق عليه. الحديث:
أخرجه البخاري. والمطابقة: كما قال العيني: من حيث إن يزيد أعطى دنانير ليتصدق
عنه، فجاء ابنه فأخذها من الرجل فكأنه تصدق عليه وهو لا يشعر." اهـ
· تطريز رياض الصالحين (ص: 13) لفيصل بن عبد العزيز آل مبارك الحريملي :
"في هذا الحديث : دليل على أن من
نوى الصدقة على محتاج، حصل له ثوابها، ولو كان الآخذ ممن تلزمه نفقته، أو غير أهل
لها، كما في قصة الذي تصدَّق على ثلاثة." اهـ
صحيح البخاري (2/ 110) (رقم : 1421) : عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"قَالَ رَجُلٌ : لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ،
فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى
سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ،
لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ،
فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا
يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ
الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟
لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ،
فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا
يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ،
عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ،
فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ
يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا
أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ
يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ " خ م
حكم
الرجوع في الهبة
سنن
الترمذي ت شاكر (4/ 442) (رقم : 2132) : عَنْ
ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، يَرْفَعَانِ الحَدِيثَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ
لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلَّا الوَالِدَ
فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي العَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ
فِيهَا كَمَثَلِ الكَلْبِ أَكَلَ حَتَّى إِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي
قَيْئِهِ»: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحِلُّ
لِمَنْ وَهَبَ هِبَةً أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الوَالِدَ فَلَهُ أَنْ
يَرْجِعَ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الحَدِيثِ
صحيح
البخاري (3/ 157) (رقم : 2586) : عَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا
غُلاَمًا، فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ»، قَالَ: لاَ، قَالَ :
«فَارْجِعْهُ» [خ م] |
هذا ما تيسر جمعه، ولله الحمد والمنة، "إن
أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".
وصلى الله على نبينا الكريم وآله وصحبه وسلم أجمعين.
[1] قال الشيخ الإثيوبي _رحمه الله_ في البحر المحيط
الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (3/ 577) :
"قد سبق أن الراجح أن العزم على فعل المعصية، والتصميم عليه
يُكتب إثمًا، وأما الهمّ الذي ذكر في هذا الحديث، فهو حديث النفس الذي لا يستقرّ،
فإنه مغفور، فراجع ما سبق، تستفد علمًا، والله تعالى أعلم." اهـ
وفي
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 212) :
"ذَلِك فِيمَا إِذا لم يوطن نَفسه عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا مر
ذَلِك بفكره من غير اسْتِقْرَار، وَيُسمى هَذَا هما وَيفرق بَين الْهم والعزم،
وَإِن عزم تكْتب سَيِّئَة، فَإِذا عَملهَا كتبت مَعْصِيّة ثَانِيَة." اهـ
[2] وفي منهاج السنة النبوية (2/ 411_412) : "وَالْهَمُّ
- كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – هَمَّانِ : هَمُّ
خَطِرَاتٍ، وَهَمُّ إِصْرَارٍ...فَيُوسُفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
لَمَّا هَمَّ تَرَكَ هَمَّهُ لِلَّهِ، فَكَتَبَ اللَّهُ بِهِ حَسَنَةً كَامِلَةً
وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً قَطُّ، بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ
فَإِنَّهَا هَمَّتْ وَقَالَتْ وَفَعَلَتْ، فَرَاوَدَتْهُ بِفِعْلِهَا وَكَذَبَتْ
عَلَيْهِ عِنْدَ سَيِّدِهَا وَاسْتَعَانَتْ بِالنِّسْوَةِ، وَحَبَسَتْهُ لَمَّا
اعْتَصَمَ وَامْتَنَعَ عَنِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الذَّنْبِ" اهـ
[3] وفي الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (3/ 268) للأُرَمِيِّ
:
"وفي هذا الحديث : دليل على أن الحفظة تكتب أعمال القلوب،
خلافًا لمن قال إنها لا تكتب إلا الأعمال الظاهرة." اهـ
وفي
صحيح مسلم (1/ 117) (رقم : 129) : عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
"قَالَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : (إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً،
فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا
أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً،
فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا
أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا)،
وَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَتِ
الْملَائِكَةُ: (رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً)،
وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ، فَقَالَ :
(ارْقُبُوهُ،
فَإِنْ عَمِلَهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا،
فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ)،
وَقَالَ
رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ
إِسْلَامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى
سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا
حَتَّى يَلْقَى اللهَ»
[4] قيل : أنه أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الإصلاص،
لكن ما وقفنا عليه فيه ولا في غيرها من كتب ابن أبي الدنيا، إلا أنه أخرجه أحمد بن
مروان الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (8/ 268) (رقم : 3535)، ففيه
: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، نا هَارُونُ، نا سَيَّارٌ، نا
جَعْفَرٌ، نا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ؛ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمَلائِكَةَ
تَصُفُّ بكتبها فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ عَشِيَّةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ،
فَيُنَادِي الْمَلَكَ: أَلْقِ تِلْكَ الصَّحِيفَةَ، وَيُنَادِي الْمَلَكَ: أَلْقِ
تِلْكَ الصَّحِيفَةَ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا! قَالُوا خَيْرًا، وَحَفِظْنَا
عَلَيْهِمْ. فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهِ وَجْهِي، وَإِنِّي لا
أَقْبَلُ إِلا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهِي. وَيُنَادِي الْمَلَكَ
الآخَرَ: اكْتُبْ لِفُلانٍ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! إِنَّهُ لَمْ
يَعْمَلْهُ، يَا رَبِّ! إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ. قَالَ: فَيَقُولُ:
إِنَّهُ نَوَاهُ، إِنَّهُ نَوَاهُ.
وأخرجه
أبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (2/ 313) بإسناده عن هارون
مقرونا بعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، والأثر حسن الإسناد، لكن يظهر أنه من الإسائيليات.
وقال
أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد
الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ) في تخريج أحاديث الإحياء
= المغني عن حمل الأسفار (ص: 1731) : "أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أنس
بِإِسْنَاد حسن." اهـ
[5] أخرجه الترمذي في سننه (5/ 219_220) (رقم : 2988)،
والنسائي في السنن الكبرى (10/ 37) (رقم : 10985) : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا
لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا
لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ،فَمَنْ وَجَدَ
ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ
الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، ثُمَّ قَرَأَ
: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]
الآيَةَ»
ضعفه
الألباني قديما، ثم تراجع عنه، فصححه في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان"
(2/ 314) (رقم : 993)
وفي
قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 749) للسيوطي :
"«إنَّ للشَّيطانِ لمَّةَّ بَابنِ آدمَ، وللملَكِ لَمَّةً»،
قال في النِّهاية : " اللَّمة الهمَّة، والخطرة تقع في القلب، أراد إلمام
الملك أو الشيطان به، والقُرْب منه، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان
من خطرات الشَّرِّ فهو من الشَّيطان". اهـ
[6] أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 117) (رقم : 129)
[7] وفي قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي
زيد القيرواني (ص: 151) لشيخنا عبد المحسن العباد _حفزه الله_ : "والكَتَبَةُ
يكتبون أقوالَ العباد وأفعالَهم، بل ويكتبون الهمَّ بالحسنة والسيِّئة." اهـ
[8] قال ابن بطال _رحمه الله_ في شرح صحيح البخارى (3/ 424) :
"قال
المهلب : "وفيه أن للابن أن يخاصم أباه، وليس بعقوق إذا كان ذلك فى حق، على
أن مالكًا قد كره ذلك، ولم يجعله من باب البر."
[9] قال ابن بطال _رحمه الله_ في شرح صحيح البخارى (3/ 424_425)
"وفيه:
أن ما خرج إلى الابن من مال الأب على وجه الصدقة، أو الصلة أو الهبة لله، وحازه
الابن أنه لا رجوع للأب فيه، بخلاف الهبة التى للأب أن يعتصرها ولم يكن له أن
يقبض___الصدقة وكل هبة وصدقة وعطية لله تعالى، فليس له أن يقبضها لقوله (صلى الله
عليه وسلم) : (العائد فى صدقته كالكلب يعود فى قيئه) . وسيأتى حكم الرجوع فى
الهبات، ثم الاختلاف فى ذلك فى كتاب الهبة، إن شاء الله." اهـ
[10] قال ابن
بطال _رحمه الله_ في شرح صحيح البخارى (3/ 423) :
"
* اتفق العلماء على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الابن، ولا إلى الأب، إذا كانا ممن
تلزم المزكى نفقتهما لأنها وقاية لماله،
*
ولم يختلفوا أنه يجوز له أن يعطيهما ما شاء من صدقة تطوع أو غيرها. والمراد بهذا
الحديث عندهم صدقة التطوع." اهـ
[11] قال ابن رجب _رحمه الله_ في جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/
87) :
"وَمِمَّا
يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّ «رَجُلًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ وَضَعَ صَدَقَتَهُ عِنْدَ رَجُلٍ، فَجَاءَ
ابْنُ صَاحِبِ الصَّدَقَةِ، فَأَخَذَهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ
أَبُوهُ، فَخَاصَمَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلْمُتَصَدِّقِ: لَكَ مَا نَوَيْتَ، وَقَالَ لِلْآخِذِ: لَكَ مَا
أَخَذْتَ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ
أَخَذَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَعَمِلَ بِهِ فِي الْمَنْصُوصِ
عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ
إِنَّمَا يَمْنَعُ مَنْ دَفَعَ الصَّدَقَةَ إِلَى وَلَدِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ
مُحَابَاةً، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى وَلَدِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، كَانَتِ
الْمُحَابَاةُ مُنْتَفِيَةً، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِ الصَّدَقَةِ فِي
نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إِلَى مَنْ يَظُنُّهُ
فَقِيرًا، وَكَانَ غَنِيًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ،
لِأَنَّهُ إِنَّمَا دَفَعَ إِلَى مَنْ يَعْتَقِدُ اسْتِحْقَاقَهُ، وَالْفَقْرُ
أَمْرٌ خَفِيٌّ، لَا يَكَادُ يَطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ." اهـ
Komentar
Posting Komentar